قضايا جدلية فلسفية حائرة في طريقها للحسم 1


سامى لبيب
الحوار المتمدن - العدد: 7433 - 2022 / 11 / 15 - 14:01
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع     

قضايا جدلية فلسفية حائرة في طريقها للحسم - جزء أول .
- نحو فهم الحياة والإنسان والوجود (125) .
- درس في الإلحاد – جزء سادس .

نحن بصدد سلسلة جديدة من كتاباتي تعتني بقضايا واسئلة وجودية وحياتية فلسفية جديرة بالبحث والنقاش لأعرض فيها رؤي الفلاسفة والمفكرين بشكل موضوعي غير منحاز وإن كانت الأمور لن تخلو من طرح رؤيتي .. إذن نحن أمام رؤي فكرية متباينة لكل منها وجاهتها لنعرضها بشكل موجز غير منحاز وإن كانت الأمور تنحاز نحو الفكر والمنطق الأقوي ليُسمح بوجود المنطق الأضعف بالتواجد كإحتمالية في أحسن الأحوال .
إذا كنا نعرض بموضوعية الرؤي الفكرية المتباينة التى تخلق الجدل فلا يعني هذا أنها لم تُحسم لأعرض الرؤية الحاسمة للعلم طالما الفلسفة والمنطق لم تحسم الأمور بشكل نهائي .

القضية الأولي : هل الله موجود ؟
- أستهل هذه السلسلة من " قضايا جدلية فلسفية حائرة " بقضية وجود إله حيث هذه القضية تستأثر بإهتمامي دوماً لأعتبرها من القضايا الحيوية الجديرة بالجدل وعدم الإهمال .. إذن قضية هل الإله موجود أم لا من القضايا الفلسفية الجدلية الملحة والحيوية , لتستهلك هذه القضية الفلاسفة والمفكرين ردحاً طويلاً من الزمن دون أن يتم حسمها فهل مازالت تلك القضية مُحيرة غير محسومة حتى الآن ؟!

- فلنبدأ بفكر وأطروحات المؤمنين بوجود إله كذا رد الرافضين لهذه الفكرة , فوفقاً لفكر أصحاب الأديان عن فرضياتهم ومعطياتهم وتصوراتهم للإله , سنجد نقد شديد لأطروحاتهم من قبل الملحدين واللادينيين لما تحمله هذه التصورات من سذاجة وهراء , ولكن نقد الملحدين واللادينيين لفكرة الإله وفق طرح الأديان لا ينفي منطقياً وجود إله فقد يكون هناك إله مغاير ومخالف للصور التى قدمتها الإديان وهذا ظهر في الفكر الربوبي الذي قدم فكرة مغايرة عن إله الأديان الإبراهيمية مثلاً , ومن هنا لا يمكن إعتماد صورة الإله الإبراهيمي كصورة متفردة وحيدة للإله .

- إذن فليكن سبيلنا في البحث عن وجود إله هو المنطق بالرغم أنه لم يحسم نهائياً وجود إله من عدم وجوده ليكون المنطق مثيراً للشك فقط في تفرد فكر ومنطق المؤمنين بإله وليس نافياً قاطعاً لمنطق إيمانهم .
تكون السببية هي المنطق المطروح لإثبات وجود إله من قبل المؤمنين بوجوده , فلكل سَبب من مُسبب ولكل حَادث من مُحدث وهذا يعني أن الله هو المُسبب والمُحدث , ليجد هذا المنطق قبولاً من المؤمنين ونقداً من الملحدين بمنطق مقابل فهم لا يرفضون السببية على الإطلاق فهناك فيزياء الكم التى تفسر الامور بلا سبب ولكنهم يعتمدون ايضا السببية ليعلنون عن الجانب الآخر منها , فليس من المنطق تفرد المُسبب العاقل في الإتيان بالوجود والحياة من منطلق فكرة أنه من الأهمية بمكان إثبات أن هذا السَبب من ذاك المُسبب حصراً كذا ليس مصدر كل النيران من عود كبريت لتأتي إشكالية المؤمن في إثبات ذلك فلا يجد وسيلة سوى التشكيك في أطروحات أو فرضيات أخري وطرح أسئلة ساخرة لأي إجابة بديلة .

- إذن ورطة المؤمن في طرح إجابات منطقية أمام تشكيك الإلحاد المنطقي لا ينفي وجود إله ولا يعتمد فكر الإلحاد في رفض وجود إله وإعتباره وهماً , فمازالت السببية تتحمل وجود المُسبب العاقل وأن إحدى مصادر النيران من عود كبريت كفرضية من ضمن الفرضيات ليكون الفكر الإلحادي مشكك فقط في تفرد السببية والمُسبب .

