درس في الإلحاد 3 - الوجود ووهم المُوجد


سامى لبيب
الحوار المتمدن - العدد: 7384 - 2022 / 9 / 27 - 16:33
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع     

- نحو فهم الحياة والإنسان والوجود (122) .
- درس في الإلحاد – جزء ثالث .

الفكر الإيماني بوجود خَالق ومُوجد يعاني من تخبطات وتناقضات كثيرة , فهو يتعامل للأسف مع المنطق بشكل إحتيالي وقفز علي النتائج وحرق مراحل وخلط الأوراق بدون ترتيب بغية الوصول لنتائج قبل أن يسوق الأسباب .. للأسف هذا الخلط والقفز وعدم ترتيب المنطق وجد سبيله في الثقافة الجمعية للمؤمنين والمتدينين لتصير السطحية والتعسف هي الحاكمة في إيمانهم ومنهجية حياتهم .
في ذهني عشرات التوقفات والتأملات لفضح هذا الفكر المُختل الذي يشوه ويسطح العقل لأكتفي في هذا المقال بثلاث توقفات تتناول الوجود ووهم المُوجد علي أن تكون بقية التوقفات لاحقاً .

* خطا القول بالخالق والمُوجد .
هناك منطق السببية الذي يقول البعرة تدل على البعير والأثر يدل على المسير لإثبات وجود إله خالق فهل هذا الاستدلال في محله وهل يجوز القول بـمن خلق الكون ؟ كذا صار الاستدلال بأن لكل حدث من مُحدِث ولكل صنعة صانع حديث كل من يتكلم باسم الإيمان الديني ليستعملوها للإستدلال على وجود خالق للكون , فهل هذا الاستدلال في محله ؟
كذا يقال اذا مررت بجانب حائط ووجدت كتابة مكتوبة على هذا الحائط فعندها من المؤكد أنك ستقول :"يوجد من كتب هذه الكتابة فليس من المعقول أن تظهر لوحدها". ليوصف من ينكر هكذا منطق بالغبي الجاهل المختل عقلياً ولكن هناك تحفظ علي إطلاق هذا المنطق فنحن نكون منطقنا من معارفنا وتجاربنا وخبراتنا ولتوضبح ذلك فلنتعامل مع المشهد التالي .
لنفترض أن هناك قبيلة ما تعيش في العصر الحجري لم تتعلم يوما علم التعدين فكل أدواتها مصنوعة من الحجارة , وفجأة وإذا بمجموعة منهم مارة في مكان ما من الغابة لأول مرة فإذا بهم يجدون تمثالا معدنياً تم صناعته وصقله من قِبَل قبيلة أخرى متطورة وقد سقط منها , فما الذي سيقولوه هؤلاء عن التمثال ؟
هل سيقولون.."من الذي صنع هذا التمثال؟" أو هل سيقولون " من الذي جاء بهذا التمثال إلى هنا؟ " بالطبع لا , فأول ما سيفعلوه بعد إستكشافه هو أن يعطوها إسما وليكن "بُرورم " والمعلومة التي ستتكون لديهم هي "بينما أنت ذاهب في الغابة من الممكن أن تجد "بُررم "على الطريق" فهذا باختصار ما قد يحصل في هكذا حالة .
ولكن لنفترض إفتراض آخر عن لو كانت هذه القبيلة قد تعلمت التعدين فماذا ستكون أسألتهم؟ بالطبع ستكون الأسئلة الآنفة الذكر "من الذي صنع هذا التمثال؟ و"من الذي جاء بهذا التمثال إلى هنا؟".
إذن لماذا لم تسأل القبيلة تلك الأسئلة ؟! الجواب واضح كونهم لم يتعلموا التعدين فلا يمكنهم أن يسألوا من الذي صنع هذا فهم لم يعلموا بوجود الصناعة أصلاً , فالأمر مرهون بما يعلموا
كذا بتطبيق نفس المثال على كتابة الحائط فلو لم أعلم بوجود الكتابة لما قلت أنه يوجد من كتبها ونفس المثال على البعرة والبعير والأثر والمسير , فلو لم أعلم بأن البعرة تصدر من البعير لما قلت أن البعرة تدل على البعير , ولو لم أعلم أن الأثر يصدر عن المسير لما قلت أن الأثر يدل على المسير , فكل استنتاجاتنا ناتجة من سابق معرفتنا بالأشياء .
