فريد العليبي - المفكر التونسي وأستاذ الفلسفة في الجامعة التونسية - في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: الأزمة والثورة ومهمة الفلسفة لدى العرب اليوم.


فريد العليبي
الحوار المتمدن - العدد: 5185 - 2016 / 6 / 6 - 02:00
المحور: مقابلات و حوارات     

من اجل تنشيط الحوارات الفكرية والثقافية والسياسية بين الكتاب والكاتبات والشخصيات السياسية والاجتماعية والثقافية الأخرى من جهة, وبين قراء وقارئات موقع الحوار المتمدن على الانترنت من جهة أخرى, ومن أجل تعزيز التفاعل الايجابي والحوار اليساري والعلماني والديمقراطي الموضوعي والحضاري البناء, تقوم مؤسسة الحوار المتمدن بأجراء حوارات مفتوحة حول المواضيع الحساسة والمهمة المتعلقة بتطوير مجتمعاتنا وتحديثها وترسيخ ثقافة حقوق الإنسان وحقوق المرأة والعدالة الاجتماعية والتقدم والسلام.
حوارنا -182- سيكون مع الأستاذ د.فريد العليبي -  المفكر التونسي وأستاذ الفلسفة في الجامعة التونسية -  حول: الأزمة والثورة ومهمة الفلسفة لدى العرب اليوم..
 


تغـــرق البلاد العربية في الأزمة ففي أقطار مختلفة تسيل الدماء بغزارة ويُهجر ملايين الناس من ديارهم وتُهدم بيوت فوق رؤوس أصحابها ويذبح الكبار والصغار ، النساء والرجال ، خلال مجازر متنقلة من مدينة عربية إلى أخرى وتحطم الآثار وتباع الثروات بأبخس الأثمان وتتفشى البطالة وتتراجع قيم العدل و الحرية ، وتسود الفتنة والطائفية والعشائرية ويقسم الشعب الواحد إلى كيانات متصارعة ويعود الاستعمار القديم وتتلاشى السيادة الوطنية ، وفي خضم ذلك ينتشر الإحباط ويقوى الإقبال على الكحول والمخدرات وتتفشى الجريمة ويجد كثيرون الحل في الانتحار ، ويكاد الظلام يرخى ستائره مرة والى الأبد ليخنق أمة طالما حلمت بوطن حر وشعب سعيد .
واليوم يشعر كثيرون بعدم الاطمئنان لما يحدث ، و يتفشى اليأس و يشق التشاؤم طريقه إلى النفوس ، و يكاد المحكومون والحكام أيضا يحبسون الأنفاس في انتظار ما سيحدث غدا و بعد غد ، فالشعب منهك و قد هده التعب ، و هو ما يمكن ملاحظته بسهولة ، و لكن الحكام ليسوا افضل حالا فتلك المشاعر موزعة توزيعا عادلا بين المنتفضين و أعدائهم ، فالأمر يتعلق بصراع و من يترك نفسه فريسة لليأس هو أول المهزومين ، وهذا الصراع سيكون طويلا و مريرا، فالثورات ليست نزهة جميلة في يوم ربيعي ، إنها مد و جزر، أحزان و أفراح ، تقدم و تراجع ، لذة و ألم قبل أن يستقر حالها ، لكي ينعم الثائرون بثمار نصرهم .
ويحدث كل ذلك مع هزيمة الانتفاضات العربية وعجزها عن التحول إلى ثورات فعلية كأنما في رد فعل عقابي تجاه منتفضين تجرأوا في لحظة ما على رفع رؤوسهم ضد طغاتهم ومستغليهم ومستعمريهم قبل الأوان فاستحقوا المصير الذي ساقتهم أرجلهم إليه ، وفي خضم ذلك تبرز مرة أخرى الحاجة الى الفلسفة ليس فقط لفهم ما جري ويجري وإنما أيضا للقيام بالنقد والنقد الذاتي والإجابة من ثمة عن سؤال ما العمل ؟
إن فهم الهزيمة يمثل شرطا أساسيا من شروط التحرر منها ، و فهم الثورة والتخلص من الخطابة المخاتلة حولها شرط من شروط انتصارها ، وهو ما يجب أن يشمل ما جرى ويجرى بكليته وأجزائه ، وهنا يؤدى سلاح النقد دوره، فتخلى الخطابة الانتصارية المجال أمام التقييم الموضوعي ، ويصبح ممكنا إدراك ما إذا كان سبب الهزيمة ماثلا بالنسبة إلى الانتفاضات في جماهير لم تدرك بعد شروط تحررها، فانتفضت بعفوية ضد طغاتها ومستعبديها ، ولكن نضالها سرعان ما تكسر على صخرة عدوها الذي يمتلك وسائل القوة المختلفة ومنها المخاتلة في الدين والسياسة ، أم إن ذلك السبب كامن في أن " قادتها " قد تعودوا على المهادنة و التقاعس والتراجع و البيع و المبادلة ؟. دون أن يلغى هذا احتمال تضافر هذين الشرطين مجتمعين في تفسير ما حدث .
وأنا أستل هذه الملاحظات والأسئلة المرافقة لها من كتابين أنجزتهما حول الانتفاضات العربية ، أولهما تحت عنوان : تونس الانتفاضة والثورة وثانيهما عنوانه الربيع العربي والمخاتلة في الدين والسياسة إنما ابتغي فتح باب مناقشة مع القراء الكرام تكون منغرسة صلب الفلسفة فالثورة مفهوم فلسفي قبل أن تكون لفظا لغويا أو مصطلحا سياسويا تستعمله الخطابة المخاتلة ، محولة إياه إلى نقيضه ، منفرة الكادحين منه ، و هذا المفهوم لا بد أن تكون له حاضنة فكرية تشرحه و تيسر فهمه ، مثلما هو في حاجة إلى قوة مادية ، قد تكون طبقة أو مجموعة طبقات ، تمر به من الإمكان إلى الواقع الحي ، و من هنا تلك العلاقة الديالكتيكية بين الفلسفة التي تنحت المفهوم و تبنى النظرية و بين الطبقة التي تجعل منه ممارسة مبدعة ، أي تحقيق الارتباط العضوي بين الفلسفة و الطبقة ، و في كل الحالات فإن الثورة لا يصنعها الفلاسفة و إنما المضطهدون أنفسهم ،غير أن هؤلاء يظلون في حاجة إلى فلسفة تكون لهم دليل عمل .