- هناك تشكيك بسيط لفكرة وجود إله تعلن عن نفسها ببساطة بأننا لا يمكن لنا معاينة وتلمس وتجربة الإله , فالإله ماهو إلا فكرة راودتنا لحل مشكلة جهلنا بالحياة والوجود .
يكون الرد الإيماني المتهافت بتأكيد وجهة النظر الإلحادية بإعلان أن الإله يمكن معاينته من خلال تأمل أفعاله وصنعه في الطبيعة والحياة وهنا يتم نسب تفسير الغموض والأسئلة للإله وهذا موضع السؤال والحيرة فلم يحل يذلك شيئا , لتظهر رؤية منطقية إيمانية بأن مالم نقدر على إكتشافه ومعاينته ليس بالضروروة غير موجود فنحن لم نكتشف الميكروب والأشعة البنفسجية ألخ إلا حديثاً فهل يعني هذا أنها لم تكن موجودة قبلا .
يرد الملحد بأن هذا المنطق صحيح ولكنه يراوغ ويحتال , فالإله لن يتم إكتشافه ومعاينته غدا ولا بعد مليون سنه بحكم أن الإله ذو طبيعة غير مادية حسب زعم المؤمنين فيستحيل إكتشافه ومعاينته .

- هذا بإختصار ما جعل فكرة وجود إلله فكرة جدلية لم يتم حسمها فلسفياً فكل ما يقدمه الملحدين هو التشكيك في وجوده مقابل أطروحات المؤمنين الدوغمائية التى لا تقدم منطقاً متماسكاً بل منطق إنتقائي يرددونه عاجزين عن الرد علي الفكر والمنطق الشاك لتظل فرضية وجود إله قائمة كإحتمالية فقط ولتنحصر الأمور في فكرة الإيمان الذي لا يجد ما يقدمه في الرد علي الفكر الإلحادي , كذا لم يفلح الإلحاد في تقديم فكر ينهي هذه الجدلية نهائيا .. فهل يعني هذا أن قضية وجود الإله غير قابلة للحسم .

- في تصوري أن قضية وجود إله من عدم وجوده حان وقت حسمها وإنهاءها وفق البحث في سبب نشأة وجود هذه الفكرة , ففكرة الإله جاءت كحل إنسان جاهل أمام أسئلة وألغاز الحياة والوجود , ففكرة الإله جاءت نتاج العجز والجهل عن تفسير مظاهر الحياة والكون وكيف جاء ليصل الإنسان لمظاهر ومشاهدات يراها ولا يعرف تفسيرها فيكون الإله هو الحل لتلك الأسئلة الغامضة العويصة .

- إذن العلم والبحث العلمي الذي يخوض في نشأة ووجود الحياة والكون هو الكفيل في حسم وجود إله أم لا وليس الفلسفة والجدل , فكل ما يقدمه العلم من معرفة ونظريات عن الحياة والكون ليس كفيلاً بسحق هراء الأديان فحسب بل لن يسمح بوجود مربع خالي يتواجد فيه الإله بإعتباره الصانع والخالق .
إن حسم قضية وجود إله أم إعتباره وهماً يأتي من إجابة العلم علي أسئلتنا الحائرة والغامضة عن الحياة والوجود وهذا يتطلب مثابرة وإجتهاد دائم في البحث العلمي فلم يعد الإله مُسببا للأمطار والكوارث الطبيعية كما في الأديان , فقد إستحدث المؤمنين به الغموض في تكون الخلية الحية والتفاعلات العضوية وقد أجاب العلم الحديث علي الكثير منها ومازال البحث مستمراً حتي لا يوجد مربع تختبأ فيه فكرة الإله .. هكذا يكون حسم فكرة وجود إله وإعتباره وهماً .

- العلم يتطرق أيضا لقصة الخلق لينفي إمكانية الخلق , فالخلق هو إيجاد شئ من العدم وهذا غير حادث في الحياة والواقع فالمادة لا تُخلق من عدم ولا تُفني للعدم ومن هنا تتبدد قصة الخلق المزعومة والإله الخالق لتُحسم القضية في عدم وجود إله .

دمتم بخير .
فكرة الإله نتاج جهلنا بالحياة والوجود ومتى أدركنا أسرار الحياة والكون فلن تجد فكرة الإله مربعا تتواجد فيه .