إذاً البعرة تدل على البعير والأثر يدل على المسير والكلمات المكتوبة تدل على كاتب والصنعة تدل على صانع والحدث يدل على مُحدِث هي أقوال يُستدل بها على ماهو معروف أنه يمكن أن يحصل و يُستدل به على ما تم معرفة إمكانية حصوله إما بتجربته بشكل شخصي أو بمشاهدة حصوله بشكل غير مُتحكَّم به لتتكون مشاهدات وتجارب وخبرات عنها .
من هنا يظهر الخطأ عندما يتم دائما الربط بين هذه الأقاويل وسؤال "من الذي خلق الكون؟" فلا يجوز القول بمن خلق الكون؟ لأن هكذا سؤال يحتاج لتأكدنا من معرفة أنه يمكن أن يُخلق كون أو يحتاج منا أن نكون قد عاصرنا وشاهدنا عملية خلق أكوان بالشكل الذي نقصده من سؤالنا , فهل يوجد أحد يعلم كيف خُلق الكون ؟
إذن مجرد طرح هكذا سؤال وإجابته هو أمر خاطئ فكيف نقول "كيف خُلِق الكون" ونحن لا نعلم إن كانت هناك إمكانية لخلق كون؟ وكيف نقول "كيف خُلِق الكون" ونحن لا نعلم إن كان قد خُلِق أم لا ؟ فلا يجوز أن أسأل شخصا كيف خُلِق الكون وهو لا يعلم أساساً ماهو الخلق وإن كان هناك خُلِق أم لا , كما لا يجوز أن تسأل القبيلة التى تعيش في العصر الحجري عن من صنع التمثال وهي لا تعرف شيئا عن الصناعة , فنحن لانعلم ماهو الخلق كوننا لم نشهده وليست لدينا تجارب وخبرات ومعارف سابقة عن الخلق .

* هل الله موجود أم نختلق ونستنتج وجوده ؟
إذا إعتبرنا أن الأساس الرئيسي الذي ينبني عليه الإيمان هو وجود الله , فهل يمكن أن نسلم بوجود إله ؟ ثم إن كان إثبات وجود الله ينطلق من وجود الكون فهل أن وجود الكون هو حجّة على وجود الله ؟ فهل نحن عندما نتأمّل الكون نكتشف وجود الله أم نختلق وجوده ؟ فهل الله موجود لأنّه موجود بالفعل أم هو موجود لأنّنا لا نستطيع التفكير بدون الظن بوجود إله .. عندما نقول إن وجود الله مُدْرَك من وجود الموجودات فإننا نقر ضمنياً :
‌- أن إدراكنا للموجودات يسبق إدراكنا بالله .
‌- إن إدراكنا للموجودات مباشر ويتم بالحواس , فالموجود المادي يلزمنا الإعتراف بوجوده , بينما الإله يتم إدراكه من وجود الموجودات فهو وفق لفرضيته لا يُدرك بالحواس وليس له وجود مادي, أي أن الله لا يكشف عن نفسه مباشرة وإنما وجوده يُستنتج بعد تفكير .
- عندما يفكّر الإنسان كيف وُجد الكون ينتهي به التفكير إلى الإعتقاد في ضرورة وجود إله وفق منطقية السَبب والمُسبب .
هذه إشكالية كبيرة في حدود هذا المستوى الفكري ولكن يقع الخطأ والخلط بشكل أكبر في مرحلة ثانية , فماذا يحصل عندما ينتهي التفكير بالإنسان إلى أن الله موجود ؟ الحاصل هو أن الإنسان ينسحب ويربط بين الله والكون ربطاً واقعياً بلا إنفصام وهذا هو الخطأ , فهو قد تناسى أنّه الوسيط الفكري الرابط بين الله والكون وهذا الربط الأخير ليس واقعياً ولا شهدت به حواسنا وإنّما هو ربط في الذّهن فحسب طالما أنّه ليس موجوداً مادياً ملموساً , فنحن هنا نشرّع بالفكر لوجود فعلي ومع ذلك ليس لنا حجّة واقعية على أنّه موجود فعلي , ومن هنا على المؤمن أن يعترف أنه ليس لنا سبيل لمعرفة هل خلقنا نحن الله أم إكتشفنا وجوده لأن وجوده يظل ينحدر من التأمل في الكون .
لمزيد من التحديد يجب أن نقول أن وجود الله لا يُستنتج من وجود الموجودات وإنّما من وعينا بوجود الموجودات , فلو منح المؤمن هذه الفكرة القيمة التي تستحقّها لقفز قفزة نوعية في وعيه بما يفعل , فعليه أن يجيب: كيف يحوّل علاقته التأملية بالكون (المستوى النظري) إلى علاقة إيجاد (المستوى الواقعي) .
