الفكرة التي أنتجها الطغاة لأدلجة الإستبداد والإنتهاك


سامى لبيب
الحوار المتمدن - العدد: 7458 - 2022 / 12 / 10 - 17:48
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع     

خربشة عقل على جدران الخرافة والوهم (103) .

كتبت عشرات المقالات التى تُفند وجود إله أبرزها سلسلة "500 حجة تُفند وجود إله " ليتركز هذا البحث في فضح وهم وهشاشة وعدم منطقية فكرة وجود إله , ليبقي هذا البحث يخص ويعنى الباحثين عن الحقيقة .
لا ضرر ولا مشكلة في الإعتقاد بوجود إله فهذا يرجع للإنسان الذي يرتضي ويستعذب ويتعايش مع الوهم , ولكن فكرة الإله أخذت مساراً آخر فقد أضحت فكرة ضارة ومدمرة للبشرية فى عصرنا الحالى بغض النظر عن وجوده أو عدم وجوده , فمنشأ فكرة الإله هى مصالح ورغبات الأقوياء والسادة لتحقيق مصالحهم وهيمنتهم فى إطار فكرة تتعامل مع الغموض والوجود والحيرة الإنسانية , وهذا ما سنتطرق له هنا .

تُعتبر فكرة وجود الإله من الأفكار التى حظت بأكبر ميديا ورواج وإستهلاك عند الجنس البشرى لتهيمن على عقول الكثير من البشر منذ البدء وحتى الآن , لتطوف بكل العصور بغية الوصول لفهم لغز الوجود والحياة , وليستأثر هذا الجدل بعلم الفلسفة وعلم النفس والإجتماع والميثولوجيا والإنثربولوجى .

فكرة الإله شديدة الثراء كونها توائمت مع إحتياجات الإنسان النفسية فى ظل جهله وصراعه مع الوجود الطبيعى , و لا أرى أن فكرة الإله جاءت حصراً من أجل تفسير غموض الوجود والحياة بل تعبير عن مصالح وأيدلوجية الأقوياء في السيادة والهيمنة كما سنرى , ولتأتي أيضا لتلبية حاجات نفسية داخلية عميقة لتتخلق مفردات فكرة الإله وليستفيد منها أقوياء الأرض , وليضيف كل جيل رؤى وإحتياجات إضافية تتحمل طموحاته وجهله , وقد تعرضت فى سلسلة "لماذا يؤمنون وكيف يعتقدون" للكثير من فسيفساء النفس البشرية التى شكلت الفكرة لتصل لحالة تجسيد الوهم .

أتصور أن فكرة الإله باحثة عن معنى وغاية إنسانية , فبالرغم من إنعدام وجود الإله كوجود مُتحقق مُعاين ليبقى فى إطار فكرة أنتجتها المخيلة الإنسانية لتفى حاجاتها النفسية فى ظل حالة العجز المعرفى فى مواجهة الطبيعة والحياة ومحاولة إدراكها إلا أن هذه الفكرة صارت موجودة وذات معنى فى عالمنا المعاصر بعد أن تركت ترسبات على النفسية والذهنية للمؤمنين بوجود إله , لتبدأ الأمور بفكرة وتخيل ورؤى ثم تمارس الفكرة حضورها وهيمنتها .

صدقاً ليست القضية في وجود الإله من عدمه بالرغم من أهمية البحث وحسم هذه القضية , وبالرغم أن فرضية وجود الإله تحول الإنسان عن فهم الحياة والوجود وتنحرف ببوصلة الوعي بعيداً, ورغم كل هذا فليؤمن من يؤمن فمن يريد العيش في الوهم والخيال فليعيش لتكون قضيتنا هل وجود الإله بفرضياته مُفسد للناحية الذهنية والنفسية والسلوكية للإنسان لتصير فكرة الإله شديدة الإنتهاك .. هذا هو بحثنا , ففكرة الإله أضحت فكرة ضارة على مستوى إدراك الانسان للوجود المادى الموضوعى بإنصرافه عن البحث وإعتماده على حلول وهمية غير واقعية لا تفيده فى حل مشاكله وآلامه .

- فكرة الله تقدم نظرة خاطئة مُضللة لفهم الوجود فهى تعبر عن جهلنا لفهم وإدراك الحياة , فكل ما نجهله نضعه على شماعة الإله الذى أنتج هذا الفعل ليتشكل نهج فكري فاسد مارسه الإنسان القديم وليستمر المؤمن المعاصر يُمارسه حتى الآن بتحميل شماعة الله كل الحيرة والجهل المعرفى والإكتفاء بذلك , فليس هناك أسهل من القول بأن الإله فعل ذلك , فالإنسان القديم فسر كل الظواهر الطبيعية بأن الآلهة أنتجتها , بينما الإنسان المعاصر تجاوز كل سذاجة القدماء وأدرك أسبابها المادية وللطرافة مازال يردد ذلك , ليبقى لديه بعض الغموض والأسئلة الحائرة عن كيفية تكون الخلية الحية والوظائف الكيميائية الحيوية ليترجم هذا فى إبتداع فكرة التصميم الذكى التى لا تزيد عن إبداء الدهشة بأن هناك من صنع هذا .

- فرضية الإله فى نشأتها الأولى كانت ذات جدوى فى ظل جهل معرفى هائل ورغبة فى إيفاء أغراض وإحتياجات نفسية لتملأ فكرة الله هذه الفراغات عن جدارة وتمنح الإنسان التوازن النفسى وسط حالة من الخوف والألغاز والصعوبات التى يواجهها , ولكن إمتداد هذه الفكرة لتمد ظلالها على عالمنا المعاصر صارت مُشبعة بالضرر والإعاقة للتطور الإنسانى .

- الإيمان بفكرة الإله يعني الخوف منه , فالخوف أساس الإيمان لذا من الهراء القول بأننا نحب الله ليس من منطلق أن هذا الحب إفتراضي يفتقد لعلاقة ومشاعر محسوسة حاضرة متبادلة بل من منطلق أن الخوف لا ينتج حب .
- قد يقال اننا نحب الله ونخافه فى ذات الوقت كما نحب الأب والقائد ونخشاهم وهذا خلل وتشوه نفسي ينتج مازوخية لذا يكسب الأباء والطغاة والأقوياء من هذه الحالة النفسية المازوحية فتدوم سطوتهم فلا تسأل عن حال شعوبنا مع الطغاة حيث الحب الوهمي والخوف في الضلوع .

