الإيمان تاريخ طويل من القهر–كيف آمنوا وإعتقدوا


سامى لبيب
الحوار المتمدن - العدد: 7411 - 2022 / 10 / 24 - 20:33
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع     

لماذا يؤمنون وكيف يعتقدون .

إعتنيت في هذه السلسلة من "لماذا يؤمنون وكيف يعتقدون " في البحث عن العوامل النفسية التى دفعت الإنسان للإيمان بفكرة الله والإنتساب والتشبث بدين معين , فلم تكن الأمور ذات بعد وتأمل فكري في الأساس بل تلبية حاجة نفسية تنشد الأمان والسلام طاردة للقلق باحثة عن وهم يجلب الطمأنينة والسلام مع الطبيعة الغير معتنية ليسبق ويتقدم أو قل يلازم هذا مشروع سياسي إجتماعي يبغي الهيمنة والسلطة وهو مانحن بصدده .

- كتبت في مرحلة الإعدادية تأمل مازلت أعتز به حتي الآن إيما إعتزاز يقول : "الإيمان هو نتاج تخصيب حيوان منوي ما لبويضة ما في زمان ما بمكان ما " .. هذا التأمل يتعامل مع الواقع والبديهيات فالإيمان نتاج عامل الوراثة , فمن البيئة التى ننتمي إليها نكتسب مفرداتنا الإيمانية .. ليكون الجديد أن الإيمان نتاج تاريخ طويل للقهر ليرافق الوراثة في الحضور والتشكيل والتأثير , ليكون من المُفترض أن يتصدر مقالي هذا هذه السلسلة ليس إهمالاً للنقاط الذي ذكرتها ولكن لتصدرها في منشأ الإيمان بالإله والدين , فالإيمان نتاج تاريخ طويل من القهر أجبر وسحق البشر علي الإيمان رغماً عن أنوفهم .

- منشأ هذا التأمل هو إندهاشي من سلوك الأصوليين المتعصبين الإسلاميين المصريين بما يعتريهم من حالة كراهية وعنف تجاه الأقباط والكنائس , فما الداعي لهذا مع كونهم الأكثرية القابضين علي زمام الأمور .. أفهم أن هناك ثقافة إسلامية وحشية تجاه الآخر يغذيها حالة من الإحتقان والبحث عن هوية تحركها طاقة غضب وعنف كبير من تردي الأحوال المعيشية علاوة علي تجييش المشاعر تجاه الآخر بغية الإنكفاء على الذات والهوية والمشروع , فتكون الكراهية والعنف تنفيس لحالة إنسانية مضطربة تبحث عن إثبات وجودها وتفريغ عنفها فيمن لا حيلة له .. ولكن مبعث إندهاشي أن أصول الجماعات الإسلامية العنيفة هم أقباط في البدء إنسحق أجدادهم أمام الإسلام خشية القتل والعجز عن دفع الجزية ليكون إسلامهم رغماً عنهم , فما الذي يجعل أحفاد الأحفاد يتشبثون ويتعصبون للإسلام حاملين كراهية للمسيحية التى تشكل جذور هويتهم وإنتمائهم القديم .
كان هذا التأمل هو البداية للغوص في سيكولوجية القهر لنجد أن البشر آمنوا وإعتقدوا نتيجة القهر ولترسم هذه المأساة ظلالاً مأساوية بالتكيف والتأقلم مع القهر بل وإستعذاب تاريخ قهرهم .

- جاءت فكرة الإيمان بالآلهة والأديان منذ البدء كإنتساب لمشروع سياسي إجتماعي في الأساس وليس بحث عن الإنسان عن حلول للغز الوجود , فَفهْمنا أن الإنسان بحث عن الآلهة حلاً لمعضلات فهم الوجود والحياة لم تكن هي القضية أو قل ان السياسي قفز علي هذه الفكرة ليشرعن ويقنن لوجوده وهيمنته , فهو كان الإله حيناً او إبن الإله أو ظل أو مندوب الإله علي الأرض ومن هنا فرض فكرة الإله قهراً بمعاونة الكهنه ليصير أى رافض لفكرته هو خارج عن الجماعة لينال الإضطهاد والنبذ والتعذيب .

- الإله كمشروع سياسي إجتماعي يفسر لنا تعدد الآلهة , فما السر وراء ميل البشر لتعدد الإلهة سوي أن لكل جماعة بشرية سماتها وملامحها ومشروعها الخاص الذي تتمايز به عن الجماعات البشرية الأخرى بصورة الإله التى رسمته ونحتت ملامحه .

