سامى لبيب - مفكر يساري وباحث في الشأن الديني – فى حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول حضور الفكر الدينى كسبب للتخلف ومقوض لتطور المجتمعات العربية وكأداة للسيطرة الإستعمارية .


سامى لبيب
الحوار المتمدن - العدد: 4402 - 2014 / 3 / 23 - 14:00
المحور: مقابلات و حوارات     

من اجل تنشيط الحوارات الفكرية والثقافية والسياسية بين الكتاب والكاتبات والشخصيات السياسية والاجتماعية والثقافية الأخرى من جهة, وبين قراء وقارئات موقع الحوار المتمدن على الانترنت من جهة أخرى, ومن أجل تعزيز التفاعل الايجابي والحوار اليساري والعلماني والديمقراطي الموضوعي والحضاري البناء, تقوم مؤسسة الحوار المتمدن بأجراء حوارات مفتوحة حول المواضيع الحساسة والمهمة المتعلقة بتطوير مجتمعاتنا وتحديثها وترسيخ ثقافة حقوق الإنسان وحقوق المرأة والعدالة الاجتماعية والتقدم والسلام.
حوارنا -126 - سيكون مع الأستاذ سامى لبيب - مفكر يساري وباحث في الشأن الديني – حول حضور الفكر الدينى كسبب للتخلف ومقوض لتطور المجتمعات العربية وكأداة للسيطرة الإستعمارية.


نخطئ كثيراً عندما نُعزى تخلف وتردى حال الشعوب العربية إلى غياب الحريات والديمقراطية وتسلط أنظمة حكم إستبدادية أو غياب التخطيط والإدارة فكل هذه الأمور تمظهرات لحالة التخلف العربية وليست السبب الحقيقى المُنتج لها , فسبب التخلف والتردى يعود إلى تغلغل ثقافة دينية فى النسيج الفكرى للمواطن العربى , فالتخلف هو تخلف ثقافة أى أنماط ونهج تفكير وطرق معالجات ذهنية وسلوكيات ومن هنا يتأسس كل العوار والخلل فلا أمل فى أى تقدم وتطور بدون مواجهة حقيقية للموروث الثقافى الذى يؤصل التخلف فى منهجية حياتنا , فإغفال فعل الثقافة الدينية فى التأثير
وإهماله كتناقض رئيسى جدير بالمواجهة هو من الأسباب المساهمة أيضاً فى حالة التردى ليتم تشويش البوصلة بتصعيد التناقضات والقضايا الثانوية الإجتماعية والسياسية كقضايا رئيسية بديلة , بمعنى أننا نهمل ملعب الصراع الرئيسى إما جهلاً أو خوفاً وهى فى الغالب جهلاً ولدى المثقفين خوفاً.
حضور الثقافة الدينية فى المجتمع كمنهج تفكير وسلوك و طرق معالجة تجتر من الماضى مفرداته ونهجه وأيدلوجيته سيصيب أى حراك فى الواقع بالشلل والجمود من إجتراره نمط تفكيره من شرنقة الماضى ليصير حضور الفكر الدينى بمثابة المُنتج الوحيد المتفرد للتخلف وكل أزمات المجتمع , لذا نؤكد إن أى محاولة للإصلاح السياسى والإقتصادى والإجتماعى ستذهب أدراج الرياح وتكون بمثابة حرث فى الماء طالما أغفلنا شفرة تخلف المجتمع وجموده المتمثل فى تصاعد الثقافة الدينية وهيمنتها على منظومة التفكير والسلوكيات للبشر .

قد يتصور البعض إننا نضخم حضور الفكر الدينى لنعتبره التناقض الرئيسى الذى يواجه تطور شعوبنا ولكن كيف نُقيم فكر يُبرمج ويُقولب عقول على نهج معين فى التفكير والأداء ليتشكل عقل مداخله ومخارجه مقولبة , فأسلوب التلقين المعرفى والرهاب الفكرى من السؤال والنقد ستخلق بالضرورة عقلية نمطية منبطحة تهرب من السؤال الذى يُسئ ويُجلب المتاعب ليتم قبول الأشياء على علاتها بدون مواجهة وبحث وتحليل حر فهناك بطش لمن يخوض فى المقدس وطالما إرتضى العقل الدينى بإبتلاع الخرافات والغيبيات دون أن يتوقف ليمرر تلك الجبال متعاطياً بمنهجية الإنبطاح والتمرير
فسيكون هكذا أسلوبه ونهجه فى الحياة فمن السهولة بمكان قتل أى سؤال ناقد وباحث فلا داعى للدخول فى دوائر القلق فالتسليم بها أفضل لذا تجد أن تعاطينا مع العلم المادى بنفس تعاطينا مع النص المقدس أى التلقين وأخذه كما هو , فهل نتوقع بعدها أى فكر إبداعى من عقلية تقولبت وأدركت كيف تمرر وتسلم درءاً للمشاكل وهل يحق لنا أن نندهش بعدها أننا شعوب لا تُنتج ولا تُبدع فليس هذا نتاج قصور فى الموارد المادية بقدر أن العقول سارت على نهج الجمود والقولبة والتسطيح التى تربت عليه .