- فكرة الله تقدم نظرة خاطئة مُضللة لفهم الوجود فهى تعبر عن جهلنا لفهم وإدراك الحياة , فكل ما نجهله نضعه على شماعة الإله الذى أنتج هذا الفعل , لذا ففكرة الإله هروب من جهلنا والغموض الذى يحيط بنا ليكون محصلة هذا نتائج سلبية , فيظل الإنسان أسير مربعات جهله بينما لو تحرر من فكرة الإله وكسر هذه العزلة التى قيد نفسه بها سيقضى على جهله , فهكذا تطورت البشرية عندما دخل الإنسان المعمل بدون أن يُقحم فكرة الإله وحكمته فى عمله وأبحاثه .

- مبدع فكرة الإله إعتمد على التجهيل وتحريم السؤال ليمرر التقرير حتى تجد الفكرة حضوراً بلا قلق , ولنتأمل مشهد الإختبار الإلهى الأول فى قصة آدم حيث جوهره يتمثل فيما يُطلق عليه شجرة "معرفة" الخير والشر , لتصيب فكرة الإله العقل البشرى بالجمود والقولبة وفوبيا السؤال والمعرفة .

- تزداد ضحالة فكرة الإله وضررها عندما تُخدر الوعى الإنسانى عن التناقض والأسئلة الغامضة , فما أن يواجه المؤمن تناقض أو مشهد فج غير مفهوم أو غير منطقى حتى يسارع بالقول أن هناك حكمة إلهية لا ندركها أو أن عقولنا محدودة بائسة وبذا يُخدر وعيه عن الإدراك ويشل ذاته عن البحث النزيه ليرزح تحت ظلام الجهل وعدم إقتحام الغموض والتناقض .. الإنسان لم يتطور ويعىّ الحياة والوجود إلا عندما تخلص من هيمنة فكرة حكمة الإله المجهولة .

- لنا أن نتوقف عند المفهوم الإيمانى الأول الذى سلب الإنسان إنسانيته , فهو جاء رغماً عنه بدون إرادته ووُضع فى إختبار إلهى رغماً عنه ومطالب بالعبادة والتضرع للإله رغماً عنه وإلا الإنتقام الإلهى بتعذيبه .. هذا المشهد الإيمانى الذى يقبع فيه المؤمن وينصاع إليه ينال من قيمة الإنسان لتُهدر فى داخله مفهوم الإرادة والحرية ويصل به الحال إلى الإستسلام والرضوخ للأقوياء وكل من يمتلك مفردات القوة المفرطة .

- تكون فكرة الله ضارة على المستوى الإجتماعى والإنسانى فعليك أن تقبل بإرادات وخطط مُقدرة من قبل كائن غيبى أراد هكذا أمور , فبؤسك وشقائك ومرضك ورزقك ليس نتاج ظروف مادية من الممكن معالجاتها وتجاوزها ولكن وفق إرادة مَخططة مُدبرة مُريدة أرادت هكذا أمر وعليك الإستسلام لها وعدم التمرد بل الخضوع لمشيئتها وشكرها على أفعالها .. تتطرف فكرة الإله فى مسخ الإنسان فلا تكتفى بوجود الإنسان رغماً عنه ولا بتحديد أقداره ومصائره بل تصل لتحديد مصيره بعد الموت فلا يستطيع المرء أن يغير ويعدل من مصيره ! .. هنا تصبح فكرة الإله شديدة العبثية والضرر فى أنها تسلب وتستلب الإنسان وتكبله عن الحراك والتغيير ورفض الواقع السئ المؤلم الذى يعيشه , ويزداد ضررها عندما تصنع أيدلوجية ومظلة لكل الطغاة والمستبدين فى أن ينعموا بحياة هانئة بسحق ومص دماء البسطاء والمهمشين الذين لا يملكوا من أمرهم شيئا سوى التسليم للإله الذى خطط وقسم الأرزاق ورسم الأقدار , وحتى تنفيس الغضب سيتم توصيفه بأنه مشاعر حقودة حسودة ليست مطلوبة فهناك إله سينتقم منك لأنك حملت فى داخلك مثل هكذا مشاعر خجولة بالرغم أنها ليست بذات جدوى !

- فى ظل حالة تهمييش الحياة وتبديدها من أجل عدم قادم تحل الإزدواجية والنرجسية فى الطريق , فوفقاً للإيمان بفكرة الله ينتاب المؤمن حالة من الغرور والغباء الشديد أو قل محاولة لرفض عدميته وتهمييشه ليتوهم أن الحياة والوجود جاء من أجله فهو محور الوجود , وما جاءت الحياة والكون إلا من أجل عيونه الجميلة بينما الحياة والطبيعة والوجود غير معتني بوجوده , ليتخلق فى داخله غرور أجوف متعالى يلهث وراء التمايز والفوقية .

- هذا الفكر الخاطئ بفكرة إله مُعتنى مُدَلل إختلقه الإنسان مع إمتلاكه الوعى المفارق عن الطبيعة وفى ظل حالة نفسية تبحث عن إثبات ومعنى للوجود من خلال الإحساس بالقيمة , ولكن خطورة هذا الوعي أنه يُخدر الإنسان عن الوعى الحقيقى وفهم قيمته الحقيقية وإستحقاقه للوجود , فعالم الدخان الأزرق يُخدر صاحبه عن إدراكه لحجمه وقدراته ونضاله من أجل أن يكون له قدم راسخة على الأرض , فالطبيعة لن تلعن أحد أو تزدريه لفهمه الخاطئ ولكن الفهم الخاطئ سيأسر صاحبه فى أوهام لن تعينه على تثبيت أقدامه .

