درس في الإلحاد


سامى لبيب
الحوار المتمدن - العدد: 7353 - 2022 / 8 / 27 - 18:32
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع     

- نحو فهم الحياة والإنسان والوجود (120) .
- درس في الإلحاد - جزء أول .

هذا المقال هو واحد من سلسلة مقالات جديدة بعنوان "درس في الإلحاد " لتأتي محتويات هذه السلسلة من عشرات المقالات والتأملات التى كتبتها في سلسلة " نحو فهم الحياة والوجود والإنسان ".
الأداء في كتابة هذه السلسلة يختلف عما قدمته سابقاً فبدلا من الشرح والسرد المستفيض ستنحو التأملات إلى أسئلة موجزة تثير عقل القارئ نحو التوقف والتأمل والمراجعة ليخرج بمواقف فكرية من ذاته لأتصور أن هذا هو أفضل طريقة للوعي والتغيير .

- ماهو نعريف وماهية الروح ؟ لن تجد إجابة بالنسبة للمؤمنين بقصة الروح .
هل كلمة الروح جاءت من إنسان جاهل بطبيعة الحياة والعمليات الحيوية ؟

- ماهو تعريف وماهية النفس ؟ لن تجد إجابة لدي الميتافزيقين . فهل النفس هي إجابة إنسان جاهل في تفسير السلوك الإنساني ؟

- ماهو الخلق كإيجاد الشئ من العدم ؟ أليس من الإستحالة إيجاد شئ من لاشئ , فالعلم والوجود ينفى وجود الأشياء من العدم من قانون حفظ المادة والطاقة الشهير الذي يمكن معاينته وتجربته دوماً , فالمادة لا تُخلق من عدم ولا تُفنى إلى عدم . فكيف نُردد وجود خلق ؟

- ماهو تعريف العدم وهل يوجد شئ اسمه عدم ؟ لا يوجد شئ إسمه عدم كشئ وجودي فهو اللاشئ الخالي من أي ذرات ووجود لذا اللاشئ ليس بوجود ..الخلق من عدم هو مستحيل استحالة منطقية حتى بالنسبة للاله على الأقل , لأن وجود الإله المُفترض ينفي وجود العدم إذ لا يمكن اجتماع الإله المُفترض كوجود والعدم في ذات الوقت , أى الوجود واللاوجود , الشئ واللاشئ , ومن هنا إذا انتفى وجود العدم إنتفت القدرة على الإيجاد منها .

- هل يوجد معاني للأشياء فى ذاتها ؟ لن تجد شئ يحمل معني في كينونته وذاته , فالوجود والأشياء بلا معانى إلا ما يسقطه الانسان عليها من إنطباعات وأحاسيس .

- هل يوجد شئ مقدس أي يحتوي على خصائص قيزيائية متفردة أم أن الإنسان هو من منح القداسة والتبجيل للأشياء ونسى أنه من منحها التقدير والتعظيم لتنفصل عنه وتصير مستقلة ذات معنى للقداسة فى حد ذاتها !.. ومن هنا نفهم المُقدس فهو قيمة ممنوحة من الإنسان للشيئ ولكن هذا الشيئ لا يحمل أى خواص فيزيائية تمنحه قيمة متفردة .
ما يُطلق عليها أشياء مقدسة لا يوجد بها تمايز فى كينونتها الفيزيائية كما لا تشكل قداسة لأصحاب قداسات مغايرة وهذا يثبت أن المعنى المقدس خاص بالإنسان وإنطباعاته .. لا يوجد شئ مقدس فى الحياة والوجود .

