درس في الإلحاد5-وهم المُسبب العاقل المنظم


سامى لبيب
الحوار المتمدن - العدد: 7403 - 2022 / 10 / 16 - 21:19
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع     

- نحو فهم الحياة والإنسان والوجود (124) .
- درس في الإلحاد – جزء خامس .

- لكل سَبب مُسبب فكر منطقي فهكذا تُعلمنا السببية , ليقر الفكر الإلحادى والإيمانى بوجود سبب ومُسبب أى منهج السببية فى التعامل مع الظواهر ولكن هناك فرق هائل بين الفكر الإيماني والإلحادي في تناول السببية , فالفكر الإيماني يعزي المُسبب لفاعل عاقل هو الإله بدون وجود أى دليل ثبوتي أو تجريبي يثبت هذا الفاعل العاقل لتكتفي الأمور بالظن , بينما الفكر الإلحادي لا يعتبر وجود فاعل عاقل كمُسبب ليعزي السببية للظروف الموضوعية المادية التى أنتجته مستشهداً في هذا بتفسيره لكل الظواهر الطبيعية .

- إذن نحن أمام رؤيتين فى التفكير أحداهما ترى أن الكون والحياة يحتاجا لمن يفسره , ورؤية أخرى ترى أن الكون والحياة يفسران ذاتهما ذاتياً.. رؤية ترى أن هناك صَانع ومُنظم , ورؤية ترى الصنعة من فعل الطبيعة وأن النظام جاء فى السياق من وسط مشاهد عشوائية أوجدنا لها صيغة نظامية .

- المنطق أى الفكر العقلاني المُنظم المُتماسك ينقد فكرة المُسبب والصانع العاقل , فبداية لابد أن تختبر وتجرب أن هذا السَبب من ذاك المُسبب , وليأتي بعدها منطق أن كل النيران ليس مصدرها الوحيد عود كبريت فللنار مصادر أخري كثيرة أى ليس كل سبب أو حدث وراءه مُسبب ومُحدث عاقل .

- الأمور لا تعتمد علي المنطق الفلسفي فحسب , فالأمور تدخل في نطاق البديهيات والخبرات والتأملات الإنسانية وهذا مانحن بصدده , فبالتأمل في مشاهد الطبيعة بلا إستثناء سنجد انفسنا امام مُسببات طبيعية بحتة يكون من السذاجة حشر فكرة الله فيها , بل من يريد إقحام الإله فيها سيصيب فكرة الإله بالخلل والإضطراب بدون داع .

- هناك مفهوم خاطئ آخر عن الصدفة أو قل الفهم المغلوط لدى المؤمنين عندما يَسْخرون من قول الملحدين أن الحياة جاءت من الطبيعة ليعلنوا بسخرية أن الصدفة أنتجت الحياة والوجود , ولكن الصدفة تعنى فى مفهومها تكرار مشهد ذو إحتمالية نادرة وهذا غير حادث ولا علاقة بها بفهم كيفية ظهور الوجود والحياة .

- لا أعتقد فى كلمة الصدفة هذه على مستوى إستحالة تطابق المشاهد وليس تكرارها فلا يمكن أن نحظى بمشهد متطابق فى الطبيعة مع مشهد آخر بنفس ترتيب جزيئاته على مدار الزمان والمكان , فالماء لا يجرى فى النهر مرتين , ولكن يمكن أن نحظى على تقارب وتشابه للمشاهد , وعلى العموم فكلمة الصدفة غير دقيقة لا تتناسب مع الفهم الإلحادى للحياة والوجود بل يمكن القول أن القضية ومصدر الخلاف مع المؤمنين تتمثل فى رؤية الملحدين بعدم وجود عاقل وغاية وترتيب وراء الحياة والطبيعة .

- يسخر المؤمنون من الرؤية الإلحادية التى هى علمية فى توجهها عندما يستدعون مثال شائع يريد النيل والسخرية من فكرة أن الطبيعة هى المُنتجة وتفسر ذاتها بقولهم فلتنثر حروف الطباعة فى الهواء لتسقط على الأرض مكونة قصيدة لشكسبير وبالرغم من سخافة هذا المثال الذى يريد إختزال حراك الحياة والوجود على مدار أكثر من أربعة مليارات سنه فى مشهد سحري , فلنا أن نثبت قدرة الطبيعة على تجميع حروف الطباعة لتنتج قصيدة لشكسبير .. فالطبيعة تنثر أحرفها بعشوائية ليكون الإنسان هو الجامع لهذه الحروف خالقاً منها صيغة وعلاقة يعتبرها نظام , أى ينسق مجموعة معينة من الحروف والمشاهد ويعطى لها معنى من ذاته ليخلق نظام من فوضى , ولنفطن إذا كان الكمبيوتر يمكنه كتابة قصيدة لشكسبير فى دقائق فالطبيعة تنتجه على مدار مئات الملايين من السنين بدون وعى وإرادة فلا يلومها أحد على بطئها فهى ليس لديها خطة , لنأتى نحن ونصيغ فعلها فى نظام .

