وسام رفيدي - محاضر جامعي، كاتب وباحث ماركسي فلسطيني- حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: عشرة إضاءات كمفتتح للحوار حول أزمة اليسار الفلسطيني.


وسام رفيدي
الحوار المتمدن - العدد: 4762 - 2015 / 3 / 29 - 22:10
المحور: اخر الاخبار, المقالات والبيانات     

من اجل تنشيط الحوارات الفكرية والثقافية والسياسية بين الكتاب والكاتبات والشخصيات السياسية والاجتماعية والثقافية الأخرى من جهة, وبين قراء وقارئات موقع الحوار المتمدن على الانترنت من جهة أخرى, ومن أجل تعزيز التفاعل الايجابي والحوار اليساري والعلماني والديمقراطي الموضوعي والحضاري البناء, تقوم مؤسسة الحوار المتمدن بأجراء حوارات مفتوحة حول المواضيع الحساسة والمهمة المتعلقة بتطوير مجتمعاتنا وتحديثها وترسيخ ثقافة حقوق الإنسان وحقوق المرأة والعدالة الاجتماعية والتقدم والسلام.
حوارنا -153 - سيكون مع الاستاذ وسام رفيدي -  محاضر جامعي، كاتب وباحث ماركسي فلسطيني-  حول: عشرة إضاءات كمفتتح للحوار حول أزمة اليسار الفلسطيني.

 

عشرة إضاءات كمفتتح للحوار
أزمة اليسار الفلسطيني: مقترح أولي للحوار


(1)
لا أعتقد أن هناك، تنظيماً أو قيادياً، يسارياً فلسطينياً، تبلغ فيه العزة بالذات حد اعتبار ان لا أزمة في اليسار الفلسطيني، وأنه بخير! فالشواهد كثيرة كمظاهر للأزمة: تراجع حاد في الفعل الكفاحي الميداني، وأستثني هنا اليسار المقاتل في قطاع غزة، هشاشة الوزن الانتخابي في مختلف القطاعات وعلى المستوى العام، ضآلة في التأثير على القرار الفلسطيني العام تصل حد الإنعدام، محدودية القدرة على الحشد الشعبي في الشارع، تراجع العضوية الحزبية بشكل ملموس، تحول العديد من كادرات وقيادات وأعضاء اليسار للأيديولوجية الدينية الغيبية، وغيرها من المظاهر.
لذلك فمنطلق هذا المفتتح هو تأكيد حقيقة الأزمة لا نقاش وجودها من عدمه. إنه، أي المفتتح يستهدف التقدم بمقترح اعتقده واجباً للخروج من الأزمة، سيمهَد له باستعراض التجارب السابقة للخروج من الأزمة.
 

(2)
والفارق الأساس بين بنية اليسار في الثمانينيات ومطلع التسعينيات وبينها بعد ذلك حتى اليوم، أن اليسار سابقاً كان يتمثل ببنية تنظيمة راسخة تتمثل في المنظمات الحزبية وقاطع مهيكل من المنظمات الجماهيرية الديموقراطية للقطاعات المختلفة، عمال، نساء، شباب، طلاب، معلمين ومهنيين، يندغم معها اختصاصات على مستويات مختلفة للعمل السياسي والجماهيري والكفاحي. أما اليوم، فالتفكك هو مآل تلك البنية وما هو موجود فعلاً، لا إدعاءً، هو ذلك التيار اليساري الجماهيري، لا الهيكل والبنية التنظيمية، حزبية كانت أم جماهيرية. إن تلك المفارقة يمكن ملاحظتها ببساطة في ظاهرة الصوت الانتخابي اليساري في مختلف الانتخابات، القطاعية والمؤسساتية والبلدية والعامة، الذي ظهر بمعزل، في الكثير الكثير من الأحيان، عن اي وجود منظم لليسار.

(3)
ومع ذلك، ومن المفارقة أعلاه، يمكن الاستنتاج أن اليسار لا زال يحظى بحضور جماهيري في مختلف القطاعات الشعبية والمؤسسات والاتحادات، كما على المستوى العام. وذلك حضور كثيرا ما حظي باعجاب ومفاجأة العديدين، فرغم كل ما جرى فاليسار لا زال موجوداً! ومثلما يمكن البناء على هذا، لإعادة بناء اليسار، يمكن التحذير منه أيضاً: فالتيار العام دون تاطير تنظيمي يوفر له ممكنات الاستمرارية والقيادة اللازمة، كبرنامج ومهام، من المتوقع ان يتبخر، ذلك درس في تاريخ العديد من الأحزاب اليسارية والشيوعية، فالحزب، التنظيم بالمفهوم الغرامشوي، لا زال، وعلى ضوء قراءة تجارب الحراكات الشعبية العربية منذ العام 2011، هو نقطة التوسط بين النظرية والممارسة، وبدونه تغدو الممارسة متخبطة، وأحياناً كثيرة عبثية.
 

(4)
وهذا هو المنطلق الثاني للمفتتح: لا زال لليسار ما يمكنه البناء عليه: تياره الشعبي، تاريخه الكفاحي المشرِّف، واستمرار ملاحقته من الصهاينة ووكيلهم الأمني، سلطة أوسلو، والأهم، الحاجة الموضوعية لوجوده كمعبر عن رؤية جذرية للصراع الفلسطيني الصهيوني، وكمتمسك بالحقوق التاريخية لشعبنا في وطنه فلسطين، وبخيار المقاومة، حتى ولو بدا كل ذلك في لحظة برنامجياً أكثر منه ممارسة. وتلك الحاجة الموضوعية تجد تعبيرها ايضا في حاجة الفئات الشعبية والكادحين للتعبير السياسي/ الطبقي/ الحزبي عن تطلعاتهم وهمومهم وآمالهم.
 