إنّ المؤمن بفكرة إله يمر ببساطة من متأمل للكون إلى مُوجِد للإله وجوداً فعلياً رغم أنّه لم يشاهد الله ولم يفعل غير التأمّل.. إنّ المؤمن ومن حيث لا يشعر يرى في تغيّر موقفه من الواقع تغّيراً في الواقع فعلاً , وكأن الكون كان بدون إله قبل تأمّله وأصبح له إله بعد التأمّل , فالمؤمن عوض أن يقول:"أعتقد أن الله موجود" يقول:"الله موجود" في حين أن هناك فرقاً كبيراً بينهما .
خلاصة القول إن الإنسان بمجرد أن يشرع في التفكير في وجود الله حتى ينفيه لأن منهجية البحث تقتضي أن يوضع هو في الصدارة (أي الإنسان) وبذلك يكتسب مشروعية نظرية أي يقف موقف المُشرّع أو النافي لوجود الله وهذا هو السبب الذي جعل البعض ينتهي للإيمان والبعض الآخر للإلحاد لأن القضية في ترتيب الأفكار .
ومع كلّ ما قلناه فقد يُعترض علينا بالقول : إن كل ما قلناه لا ينفي وجود الله , فالله روح وليس مادّة ونحن مضطرّون للتأمّل في الكون وإكتشاف وجود الله من خلاله فما باليد حيلة فهكذا تجرى الأمور , فالله نكتشف وجوده ولا نختلق وجوده .
ردي على هذا الإعتراض هو التالي: هذه الفرضية خاطئة ودوغمائية وتزيد الأمور غموضا لتتناسل الفرضيات بدون داع بإعتبار فرضية الله روح فمن أين أتي وأنتج المؤمن قصة الروح هذه , وماهي ماهية وكينونة الروح التى إفترضها ليصل أن الله موجوداً بهكذا حاله , ولكن بالنسبة لشخص يتمسّك بالبحث عن الحقيقة لا يمكن أن يحوّل الفرضية إلى حقيقة , فنحن إلى حدّ الآن لم ننته إلى أن الله موجود وإنّما إلى أن الله يمكن أن يُوجد , وعلى المؤمن أن يعترف أنه يتمسّك بفرضية .
هل يمكن أن نتجاوز الفرضية إلى الحقيقة ؟ يستحيل ذلك طالما أن الله روح أو فكرة , فالفكر لا بدّ أن نقوّمه في إعتقاداته وهذا التقويم لا بدّ أن يكون من خارج الفكر والتصور وبالتحديد من الواقع المادي الموضوعي الذي يفرض نفسه فهذا هو المنهج الضروري للحسم في المسألة , أما إذا تقوقع الفكر على نفسه فإنّه لا ينشئ إلاّ الترهات .
لعل هناك من يسأل : هل تريد أن ينتصب الله أمامك وتلمسه بيديك لتسلّم بوجوده ؟ فبدون حرج أقول نعم ليس هناك من سبيل آخر فهذا هو السبيل الوحيد للإيمان الحقّ , فبدون ذلك كيف سنفرّق بين وجوده الفعلي وإكتشافنا لوجود الله وإختلاقنا لوجوده ؟
أسئلة أخرى : هل يعقل أن يكون هذا الكون قد وُجد صدفة ؟ أليس من الضروري أن يكون هناك خالق لهذا الكون؟ أليس كلّ معلول له علّة ؟ هذه أسئلة مشروعة ولكن لا يجب أن نسهو على أنّنا نحن الذين نسأل ونجيب بمعني نحن الذين نتوجّه إلى الله ونبحث عنه وليس الله هو الذي يفرض علينا وجوده .. المهم هو أن لا نتخدّر بهذه الأسئلة فنَنْسَى أنّنا نحن الذين نفكّر ونسأل ونجيب .
إنّ مسألة وجود الله هي مسألة نظرية مهما كان الموقف منها , فحتّى لو إعتقد المؤمن أن الله موجود فيجب أن يعي أنّه إتّخذ موقفاً مُسبقاً , فمهما كانت نتيجة بحثه فلا يخرج ذلك عن كونها فكرة مترتّبة عن نشاط فكري , فلا يعقل لكونه إنتهى إلى أن الله موجود أن يصبح فكره مؤسساً لوجود ما يعتقد , لكن قد يَسأل : هل عندما أعتقد أن القلم الذي أمسكه موجود هل يعني ذلك أنّه ليس موجوداً فعلاً وإنما هو مجرّد إعتقاد , قد تقول قياساً على التحليل المقدم أن القلم غير موجود طالما أنّه مبني على إعتقاد وكلّ إعتقاد يحتمل الخطأ فهكذا يردون .