- من هذا المنطلق سيكون موضوعنا الذى يثبت أن الحياة والوجود لا يحتاج لفاعل عاقل , كذا العشوائية تُنْتج نظام , فيمكن أن تنتج قصيدة لشكسبير من حروف منثورة فى الهواء بدون الحاجة لوجود فكرة الإله الصانع المُنظم وذلك من خلال عرضى لصور من الطبيعة أرجو ان تنال إهتمامكم وتأملاتكم .
جبل على شكل رأس وحش
https://pbs.twimg.com/media/EVs8rAhXgAA7jni?format=jpg&name=900x900
جبل على شكل رأس سلحفاة
http://vb.elmstba.com/imgcache/almstba.com_1340760589_340.jpg
إنسان الجبال
http://vb.elmstba.com/imgcache/almstba.com_1340760586_188.jpg
صورة شجرة على شكل راقصة باليه
http://vb.elmstba.com/imgcache/almstba.com_1340760588_569.jpg
غيوم على شكل حصان
https://ainnews.net/wp-content/uploads/2022/01/Screenshot_20220112_153827-780x470.jpg

- عند مشاهدة هذه الصور ستصيبنا الدهشة كون هذه الصور نادرة فى الطبيعة وتقترب تشكيلاتها من صور معهودة فى وعينا , فنحن نرى جبل على شكل وحش وأخرى لجبل على رأس تمساح وغيوم على شكل حصان !
- كل صاحب فكر عقلاني منطقي علمي سيقول أن هذه الصور نتاج الطبيعة وعوامل النحر والتعرية لتنتج هذه الصور النادرة أما أصحاب العقول المقولبة فسنراهم يسبحون الله على هكذا صور , ولا تعلم ماذا يعني هذا التسبيح والتمجيد والإمتنان فهل الإله مسك أزميل وشاكوش ونحت الجبل لينتج صورة على شكل رأس وحش أو سلحفاة أو رص جزيئات الماء لتنتج شكل حصان أم عوامل التعرية والنحر وعشوائية جزيئات الماء التى تمت على مدار مئات الملايين من السنين أنتجت بشكل عشوائى هذه الصور القريبة من أذهاننا !
- لو كان هناك من يتصور ان الإله نحت بواسطة أزميل أو أى وسيلة أخرى كتوجيه جزيئات الماء والرياح للنحر والتعرية فله أن يقارن هذه المنتجات من حيث الجماليات والبراعة مع منتجات فنانين عظام كمايكل انجلو !

- إذا كان المؤمن يتحرج من سذاجة أعمال الطبيعة عندما ينسبها لإله كون الإنسان ينتج منتجات فنية أكثر براعة فلنا أن نزيد حرجه عندما نشاهد هذه الصورة البورنو لمشهد شجر توحى بممارسة جنسية .
https://i1.ytimg.com/vi/oBvsm2-dTDk/hqdefault.jpg

- ولنزيد الحرج أكثر فلنشاهد هاذين الفيديوهين لصور من الطبيعة شديدة الطرافة وباعثة للدهشة , فهانحن أمام مشاهد من ثمار الطبيعة ذات إيحاءات جنسية لقضيب ذكرى وفرج إمرأة ومؤخرة!
https://www.youtube.com/watch?v=nO-GsDwYwtI
https://www.youtube.com/watch?v=AIDatwBZyMg

- لنسأل بداية من كون وشكل هذه المنتجات لتجد حضور فى ذهننا بهذه الإيحاءات .. هل هى الطبيعة المصمتة الغير واعية أم إله قدير حكيم كما يزعمون .؟! .. الإعتقاد بأن هذه المشاهد الطبيعية إنتاج إلهى بإعتبار عدم وجود مُنتج فى الوجود خارج عن خلقه وإبداعه وترتيبه ومشيئته ستضع هذه الرؤية فكرة الإله فى مأزق وحرج شديد .. فهل الله الداعى للعفه وغض النظر والبعد عن المثيرات والشهوات يُرسل لنا إيحاءات ومدلولات جنسية فاضحة تُثير الإنتباه والحياء وتستدعى مشاهد وخيالات مختزنة تدفع لشبق الإنسان ؟! فهل من اللائق أن تكون هذه التكوينات الفاضحة منتجات إلهية ذات إرادة وغاية وحكمة ؟!