- فكرة المحورية والتمايز التى هيمنت على الفكر البشرى لا تقبل بتمظهر واحد لتمد ظلالها تطلب التحقيق دوماً , وخاصة فى واقع معيشى لنجد تحقيق المحورية والتمايز فى فكرة شعب الله المختار وشعب المسيح المخلص وخير أمة أخرجت للناس ولا مانع من حالة تمييز بين المذاهب والطوائف والأجناس المختلفة فى إطار ذات نفس الفكرة المؤمنة بالتمايز والمحورية .

- الإيمان أسس أيدلوجية وفوبيا الخوف بين الضلوع فنحن نخاف من الخطيئة والذنب .. نخاف الشيطان والجن والعفاريت .. نخاف من العقاب الإلهى وإنتقامه .. نخاف الطغاة .. نخاف من الغد .. نخاف من الآخر بالرغم أنها كلها أفكار وصور .. الخائفون المرتعشون لا يصنعون حضارة ورقيّ .

- الإيمان بالآلهة أقبح ما توصل إليه الفكر البشرى فقد حول إنسحاقه وضعفه إلى وجود وتماهى فى حالة من المازوخية والهوان , فقبح الإيمان بإله يأتى من إنسحاق الإنسان أمام مفهوم الخوف والقوة والقهر والتعايش معه , والرضا بمفهوم العبد ليتم مسخ الإنسان وإنسحاقه وتهمييشه وتأسيس منهجية الإستبداد والتفرد لقوى البطش , لتعيش الإنسانية أحقاب طويلة تُمجد وتنسحق أمام الطغاة , لنسأل هنا هل الطغاة الأوائل إخترعوا فكرة الإله ورسموها ليمارسوا ويؤدلجوا من خلالها سطوتهم وقهرهم أم أنهم إستثمروا وجود الفكرة .. أتصور الأولى هى الصحيحة وتمت بشكل عبقري .

- لا تسأل عن الإنسان المقهور والشعوب المقهورة فمفهوم القهر متلازمة مع الإنسان بحلول فكرة الإله القاهر لتصير منهجية حياة لا تتوقف على أصحاب القوة والهيمنة لتمد ظلالها لكل إنسان بسيط يستطيع أن يمارس قهر من تحت يده كقهر المرأة والأطفال والأقليات , لتكتمل المأساة فى إعتبار القهر حق من الحقوق وطبيعة لا تستحق التوقف والرفض .

- الإيمان بفكرة الله بمنظور عبوديته والخضوع له شكل منهجية داخل المؤمن لتؤسس لقبول الذل والرضا بحالة دونية ولتتشبع نفسية المؤمن بهكذا نهج فى التعاطى مع فكرة الإله لتمتد ويتم إستحضارها عند التعامل مع أى قوة مُفرطة بل يمكن إعتبار حالة العبودية الفكرية تجاه فكرة الله أكثر ذلاً من جيل العبيد الأوائل لتتشكل نفسية دونية حقيرة ترضى بالذل وتتمرغ فى مستنقع الإهانة , فإذا كان العبيد الأوائل رضخوا وإستعبدوا تحت ضغط قوة باطشة ماثلة أمام عيونهم ليرتضوا بالذل حفاظاً على حياتهم , فما معنى ذل المؤمن المعاصر الذى يرضخ لقوة غير حاضرة يتوهم أنها تصيبه بالألم فبدلا من أن يعلن غضبه وثورته عليها يخر ساجداً ليردد كالأبلة " الحمد لله" , ليمكن توصيف هذه الحالة بخلل نفسى مازوخى يستعذب الألم والمهانة , فعندما يعتقد المؤمن أنه لا يملك من أمره شيئا وأن عليه إستقبال كل المصائب بنفس راضية بل توجيه الشكر للسيد الذى أراد إيذاءه بالعبث بمقدراته , فلا يمكن توصيف هذه الحالة إلا بأن هناك عقلية ونفسية عبيد وحالة مازوخية متردية .

- هناك خلل فكري ونفسي عندما تجد إيمان وقبول بفكرة إله باعتباره المُبتلي والمُنقذ في نفس الوقت فكيف يتقبل المؤمن التعايش مع هكذا فكرة متناقضة , ولكن الخطورة في إسقاط هذه الفكرة علي حياته وواقعه فهو يتقبل بأن الطاغية يمنح ليكون له الإمتنان ويبتلي ليكون له الرضوخ !

- يزداد ضرر الإيمان بفكرة الإله عندما تتأسس نفسية الخنوع والتمتع بالإذلال , فالمؤمن يناله البلايا من الإله وفقاً لإعتقاده , وليس أمامه سوى أن يَحمد ويَشكر الإله على إذلاله وآلامه , فأى رفض وإستنكار لهذه الآلام والإذلال هو كُفر بالإله ستكون عواقبه وخيمة , ليرضى المؤمن بالمَذلة والإنسحاق والدونية متوهماً أن حياته ترتهن بأوامر القابع فى السماء , فلا قدرة له ولا يحق الرفض والإستياء والإستنكار لأقداره المؤلمة , لتتدرب النفس البشرية على قبول الخنوع والإذلال من أقوياء الأرض بل الإحتفاء بهم مثلما رأينا الشعب العراقى يحتفى بصدام حسين , فهكذا تأثير الفكرة على الإنسان ليسقطها ويتعامل بها فى مشاهد أخرى , فقد تدرب فى مركز تدريب الإيمان بالإله , ولكن للدقة أقول أن فكرة الإله البدئية جاءت من إرادة وإبداع طغاة البشر فى الهيمنة والسطوة لأيدلجوا نهجهم من خلال فكرة الإله .

- لنا ان نتوقف أمام فكرة علاقة عبودية الإنسان للإله ونسأل من أنتج وأبدع هذه العلاقة أليس سادة الأرض فهم من مارسوا السيادة علي العبيد , ومن هنا نسأل هل مُبدعى فكرة الإله ومُسطري الأديان إستعاروا صورة العبودية من الواقع وأسقطوها على فكرة الإله أم أن الإله هو من له هيئة السيد ونحن من إستعرنا منه مشهده فخلق لنا النظام العبودى ليكون لنا مثال نفهم من خلاله العبودية !! . ولكن مشهد العبودية للسادة على الأرض هو الحاضر والذى نراه ونتعاطى معه ولم نشهد مشهد الإله السيد .. نحن من رأينا الملك السيد الجالس على كرسيه يحمله ثمانية من العبيد الأشداء ولم نشهد الإله الجالس على عرشه يحمله ثمانية من الملائكة الأشداء بل هم قالوا لنا .. فمن إستعار المشهد مِنْ مَنْ ؟!