وللرد على هذا الإعتراض أقول أن الأمر يختلف , فوجود الأشياء المادية سابق على فكري بينما "الموجودات الميتافزيقية المفترضة المتخيلة " ففكري سابق عليها فوجودها ينتج ويتأسّس من فكري , ليكون الفرق بين المؤمن بإله والباحث هو أن المؤمن يفرز وجوداً من التفكير بينما الفيلسوف الباحث يظل واعيا أنّه يفكّر ولس قافزاً محتالاً ملفقاً علي الفكرة
يسأل سائل لماذا الفيلسوف هو الوحيد الذي لا يتخدّر بهذا السؤال الذي هو: هل يعقل أن يكون الكون وُجد صدفة ؟ السبب هو أن الفيلسوف يعي بحيل العقل أثناء التفكير , فالعقل لا يعتبر نفسه قد فهم قضية إلاّ عندما يربطها بسبب , فوجه إستغراب الإنسان من الكون هو أنّه يجد نفسه أمام ظاهرة لا يرى لها سبباً ظاهراً ولكن في نفس الوقت لا يستطيع أن يقبل هذه الظاهرة (الكون) بدون سبب , من هنا كان الله ضرورة عقلية تمكّن الإنسان من الكون .
إلى هذا المستوى يقف المؤمن ولا يواصل إستدلاله العقلي ليستنكر سؤال من خلق الله ؟ رغم أنه سؤال مشروع شأنه شأن السؤال الأوّل , فعندما نقول إن الكون لا يعقل أن يوجد بدون سبب وأن الله هو خالقه وأن هذا الخالق هو الموجود الأوّل ولم يصدر عن شيء سبقه فإنّنا بذلك نكون قد فرضنا على العقل قبول ما لا يقبله , فالمسألة تكمن في هل من المشروع أن نسأل: من خلق الله ؟
إن أجبنا بالنفي فليس هناك موضوعية في هذه الإجابة لأنّنا كشفنا عن إعتقادنا في وجود الله ونحن لازلنا في مرحلة البحث فعلى أي أساس نقول لا ؟ وقولنا إنّه واجد ولا يمكن أن أن يوجد عن غيره لا يقنع العقل المنطقي ولو كان يقنعه موجود بدون سبب لأقنعه أن الكون بدون سبب , ففي منطق العقل يتساوى الكون والله من حيث ضرورة تأطّر كلّ منهما في علاقة سببية بحيث يكون كلّ واحد منهما سببا لما يلحقه ونتيجة لما سبقه , وإن أجبنا بالإيجاب وإعتبرنا أن كل نتيجة لا بد لها من سبب كانت سلسلة الأسباب لامتناهية وهكذا يعجز العقل عن الإجابة النهائية .
يتبين لنا ممّا سبق أن الأمر الذي فرض وجود الله فرضاً هو النظر للكون على أنه نتيجة , ولهذا نحن لا نعرف ماهية وكيتونة الإله وإنما نعرفه بالكون , ولهذا أيضا عندما يقول البعض إن الله موجود ونجهل كنهه فذلك لأنّنا لسنا في حاجة لكنهه وإنّما في حاجة لوجوده حتّى يصبح وجود الكون مقبولاً عقلياً .. خلاصة القول وجود الكون دليل على وجود الكون ولا يدل بشكل ثابت ويقيني على وجود غيره لذا يكون التيقّن في مسألة وجود الله أمرا مستحيلا ومتهافتا دوغمائيا .
قد يسأل سائل لماذا يتطوّر الإيمان الديني في الشكل لكن يظلّ ظاهرة ثابتة في المجتمع على إمتداد التاريخ ؟ ثبات الإيمان في المجتمع متأتّ من ثبات العجز الإنساني وسيظل هناك إيمان طالما هناك عجز , فالإيمان هو الذي يوهم الإنسان بحلول تسهّل عليه قبول المصائب فكيف يحصل ذلك ؟ خلق الإنسان الإله صاحب القدرة التي لا تضاهى وأوجد أشكالا من الممارسات السحرية بالمعنى الأنتروبولوجي التي تمكّنه عندما يأتيها بالظفر برضا الإله.. طبعا من كانت القدرة العليا إلى جانبه فلا يخيب ومن هنا لم يخطئ ماركس عندما قال " الدين أفيون الشعب".