عندما يتم تصعيد الفكر الغيبى الخرافى ليمنهج تفكير إنسان يعيش فعاليات القرن الواحد والعشرين بكل إنجازاته المعرفية والعلمية فتكون مفاهيم الخرافة هى صاحبة البناء الذهنى والكلمة الأولى فيستحيل فى هكذا مناخ يفتقد للمنهج العلمى يعشش فيه الخرافة أن نحظى على وضعية غير التخلف فمهما توهمنا إننا نستحضر تكنولوجيا الغرب ونستعملها فهذا كفيل أن نساير الحياة والعصر فالأمور لا تزيد عن الإستهلاك ولا أمل فى تطور وتحضر مع عقلية تعيش خرافاتها وأوهامها .. هناك فرق هائل فى التفكير بين منهج علمى جدلى ومنهج ميتافزيقى .

لا تكتفى الأمور بالتسليم بالفكر الميتافزيقى بل بعقلية تجمدت لا تستطيع أن تخرج من حالة الفطام لتعبد النص والحرف والكلمة بلا أى قدرة على التمييز والإدراك بالعلاقة الجدلية بين النص والتاريخ , فالنص جاء فى زمانه ومن الخطأ إسقاطه على الواقع فهذا يعنى عدم الإعتناء بحراك المجتمع لذا يحل الجمود والتخلف ويجد له مكاناً فلا وعى ولا إدراك بتاريخية النص بالرغم أن كل حرف فيه يصرخ ببشريته وتاريخيته .

عندما نعيش الواقع بمفردات وشرائع وسلوكيات إنسان قديم هكذا كانت معارفه وسلوكياته وحال تطوره فهذا يعنى إننا نستحضر نمط تفكير وسلوكيات زمن قديم بكل مناخه الفكرى فكيف لنا أن نطلب التطور والتحضر بينما ثقافة البداوة والعبودية مازالت حاضرة فى ثنايا ثقافتنا تفرض روحها ونهجها لتصيغ نفسها بأشكال أخرى طبقية , فهناك إنسلاخ حقيقى عن الواقع ومتطلباته وحالة تماهى فى الموروث القديم ترضع منه مواقف ورؤى لا تدرك مدى جمودها وتحجرها والغريب فى ظل هذا التردى تجد ثقافة الرضا والتبجح والغطرسة فنحن المحافظون على الأصالة والتقاليد والأخلاق .