- لا يستطيع أصحاب الفكر الدينى أن يتخذوا موقف حيادى من هذه الصور فإما أن يضعوها من إنتاج الطبيعة أو من إرادة وتقدير وترتيب إلهى فلا موقف آخر .. لو حاول المؤمنون أن يخلصوا الله من هذه الصنعة وينسبوها للطبيعة فهذا يعنى أن الأمور تتم فى الوجود بدون إرادته وعلمه ورغماً عنه بالرغم أن هناك زعم بأن كل ورقة شجر وحبة تمر لا تسقط إلا بعلم وإرادة وإذن الإله , لذا تنكرهم هذا سيخرجهم من المنظومة الإيمانية لينحازوا للفهم الطبيعى للحياة والإقرار بحقيقة الوجود المادى وبأننا أمام منتجات أنتجتها الطبيعة الغير واعية ولا المُدركة ولا المُنظمة بشكل عشوائى غير مَعنى ولا مُعْتنى وبلا قصد أو غاية أو نية .. نعم هى العشوائية التى تُنتج من وسط مليارات المشاهد فى الطبيعة مشاهد كتلك الصور , فمن المنطقى أن نحظى وسط هذا الإنتاج الهائل الطبيعى على تكوينات تقترب من صور نعهدها تستدعى صور مختزنة فى ذاكرتنا ومعارفنا السابقة , وهذا يعنى فى النهاية نفى وجود إله فالأمور لا تطلب فاعل عاقل .

- كتب أحد الزملاء تعليقاً يقول فيه أنه عندما يتأمل مشهد النبت وسط الصخور فإنه يثق بوجود إله فاعل , ليستدعي مشهد من ذاكرتي عندما كنت أسير أنا وصديقي في ممر من البلاط الحجري لنلحظ وجود نباتات صغيرة بين البلاطات ليردد صديقي "سبحان الله يخلق نبت وسط الحجر" لأتعجب من هذا الفكر الإيماني فالنبت ظهر لتوفر الظروف الموضوعية لنماءه رغم أنف الإله المُفترض !

- بماذا يفسر المؤمن وجود نباتات وسط الصحراء وعلي الجبال بدون وجود زارع لها أليس لوجود ظروف موضوعية أدت لوجودها أم الفكر الشعبي الديني الذي يعزيها لخلق الله وفي فكر آخر كنبت شيطاني , أليست الأمور لا تحتاج لفاعل عقلاني فالطبيعة كفيلة بالإنتاج بدون عمد أو غاية أو ترتيب .

ماذا نفهم من هذه الصور :
- أن الطبيعة عشوائية فى أدائها تنتج لنا أشكال نراها مُنظمة تحاكى صور من الواقع ولكن كل هذا تم بفعل طبيعة عشوائية وظروف مادية غير عاقلة ولا مُريدة ولا مُنظمة , فالأمور لا تزيد عن جزئيات ماء وقوى الرياح التى نحرت ونحتت هذه الأشكال بدون غاية أو قصد وهذا يقودنا لفهم أن ما نراه معقداً كالمادة العضوية والخلية الحية هو إنتاج الطبيعة على مدار مئات الملايين من السنين من المحاولات الإعتباطية فى معملها المفتوح .

- أن العشوائية أى المنتجات التى تمت بدون غاية ولا تخطيط ولا تقدير يمكن أن تنتج من وسط مليارات المشاهد صورة نراها قريبة من صور فى وعينا كالتى قدمتها ليعطى وعينا لهذه الصور معنى , فلو لم يكن فى ذهننا صور لأسد أو سلحفاة أو حصان لم يكن لهذه الصور أى معنى أو غرابة وإندهاش تعترينا .

- هذا سيقودنا إلى فكرة محورية من الأهمية بمكان توثيقها والبناء عليها وهى أن وعينا تشكل من صور مادية سابقة أى أن المادة سابقة على الوعي فيستحيل تكوين فكرة فى أذهاننا إلا بعد وجود صور مادية سابقة لها تجمعت لتشكل وعينا وأفكارنا , فالوجود المادي هو الذي يتقدم على الوعى ويُشكل ملامح الفكرة وأبعادها وآفاقها , ومع وجود صور مكتسبة من الطبيعة تتكون الأفكار لدينا ليتم إستنفارها عندما نشاهد صور من الطبيعة تقترب مع ما تَكون لدينا من صور سابقة وعليه يستحيل وجود فكرة الإله إلا من صور مفرداتها من الطبيعة وجوداً وتأثيراً فلا إله بذاته بل إسقاط وعينا وتخيلاتنا على المادة .