- فى تصورى أن نفسية العبودية للإله جاءت كإمتداد لذهنية وإرادة السادة فى العالم القديم , فيمكن القول أنه نوع من تكريس مفهوم وسيسولوجية العبودية مما يقوى من دعائمه المجتمعية ويجعله يستمد قوته من إله السماء الذى يصبح هو السيد بينما البشر هم العبيد , فهكذا نهج الحياة والوجود لتتقدس هيمنتهم وتمد العلاقة بين السيد والعبد لتجعلها أزلية من خلال السيد عندما يكون سماوياً , لذلك لا غرابة أن كل التشريعات فى الأديان الإبراهيمية كرست العبودية وأقرتها بل وضعت النواميس التى تنظم علاقة العبيد بالسيد الأرضى , فأى خروج وتذمر على هذا النهج لن يسمح له بالوجود .

- خطورة إمتداد فكرة العبودية أنها تصنع ظلال قاتمة لتمد أجنحتها لتمارس دور تخريبى فى النفس البشرية , فالإتكال على السيد وترك الأمور بحوزته هو نوع من الهروب والإستسلام للواقع , فالرضا والقناعة بالأقدار والأحداث وقبولها بإمتنان وشكر هو تعجيز وشل قدرات العقل عن التفكير والتغيير .

- إن نفسية العبيد لا تنتج لنا نفوس وعقول مشوهة فحسب تستعذب الإستسلام والخنوع بقدر ما تنتج أجيال تتمرغ فى الضعف والهوان والإتكال .. أجيال مُفتقدة للحرية والنقد والقدرة على التغيير والإبداع والتطور , لتمتد قتامة الصورة بمناهضة المُستعبدين المقهورين لكل من يحاولون الخروج عن الطوق .

- ولى عصر العبودية ولكن للأسف مازال هذا العصر البغيض يطل علينا ويلقى بظلال كثيفة على عالمنا المعاصر من خلال فكرة الإله السيد لتسقط على مناحى أخرى .. ففى زمن العبودية كانت كل الحقوق والسيادة والهيمنة للأسياد وكل المهانة والسخرة والخنوع للعبيد .. وللأسف لم يولى هذا العصر إلا تاركاً وراءه ترسبات على جدار النفس البشرية لتتبدل صور السيد والعبد , ويحل الإله مكان السيد ويظل العبد فى صورته الإنسانية مُبدلاً سيد السماء بدلاً من سيد الأرض , لذا يكون المؤمن قادرا على إستقبال كل المصائب والملمات بصبر وحمد وشكر دون أن يستنكر أو يتذمر , فروح العبودية تسكنه لم تبارحه بعد .

- من هنا يمكن تفسير لماذا تحظى شعوبنا العربية التى تهيمن عليها فكرة الإيمان بعبودية الإله بنصيب وافر من الحكام والأنظمة المستبدة حيث المُستبدون حاضرون دوماً كنتاج طبيعى لسريان ثقافة العبودية فى شرايين هذه المجتمعات لتنبثق عنها وتتولد قدرة على هضم الذل من الحاكم أو أى إنسان ذو بأس , فإذا كنا نتحلى بثقافة العبودية التى تجعلنا ننسحق أمام إله غير حاضر وغير ماثل للعيان لنمرر هذا , فمن اليسير بلع مظالم الطغاة فعلى الأقل هم حاضرون يحملون هروات غليظة ماثلة لعيوننا .

- الفكر الإيمانى بقوة خارقة قاهرة باطشة لم يجلب الخوف فقط بل إستدعى حالة دونية تقلل من قيمة الإنسان لذاته لدرجة التحقير .. فتعاطى المؤمن مع ألوهية الإله يحاط بسياج من الغموض والتابوهات والتحذيرات منذ نعومة الأظافر لتقتل روح الفكر والسؤال , فهم يروجون أن الإنسان كائن ضعيف محدود العقل لا يقدر أن يستوعب الإله فلا تفكر ولا يسأل السائلون عن أشياء تسؤوهم , فعقولكم ضعيفة واهنة قاصرة مهما فعلتم .
من هذا التابو يترسخ فى الداخل الإنسانى إحساس بالعجز وإحتقار قدرات العقل وجدوى العقلانية وقدرات العلم ليتجمد عقل المؤمن , فهناك معرفة لن يدركها وحكمة لن يستطيع سبر أغوارها لينال العقل الشلل العظيم .

- عندما يرضى المؤمن بأن يأتى إلى العالم بلا إرادة ويساق إلى عالم آخر بلا إرادة , ويقبل بالأحداث التى بينهما من أقدار مكتوبة , وعندما يتم إقناعه أو للدقة قولبته على الاعتقاد بأنه عبد يؤدي وظيفة لا يحتاجها سيِده , وعندما يؤمن بأنه جاء من أجل غاية إله , ليتحمل فكرة عقاب لانهائى على أخطاء محدودة من وضعها الإله أمامه , وعندما ترى العقاب يتسم بالثأر والإنتقام والسادية فعليك هنا أن تتوقف وتفكر قبل أن تبدد حياتك فى هذا الهراء , فالحياة هكذا بلا قيمة ولا معنى , فقبولك بهذا الأمر دون أن يستوقفك لتسأل عن معنى وجودك فى هذه المعادلة فهذا يعنى بلا شك عقلية ونفسية عبيد .

- عندما توجد فكرة ترفض وتلعن وتقبح من يفكر فيها ويهدد أصحابها الذين ينصرفون عنها فهنا ستعلم لماذا نتحلى بالبلادة ولماذا يستوطن الإستبداد والقسوة والإقصاء فى مجتمعاتنا .

- فكرة الإيمان بالآلهة أفسدت العلاقات الإنسانية بين البشر كون المؤمن أدخلها فى المُطلق بعد أن جعلها هويته ورمزية إنتماءاته فهو يُكَون موقف مستنفر قد تصل للعدائية أمام من يرفض إلهه ورموز مقدساته ليجعله مشروع مناهض له شخصياً , وليتماهى أكثر فى شرنقته منتجاً سلوك عدائى إقصائي .