- هل توجد غاية للأشياء فى ذاتها ؟ فهل يصح القول أن غاية الاكسجين هو صدأ الحديد كذا غاية الرياح إسقاط الأمطار وأن الحامض يتحد بمركب قلوى من أجل تكوين الملح ؟!
ألييس إعطاء مفهوم أن للأشياء غاية بعني أن الأشياء المادية الغير عاقلة وعيّ وخطة وهدف ؟
هل توجد غاية خارج الإنسان العاقل ؟ وهل تعاملنا بإعتبار أن للأشياء غاية هو إسقاط وعينا على المادة الغير واعية ؟
هل الفهم المغلوط للحياة والوجود هو تعاطينا مع فكرة الغائية لتكون منهجية تفكير رافقت الإنسان القديم حتى المعاصر بدون أي سند ؟

- هل توجد وظيفة للاشياء المادية ؟ كالقول بأن الحمض يتحد مع القلوى من أجل تكوين ملح , وأن وظيفة الكلوروفيل فى النبات تصنيع النشا .
أليس هذا القول غير عقلي ولا منطفي التي تعتبر وظيفة للأشياء لتمنحها فعلاً إرادياً واعياً أم أن الأمور جاءت بشكل طبيعي غير متعمد فعندما تقابل الحمض مع القلوي أنتج ملحاً بدون غاية ولا ترتيب ولا وظيفة ؟

- هل توجد قيمة للأشياء بذاتها وكينونتها كمعدن الذهب ؟ أم أن قيمة الأشياء تأتي من تقدير الإنسان لوجودها وجدواها وإنطباعه عنها لذا فتصور أن للأشياء قيمة فى ذاتها مفهوم وقول خاظئ , فالإنسان هو من منح الأشياء القيمة , فلا توجد أى قيمة للشئ فى خصائصه الفيزيائية ليسقط الإنسان إحساسه وإنطباعه الخاص .

- هل توجد أشياء جميلة في ذاتها وكينونتها أى تحتوي على جزيئات جمال ؟ أم أن الجمال هو تقييم الإنسان للأشياء عندما تتوافق مع ذوقه وظروفه ورغباته ؟

- مما سبق هل فهمنا ماهي الحياة وما هو معني العشوائية ؟ فالطبيعة تلقي بصورها دون وعيّ ولا ترتيب ولا نظام ولا غاية لنقوم نحن بإسقاط تقييمنا عليها .

- هل الوعي سبق الوجود المادي أم أن الوعي نتج من وجود مادي أنتج وعياً ؟ هل توجد لدينا وعياً بالتفاحة قبل وجودها أم وعينا بالتفاحة تكون بعد وجودها ؟
هل الفكرة المعقولة هي نتاج تعاطينا الصحيح مع الوجود المادي ؟
أليست الفكرة الخيالية الوهمية ذات مفردات مادية كعروس البحر والحصان المجنح أى أن مكوناتها صور مادية تم تجميعها وتركيبها بشكل غير منطقي ؟
من هنا نفهم منشأ كل الأفكار الواقعي منها والخيالي الوهمي .

- هل العقل يخلق موضوعه أم أن الموضوع والوجود المادى هو الذى يخلق معطيات ومحددات الفكر , أى أن الأفكار نتاج تأثرنا وإنطباعنا وإنفعالنا مع واقع موضوعى يعطى صوره ومحدداته لتدور آفاق الفكر وفق معطيات الوجود المادى أم أن الفكر منتج مُتحقق بذاته ؟

- كيف تربط بين التفسير الخاطئ بأن العين هى التى ترى فيسقط شعاع منها على الشئ فنرى , بينما الرؤية تأتى من إنعكاس الضوء الساقط على الشى ليجد إشعاعه المنعكس طريقه لعيوننا , لتفسر منها منهجية التفكير .
أليس المثال السابق يعبر عن تفسير منهجية فكر وفلسفة مغلوطة نتبناها , فنتصور أن الأفكار نتاج حقيقى ووحيد لعقولنا وإننا من نخلق الفكرة بينما هى نتاج واقع موضوعى جمع وتكثف على مرآة الدماغ ليسقط على عقولنا , فتكون وظيفة العقل الرائعة تنظيم وترتيب وربط ولصق هذه الصور بشكل خيالى او عقلانى لتصيغ الفكرة ومن هنا نشأت الأفكار والآلهة .

- أليس كل ماهو عقلى هو واقعى بغض النظر عن كونه حقيقة أم خيال فهو نتاج واقع مادى , ولكن ليس كل منتج عقلى هو موجود بالضرورة , فعروس البحر والحصان المجنح هى منتجات عقلية من تجميع صور متواجدة ولصقها لتنشأ فكرة .