- من الأهمية بمكان عدم الخلط بين الأسباب والغايات فهناك دوماً أسباب سواء أدركناها أو لم ندركها ، فالحجر يقع من فوق الجبل بسبب الريح وعوامل التحلل , ولكن هل هناك غاية للريح بإيقاع الحجر!! .. كذلك هناك سبب لإستدارة للصخور والأحجار على الشاطيء نتيجة ضرب الأمواج المستمر لها , ولكن هل غاية الأمواج جعل الأحجار تبدو كروية ؟! ..من هنا يتضح أن كل مشاهد الوجود تنتج ذاتها بدون غاية بل تحت الظروف المادية العشوائية التى أنتجتها لتبقى الغائية فى الإنسان كعادة ذهنية باحثه عن الجدوى فى ظل وجود مادى لا يُقدم معنى ولا غاية .

- عند الذهاب إلي الشاطئ نجد أحجاراً متناثرة نلحظ عدم عبثية ترتيبها فهناك دوائر للزلط الغليظ ودوائر أخرى للزلط الرفيع لتتدرج من الأكبر إلي الاصغر كلما بعدنا عن الشاطئ .. هذا المشهد قد يدفع أصحاب الفكر الميتافزيقى أو الباحثين عن حل خرافى لأى مشهد يرونه غريباً ذا لغز إلى القول بوجودة جن أو إله قام بهذه المهمة , بينما العلم يقول ليس هناك من رتب الزلط , فالمشهد كله يخضع لقوى الأمواج العبثية فى الإزاحة , فالأحجار الكبيرة نسبياً تسقط قريبةَ من الشاطئ بينما تذهب الأصغر إلي مكان أبعد وهكذا أنتجت الطبيعة من عشوائية لاواعية لاغائية مشهداً نراه ونُقيمه نظامياً .

- إن المعنى مفهوم إنسانى نسبى فلا وجود لمعنى فى ذات الأشياء ولا وجود يصدر لنا المعنى فنحن من نسقط إنطباعاتنا على المادة لنعطيها معنى , فالصور التى نراها لجبال على شكل سلحفاة لم تكن بذات الشكل من مليون سنه ولن تكون بذات هذا الشكل بعد مليون سنه وهذا يؤكد فكرة أن المادة سابقة على الوعى وهى التى تشكل مفرداته , لذا ليس غريباً أن نجد هذه المشاهد التى نراها نادرة ومدهشة وطريفة وشاذة لا تُثير إنتباه طفل صغير فلا تحرك فيه الدهشة والغرابة لعدم وجود أى صور مسبقة فى عقله الأخضر لهذه المشاهد .

- النظام ليس معناه وجود فاعل عاقل نظامى خارجي , فالنظام تقييمنا نحن للأشياء , فالأشياء ليست منظمة أو غير منظمة فى ذاتها بل نحن من رصدنا علاقات لنقول عن هذه العلاقات منظمة , أى هى تقديرنا ورؤيتنا وإنطباعاتنا نحن لتكون مشكلتنا فى فهم الوجود أننا تغافلنا أننا من قَيمنا الأشياء ونسبناها لمُنظم خارجى .

- لا معنى لقولنا أن الكون ذو نظام وتصميم ,فلا يوجد أى شئ فى الوجود يحمل فى ذاته وكينونته وحدة إسمها نظام وتصميم بل هو تقييم الوعى البشرى للشئ ليطفى عليه صفات ومعانى إنسانية عن التصميم والروعة والنظام والعبث , إضافة أننا لم نري أكوان أخرى حتي نحكم علي كوننا بالنظام .. أى ان تلك التوصيفات للكون والحياة توصيفاتنا وتقييماتنا الخاصة وطالما هى كذلك فهى نسبية تخضع لعوامل وظروف موضوعية شتى فما كان يراه الإنسان القديم رائعاً ومدهشاً نراه عادياً .

- نحن نعيش فى وجود طبيعى لا يرسم الأشياء بإرادته فهو غير عاقل ولا مَعْنِى ولا مُهْتم بتصدير رسالة لنا أو حكمة ما للإقتداء , فنحن من نحاول أن نجمع المشاهد المتواجدة لنلصقها مع بعضها لنكون فكرة هى نتاج ماهو موجود , فكل محتواها وجذورها من واقع مادى , ثم نتخيل وهماً بأن هناك رسالة ما ورائها !

