محمد البدري ذاك الفارس المقاتل النبيل


سامى لبيب
الحوار المتمدن - العدد: 7329 - 2022 / 8 / 3 - 13:11
المحور: سيرة ذاتية     

بداية معرفتي بالاستاذ محمد البدري كانت من خلال حضوره بالتعليق في صفحات مقالاتي لأتلمس قامة فكرية كبيرة ومثقف رفيع المستوي وحضور رائع يفيض بالحيوية والتدفق , ليراسلني البدري عبر الخاص بالحوار المتمدن طالباً التواصل معي مرفقاً برسالته بريده الأليكتروني ورقم موبايله , لينتابني حالة من الإغتباط والبهجة لأسارع بالإتصال به ومن هنا تولدت وتوطدت صداقة مازلت أعتز بها .
أثني البدري علي كتاباتي خصوصاً الفلسفية ليري انني اقدم فكر جديد متقدم مبدداً وهم الإله والأديان بأسلوب جديد فريد حسب قوله , كما أعجبه سلسلة مقالاتي :" لماذا نحن متخلفون " ليراه قضح للثقافة العربية الإسلامية التي دمرت وخربت الإنسان , فقد كان البدري شديد العداء لثقافة العروبة والإسلام وله نوقفات عديدة .
تأكد حدسي بأنني أمام مفكر كبير يفيض بأفكار عميقة يصاحبها حماس وحيوية رائعة لم تخلو من القسوة والحدة تجاه العروبيين والإسلاميين لأندهش من أن كل هذه الطاقة والحيوية التي تجسدت فى إنسان مسن تجاوز الثمانين .
صوت واداء محمد البدري جعلني اتذكر حواره وجداله في برنامج الإتجاه المعاكس بقناة الجزيرة في منتصف التسعينات , عندما تحاور مع شيخ سلفي ليحاصره ويفحمه حينها ولم يستخدم القسوة والحدة والسخرية المعهودة عنه لأتلمس أنني أمام قامة فكرية كبيرة.
طرحت عليه كتابة مقالات فهذا يليق به كون أن مداخلاته شديدة العمق غزيرة الثقافة وذات سهام ناجعة , ولتصوري أن المقال أكثر حضوراً من التعليق فلا تحرم القراء من هذا وهكذا حالي عندما أحث كل صاحب قلم وفكر وقضية بالحضور والكتابة , لكن البدري إعتذر عن كتاية المقالات كون الأفكار تأتيه مزدحمة لتكون كتاباته وليدة اللحظة والمشهد كما يتحجج بأنه لا يستطيع أن يربطها ببعض لإنتاج مقال , قلت له أن كل تعليق منه يكفي ليكون مقال وأنه يمكنه إتباع نهجي في الكتابة فانا أدون كل فكرة تلوح بذهني في ورقة كرأس موضوع حتي لا تهرب مني لاقوم بطرحها في سياق المقال ولكن العزيز البدري قال دعني أكتقي بالتعليق .
إستمرت الصداقة بيينا عبر ساعات طويلة عبر الموبايل لنتناول أفكار شتي ثم أجده يتوقف عن الكتابة بالحوار لأقلق عليه لأعاود الإتصال ليرد أخيراً بأنه يستجم في العين السخنه وسيستمر في الإستجمام لأحنرم رغبته في إستراحة المقاتل , لأقول في سريرتي هل سيأتي اليوم الذي أستجم وأستمتع بالطبيعة وأستريح من صراع الأفكار ومحاربة الأوهام لأنعم بإستراحة المقاتل .

البدري ماركسي الفكر ليبرالي الهوي .
خلال اللقاءات الكثيرة التى جمعتني مع البدري وصلت لنتيجة أنه ماركسي الفكر ليبرالي الهوي والإنتماء , فهو تشبع بالفلسفة المادية الجدلية في الفكر والتحليل ليعزي الأمور للوجود المادي والتطور وتأثير الواقع المادي والديالكتيك , ولكنه رافض للتطبيقات الماركسية السياسية والإقتصادية والإجتماعية أى أنه يتعامل مع الماركسية كفكر فلسفي حي بعيدا عن ثوريته وتبنيه لحقوق العمال ليميل لليبرالية والحريات في نضاله السياسي .
تفهمت فكر البدري فهو يقترب بشدة من نهجي فأنا مقتنع ومتبني للفلسفة الماركسية ولكن لي تحفظات كثيرة على التطبيقات والممارسات السياسية والإقتصادية والحريات .