نعزى إنعدام الحريات والديمقراطية إلى هيمنة أنظمة الحكم وإستبدادها وهذا غير دقيق ,فالإستبداد والوصاية منهجية سلوك وتفكير تتواجد فى داخل المواطن العربى كمنهج تعاطى وسلوك يمارسه على من تطوله يداه , فلا إحترام لحرية الآخر فى الفكر والإعتقاد والتعبير وذلك نتاج ثقافة دينية ذات فكر أحادى إقصائى تعسفى يقف ضد أى فكرة مغايرة موقف المترصد المتحفز المتصادم , ليحضرنى حلقة نقاشية دارت بإحدى المحطات الفضائية العربية ضمت الأستاذ المحترم جمال البنا وشيخ سلفى أعتذر عن جهلى بإسمه وجمع غفير من الشباب والشابات ليدور الحوار حول : هل للمسلم
الحرية فى أن يبدل دينه والإرتداد عن الإسلام , وما حكم المرتد هنا ,ليضع ثلاث خيارات :الحوار – القتل –القضاء . ويطلب التصويت من الحضور . http://www.youtube.com/watch?v=HTmmVQxd2-U
تأتى نتيجة إستطلاع الرأى أن 76% من الحضور الذين يغلب عليهم الفئة العمرية الشبابية صوتوا على قتل تارك الإسلام بينما رفض 24 % هذا الخيار , فماذا نقول عن نسبة ال76% التى صوتت لقتل المرتد مع الإنتباه أن تلك الشريحة تمثل شباب يحظى على قدر من التعليم لنقول هنا ألسنا أمام ثقافة إستبدادية لا تعرف ألف باء حرية المتمثل فى الإيمان بحرية الآخر فى الفكر والإعتقاد والتعبير وهذا يثبت أن الإستبداد والوصاية هى فى النسيج الفكرى للمواطن العربى فلا تقل أننا أُبتلينا بحكام طغاة مستبدين فهم منا ومن نواتجنا وفى داخل كل منا مستبد وطاغى ووصى يمارس سطوته
على من يقدر ان تطوله يداه.
مشهد آخر يعطى لنا مدى الهوان الفكرى والنفسى من تغلغل الفكر الدينى فى نسيج تفكيرنا عندما نجد من يتحمسون لمبدأ الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر أى يقبل على ذاته ان يقوم بالمعروف رغماً عن أنفه فهو أمر ويسمح للآخر أن يدس انفه فى حريته وسلوكه وفقا لما يراه , فبماذا نصف ثقافة القطيع تلك التى ترضى بمن يخترقها .

ثقافتنا البائسة لا تعرف ماذا تعنى حرية بل تُدرك جيداً مفردات الخوف والوصاية والإستبداد لتتغلغل فى جيناتنا خالقة إنسان مهلهل متخلف يضع الخوف كناموس حياة فلا يعرف العيش بدون السوط وإرهاب السيف سامحاً للآخرين بإنتهاكه فنحن نرفض حرية الآخر لمجرد إقتناءه فكرة تدور داخل جمجمة دماغه ,فهل بعد هذا يمكن أن نتصور أننا سنحترم أى حرية بعدها .,فإذا كانت حرية فكر لا تؤذينا ننال منها بهذه القسوة والهمجية فهل سنسمح بأى تمظهر آخر للحرية .
الفكر الدينى هو المنبع الذى لا ينضب فى تأسيس فكرة الإستبداد والوصاية من خلال فلسفة تفرد الفكرة وسحق أى فكرة معارضة لتفرز تراث يفيض بتقديس الطاعة لوالاة الأمور ونبذ الخارج بعنف ,فبالبحث فى أدبيات الفكر الإسلامى سنخرج بحمولة كبيرة من الإستبداد المُمنهج يجد سبيله فى النهاية فى شباب يرفض حرية الفكر والإعتقاد للآخر .
هل نصف نخبنا المثقفة والسياسية بالغباء أم بالإنتهازية عندما نجدها تغض النظر عن التيارات المتأسلمة بل تتحالف معها فى مواجهة أنظمة الحكم بالرغم أن هذه التيارات فاشية تعلن فى كل أدبياتها وعلى الملأ عدم إيمانها بالديمقراطية والحريات فماذا نتوقع بعد أن تحتضن الفاشى وتجعل له موطأ قدم فلتتجرع الذل والقهر .

ندفن رؤوسنا فى الرمال عندما ندير ظهرنا لتأثير الثقافة الإسلامية المتفرد والوحيد فى تردى حال المرأة العربية وإنتهاك حريتها وكرامتها والتحقير من شأنها ليصبح المدافعين عن حق المراة فى التعليم والعمل والقيادة بمثابة من يولولون على تمظهرات الإجحاف إنصرافاً عن الأسباب التى أنتجتها وذلك إما جهلاً بأن التراث الدينى هو المنتج لكل إنتهاك وتردى أو الأكثر ترجيحاً هو الخوف من الإقتراب ,فلا توجد مفردة من إنتهاكات المرأة خارج دائرة الثقافة الدينية المُمعنة فى القسوة والتعسف والعنصرية .
يخطئ من يظن أن إلحاح الإسلاميين على الحجاب هى قضية تتعلق بشأن دينى بل هو ترويض المرأة وإخضاعها وتحطيم مكتسباتها فى إطار تعضيد مكانة الرجل التى أهتزت فى القرن الماضى وذلك فى إطار تصعيد صراع ذكورى أنثوى خائب ينصرف عن الصراع الطبقى الحقيقى بخلق قضية صراعية جانبية تداعب نرجسية الرجل .
الأديان إنتصار وهيمنة الذكورة فى المجتمعات الإنسانية لذا تأتى مظاهر إنتهاك المراة والتحقير من شأنها شئ طبيعى فى سياق إحكام الرجل لسيادته مُمعناً فى تأكيد سطوته وتفرده فهو يزداد قوة بالنيل من المرأة , لذا حضور الفكر الدينى فى عصر مغاير هو تكريس لهذه الرغبة الذكورية المتعنته ومن هنا نستطيع تلمس السبب الذى يُبقى على منظومات الأديان الغارقة فى خرافاتها وغيبياتها باقية حية فهى سلاح الذكورة للهيمنة والإستمرارية لذا من الهراء تصور أن التشبث بالأديان والحماس لها من منطلق عملية إيمانية روحية بل كسلاح وميديا لإستمرار الذكورة فى
السيادة فإذا كانت المنظومة القديمة تعطى للرجال كل الحقوق والبحبوحة فلما لا يحافظون عليها .

