شيرين أبو عاقلة ومجرور الثقافة القميئة


سامى لبيب
الحوار المتمدن - العدد: 7248 - 2022 / 5 / 14 - 18:10
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني     

- الدين عندما ينتهك إنسانيتنا (103) .

- فُجعنا وتألمنا من الجريمة الوحشية الهمجية التى أقدم عليها الكيان الصهيوني بإغتيال الصحفية الإعلامية مراسلة الجزيرة "شيرين ابو عاقلة" لتبلغ الوحشية والهمجية مداها بإغتيال رمز من رموز الصحافة ترتدي خوذة وسترة تعلن أنها صحفية , لأستغرب من إقدام جيش الإحتلال الإسرائيلي على هذه الجريمة التى ستجلب عليه كل الإدانات والإستنكارات من كل أرجاء العالم وفي مقدمتها الولايات المتحدة حامية حمي الكيان الصهيوني , ليأتي هذا في سياق الوحشية والهمجية والعنصرية الإسرائيلية وتاريخها الأسود .

- تزداد بشاعة وهمجية المشهد بإعتداء القوات الإسرائيلية على جموع المشيعين بالضرب لصرفهم عن التشييع لدرجة سقوط النعش على الأرض !!
https://www.youtube.com/watch?v=K6-X4qwCt0Y
https://www.youtube.com/watch?v=4CT5fmnqThk
أفسر هذه الهمجية أن الكيان الصهيوني فقد عقله وكشف عن همجيته التى يخفيها وراء إدعاء أنه دولة مدنية ديمقراطية كما لا يخلو الأمر من إستثمار ومتاجرة القوي الفلسطينية لجنازة شيرين أبو عاقلة بغية الحشد .

- نأتي إلى مشاهد جانبية فى هذا المشهد تخص ثقافتنا القميئة العفنة ومواقفنا الإزدواجية لنبدأ من موقف قناة الجزيرة التى أعلنت عن إغتيال شيرين أبو عاقلة مانحة إياها لقب شهيدة بينما لم تمنح هذا اللقب ل 11 ضابط وجندي مصري إستشهدوا فى عملية إرهابية بسيناء من أسبوع لتعلن عن مقتلهم لتكون الشهادة وفق توجهات ومواقف سياسية .

شيرين أبو عاقلة ليست شهيدة .
- المشهد الذي يحتاج منا التوقف هو فى رفض الإسلاميين إعتبار شيرين ابو عاقلة شهيدة كونها مسيحية ولم يشفع لهم أنها شهيدة قضية وطنية منحت حياتها وعمرها على مدار 25 سنه لها , بينما نجدهم يُفرطون فى منح أكاليل الشهادة للإرهابيين من داعش وسائر التنظيمات الإرهابية الذين يقتلون ويفجرون المدنيين - راجع مقالي : إزدواجية المعايير وتعظيم الوحشية في بئر سبع .

- للأصوليين والسلفيين الإسلاميين حجتهم فى إعتبار شيرين ابوعاقلة ليست شهيدة فهم لا يتصرفون بعقولهم بل ينهلون من تراثهم القميئ فيقولون : بحسب ضوابط الشريعة الإسلامية فإنّ شيرين أبو عاقلة ليست شهيدة في الشرع الإسلامي، وذلك لأنّ شيرين تعتنق الديانة المسيحية فهي ليست من المسلمين، ومن شروط الشهادة في الإسلام أن يكون الإنسان مسلمًا، فمن لم يكن على دين رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- فلا يمكن أن يكون شهيدًا، والأدلة على هذا القول هي :
قال تعالى في سورة البقرة: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَٰئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ}.
قال تعالى في سورة المائدة: {إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ}.
قال رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- في الحديث الذي رواه أبو هريرة رضي الله عنه: “والذي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بيَدِهِ، لا يَسْمَعُ بي أحَدٌ مِن هذِه الأُمَّةِ يَهُودِيٌّ، ولا نَصْرانِيٌّ، ثُمَّ يَمُوتُ ولَمْ يُؤْمِنْ بالَّذِي أُرْسِلْتُ به، إلَّا كانَ مِن أصْحابِ النَّارِ”.
- لم تفلح أصوات المسلمين الطيبين فى تقديم حجة وفتوي بإعتبار شيرين أبو عاقلة شهيدة أمام زخم حجج الأصوليين فهم يستمدون فتواهم من نصوص صريحة من القرآن والحديث , بينما الطيبون يتعاملون بعبارات إنسانية إنشائية .