- لا يعرف العقل الواعى العيش فى الحياة بدون أن يخلق روابط بين الأشياء , فالحياة بالنسبة لنا ليست صور منفصلة بل قدرتنا على تجميع الصور بشكل منطقي أو خيالي لنخلق مفهوم نتعاطى به .. فنحن لا نتحمل الحياة فى تكوينات عشوائية غير مترابطة لذا نخلق حالة وعلاقة نظامية نتعايش معها , فما نتصوره نظام هو حالة تقاربنا مع سلوك المادة تحت ظرفها الموضوعى الذى سينتج مليارات المشاهد المتشابهة ولكن يستحيل أن يمنحها التطابق , ومن هنا نحن لصقنا صور الطبيعة مع بعضها وأسقطناها على كيان شخصانى يشبهنا وجعلناه قادر على تشكيل وتكوين الصور وإرسال الرسائل !

- التصميم والنظام زاوية رؤية إنتقائية تسقط إنطباع إنسانى ,فنحن يدهشنا الحياة على الأرض بينما الكون يحتوى على مليارات المجرات والكواكب الخربة تعمها الفوضى والعشوائية ولا تصلح للحياة ليكون مصيرها إنهيارات وثقوب سوداء .. نحن نعيش فى نقطة ذات حظ إستقرت فى الوجود المادى وسط ملايين الحالات الفوضوية لم تنتج حياة لنطلق عليها نظام ومن داخلها نتصور الوجود منظماً !

- سبب وعينا المغلوط بالنظام هو أننا نعيش لحظة نظامية متوهمة تخيلناها فأسقطنا هذا الوعى على الوجود بينما الحياة على الأرض حالة إستثنائية لم تتكرر ومسيرها للفناء بنيزك طائش وقد تجد مصيرها فى ثقب أسود .. فنحن لا نستطيع العيش على هكذا إحتمال , لذا نخلق لحظة نظامية وكيان راعي وسط وجود غير مُنظم ليس له خطة ولا غاية ولا إهتمام كوننا لا نعرف العيش فى سيناريوهات مفتوحة , ولا أن نتعاطي مع الحياة وسط صور ومشاهد ليس بينها رابط لذا نخلق الرابط أو نقرأه بطريقتنا وبزاوية رؤية خاصة تتباين دوماً.

- ما نشاهدة من نظام هو فقط مستوي قياسنا وفقا لزماننا ومكاننا ، فهذا النظام وليد حالة عشوائية تامة , فتفاعل المادة مع بعضها هو من تكون نظام فى لحظة زمكانية.

- النظام رصدنا لتكرار التوازن فى الزمن ,لذا لا يوجد شئ إسمه توازن فى المطلق فيستحيل أن تستمر معادلة التوازن ثابتة بل الحالة التوازنية يستحيل لها ان تتطابق وعليه لا يوجد نظام فى المطلق .

- نحن نعيش وجود غير مَعنى ولا مُعْتنى يمارس حركته وحراكه وثورته بعشوائية شديدة لينتج مشاهده بلا قصد ولا غاية ولا حكمة , لنمتلك القدرة على المراقبة والرصد بوعينا الذى إنفصل عن الطبيعة ونصيغ الأشياء التى بلا معنى بطريقتنا .. نحن لا نستطيع العيش وسط سيناريوهات مفتوحة راصدة فى كل لحظة عشرات ومئات الإحتمالات فهذا هو الوسواس القهرى الذى عندما تنطلق آفاقه سنقترب من الجنون , ومن هنا وسط هذه الحيرة وفى ظل قصور معرفى غير مُدرك لأغوار العالم المادى مع تواجد حالة نرجسية للذات ترى تمايزها عن كل الموجودات تتسرب فكرة المسبب العاقل صاحب العلة المُعتنى المُهتم وليغذيها أيضا فكرة أننا أدركنا الألم وإختزنا ذكرياته الأليمة فليتواجد صاحب العلة ليوفر لحظة أمان من لحظة مستقبلية خائفة وقلقة وليجعل من هذه العبثية والعشوائية معنى وقيمة بالرغم أننا منتجى المعنى والغاية حصراً وبتفرد .

- القول أن الطبيعة منظمة أو عشوائية قول غير دقيق فهو إعطاء وجود وسلوك شخصى للطبيعة لنقع فى نفس خطأ فكرة الله .. الطبيعة منظمة أو عشوائية هو تقييمنا نحن لها فقط , فالإنسان مصدر كل الأفكار والإنطباعات والأحاسيس ومنها خلقنا الأفكار والفلسفات والآلهة .

دمتم بخير.
أي ظاهرة طبيعية لها ما يفسرها من الطبيعة ذاتها فلا داعي لحشر فكرة الإله العاقل المُسبب .