الإيمان مركز تدريب الغش والزيف وخداع النفس


سامى لبيب
الحوار المتمدن - العدد: 7260 - 2022 / 5 / 26 - 17:09
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع     

- لماذا نحن متخلفون (93) .

- يُقصد بالحالة الروحية تلك المشاعر التي تتسم بالصفاء والتسامي والتوهج والإرتياحية والسعادة المصاحبة للإيمان وأداء الطقوس الدينية , فهل لنا أن نتوقف أمام إدعاء الحالة الروحية المصاحبة للإيمان والتدين لنكتشف حجم الزيف والخداع المصاحب لهذا الإدعاء .
- تعود تاملاتي فى هذا الشأن إلى مرحلة صباي عندما تململت من أداء الصلاة فأنا لا أشعر بأي شئ سوي أنني شريط كاسيت يفرغ محتواه بما تم تلقينه لأكون كالببغاء فى أحسن الأحوال .. لأقرر رفض مشاركة أسرتي فى الصلاة في خطوة أحسد نفسي على الإقدام عليها الآن .. لتكون كالصاعقة على أبي الذي عزي حالتى بان الشيطان يتملكني .
- لم يتم قهري على أداء الصلوات ليستدعي أبي كاهن أحترمه أنصت لتوقفاتي ومشاعري .. فأنا لا ينتابني أي شعور عند أداء الصلوات كما أنني أشرد دوماً فى أمور عدة وأنتظر بشغف إنتهاء تلك الصلوات المملة المكررة .. ترفق بي الكاهن ولكنه لم يقدم شيئا سوى طلب الصبر ومحاولة التركيز حتي أستمتع بالروحانية في الصلاة كحال الآخرين .
- إنتابني القلق والدهشة من حالي عندما أسمع أن هناك من لا يعتريه الشرود ليستمتع بالصلوات لأقوم برصد وإستقصاء لزملائي بما يعتريهم أثناء الصلوات ليشاركني الكثيرون فى أنهم يشردون أثناء الصلاة بل بلغت الجرأة بأحدهم بإعلانه أن الخيالات الجنسية تداهمه , ولكن حيرتي لم تتبدد عندما يعلن البعض عما يعترية من صفاء وروحانية عند الصلاة وممارسة الطقوس ليحيرني مشهد تضرع البعض لدرجة البكاء عند الصلاة وتقبيل الأيقونات , فلم افهم حينها تفسير هذه الحالة لأكتفي بمصداقيتي مع نفسي .
- عندما إمتلكت قسط من التحليل النفسي وفهم آلية الدماغ إكتشفت ان كل من يدعي بعدم الشرود أثناء الصلاة غير صادق , فالدماغ يتعامل مع صور مادية حصراً وبما هو متوفر من صور دماغية فى أرشيف الدماغ ليقوم بإستحضارها والتعاطي معها ليكون الفرق بين البشر فى حجم مخزون الصور بالدماغ مما يمنح البعض تفوق في الذكاء والخيال .. ومن هنا حتمية الشرود بحكم عدم وجود صور تشخيصية للإله فى الذهن , وإن كنت أري أن المسيحيين وكثير من العقائد القديمة تحايلت على ذلك بإستحضار صور مادية فى أيقونات وتماثيل مما يتيح للبعض خلق حالة من التواصل , ولكن يجب ان لا ننسي أنهم تفاعلوا مع صور مادية وليس كيانات ميتافزيقية مزعومة , كما يجدر الإشارة أن الإيمان والفكر اللاهوتي لا يعتمد تلك الصور والأيقونات كحقيقة .
- إن كل من يدعي أن هناك حالة روحية من الصفاء والتسامي والتحليق الوجداني تعتريه هو كاذب بالضرورة أو قل في أحسن الأحوال أنه يتقمص حالة ذهنية معينة كحال الممثل الذي يتقمص شخصية .. تقييمي أنه كاذب ومُدعي لكون الحالة الشعورية نتاج التفاعل مع الواقع المادي بكل صوره فلا يوجد شئ ولا مؤثر آخر لإنتاج المشاعر , ومن هنا فالإدعاء بوجود وحضور الإله أو الجن أو الملائكة أو التفاعل معهم هو شعور زائف مُضلل لعدم وجود تفاعل مع الميتافزيقا بل لا وجود للميتافزيقا المزعومة وعليه لا يكون هناك أى حالة وجدانية إلا بالتفاعل مع الواقع المادي .
- يبلغ الهطل مداه عندما يتلو الدينيين آيات من كتبهم تعلن عن الحرب والقتل والذبح والسبي متصورين وزاعمبن أن تلك الآيات تمنحهم الروحانية !
- يمكن تفسير الزعم بالروحانية من باب التقمص والتمثيل ففي داخل كل مؤمن مُمثل يتقمص حالة وجدانية يؤديها بتعايش , ولكنه يختلف عن الممثل بإعتقاده أن ما يؤديه ويستحضره هو حضور حقيقي لتترسخ أسطورة الروحانية .