- يكون قهر الحريات سمة ملازمة للإيمان فأنت مُجبر علي الإيمان الذي يمثل إمتثالك وإنضمامك للجماعة وإلا مصيرك القتل والعزل لنجد هذا ماثلا في الكثير النصوص الإسلامية :
( قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّىٰ يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ) . التوبة (29)
فلا مكان لحرية الإنسان في الإعتقاد فأنت مقهور علي الإيمان بالإسلام رغماً عنك ومن هنا إنتشر الإسلام .
كذا الحال في سورة محمد 47: 4-6 و35 "فَإِذَا لقِيتُمُ الذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الوَثَاقَ فَإِمَّا مَنّاً بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الحَرْبُ أَوْزَارَهَا ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللهُ لا نْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ وَالذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ وَيُدْخِلُهُمُ الجَنَّةَ عَرَّفَهَا لهُمْ... فَلاَ تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ وَاللهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ".
وفي سورة الأنفال أيضاً 8: 12 و13 و39 ( أُلْقِي فِي قُلُوبِ الذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشَاقِقِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللهَ شَدِيدُ العِقَابِ... وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) .

- التراث العبراني بالكتاب المقدس لم يعتني بقهر البشر علي الإيمان بيهوه فهو إله وديانة عنصرية لا تقبل بوجود الآخر ضمن شعب الله وإن كان حث اليهود علي إبادة وقتل الآخر بهمجية شديدة , فالقتل في التوراة هو للشعب المخالف ليهوه علاوة علي الفكر الإستيطاني التوسعي .

- التراث المسيحي في الكتاب المقدس يبدو لغير الباحث أنه يستبعد العنف والقهر في الإيمان وهذا وارد في الكثير من النصوص ولكن هناك نصوص يأمر فيها المسيح بالقهر ففي :
لوقا 22: 37 ( فَقَالَ لَهُمْ "يسوع": لَكِنِ الآنَ مَنْ لَهُ كِيسٌ فَلْيَأْخُذْهُ وَمِزْوَدٌ كَذَلِكَ وَمَنْ لَيْسَ لَهُ فَلْيَبِعْ ثَوْبَهُ وَيَشْتَرِ سَيْفاً".), فما الذي يفعله من يشتري سيفا ؟
وفي متى 10: 34 (لاَ تَظُنُّوا أَنِّي جِئْتُ لِأُلْقِيَ سَلاَماً عَلَى الأَرْضِ مَا جِئْتُ لِأُلْقِيَ سَلاَماً بَلْ سَيْفاً ) !
وفي لوقا 19: 27 ( أَمَّا أَعْدَائِي أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِيدُوا أَنْ أَمْلِكَ عَلَيْهِمْ فَأْتُوا بِهِمْ إِلَى هُنَا وَاذْبَحُوهُمْ قُدَّامِي ) !
أضف لذلك أن المسيحية إعتمدت العهد القديم التوراتي بكل نصوصه وتشريعاته الهمجية , فالمسيح لم يأت بدين جديد فقد قال في متى 5: 17( لاَ تَظُنُّوا أَنِّي جِئْتُ لأَنْقُضَ النَّامُوسَ أَوِ الأَنْبِيَاءَ. مَا جِئْتُ لأَنْقُضَ بَلْ لِأُكَمِّلَ.). كذا لم يقل المسيح في أي وقت إن عهدي هو العهد الجديد ولا تطبقوا التعليمات والوصايا, بل أصر على الأمر بإتباع الوصايا القديمة .
من هنا نستطيع تفسير المذابح التى رافقت البعثات التبشيرية في أمريكا اللاتينية والجنوبية وإفريقيا في البدء وفقاً لأَعْدَائِي أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِيدُوا أَنْ أَمْلِكَ عَلَيْهِمْ فَأْتُوا بِهِمْ إِلَى هُنَا وَاذْبَحُوهُمْ قُدَّامِي ,علاوة علي تراث الدم والهمجية من الإله في صورته بالعهد القديم .

- في الحقيقة نجد البعثات التبشيرية الحديثة قد تخلت عن النهج القديم في إجبار وقهر البشر علي الإيمان وذلك من طغيان الفكر العلماني الإنساني الحداثي ووثائق حوق الإنسان لتنهج سلوكاً وسياسات لا تخلو من القهر ولكن بقفازات حريرية لتمنح المعونات والرعاية الصحية والتعليمية والخدمية لمن يؤمن بالمسيح .