- هل يوجد حق وصواب خارج عن تقييم الإنسان أم أن الإعتقاد بوجود الحق والصواب جعل البشر بإنتظار ظهورهما وتحققهما بدلاً من إيجادهما ليتوهم البعض بوجود مرجعية للحق والصواب , وهذا الظن ناتج عن شعور بأن الإعتقاد يبدو كتأجيل للاعتراف بحقيقة عدمية الوجود كمعنى وكغاية بديلاً عن التصادم معها , هو تسويف الإنسان بغية الخروج من موقف المهزوم المُهمش ليستطيع الصمود أمام واقع صارم .

- هل يوجد توق فطري إنسانى للمعرفة أم أن الأداء الإنسانى للمعرفة يشوبه فى كثير من الأحيان التكهن بما لا يعلمه مستنداً لما يعلمه وهذا ينتج مُغالطة تبعده عن فهم معرفى موضوعى , فالفرق شاسع بين المعرفة والوهم والخيال , فإذا كان الخيال هو أن يتصور الإنسان وجود ما لا وجود له بناء على ما هو موجود , لكنه خيال فى النهاية وليس ساحة مادية متحققة وإن كان كل مفردات الخيال جاءت من صور مادية ومن هنا ينتج الوهم حيث لا يتم التفريق بين الساحة الفكرية والساحة المادية .
ماهو الوهم ؟ يأتى الوهم من إعتماد نتائج التصورات الخيالية وتطبيقها على الساحة المادية , وفرضها كواقع بدون تحققها , فالوهم كمن يريد إكتشاف خارج الحجرة بدون وجود نافذة لتجد حضورها عند الضعفاء الذين يُعانون من الخوف المُصاحب لعقدة الجهل أو الخطيئة المُختلقة , أما المعرفة فهي ما يُمكن إثباته عن الأشياء دون لبس .

- هل الإنسان يصنع قناعاته أم أن القناعات هي التي تَصنع الإنسان , ألا يولد الإنسان كصفحة بيضاء خالٍ من أي قناعات قابلاً لإعتناق أي ثقافة أو معتقد أو حزمة عادات وسلوكيات من بيئته , ليقتبس و يستورد قناعاته ولا يصنعها ولا يملك المقدرة على إختيار منابعها ومصادرها فهو واقع تحت فعل وتأثير محصلة القوى الفاعلة لتبقى الخطورة فى فرض الأفكار والثقافات والقناعات بشكل صنمى ليتم تحصينها ومنع الإنسان من الشك ومراجعة قناعاته وفق المستجدات الجديدة .

- أليس الحرمان من الشك والمراجعة يعني الحرمان من التفكير , فالشك يعني قبول الأفكار أو رفضها استناداً إلى مسلمات الطبيعة وبديهيات الحياة والوجود العام وليس استنادًا إلى ثقافات معينة ومعتقدات مفروضة مُلقنة وقناعات صنمية .. ومن هنا فما يقال عنه قناعات راسخة تكون أكثر خطورة على فكرة الحقيقة من الأكاذيب .

- أليست فكرة الحق والصواب عبارة عن سراب فكري يعكس مخاوف وأحلام وقصور الإدراك البشري , فإذا كان كل ما يمكن فعله يمكن تبريره فستنتفى هنا مقولة الحق والصواب المطلق لتدخل فى النسبية .. الحق والصواب مفهومان إعتباريان لا وجود فعلي لهما ليكون نتاج ظرف موضوعي معين يحدده الأقوياء والنخب , لذا فسبب كل مآسي البشر وخلافاتهم من عملية التحجر والتشرنق فى صنمية هذه المفاهيم .