هل نتوقع خروج من مستنقع التخلف ونحن نحمل فى رؤوسنا ثقافة الكذب والنفاق والإزدواجية فثقافتنا الدينية تجعل للكذب والنفاق والإزدواجية موطئ قدم من خلال مفردات وصور يتم إطلاقها من قاعدة النص المقدس كفقه التقية مثلاً .. فهل مجتمعات تفتقد للمصداقية والشفافية والوضوح قادرة على مواجهة التحديات وكشف مكامن ضعفها وهوانها بذاتها أم سياسة دفن الرؤوس فى الرمال هى الحاضرة فكل الامور جيدة ونحن افضل شعوب الارض بديننا وتراثنا ومعتقداتنا لنتماهى بها فى برك العفن .. فهل تعتقد اننا سنحظى من هكذا ثقافة متشرنقة نابذة رافضة الإندماج والتعايش
والتلاقح مع الثقافات الأخرى القدرة على تقديم شئ غير ثقافة التبجح .

الأديان منذ البدء هى تعبير عن هويات إجتماعية لجماعات بشرية لخلق حالة خصوصية وتمايز ومفارقة وبتتبع تاريخية أى دين ومعتقد نجده يرتبط بالبيئة الحاضنة لها معبراً عن رؤى وهوية وسمات تلك البيئة وإذا كانت الهويات الإجتماعية للشعوب شئ غير مُستقبح لكن من خلال المنظومة الدينية سيضحى شئ قبيح باعث للفرقة والنعرات بحكم أن الهوية هنا حالة إستنفار وتحفز ضد الآخر ومشاريعه لتصيغ نفسها فى أيدلوجية فكرية دوغمائية تحتكر الحقيقة والأفضلية خالقة شرنقة صلبة ترفض الآخر وتتوجس منه بل تناصبه مشروع عدائى فلكى تحافظ على هويتها تخلق فوبيا العدو لتوحيد
وتجييش الجماعة البشرية وهذا ما نتلمسه بوضوح فى التراث العبرانى والإسلامى حيث الآخر المغاير الكافر المشرك الوثنى الصليبى المسلم اليهودى, بينما يتمحور الآخر فى المسيحية فى الشيطان الذى يُمكن أن يُستجلب منه العداء للآخر كصورة من صور الشيطان لذا لا نستغرب من التعصب والتزمت والصراعات الدينية والمذهبية فهى نتاج طبيعى لرؤية قديمة للهوية تقوم على التنافر وليس التعايش وقد تم إستثمار هذا الأمر من قِبل القوى الطبقية التى تبغى الهيمنة وتمرير مصالحها بإستثمار حالة الهوية الدينية على مدار التاريخ لنجد مصالح فجة تترجم ذاتها فى هوية
كالغزوات الإسلامية والحروب الصليبية ومازالنا نجد إستثمارها حتى الآن بتشجيع الإمبريالية العالمية بإثارة النزعات والهويات الدينية لمواجهة بعضها أو بمحاصرة اليسار والشيوعية أو لشرذمة الأمة فى نعراتها .
الصراعات الدينية والمذهبية داخل المجتمعات العربية هى نتيجة منطقية وطبيعية لحضور الفكر الدينى فالإرهاب والصراع السنى الشيعى على سبيل المثال هو نتاج ثقافة ذات مفردات إقصائية عنيفة تتمدد و تضرب فى كل الدوائر بلا جامح او قل هناك من فتح لها الباب فقط للإنطلاق لتقوم بدورها على أكمل وجه لتنفس العنف الكامن فى دوائر بعيدة عن الصراع الطبقى ولنا ما حدث بالعراق مثال حى فالولايات المتحدة أدركت أن فى عمق الثقافة الإسلامية نبذ وكراهية على المذهبية فرفعت الغطاء فقط عنه ودعت الأمور تأخذ مجراها بيد المسلمين وليس بيدها .