- من أبدع فكرة الإله إنسان شرير إعتنى بالتمايز والقهر والإستبداد والوصاية , فلن يكون مقبولاً أن تعبد الإله الواحد بدون النسخة الإيمانية التى أؤمن بها ويزداد شراسة الفكرة لتحرق أصابعها فلن يكون مقبولاً أن تعبد الإله وتنتمى لنفس الدين بمذهب مغاير فهناك فرقة واحدة ناجية و72 فرقة فى النار .

- فكرة الإله المُسيطر المُتربص المُهيمن المُراقب لأفعال البشر المُحاسب على أفعالهم جاءت من المؤسسات الدينية لتفرض ذاتها على عقل الإنسان بالرغم من شدة وطأة فكرة الهيمنة والترصد والتربص , ليأتى قبول المؤمن لها من منظور الإحساس أنه قيمة ذات إعتناء وليس وجود هامشى عدمي , فهناك من يعتنى ويرصد ويهيمن ويرسم الأقدار لإعطاءه إحساس بالقيمة ليجد هذا سهولة لدى المؤسسات الدينية التى هى تعبير عن نخب سلطوية وطبقية حاكمة فى تمرير الوصاية والهيمنة والإستبداد ليكون الدين هو إحدى التمظهرات بينما الجوهر هو الخضوع للمنظومات الحاكمة المستبدة .

- هناك شئ جدير بالتوقف والتأمل فالعقاب الإلهي للإنتقام السادي وليس للإصلاح والتقويم , فمفهومنا الإنساني عن العقاب هو إصلاح وتقويم المخطئ ومنحه فرصة للحياة بعد عقابه , بينما العقاب الإلهي بلا فرصة وبعقاب لانهائي لأري أن هذه الفكرة هي نتاج إنسان سادي سوداوي وللأسف تجد تسليماً عند المؤمنين مما يخلق في داخلهم القسوة والبلادة .

- لماذا هناك دول وأنظمة قمعية تُمارس التعذيب ؟ لماذا تم ممارسة التعذيب طوال التاريخ البشرى ؟ التعذيب هو إستدعاء السادية والشراسة والعنف الكامن داخلنا للتصعيد والتفعيل والتلذذ بممارسته , لتجد السادية حضورها فى كل فكرة أو دين أو أيدلوجية تتسم بالشمولية تطرح الحقيقة المطلقة , فعندما تتأمل فكرة الإله المُفترض تجد عقابه عبارة عن تعذيب هائل لا يناظره تعذيب وبلا حدود زمنية كما يقولون , فأليس فكرة الإله هذه هى الصورة الأوضح التى أدركنا منها السادية والتعذيب .
- منشأ الإستبداد والديكتاتورية والتوحش هى فكرة من يَمتلك يحق له أن يُعذب , فالله سيُعذب البشر الذين لم يخضعوا لحكمه وجبروته ولم يقدموا فروض الطاعة , ولو توقفت أمام هذا المشهد وسألت ما هو المُبرر أن يعذبهم كل هذا العذاب السادى ستجد من يقول لأنه سيدهم ومالكهم , لتسري نظرية أن من حق كل من يمتلك أن يُعذب , فهكذا مارست كل المنظومات السياسية الإجتماعية المتوحشة قسوتها بدءاً من مجتمعات العبودية لتمارس على نفس المنوال كل سلطة وايدلوجية تعذيبها وان إختلفت تمظهرات ودرجات التعذيب ليبقى السؤال عن مَن رسم الصورة وأسقطها على الآخر هل الإنسان أم الإله , لأقول أن الإنسان الذى مارس البشاعة قد أدلجها بفكرة الإله .. ففكرة إله يعذب جاء من وحي وتأثير وثقافة مجتمع الأسياد لتتشرعن بعد ذلك فكما يوجد إله يعذب فى السماء فهناك أسياد يعذبون فى الأرض .

- لماذا تجد الإستبداد فى المجتمعات التى مازالت تتلحف بالمقدس ؟ لأن الإيمان والأديان هى نظم لحكم جماعات إنسانية قديمة مارس فيها الملوك والساسة والسادة الحكم بالإستبداد , فالأديان لم تخرج عن صياغة إجتماعية لمجتمع بشرى يُسوق لحكم السادة ليتغلل فكر الإستبداد النسيج الداخلى للدين أو المعتقد وليصبح نصيب الشعوب التى ترتمى فى حضن المقدس حظ وافر من الموروث الإستبدادى المتوغل فيصبح ثقافة جمعية .

- لماذا المجتمعات البشرية التى تدين بتعدد الآلهة أكثر إنسانية من المجتمعات التى آمنت بإله واحد , ولماذا كانت أكثر حضارة ؟. التعصب والتزمت ظهر مع التوحد والتوحيد , كون هناك إله واحد يحتكرالحقيقة فلا يسمح تابعيه لأى فكرة أن تقترب منه أو تصاحبه , بينما فى التعدد يتعلم الانسان أن الوجود يتحمل الجميع .

- فكرة الله ترجمة وأدلجة الأقوياء والطغاة لنهج الحياة التى يريدونها فهى فكرة مُستبدة مُتفردة بالحقيقة رافضة لتواجد أى فكرة بجوارها لتناهضها بقوة ويزداد شراسة الفكرة عندما تبحث عن وحدانيتها أو ما يسمونه التوحيد فهى ترفض أى آلهة أخرى مشاركة أو معاونة لتطلب من مريديها عدم قبول أى شركاء لها بل مناهضة من يشرك الإله مع آلهة اخرى , فالله غيور متفرد , بينما المعتقدات التى تسمح بوجود آلهة أخرى تجدها أقل شراسة وتصادم , فالحياة والوجود فى رؤيتهم تتحمل آلهة اخرى لذا يكون التنوع متاح وقابل للتعايش السلمى .