لا يجوز الترحم على شيرين أبو عاقلة .
- نأتي إلى مشهد آخر تتجلي فيه الثقافة والتراث القمئ عندما رفض الإسلاميون رفضاً قاطعاً من يترحم على شيرين أبو عاقلة طالباً لها الرحمة من الله فهذا إعتداء فى الدعاء حسب قولهم لتكون حجتهم : الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد :
فالترحم على أموات الكفار لا يجوز، سواء كانوا من اليهود والنصارى، أو كانوا من غيرهم، لقوله تعالى: مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ . التوبة:113
ولقوله عليه الصلاة والسلام في الحديث: والذي نفسي بيده؛ لا يسمع بي أحد من هذه الأمة ، ولا يهودي ولا نصراني، ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار. رواه مسلم وغيره.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ في مجموع الفتاوى: وقد قال تعالى: ادعوا ربكم تضرعا وخفية إنه لا يحب المعتدين ـ في الدعاء، ومن الاعتداء في الدعاء: أن يسأل العبد ما لم يكن الرب ليفعله ، مثل: أن يسأله منازل الأنبياء وليس منهم، أو المغفرة للمشركين ونحو ذلك. انتهى .
كما قال ابن تيمية رحمه الله تعالى: “فإن الاستغفار للكفار لا يجوز بالكتاب والسنَّة والإجماع “.
قال الإمام النووي رحمه الله تعالى: “الصلاة على الكافر والدعاء له بالمغفرة : حرام بنص القرآن والإجماع”.
قال ابن القيم: “{وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} ولم يقل “فإنك عزيز حكيم” لأن المقام استعطاف وتعريض بالدعاء، أي: إن تغفر لهم وترحمهم بأن توفقهم للرجوع من الشرك إلى التوحيد ومن المعصية إلى الطاعة كما في الحديث: “اللهُمَّ اِغْفِرْ لِقَوْمِي فَإِنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ”.
وما ذكر عن خلق النبي صلى الله عليه وسلم الحسن ومعاملته الحسنة لأهل الكتاب ورحمته للخلق وغيرها من الأوصاف الحسنة التي كان عليها نبينا صلى الله عليه وسلم لا يسوغ القول بجواز الترحم على أموات الكفار، لأن الله وهو أرحم الراحمين قد نهى نبيه والمؤمنين من بعده أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى، وهذا غير الدعاء للكافرين بالهداية حال حياتهم رغبةً في إسلامهم، فإن ذلك جائز، وقد دعا النبي صلى الله عليه وسلم لدوس وكانوا كفاراً، فقال: اللهم اهد دوساً وائت بهم. متفق عليه.
وننبه إلى أننا لم نقف على حديث فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم مشى في جنازة اليهودي ، وإنما المشهور أنه صلى الله عليه وسلم قام لجنازة يهودي، فقد أخرج البخاري ومسلم من حديث جابر بن عبد الله ـ رضي الله عنهما ـ قال: مرت جنازة، فقام لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم وقمنا معه، فقلنا: يا رسول الله؛ إنها يَهُودِيَّةً! فَقَالَ: إِنَّ الْمَوْتَ فَزَعٌ، فإذا رأيتم الجنازة فقوموا. وهذا لفظ مسلم.
راجع الفتويين رقم: 43001، ورقم: 66462.

- فى المقابل نجد فتوي للمسلمين الطيبين الين يريدون تخفيف بشاعة وقبح المشهد فيقول الدكتور أحمد ممدوح أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية : الترحم على غير المسلم الذى عرف عنه الطيبة والأخلاق الكريمة، وأنه لا يعادى الإسلام ولا يحاربه، فإذا أراد المسلم أن يدعو له بالرحمة بالمعنى العام، فهذا جائز .
نجد أمام عبارات إنسانية طيبة لا تستند لآيات بينما الأصوليين يتحفوننا بكم هائلل من الآيات والأحاديث وأقوال السلف لينتصر القبح لحكم التراث .

- نحن هنا أمام حضور للثقافة الدينية العنصرية الإقصائية القميئة لتخلق الفرقة والتنابذ والفوقية , ولتَصرف وتُغرب وتُشرنق المسيحيين عن الإنخراط فى القضية الوطنية , كما تحفز القوي الأصولية اليهودية للحضور وإستدعاء نصوصهم العنصرية القميئة لإشاعة مناخ الكراهية والنبذ والعنف .

- لابد من التحرر من هذه الثقافة القميئة التى تؤجج الكراهية والعنف والنبذ والعنصرية وذلك بإحلال ثقافة إنسانية جامعة توحد الجميع فى الإنسانية .

دمتم بخير .
قضية فلسطين لن تحل بالمقاومة وحدها بل بمشروع وطني علماني ديمقراطي أولا وبعزل ثقافة الإسلام واليهودية عن الحضور .