البدري وصراعه الشرس مع العروبة والإسلام .
البدري يأخذك دوماً إلى قضيته ونضاله ضد العروبة والإسلام ليري أن كل المصائب والنكبات والتخلف سببها الثقافة والفكر العروبي الإسلامي موضحاً دوماً السقطات والكوارث التى حلت بمصر والمنطقة من حضور الفكر العروبي والإسلامي لينتقد جمال عبد الناصر بالذات وكل من إتبعوا نهجه ولا يغفل حضور الإسلاميين مشيراً أنهم أبناء العروبيين والوجه الآخر للقومية العربية , فالإسلاميين هم الأصل والوريث الطبيعي للعروبيين ناقداً ماآلت له الأمور من غياب الحريات وتكوين مجتمعات قطيعية إشارة لمجتمع القطيع .
من هنا كانت معارك محمد البدري ليدقع مقابلها صدام وقطيعة مع قوي سياسية عديدة فلم يحظي على الحضور الفكري والثقافي والسياسي الذي يليق به ورغم ذلك ظل صامداً قوياً في مواقفه فلم يتنازل ولم يهادن ولم يتحلي بأى مرونة تجعل له مكاناً ومن هنا عظمة هذا الرجل .

البدري والموت وقسوة الإلحاد .
ذات مرة أعلن البدري غضبه وحنقه علي الشيخ وجدي غنيم مرفقاً غضبه بكم من السباب لهذا الشيخ المتعصب العنصري الإرهابي وذلك على إثر وصف الشيخ موت البابا شنوده بأنه نفق كالكلب , ليتوقف البدري عند كلمة نفق التي نصيغها بموت الحيوانات بينما هو يري أن كل البشر سينفقون فلا فرق , ليكون حنقه على مفهوم وجدي غنيم الذي يستثني ذاته المتعجرفة من النفق معتبراً موت الآخر الغير مسلم كالحيوان لا حياة آخري في جنة النكاح .
إتفقت مع البدري لأزيد بأن البشر يعيشون على وهم الحياة الأخري ليعتبرون هذا ما يميزهم عن الحيوانات بلا أي دليل , فهذا الوهم من صنع وإدعاء الإنسان والذي وجد هوي في نفوس البشر من منظور التشبث بالحياة ورفض الموت , ومن منظور غرور إنساني يتحدي الطبيعة ويرفض ان يشارك الكائنات الحية الأخري نفس المصير والفناء .
البدري كملحد يرفض أسطورة العالم الآخر والجنات والجحيم ويسخر منها بشدة وخصوصاً بيت الدعارة الذي أُعد للذين آمنوا , لأضيف فكرة أن الإلحاد قاسي فهو يصدمهم ولا يدغدغ مشاعر البشر ولا يرسم لهم أحلام وردية يتمنونها , لأتذكر أمي التي كانت مؤمنة بأنها ستلتقي بأخي المتوفي في الملكوت وهذا ماكان يعزيها , بينما الإلحاد قاسي ليعلن أن كل الأمنيات والأحلام خرافة وأوهام لا أساس لها , ليتفق البدري معي بقسوة الإلحاد ليبقي ألا نعيش الحياة بما ليس فيها .

ختاماً ليس هذا المقال تعزية في وفاة محمد البدري , فالرجل يعلم جيدا أن الثناء والمدح الذي حظي به أو حتي الذم واللعتات في حياته أو بعد مماته لا معني له عند الموت فسنكون في حالة من السكون واللاوعي ليكون مقالي المتواضع هذا هو تعظيم قيم وأفكار إنسانية والإمتثال بها , فإنسان بلا قضية هو مسخ بشري وكائن بيلوجي .

دمتم بخير .
استخف بكلمة وداعاً للراحل المتوسمة اللقاء ليبقي الإنسان هو الذكري والأثر ومن هنا نتغلب على الموت .