- تتردد مقولات على ألسنة المؤمنين على شاكلة " توكلنا عليك يارب" ,"إن شاء الله" بشكل متكرر وممل ليتم إستهلاكها على الدوام فى أتفه الأمور مثل لسان حال لاعبى الكرة وكأن الإله سيشاركهم اللعب أو يلهمهم ركل الكرة .. فماذا يعنى " توكلنا عليك يارب" و" إن شاء الله" وماهى مدلولها ووقعها وحضورها .. لماذا لا نقول " توكلت على مجهودى " كتعبير ينم عن واقع حقيقى , فأى فعل يقوم به الإنسان هو نتاج مجهوده وقدراته وصراعه مع قدرات الإخرين , فالله المُفترض لا يركل الكرة .
"توكلنا عليك يارب" و"إن شاء الله" هو تعبير عن حالة نفسية مُصابة بالدونية تحتقر ذاتها وتقلل من قيمتها لتمتلك قسط هائل من الهشاشة والمراوغة لا تجعلها قادرة على مواجهة ذاتها وتحمل أخطاءها وإخفاقها ومراجعتها فتلقى المسئولية على الله لتكون هكذا هى مشيئته وترتيبه , فعندما يحل الإخفاق والأخطاء تتبرأ من ضعفها ولا تعترف إنه نتاج سوء تقديرها وأخطاءها .. "توكلنا عليك يارب" و" إن شاء الله" نتاج نفسية عبودية مهترئة هشة تحتقر ذاتها .

- إذا كان الإيمان بأن الرزق هو من السيد الإله كمانح الخيرات بسخاء للبعض وحاجبها عن البعض , فلا تعرف ما معنى ترديد الفقراء " الحمد لله" وهو المُتعمد حجب الرزق عنهم , فألا يعطى هذا إنطباع عن نفسية مُنسحقة تستعذب الذل .. ألا يستحق هذا المشهد الغضب والثورة من الفقير والمحروم من هذا الإله مُحجب الأرزاق بل المُتعمد حجبها , فما ذنب فقير أن يُحرم من الرزق ليجعله الإله ذليلاً للآخرين .. ماذا فعل ليولد فقيراً جائعاً محتاجاً ؟!
تمارس نفسية العبيد فعلها فى نفوس الفقراء والمُنسحقين والمُهمشين فلا ينطلق الغضب والإستنكار , فنفسية العبيد المستسلمة القانعة بالذل والمهانة حاضرة ليطفوا على سطح الإنسحاق "الحمد لله" وتصل البلادة قمتها عندما يفقد الإحساس بقولها .

- نحن نبدد حياتنا وندمرها لنعيش أجواء التعاسة والألم من جراء إيمان غبى بالقدر , فكم حياة تبددت وتجرعت العذاب من الإيمان بفكرة الإله المُرتب ومُقدر الأقدار , فالزوجة التعيسة التى تتجرع الذل والقسوة من زوجها الفج عليها أن ترتضى فهكذا نصيبها كما يقولون فما تراه العين مكتوب على الجبين فليس لها أن تهرب من قدرها .. تفسد حياتنا ونذوق المُر جراء الإعتقاد بفكرة سلطوية إستبدادية هكذا تُخطط وتُدبر لتزداد حالة الدونية والقهر بعدم القدرة على الصراخ بهكذا مكتوب بل إنسحاق فى منظومة عبودية ترفع راية " الحمد لله " !

- الإيمان بالله هو نتيجة لمنهجية سلوكية برجماتية بحتة , فالإنسان يؤمن بالإله خوفاً من عقابه وجحيمه وطلباً لجنته ونعيمه , فالعلاقة هنا برجماتية نفعية فلولا الجنه والجحيم ما آمن أحد ولكن يُلاحظ هنا خلو هذه العلاقة الإفتراضية من أى مشاعر وجدانية عاطفية متحررة من المصلحة وليحضر هذا النهج فى شتي مناحي الحياة حيث يتأسس بحث الإنسان عن النفعية والبرجماتية في تعاملاته .

- الإيمان يتناقض مع طبيعة الإنسان الذهنية والعقلية لتنتج مسخ بشري وجهاز للتعبئة والتلقين , فالإنسان يفكر بتقليب الفكرة فى ذهنه مستحضراً الشك والرغبة فى التحقق والتأكد ومن هنا تتبلور أفكاره بينما الإيمان يرفض الشك طالباً التمرير بدون توقف ومن هنا لا تنتج العملية الإيمانية عقليات مُفكرة مُبدعة فمنهجية الشك معدومة والتلقين الببغائي حاضر .

- فكرة الإله تَحول الإنسان عن الإكتشاف ومشاغبة الحياة والطبيعة , فالإيمان معناه انك مُنصرف عن الحقيقة والبحث والإكتشاف فأنت مكتفى ببعض المسلمات والتقريرات والثوابت والموروثات وأقوال الأقدمين لتتشرنق فى شرنقة تعيقك عن فهم الحياة والوجود لتمتد بظلالها على كل أوجه الحياة فأنت دوما لديك حقيقة .

- الإيمان بوجود إله مراقب شوه البشر فكرياً وسلوكياً , ليصل بهم الحال أن يفتخروا بأن هناك من يراقبهم ويرصدهم ويسجل أعمالهم , فأيهما أفضل وأكثر صحة وطبيعية أن تعيش حياتك تحت مراقبة أجهزة مخابرات أم تعيش حراً لا يدس أحد أنفه فى حياتك , أليست المراقبة تخلق جو من القلق والخوف والتوجس والنفاق أيضا .

- سيكون شئ فى منتهى السخافة أن تعيش تحت رقابة كائن سادي نرجسي عنيف ! .. أن تتصور أن يكون الله موجوداً يعني أن تلغي كل شيئ إنساني نبيل فيك لتظل تنافق وتردد المدائح لشيئ لا يشبع متقرباً لهذا الكائن المُفترض معفراً وجهك بالتراب لينتشي ذلك الكائن الجبار ! .. شئ سخيف بالفعل وآثاره السلبية كبيرة عندما يعيش الإنسان تحت إحساس أنه مراقب فى كل همساته وسكناته فى ظل إحساس أنه مُخترق بلا خصوصية , وهذا ما نتلمسه بالفعل فى قلق وإكتئاب من يُراقب بواسطة أجهزة امنية سيادية .. إن الاعتقاد بوجود كائنات عاقلة خفية معنا أينما كنا سواء ملائكة أو جن أو الله للرصد والتجسس والتدوين والإحلال والإلتباس هو شيء مزعج وعبثى أيضا فكيف يستطيع الشخص أن يعيش متوازناً وهو مؤمن بأنه مراقب في كل لحظة ليتولد النفاق بصورة عفوية فهو السبيل لإرضاء هذا الراصد المتلصص .