* كيف الإيمان بوجود خارج وجودنا ولا يمكن الإستدلال علي وجوده ؟
الوجود يمكن إثباته ومعاينته أى وجودنا نحن في الزمان والمكان بينما الإدعاء بأي وجود خارج الوجود لا يمكن إثباته لأنه خارج الوجود فلا يمكن الإستدلال عليه كونه لا ينتمي لقياس أبعادنا , إلا إذا إقترحنا وجود آثار تركها المُوجد أثناء إيجاد الوجود وهذه لا يمكن إثباتها على وجود مُوجد لأنها من جنس الوجود وليس من جنس المُوجد .
بما أن الوجود الذي نحن موجودين فيه يمكن إثبات وجوده بينما وجود المُوجد لا يمكن إثباته بمعزل عن الوجود الذي نعرفه , سيكون المُوجد غير موجود ولا يمكن إثبات وجوده إلا بالإستعاضة عن الموجودات نفسها .
عندما ندعي بمنطق أن المُوجد في الوجود من وجود الموجودات فيه , فهذا منطق فاسد فحينها سيكون المُوجد جزء من الوجود وهذه إستحالة لأن الوجود مادي بينما الموجد المُفترض غير مادي .. هذا يعني إما أن يكون المُوجد مادي أي جزء من الوجود وهذا يذهب بنا إلى الإلحاد ومادية الوجود أو يكون الوجود موجود بغير مُوجد فالمُوجد إستعاضة عن الوجود نفسه .
لدينا منطق إنساني يقول كل زائد منطقي يجب حذفه دون أن يؤثر هذا علي منطقيته لنطبق هذه على فكرة المُوجد , فالوجود لا يمكن حذفه لأنه موجود بالفعل بينما المُوجد المُفترض بمكن حذفه لأنه لا ينتمي للوجود إلا إذا شابهه وإذا شابهه فسيكون جزء من الوجود .. إذن الوجود هو المُوجد ليكون الواجد فكرة إقترحتها بعض الموجودات فكرياً أو قل تخيلياً لتعريف الوجود .
الوجود لا يحتاج لمُوجد مستقل عنه فإذا تعاملنا مع السببية لنصل إلي المُوجد الأول فحينها سنسأل من أوجد هذا المُوجد لنقع في لانهائية المسببات والواجدات , وإذا قلت لا يوجد مُوجد للمُوجد الأول فقد خالفت السببية التى تتكأ عليها لإثبات المُوجد كذا ستجد نفسك تتحرك في مادية الوجود , فالوجود المادي بلا سبب وهذا يمكن قبوله منطقيا من منطلق أن البسيط يمكن إعتباره بلا سبب عن فكرة أن المركب بلا سبب .
هناك نقطة أخري فلو إفترضنا وجود لمُوجد قبل الوجود فوجوده سيحتاج لوجود يحتويه أى وجود للمُوجد الأول يحتوي وجوده , فأيهما يكون أولا وجود المُوجد الأول أم الوجود ؟
حينما يقول المؤمن ان لا وجود بدون مُوجد ويسميه تعسفاً واجب الوجود فهنا سيكون الوجود والمُوجد هما واحد , لنرجع إلي ان كل زائد منطقي يمكن حذفه فالوجود مادي بينما المُوجد المقترح غير مادي لا يمكن ان يشبهه إذن الفلسفة الكلامية التى تتحدث عن مُوجد خاطئة .
الخلاصة ان الإقتراح بوجود مُوجد لوجودنا إقتراح خاطئ لأنه لا يمكن فصله فلسفيا لا في لحظة ولا في تسلسلها التاريخي إلي لحظة إيجاد الوجود , وحين تقترح أن وجودنا معزولاً عن وجود المُوجد ستعجز عن إثبات ذلك لأن الواجد خارج الوجود تماماً كما تفترض .
إذا كان هذا ردنا علي فكر اللاهوت وأهل الكلام الذين يحاولون أن تنقذ فكرة الإله من سذاجتها وبشريتها وماديتها , فالأديان تقدم تصورات مهترئة خارج المنطق والفلسفة لتورط فكرة وجود إله فهو داخل الزمان والمكان الماديين وسلوكه وصفاته تتحرك في مادية الوجود .

دمتم بخير .
لا يوجد واجد عاقل مستقل خارج مادية الوجود .