التمايز محرك الحياة وخالق الأفكار والمعتقدات


سامى لبيب
الحوار المتمدن - العدد: 7195 - 2022 / 3 / 19 - 19:41
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع     

- نحو فهم الحياة والإنسان والوجود (118) .

- الرغبة فى التمايز هي محور الحياة وسر الحراك الإنساني فبها ومنها تدور كل الصراعات والحراك والنشاط الإنساني لتحقيق لذة التفوق والهيمنة والسيادة .
- التمايز شكل من أشكال الصراع , فالصراع لا يكتفي بالتناحر من أجل الحصول على المأكل والمشرب , ليفرض التميز حضوره على الساحة بغية التفوق والسيادة والهيمنة . يل يمكن إعتبار أن كافة أشكال الصراع لها علاقة عضوية بالرغبة فى التمايز .
- الأديان والمعتقدات والقوميات هي رغبة التمايز فى المقام الأول ليمكن إعتبار التمايز هو خالق الأديان والمعتقدات والقوميات ومانحها هويتها وصبغتها لنجد شعب الله المختار وأبناء المسيح المخلص وخير أمة أخرجت للناس وكل القوميات التى عرفتها البشرية , فلولا هذا التميز والخصوصية ما كان هناك أى دين أو معتقد أو قومية .
- لا تكون أفكار الدين والمعتقد مجردة متحررة من التمايز فلحميتها وعضويتها مبنية على التمايز والتمييز فهي لن تعتبر مثلا المغاير لها مساوي لها في التميز , كما أن جوهر إعتقادها مبني على إعتبار أنها تمتلك فكرا متميزا كفكرة شعب الله المختار أو فكرة الخلاص بدم المسيح الفادي أو أنها تحمل فكراً توحيدياً كما فى الإسلام , لتكون هذه الأفكار خالقة ومؤسسة لذهنية التمايز فى أساسها .
- لا يكون التعصب والتشبث بالأديان عن قناعات فكرية فهي في النهاية تحلق فى الفرضيات والتخيلات والميتافزيقا ليكون التشبث لهوية جمعية تمنح التميز والفوقية على الآخرين .
- تقتات فكرة التمايز وتجد حضوراً في نفوس المنتسبين كملاذ وملجأ لهم ضد التهمييش بالرغم أنهم لا يجدون أفضلية على أرض الواقع بإدعاء وميديا التميز , فبدلا من أن ينصرفوا عن هذا الإدعاء يصير هو شفيعهم وزادهم النفسي بالرغم من كل الهوان فهم مميزون أمام الرب مثلا .
- التمييز بين الأجناس والعرقيات ليس مبني على إختلاف جيني بالرغم أنه كذلك لكنك لا يمكنك إعتبار جين متفوقاً ومتميزاً على جين آخر ليكون منشأ فكرة التمايز العرقي الجنسي هو قوة هذا الجنس على ذاك ليفرض بعدها نزعته العنصرية من خلال أنه متميز.
- التمايز ينحاز للقوة وهذا سر وجوده وبقاءه وحيويته فمن خلال الإفتنان بالقوة يحقق المنتسبين لذتهم وغايتهم في الحياة , لتتنوع أشكال القوة بالطبع ما بين القوي الفيزيائية وبين ما يطلق عليه القوي الروحية المعنوية التى تستمد قوتها من وهم رجاء النصر بواسطة قوي روحية داعمة .
- الإنسان في واقع الحال مفتون وخاضع ومهلل للقوة وهذا يرجع لإنحداره من أصول حيوانية حيث هكذا طبيعة وحياة ليهفو البشر لممارسة القوة كسعي نحو التميز , فالقوة حلم وأمل الجميع .
- المرأة تعشق الرجل القوي لتتربع القوة الجنسية على رأس الإهتمام فإذا لم تتوفر فلتحل القدرة المالية كرمز للقوة ومن هنا يسعي الرجال للتمايز بالحرص على تحقيق قدرات جنسية أو مالية .
- يعتبر التمايز الطبقي والملكية تاج وأيقونة التميز والفوقية منذ البدء لتشكل دوما الإحساس بالقوة , لتمنح المنتسبين إليها الشعور بلذة الفوقية والسيادة والهيمنة , فالملكية والتمايز الطبقي تمنح أصحابها القوة ليستمتعوا بهذه اللذة ويحرصوا على بقاء تميزهم ونزع الملكية عن الآخرين .
- يخطأ من يتوهم أنه يمكن إذابة التمايز الطبقي فى المجتمعات الطبقية , فالطبقات المالكة المتميزة لن تسمح بإذابة الفوارق والتمايز ولن تسمح بأن يشاركها الفقراء البحبوحة فحينها لن تستمتع بلذة تميزها لتبقي الفقراء فقراء لتحقق لذة تميزها .. يمكن فقط تجقيق بعض التكافل حتى لا يقلب الفقراء الطاولة علي رؤوسهم .
- يروج أصحاب التميز لأفكار ترسخ من تميزهم وتنزع المقاومة عن الضعفاء والمهمشين كفكرة الأرزاق المقدرة والمقسومة فهكذا إرادة الله لتشرعن تميزهم وتخدر المعدمين .
- يجب الإشارة أن الرغبة فى التمايز والفوقية هي في جين الإنسان الفكري فلا يمكن إلغاءه أو إستئصاله فهو مكون طبيعي في ذهنية الإنسان الذي يعيش ويقتات من الصراع الذي يمنحه لذة القوة والتوحش والتفرد والهيمنة ولكن يمكن تهذيب التمايز وتقويمه فى مسارات أخري .
- إذا كان التمايز أنتج أشكال فجة وقاسية للسلوك الإنساني كالعنصرية والتمايز العرقي , كذا التمايز الطبقي والملكية المبنية على الإستغلال , كذا التعصب الديني والقومي الداعي للتناحر , فيمكن أن نوجه الرغبة فى التمايز لمسارات أخري لتفريغ طاقة البشر فى التنافس والصراع والتميز بشكل إنساني متحضر غير إقصائي وغير عدواني مُنتهك .
- نجح الإتحاد السوفياتي ودول أوربا الشيوعية السابقة والصين فى خلق مسارات جديدة حضارية للتمايز بعد إلغاء التمايز الطبقي فى مجتمعاتها وذلك بإطلاق طاقات الإبداع والمنافسة فى مجالات الرياضة والآداب والفنون والعلوم للباحثين عن التميز والتفوق لتشهد تلك المجتمعات تفوق غير طبيعي فى هذه المجالات .
- إن إطلاق القدرات الإبداعية للمنافسة والتمايز فى مجالات الرياضة والآداب والفنون والعلوم هو شئ إنساني متحضر وعادل , فالتمايز يتحقق بقدرات وإمكانيات وإبداعات فردية ذاتية وليس علي حظوظ من الملكية أو الإنتساب لعرق أو جنس أو دين , وإن كانت فكرة التمايز من خلال الرياضة أو الفنون ليست مثالية في المطلق , فما ذنب أصحاب القدرات المحدودة ؟ ليبقي صراع القوي هو الحاكم فى النهاية .

دمتم بخير .
لا مجال لإلغاء التمايز ولكن لنجعله إنسانياً حضارياً متخلصاً من نزعته الحيوانية.