- يلفت إنتباهى مشهدين الأول هو ما يشاع عن العرب إنهم بحاجة لرقابة صاحب العمل لكى يعملوا بجِد , فبينما نجد الأوربى يعمل بهمة وإخلاص دون أن يكون صاحب العمل فوق رأسه , نجد العربى لا يمارس العمل بإخلاص إلا فى وجود صاحب العمل إما خوفاً أو نفاقاً .. هذه الظاهرة متواجدة وإن قلت مع التطور الإقتصادى وإعتماد العمل البرجوازى على ال target ولكن هذا يعطينا رؤية عن طفولية الإنسان حينما يتربى على الخوف والنفاق .. فكرة الله أسست لهذا المنحى فعندما يقولون لنا " إحذر فالله يرى أعمالك ويسجل كل هذا ولن تفلت من عقابه"..لذا يمكن القول أن من هذا النهج مررت منه النخب رؤيتها ومصالحها وهيمنتها ومنظومتها السلوكية التى تريدها بإستدعاء فكرة الإله البوليسى المخابراتى الذى يراقب ويرصد .. أتصور من الأفضل لنضوج الإنسان أن يعمل بإجتهاد وبما منوط به بدون أن يكون هناك رقيب فوق دماغه .

- يقولون دوماً إن شاء الله سيدبر الأمور .. ويتوجهون بالدعاء المتضرع لآلهتهم أن يفك كربتهم ويحقق أمانيهم الصغيرة والغريب أن الآلهة المزعومة فى الأديان تعهدت بالإستجابة للدعاء ولكن لا إستجابة ولا تحقيق ورغم ذلك يتوسمون ويقولون إن شاء الله سيدبر الأمور مستقبلاً فما تفسير هذا سوى أنه الطريق الوحيد أمام العاجز الذى فقد الثقة فى نفسه وفى فهم الحياة ليكون الدعاء بمثابة التخدير لنفس مُحبطة كحلم البائس فى ورقة يا ناصيب .

- أيا كانت دوافع و أصول الحالة النفسية للشخصية الدينية إلا أن هذة الدوافع هي المسئولة عن فقدان الثقة وإحلال حالة من الدونية والعجز تصل لإحتقار ذاتى غير واعى والميل للنقل بدلا من مغامرة العقل الذى تجمد , فحراكه سيجلب المتاعب والتصادم , مع شعور عميق بالعجز , لذا لا نحظى بإبداعات من عالمنا المؤمن البائس , فالعقل تجمد ليترسخ شعور داخلى بتحقير حراكه وإنتاجه .

- إشكالية الإنسان أنه يضحى بجماليات الحياة ليحبس ذاته فى طوطم أو صليب أو هلال أو فوبيا الخطية فداء تجاوز الموت , ولكن الموت هو الحقيقة التى لن تستطيع الهروب منها , فتحلل الإنسان فى القبر فلا يبقى منه إلا عظام حقيقة ماثلة لن تستطيع الأوهام أن تحييها !

- عندما تعتقد أن البحث وتوثيق وجود الإله شئ محال وأنه خارج إدراكنا فهو ليس كمثله شئ وأن الأمور تكتفى بالتصديق والظن وعامل الوراثة , فإعلم أنك تعيش حالة من العجز والوهم والتيه والزيف والتضليل وتتماهى فيهم .

- أى فكرة فى الدنيا تفتقد المعنى و الجدوى تكون عبثية , ولا يهم كونها حقيقية أو خاطئة فهى لا تقدم شيئا ومن هنا سنطرح سؤال : ماهى جدوى الإيمان بالله فهى لا تمنح أى ميزة إضافية للمؤمنين به ؟ فالشمس تشرق على الملحدين والمؤمنين , والمصائب والكوارث والشقاء ينالها الملحد والمؤمن , فلا إستثناء للمؤمن عن الملحد , الصحة والمرض لا تُفرق بين مؤمن وملحد , الرفاهية والشقاء من نصيب الإثنين فلا تختص الأرزاق ورغد العيش بالمؤمنين بينما يحظى الملحد على الشقاء وشظف العيش بل فى كثير من الأحيان نجد حظوظ الملحدين أعلى من المؤمنين , ولا يعنى هذا نعمة الإلحاد بقدر أننا أمام ظروف موضوعية مادية نتعاطى معها فتكون الحظوظ لمن يحسن فهمها والتعامل معها . من هنا نجد أن الإيمان بوجود إله ليس ذى جدوى ولم يمنح المؤمنين به أى ميزة تفاضلية فى الحياة , فوجودنا وفق معادلات الوجود المادى ولا وجود لفكرة وهمية تمنحنا ميزة أو حظوظ وافرة من السعادة والهناء أو الشقاء .

- الإيمان مرض نفسى , فالمؤمن يعشق جلاده ويتماهى فى تقديم كل فروض الطاعة والتمجيد والتسبيح له ليصل به الحال إلى عشق السلاسل التى تقيده لتجده يفتخر بقيده وسجنه وعبوديته للسجان , وكلما إزداد إيماناً مارس قهر ونبذ من يرفض قيود السجان ليستشاط غضباً من هذا الملحد المتبجح الذى يرفض الرضوخ للسجان .. إذا كان وجود الإله صحيحاً فيكفى أنه سجان حتى ترفضه .

-الإيمان الديني يصدر مفهوم بأن ما تقوم به من خير ليس لسعادة إنسان آخر بل هو تقرب للإله لتنال منه الثواب أى أنك تقدم الزكاة والعطايا للفقراء ليس للتعاضد الإنساني معهم وليس لتخفيف آلامهم وضيقاتهم بل لأنه أمر إلهي !
يُقصد بالحالة الروحية هي تلك المشاعر التي تتسم بالصفاء والتسامي والتوهج والإرتياحية والسعادة المصاحبة للإيمان وأداء الطقوس الدينية , فهل لنا أن نتوقف أمام الإدعاء بالحالة الروحية المصاحبة للإيمان والتدين لنكتشف حجم الزيف والخداع المصاحب لهذا الإدعاء ..فعذرا فأنت تردد كالببغاء صلاتك أو قل كشريط تسجيل يفرغ محتواه فأين الروحانية والصفاء والتسامي .