إن تصعيد الخطاب الدينى كهوية وإنتماء أضر بمصالح وجاء بنتائج عكسية لما هو مُرتجى فقيام الصراع العربى الإسرائيلى على هوية دينية أضر المصالح العربية أشد الضرر فقد اعطى مصداقية وقوة للخطاب الصهيونى فطالما انت ترى الأرض إسلامية فأسطورة الأرض الموعودة ستكون حاضرة وحقيقية بل جديرة بالتصديق بحكم أن لها جماهير عريضة مؤمنة بالكتاب المقدس بل فى القرأن ذاته الذى يقر بهذا الحق ولم يذكر كلمة فلسطين مرة واحدة !. كذلك عندما تُقيم عداء لليهود كيهود فسيقابله على الجانب الإسرائيلى عداء للعرب كعرب ومسلمين مع إستحضار ما يقدمه التراث العبرانى
من عداء وعنصرية فجة ليجد هذا مبررا لشحذ جماهيره وإستقطاب تعاطف شعوب أخرى له ,لذا اعتبر إستنهاض الفكرة الدينية يأتى فى صالح إستثمار القوى الإستعمارية لتأجيج الصراع من هذه الزاوية وتمرير مصالحها وهيمنتها ولا نندهش بعد ذلك عندما يتم الكشف عن تؤاطئ التيارات الأصولية مع الغرب .

الحياة صراع مصالح وغايات ومنه تُسخر الإستراتيجيات والخطط والتكتيكات لبلوغها فمن يرغب فى الهيمنة والإستغلال لن يعتمد على قوته المتغطرسة فقط بل على أخطاء وسلبيات الجانب المُستهدف أيضاً ومن هنا يأتى إستثمار حضور الفكر الدينى فى المجتمع فهو كفيل بتجميده وشرنقته وخلق حالة من الشلل تقوض المجتمع لذا ترى إستثمار الغرب للحالة الدينية الإسلامية وإحتضانه لرموزه فيرعى النظام الوهابى المتخلف فى السعودية دوماً بلا تحفظ ليس لأنه يجلب له النفط كما نتصور ,فالنفط فى باطن الأرض ولمن يشتريه ولن يشربه آل سعود كما لن يستطيعون إستخراجه ولكن
الرعاية تأتى كرؤية فى بقاء الحالة المتخلفة لمجتمع الجزيرة العربية كما هى بحضور الفكر الوهابى وهيمنته فهو حكم بالإعدام على شعب بعدم الخروج من عتق التخلف بإرساء حالة من الجمود الفكرى الثقافى تمنع الإنسان من التطور والإنتاج كذلك تعطل نصف المجتمع المتمثل فى المرأة من أى فاعلية لتكون إستراتيجية وغايات الغرب من تصعيد الفكر الدينى فى المجتمعات خلق حالة غيبوبة وإنفصام عن الواقع وتشويش بوصلتها لتغيب عن إستنهاض ذاتها وتنمية وإستغلال إمكانياتها ومواردها والبقاء فى أسر التخلف لا تبارحه فلا تقدر على المواجهة وصنع القرار لتقدم الطاعة
والعمالة وتبقى أسيرة مصالح ورغبات الغرب غير قادرة على التحدى إلا من خلال الصراخ على منابر المساجد ولا مانع أن تعيش أوهامك المريضة وتصرخ لاعناً الغرب وتنعتهم بالكافرين فأنت يا حبيبى تلعب فى ملعبى وتتجرع تخلفك .