- يُجذر رجال الدين والكهنوت أسطورة الروحانية حتي يكون لهم حضور وتواجد بأدلجة الفكرة بإدعاء أن الإنسان في صراع بين عالمه المادي والعالم الروحاني ليتم تسخييف عالمه المادي وإزدراءه وإعتبار العالم الروحاني الأكثر رقياً وبهاء في ميديا غبية , فالعالم المادي هو كل الوجود ولا وجود لروحانية بل إنهم يعجزون عن تعريف ماهية وكينونة الروح والروحانية !
- الأمور لا تخلو من خلل نفسي وكيمياء تعتري الجسد كتأثير المخدرات التى تخلق حالة ذهنية معينة ليتوهم البعض انه يتعايش فى تجربة ذهنية خاصة ثم يتماهي فى هذا الخيال والوهم لأعزي ظهور ظاهرة الأنبياء والرسل لتلك الحالة النفسية والكيميائية ليصير الوهم والتخيل حقيقة .
- مشهد آخر حيرني امام مقولة الروحانية فقد أعجبني حلقات الذكر لألمح أن بعض المشاركين فيها يمارسون أداء يتفاعلون فيه بكل وجدانهم لأرغب أن أشاركهم وأمارس أدائهم فى الذكر لأنخرط في إحدى حلقات الذكر لأتمايل يمينا ويسارا كبندول الساعة مردداً كلمة الله لألحظ بعد فترة بحالة شعورية غريبة فهناك صفاء وتسامي وشبه إنسلاخ عن الواقع لأحتار أمام هذه الظاهرة التى يطلقون عليها روحانية.
- عندما إمتلكت قسط من علم النفس والدماغ فهمت سر هذه الظاهرة , فهناك شبه فصل للعقل عن الجسد من إستمرار حركة الجسد التى تتم كبندول الساعة بشكل أتوماتيكي مما يفقد الدماغ السيطرة الصارمة على الجسد كحال التعاطي مع المخدرات ليتبع هذا شعور بالراحة والسعادة والتحليق لأمارس تجربة مشابهة فى غرفتي لأقوم بأداء حركي مُكرر مع ترديد كلمة "بانشي" على الدوام لأحظي بنفس الشعور .
- الطبيعة ترسم وتحدد أفكارنا وخيالاتنا , فمن الطبيعة نقتبس صورنا كفكرة الجنه الإسلامية مثلا التي تجري من تحتها الأنهار مع ثمار وفاكهة فى بيئة صحراوية جافة ليخلق الإنسان جنته التى يفتقدها , ومن هنا ففيزياء وكيمياء الحياة تحدد وترسم افكارنا وتخبلاتنا وتصوراتنا ومشاعرنا فلا مُحدد آخر يشارك فى هذا ليمارس الكثيرين خداع أنفسهم بحشر فكرة الروح التى تمنحهم المشاعر والإحساس .
- من الزيف القول بمحبة الله والعيش فى رحابه , فالمشاعر هنا لن تتحقق لعدم وجود التواصل والمقاربة , فالمشاعر لا تتحقق إلا فى واقع موضوعي وأطراف يمكن معاينتها والإحساس بها والتفاعل معها فكيف يكون حب بين طبيعيتين مغايرتين بإعتبار الإله المُفترض ذو طبيعة مُغايرة وغير مُعاين فكيف يتعامل الإنسان مع طبيعة ميتافزيقية ليحبها ويتعايش فى رحابها .
- عندما يردد المؤمنون أنهم يتقون ويخافون الإله فهذا يندرج تحت الغش وزيف المشاعر أيضاً , فالمشاعر والإحساس ناتج عن معاينة وتفاعل وهذا غير حادث لتكون الأمور في خشية الفكرة ليستدعون مشاهد مادية كعذابات الجحيم ومن هنا يتأكد لنا أن الإحساس والمشاعر مُختلقة مُتوهمة من إستحضار مشاهد مادية .
- يرجع الإدعاء بالروحانية إلى غرور الإنسان وغطرسته ونرجسيته فهو يرفض تأثير الطبيعة المادية الغير واعية على جسده وفكره وسلوكه سواء عن جهل أو غرور وتعالي ليتصور فكرة الروح التي تميزه وتمنحه التفوق والإنسلاخ عن الطبيعة ليخلق عالماً من الوهم يتماهي فيه غارقاً فى حالة من الزيف والغش .
- لا يكون تبديد وهم الروحانية تافهاً بلا قبمة ولا معني , فمن يقظة الوعي سيتحرر الإنسان من حالة غش وزيف خلقها حوله ليقترب من المصداقية مع نفسه وليفهم الحياة كما هي بعيون نظيفة .

دمتم بخير
عندما يصير الغش والزيف منهجية حياة وسلوك فلا تأمل ولا تتوسم فى تطور ورقي إنساني .