- كل من يدعي أن هناك حالة روحية من الصفاء والتسامي والتحليق الوجداني هو كاذب بالضرورة أو قل في أحسن الأحوال أنه يتقمص حالة ذهنية معينة كحال الممثل الذي يتقمص الشخصية .. كاذب ومدعي لكون الحالة الشعورية نتاج التفاعل مع الواقع المادي بكل صوره فلا يوجد شئ آخر لإنتاج المشاعر , ومن هنا فالإدعاء بإحساس حضور الإله أو الجن أو الملائكة أو التفاعل معهم هو شعور زائف مضلل لعدم وجود تفاعل مع الميتافزيقا بل لا وجود للميتافزيقا المزعومة وعليه لا يكون هناك أى حالة وجدانية إلا بالتفاعل مع الواقع المادي .
يمكن تفسير الزعم بالروحانية عند البعض من باب التقمص والتمثيل ففي كل مؤمن ممثل يتقمص حالة وجدانية ويؤديها بتعايش ولكنه يختلف عن الممثل بإعتقاده أن ما يؤديه ويستحضره هو حضور حقيقي لتترسخ أسطورة الروحانية .

- عندما يردد المؤمنين أنهم يتقون ويخافون الإله فهذا يندرج تحت الغش وزيف المشاعر , فالمشاعر والإحساس ناتج عن معاينة وتفاعل وهذا غير حادث لتكون الأمور في خشية الفكرة ليستدعون مشاهد مادية كعذابات الجحيم ومن هنا يتأكد لنا أن الإحساس والمشاعر مُختلقة مُتوهمة من إستحضار مشاهد مادية .

- ضرر الإيمان أنه يخلق لدي المؤمن حالة من النفاق والرياء عندما يعلن يقينه بوجود إله دون أن يمتلك أي سبب أو إثبات , فما بالك بكلمة يقين التى تعني التحقق التام لتتولد ذهنية زائفة تتشدق باليقين والحقيقة دوما ولترتفع الشعارات الدوغمائية في شتي مظاهر الحياة .

- عندما نفكر ملياً فى فكرة الإله ونستعين بالمصادر التى روجت عنه وتعاملنا مع الفكرة بحيادية تامة ونزاهة فى التفكير سنجد إننا فى النهاية نقف أمام دواخل أنفسنا بلا زيف .. سنتلمس خوفنا وقلقنا وتوجسنا وبراءة تفكيرنا ووحشيتنا وساديتنا وأنانيتنا فى معالجة حاجات نفسية عميقة تأمل السلام والأمان , ولكن هذا يتطلب منك تأمل عميق .

- إن المآسي الرهيبة التي أصابت الإنسان هي جرائم نجهل أن واقعنا هو منتجها وليس كائن وهمى مُعلق فى السماء , لذا لا يجب الإستسلام لهذا الواقع أو إلقاء ضعفنا على وهم هذا الكيان المُفترض البديل , كما يجب على الإنسان أن يكف عن الإعتقاد بأن هناك شيء يعمل لمصلحته أو ضرره إسمه الله , أو هو الكائن المدلل فى الوجود .. على الإنسان أن ينضج ويواجه الحقيقة بشجاعة.. هذه الحقيقة هي أن الإنسان مجرد جزء من أجزاء الواقع , ومصلحته ليست دستوراً للواقع , فضرورات الواقع الظرفية هي الدستور , لذا فقد تكون هذه الضرورات تتطابق في أحيان مع مصلحة الإنسان وفى أحيان لا .

- الإيمان بوجود إله ليس رؤية مغلوطة لتفسير الوجود فحسب فهذا يمكن تحمله كفكرة تتحمل الصحة والخطأ بالرغم أنها تبدد طاقات وتنحرف بسهم البوصلة عن التعاطى الحقيقى الموضوعى مع الوجود , ولكن الخطورة الحقيقية أن فكرة الإيمان بإله كما سوقها الفكر الدينى ورغبات النخب خربت نفسية الإنسان وشوهته ليرتضى بحالة من الإستبداد والقهر والعبودية والدونية والتحقير لذاته لتُنتهك إنسانيته , فلا تسأل بعدها لماذا شعوبنا مُنتهكة مُغتصبة مَهدورة فتاريخنا مع الإيمان هو نبع الإنتهاك .
- لا توجد فكرة بشعة بذاتها بل يوجد إنسان بشع أنتج فكرة بشعة وتبناها , فلحل هذه الإشكالية يلزم تهذيب الانسان البشع ووأد الفكرة البشعة فلا يجد مجالا لتفعيل بشاعته .

- نحن نحرث فى الماء عندما نبحث عن إصلاح مجتماعاتنا .. ستكون عمليات الإصلاح السياسى الإقتصادى الإجتماعى ترقيعية فى الثوب البالى طالما ظل المنهج الفكرى البائس حاضرا متصلدا يأبى أن يتغير أو يرحل ليفرز منظومته السلوكية والنفسية والذهنية التى تنتهك حرية وكرامة وإنسانية الإنسان .

ختاماً تأمل هذا :
-الطاغية الشرير يطلب طاعة عمياء والملك الطيب يترك من لا يريدون خدمته يعيشون في سلام .. الطاغية الشرير يقتل و يعذب من يرفضون أن يكون عبيداً له والملك الطيب يعلن عن حرية الفكر والتعبير والإعتقاد كحق مشروع .. الطاغية الشرير يخدع ويغش معلناً ان من حقك أن تكون حراً وألا تكون عبداً ولكني سأعذبك في معتقلاتي .

دمتم بخير.
عذراً على الإطالة ولكننا أمام فكرة شديدة الإنتهاك والإستبداد أنتجها وأدلجها الطغاة الأوائل ومازالت حاضرة .