الغرب إستثمر تصعيد الحضور الدينى إستثماراً جيداً فى كل الأحوال لشل قدرات المجتمع على النهوض ليكون بيدها , فالفكر الدينى كفيل بأن يقوض المجتمع ويشل قدراته الإبداعية والناقدة بمنهجه المتشرنق الإقصائى ليسحق أى فكر حر ويناهض القوى المدنية والتقدمية واليسارية ويحاصرها فلا تشكل خطر مستقبلى على المصالح الغربية إلى إستثمار حالة الشطط الدينى بخلق عدو أمام جماهير الغرب فهاهو العدو بعد رحيل المارد الشيوعى وهاهو الخطر الذى يجب مواجهته لذا من السذاجة توهم أن الغرب يكتوى بنار الحيات التى راعاها بل هو يريد هذه المناوشات والخربشات أن
تتواجد لتستمر ميزانيات الدفاع ومصانع السلاح فى الإنتاج وتتحقق أجندات جانبية كغزو العراق ولتقوم التيارات الجهادية بالدور المنوط بها بغباء منقطع النظير لخلق حالة مزيقة عن فوبيا الإسلام ,لأتصور أن مريديها عمالة عمياء تحرق أصابعها بدون مقابل وإن كانت قادتها القابضين على آبار النفط واعون للدور الذى يقومون به .

إستهتر المثقفون والسياسيون فى مواجهة حضور الفكر الإسلامى المؤدلج بإعتباره ظاهرة إجتماعية وليست سياسية عندما وجدوا أن كل إعتناءه بحجاب ونقاب المرأة ومظاهر الإختلاط والختان الخ من تمظهرات تعبر عن ضيق افق ولا تصب فى مصالح الأمة لتأتى غفلة المثقفين والساسة أن هناك حرث مُمنهج لتمرير مشروع إسلامى يتحرك للقضاء على المجتمع المدنى ولأى إنجاز تم فى فى القرن الماضى فى إطار تفرد الطبقات الرجعية بالهيمنة .

إن مواجهة التراث الدينى المهيمن هو فى الحقيقة مواجهة مع القوى الرجعية فهكذا هى أدواتها فى السيادة والإستغلال وتشويه وعى الجماهير بصرفها عن قضاياها الحقيقية وتمييع الصراع الطبقى وصرفه فى إتجاهات أخرى لتزداد الأمور تعقيداً وتشوهاً فالمجتمعات العربية كأى مجتمعات إنسانية يتحرك فى أحشاءها صراعات طبقية ولكنها صراعات عمياء فاقدة البوصلة يتم تمييعها وتجهيلها و دفعها فى صراعات خائبة كصراعات طائفية ودينية ومذهبية أو نحو المزيد من تحجيم وإنتهاك المرأة فتفرغ شحنات غضب الجماهير فى هكذا مسالك غبية خالقة عداوات بلا معنى.
إن مناهضة التيار الدينى المتأدلج ليس لتأسيس مشروع حضارى فقط بل لإجهاض كافة القوى والطبقات الرجعية ومن يمسك بخيوطها فى الداخل والخارج .

-رؤية إستشرافية .
الإشكالية لا تتوقف عن الجهل بقطب الصراع فحسب بل بإنعدام وجود مشروع ثقافى حداثى يكون بديلاً للمشروع الثقافى الدينى وذلك نتاج عوامل عدة أولها عدم وجود الطبقة الإجتماعية التى تتبنى المثقف وتفرز مثقفين يؤسسون لهذا المشروع ويؤكدونه ليعتمد المشروع الحداثى العربى على نخب إستقت ثقافتها ومفاهيمها من الغرب لذا كانت بمثابة نخب صالونات لم تساهم بفاعلية لتأسيس واقع عربى جديد لتظهر محاولات خجولة ما تلبث ان تتهاوى مع ثقافة دينية خرجت من القمقم .

من رحم التجارب القاسية لابد ان نخوض ماخاضه الآخرين لنخط من أول السطر بالرغم أن الإنسان يُفترض فيه التعلم من تجارب ونضال الآخرين كما يُفترض أيضا أن لا يبدأ بإعادة ممارسة التجارب من البدايات فهو كائن ذو تاريخ ولكننا نفتقد هذا الأمر نتيجة إنعدام تاريخ نضالى لنيل الحرية كما نتوجس من ثقافة وتجارب الآخرين بحكم ثقافتنا المتشرنقة التى تراهم كافرين ,لذا فلابد ان ندخل دوائر الصراع من البدايات أى توضع ثقافتنا على المحك مع متطلبات العصر لإسقاط المنظومة الثقافية الفكرية الفاشية , وليس هناك مشكلة من الإخفاق والتعثر والوقوف ثانية لإكمال
التحدى من خلال صراع حى مع ضرورة وجود بنيات ثقافية حداثية جديدة تواكب هذا الصراع لتبنى ... لابد ان تدق الأفكار التقدمية أدمغتنا الصلدة بقوة وعنف فلن نتغير من خلال المداهنه والتخدير والتسويف .. لن يجدى التحدى الخجول والخوف من القوة الغاشمة المتمثلة فى ثوابت الأمة وثقافتها التليدة .. لابد ان نتحدى ثقافتنا الدينية البائسة ونفضحها ونضعها على محك الواقع فلن نخرج من عنق الزجاجة إلا بحراك تنويرى ثوري .