- هل يوجد شئ إسمه حرية وإرادة ؟ لا يوجد شئ إسمه حرية بمفهومها المثالى , فالحرية هى الوعى بالواقع المادى الموضوعى والتحرك وسط آلياته وما تفرضه آلياته وعلاقاته ومعادلاته , فالحرية لا تتحقق إلا من خلال عالم الضرورة , بمعنى أن وجود الإنسان داخل عالم الضرورة هو الشرط الأول لإمكان تحقيق حراك نطلق عليه حرية .
يُمكن شرح حراك الإنسان أو ما يُطلق عليه حريته بنقطة تتحرك داخل شكل هندسى متعدد الأضلاع والزوايا حيث النقطة هى الإنسان , والأضلاع والزوايا هى مجمل الظروف المادية المؤثرة بيئية وإجتماعية وثقافية وجينية الخ لتحدد محصلة صراع هذه القوى مسار تلك النقطة داخل الشكل الهندسى , ولتتباين حراكها من إنسان لآخر وفقاً لتباين الأقطاب المؤثرة كماً وكيفاً على كل إنسان ولنلاحظ أن القوى والأقطاب المؤثرة كلها عوامل خارجية مادية لم يصنعها الإنسان .

- ماهى الحقيقة وماهى الأشياء التى توصف وتصنف بأنها حقيقة ؟ هل مانراه من مشاهد حياتية وجودية يعترى بعضها الحقيقة ؟! هل ما نلمسه ونحسه وما نؤمن به هو حقيقة ؟ كيف عرفنا بوجود حقيقة فى عالمنا النسبى ؟ هل كان إدراكنا بالعقل أم بالتسليم الإيمانى أم بهما معاً ؟ هل هناك حقيقة لكي نبحث عنها ؟ هل هناك آلية أو منهج معروف نستطيع من خلاله أن نصل إلى الحقيقة إذا كانت موجودة ؟ كيف نعرف أننا عرفنا أو وصلنا إلى أعتاب حقيقة وليس إلى وهم ؟ بمعنى آخر كيف نُميز الحقيقة عن الوهم ؟ وماهو معنى قولنا إننا نبحث عن الحقيقة ؟.
لن تجد إجابات على هذه التساؤلات لعدم وجود شئ اسمه حقيقة , فالحقيقة هى تقديراتنا للأمور ورؤية نسبية للأشياء محكومة بالزمن ونوعية وطبيعة وحجم معارفنا وزاوية رؤيتنا الخاصة , الحقيقة مرتبطة بالعلم والواقع المادي الموضوعي , وغير ذلك فالأمور نسبية تقديرية تغلفها حالة نفسية مزاجية بالرغبة فى تعظيم معرفة ومنظومات سلوكية وسلطوية محددة ليراد لها أن تخترق الزمن وتصير ثوابت بينما الأمور نسبية بشرية غارقة فى تقديراتها وزمانها وظنونها .

- أليس من الهراء القول بالحقيقة المطلقة لإستحاالة أن تتواجد فى عالم نسبى متغير , فلن توجد حقيقة مطلقة والنسبى هو من يُقيمها .. أليس هو الوهم الإنسانى وغروره وغطرسته عندما لايدرك اللامحدود فكيف يقيمه , فالأمور لا تخرج عن وهم تم تجسيده ورسم ملامحه مع إستخدام مبالغة اللغة كاللامحدود واللانهائى .. أليس هو محاولة تحدى وخلق وجود من لا وجود ليعزى ويُمرر ويُبرر جهلنا بالوجود , وكمحاولة لا واعية لخلق وجود مُعتنى فى وجود غير معتنى .. إنها رغبة مزيفة أن نكون مركز الوجود وأسياد الحياة .

- هل يوجد شئ إسمه خير وشر لتصل لحد أن نعتبرها منظومة منفصلة عنا مفروضة علينا من جهة خارجية , أليس الخير والشر إنتاج إنسانى خالص يعبر عن مفاهيمنا ورؤيتنا لعلاقتنا الإنسانية المنشودة فى الزمان والدليل أنها نسبية بل إزدواجية المعايير تناسب وعى الإنسان ورغباته ومصالحه فى إقامة النظام , فما نعتبره شراً يمكن أن يكون خيرا مثل القتل والسرقة والإغتصاب فهى مباحة وخيرة في الأديان عند التعامل مع الأعداء بالرغم أنها نفس الفعل المادى المعنوى .

دمتم بخير .
الشك وإختبار الأفكار وتقليبها حتي تثبت صحتها هو المنهج الصحيح للتفكير وغير ذلك هو تهافت وهري ودوغما فارغة .