- الأمور لم تكتفي علي قهر البشر علي الإيمان لتعتني إعتناء شديد بقهر التابعين حتي تحول دون إنتسابهم لمشاريع سياسية إجتماعية أخري ومن هنا جاء حد الردة .
ففي تثنية 13: 6 ( وَإِذَا أَغْوَاكَ سِرّاً أَخُوكَ ابْنُ أُمِّكَ أَوِ ابْنُكَ أَوِ ابْنَتُكَ أَوِ امْرَأَةُ حِضْنِكَ أَوْ صَاحِبُكَ الذِي مِثْلُ نَفْسِكَ قَائِلاً: نَذْهَبُ وَنَعْبُدُ آلِهَةً أُخْرَى لمْ تَعْرِفْهَا أَنْتَ وَلا آبَاؤُكَ 7مِنْ آلِهَةِ الشُّعُوبِ الذِينَ حَوْلكَ القَرِيبِينَ مِنْكَ أَوِ البَعِيدِينَ عَنْكَ مِنْ أَقْصَاءِ الأَرْضِ إِلى أَقْصَائِهَا 8فَلا تَرْضَ مِنْهُ وَلا تَسْمَعْ لهُ وَلا تُشْفِقْ عَيْنُكَ عَليْهِ وَلا تَرِقَّ لهُ وَلا تَسْتُرْهُ 9بَل قَتْلاً تَقْتُلُهُ. يَدُكَ تَكُونُ عَليْهِ أَوَّلاً لِقَتْلِهِ ثُمَّ أَيْدِي جَمِيعِ الشَّعْبِ أَخِيراً. 10تَرْجُمُهُ بِالحِجَارَةِ حَتَّى يَمُوتَ لأَنَّهُ التَمَسَ أَنْ يُطَوِّحَكَ عَنِ الرَّبِّ إِلهِكَ الذِي أَخْرَجَكَ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ مِنْ بَيْتِ العُبُودِيَّةِ. )

- كذا دل القرآن والسنة على قتل المرتد إذا لم يتب بقوله في سورة التوبة : فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [التوبة: 5] فدلت هذه الآية على أن من لم يتب لا يخلى سبيله.
وفي صحيح البخاري جاء الأمر حاسماً فعن ابن عباس عن النبي أنه قال : من بدل دينه فاقتلوه . وعن عبد الله بن مسعود قال قال محمد " لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث النفس بالنفس والثيب الزاني والمفارق لدينه التارك للجماعة " .

- الإيمان لا تقوم له قائمة بدون قهر البشر علي الإيمان وكل ما يقال عن نصوص تعلن عن حرية الإعتقاد كقول الإسلام " لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ " وقول " أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ " وقول " فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ " . فكل هذه الآيات جاءت في العصر المكي حيث لا قوة للإسلام , كذا ليس المراد منها من دخل الإسلام ثم يريد الخروج منه إنما المراد من كان كافراً لا يُكره علي الإسلام .

- قد يقول قائل إن المؤمنين والدينيين الآن لا يعيشون عصر القهر كالقدماء فلا توجد تشريعات ولا نصوص حاضرة للقهر ليكون تعقيبي ان هذا فهم خاطئ , فالقهر هنا نتاج شرنقة الهوية والإنتماء للجماعة البشرية المتمثلة في الأسرة والعائلة والجماعة والقبيلة ليكون الخروج عنها مسبباً لآلام ومتاعب كثيرة يصعب تحملها .

* التأمل الأخير .
جاء هذا التأمل من رحم فكرة أن الإيمان والتدين نتاج تاريخ طويل من القهر الإنساني , لألحظ أن الإنسان عندما تتوفر لديه حالة من الرفاهية مصحوبة بإيمانه بحرية الإنسان وسلوكه فإن الحالة الدينية تكاد تتلاشي بكل ما تحمله من تعصب وتشبث وأصولية لتنتصر إرادة وتحضر الحياة .
هذا المشهد ليس بغريب ولا بفرضية لنجده ماثلاً أمامنا في الغرب الأوربي في وجود حالة من الرفاهية مصحوبة بإيمان المجتمعات بالحريات الشخصية والفردية فلم يعد هناك مكان لحضور الدين برجاله وأصوليته , كما يجد حضوره في المجتمعات المدنية للشعوب النامية التى تؤمن بالحريات مع توافر حالة من الرفاهية الإجتماعية ليتضائل منسوب التدين والسلفية والإلتزام ولتتجه الحياة للمتعة والسعادة والفرح .
في خضم هذا المشهد الماثل أمامنا قد يتسائل البعض عن حال بعض المسلمين في الغرب الذين مازالوا يتمسكون ويتشبثون بإسلامهم من خلال حرصهم على الحجاب والنقاب واللحية ليكون هذا المشهد حالة شاذة في وسط مجتمعات الحريات والرفاهية تحركه وضعية البحث والحفاظ علي هوية وسط مجتمعات تسحق الفكر القديم وكل مظاهر الرجعية والقبلية .

دمتم بخير .
ليست المشكلة في الإيمان بالخرافة والأوهام لتكون الإشكالية في منهجية الإيمان التى تَتمرر بالقهر لتكون منهجية وأسلوب حياة تصل لذروتها بالتعايش وإستعذاب القهر , فلا تسال لماذا تعايشنا ولعقنا نعال طغاتنا .. تحرر .