بالرغم من كل الإحباطات والمصاعب التى تمر بها المنطقة العربية تحت تأثير تصاعد الفكر الدينى فأتصور أن الحالة الإسلامية المؤدلجة فى النزع الأخير فالحضور القوى للتطرف ما هو إلا بمثابة حلاوة الروح كما نقول أى لابد ان تصل لأقصى درجات مقاومتها قبل أن تنهار ولكن لا يعنى هذا أن الأمور تتحرك نحو الحسم فى المدى المنظور بل سيستغرق ذلك وقتا يتوقف على نضوج المجتمع وإدراكه للتناقض الرئيسى الذى عليها مواجهته فتصعيد الدين فى الحياة العامة لن يجلب إلا مزيد من التخلف والتدنى ,لذا أتصور ان المجتمعات العربية ستصل لفهم ووعى يجعلها تضع الإسلام فى
المسجد ليصبح إسلام معبد .
تقزيم الحضور الدينى وإقتصاره على إسلام المعبد فى صور محددة ليس تفاؤل مفرط وأمانى ليس لها أرض تقف عليها بل تستمد حضورها من فضح الإسلام المؤدلج وإفلاسه عن تقديم شئ مع إدراك باطنى للجماهير بأن الدين له علاقة وثيقة مع التاريخ وأن أدلجته وإسقاطه بكل حمولته على الواقع سيكون معرقلاً للخروج من مستنقع تخلفها مع بروز تحديات الواقع التى لن ترحم المتخاذلين والواهمين لتضع الجميع على المحك فإما التحدى وإما الإنقراض .لذا اعتبر حراك 30يونيو فى مصر ذو دلالات عميقة وإرهاصات قوية بأننا فى سبيلنا للخروج من النفق وكرغبة عميقة بدأت تتحرر من الحرج
بأننا نريد إسلام المعبد ولندع الحياة للقوى المدنية والمجتمع المدنى .
هناك أمل فى ثورة تنويرية عربية تتحرر من وطأة الفكر الدينى لن تكتمل إلا بوضع الفكر الدينى المؤدلج على مائدة الصراع كتناقض رئيسى لا سبيل للحرية بدون الخوض فيه ووضعه على المحك ليترافق هذا مع وجود قوة طبقية فاعلة تتمثل فى الرأسمالية الوطنية والعمال والفلاحين التى تدرك عدوها الطبقى المتمثل فى الرأسمالية الطفيلية والرجعيات العربية النفطية الحريصة على حضور وتغلغل الفكر الدينى فى المجتمع كضامن لوجودها من خلال تغييب المجتمعات وشل فعلها وتشتيت فكرها وجهودها لذا لابد أن تكون الأمور مُدركة بحتمية الصراع مع القوى الرجعية وأدواتها
المتمثلة فى الإسلاميين فبدون هذا تصبح كل محاولات الإصلاح السياسى والإقتصادى والإجتماعى بلا طائل وضحك على الذقون وبمثابة الحرث فى الماء وفى افضل الأحوال تأجيل وتشتيت الرؤى للبقاء فى مستنقع التخلف – عندما نقول انه لا سبيل للتحرر من التخلف والبؤس إلا بمواجهة قوية للفكر الدينى المؤدلج وإعتباره تناقض رئيسى فهو يعنى ببساطة وضع كل الطبقات الرجعية والمطامح الغربية فى المواجهة أى تحطيم ادواتها واسلحتها عن الفعل .

دمتم بخير
-"من كل حسب طاقته لكل حسب حاجته " حلم الإنسانية القادم فى عالم متحرر من الأنانية والظلم والجشع .