(5)
وليس من موجبات هذا المفتتح الغوص في تناقضات وخلافات قوى اليسار نفسه، فتلك موضوعة أخرى، ولكنها تفقد أهميتها عند تناول مقترح الخروج من الأزمة بحقيقة ان الخلافات داخل كل قوة يسارية على حدة ربما في أحيان كثيرة أعمق من الخلافات بين قوى اليسار ذاته! لذلك لا نعتقد ان تلك الخلافات تشكل حجر عثرة أمام الرغبة الحقيقية في الخروج من الأزمة.
ومع ذلك، ينبغي تحديد التخوم بين ما هو يساري وبين ما هو خارج هذا التصنيف السياسي/ الطبقي، فقد بلغ ضياع التخوم في تقرير صحفي بُعيد انتخابات العام 2006 للمجلس التشريعي حد اعتبار قائمة سلام فياض وحنان عشراوي تنتمي لليسار! أي والله تم تصنيفهم كيسار! وقوى تعلن ليبراليتها صراحة، في البرنامج والخطاب، يتم أحياناً، ومن قبل يساريين، في الخطاب والممارسة، حد اعتبارهم يسار، كما الحال مع المبادرة الوطنية وحزب فدا.
قد يكون هذا الخلط متعمداً لتمييع البعد الفكري والطبقي لليسار، وقد يكون مجرد خلط (حسن النية) بين خطاب الحقل السياسي الذي يعد كل معارضٍ لا ينتمي للتيار الديني، يسارياً، وبين الحقل الفكري الذي يستدعي الأيديولوجية والطبقة فيما يَعُدْ. وبكل الأحوال نعتقد ان اليسار، وبحكم التجربة التاريخية الفلسطينية لليسار، هو مَنْ:
1- يتمسك بالحقوق التاريخية في فلسطين رافضاً المشروع الصهيوني الإحلالي الاستيطاني وتعبيره السياسي، الدولة الصهيونية، ومؤكدا على الحل التاريخي: فلسطين محررة من المشروع الصهيوني، ديموقراطية واشتراكية.
2- يعلن، برنامجا وممارسة، قومية المعركة مع المشروع الصهيوني، قناعة بأن المشروع الصهيوني يهدد الشعوب العربية بالمجمل من جهة، ومن جهة ثانية، قناعة بالهدف التاريخي في الوحدة العربية والمشروع النهضوي الثوري العربي على أنقاض الدويلات القطرية التابعة والمعيقة للمشروع النهضوي والمدمرة لمستقبل الشعوب العربية.
3- يتمسك بلا مواربة بالماركسة كفكر ثوري ومنهج تحليلي، وكسلاح في يد كل مقاتل ينشد الحرية والتحرر من الاستعباد القومي والطبقي، ويعلن افتراقه عن الفكر الليبرالي الرأسمالي، مع انفتاحه على كل منجزات الفكر الانساني، دون فقدان هويته الطبقية والفكرية، وقبل ذلك ينفتح على كل الاجتهادات والمساهمات الفكرية الماركسية بديلاً لتحويل النص الماركسي الكلاسيكي لنص ديني! ماركسية نعتقدها لا تقبل القسمة على اثنين بمحدداتها الثلاثة: الاشتراكية هدفها النهائي، المحتوى الطبقي العمالي الثوري في البرنامج والممارسة، وسلطة الكادحين والمنتجين والفقراء ضالتها. وفي سياق تلك المحددات الثلاثة العديد من المحددات: تحرر المرأة، موقف علمي نقدي من الفكر الديني، علمانية الدولة، الحريات الأساسية، وغيرها العديد.
4- وانطلاقاً مما سبق فاليسار يعلن دون مواربة انحيازه لخيار المقاومة بكافة أشكالها، فهماً منه لطبيعة الصراع العربي/ الصهيوني ولموجبات تحقيق الانتصار وتحرير فلسطين. مقاومة يتحدد شكلها الرئيس وأشكالها الثانوية بتحليل اللحظة التاريخية، وممكنات اليسار ذاته وجاهزيته، وتقبل الجماهير وانحيازها، وغيرها من العوامل، ولكن بكل الأحوال يسار يعلن موقفه هذا صراحة ويبني نفسه وفق هذا الموقف.
 

(6)
ولقد بات من الملح ان يهجر اليسار موقفه الرخو من موجبات النضال ضد الثقافة والفكر الديني على الجبهة الثقافية لاعتبارات تكتيكية لم تعد تنفع. لن أطيل هنا لاعتبارات ان تلك القضية ليست محور المفتتح، ولكن حسبي القول أن تلك الجبهة لم تعد موضوعا فكرياً صرفاً، ولم تكن كذلك يوماً، بل هي موضوعة نضالية تشتد ملحاحيتها اليوم مع تسيد الفكر الديني في أبشع ممارساته في المنطقة العربية، عبر ممارسات الإرهاب الديني والتكفير وتعزيز النزعة الطائفية والتجهيل والحجر على العقل واستباحة البشر الذين يفترقون عن منهجه البربري. يجب باعتقادي، هجر منطلقين أساسيين في سلوك اليسار، ليس الفلسطيني فحسب بل والعربي باعتقادي، تجاه تلك الموضوعة: المنطلق الأول اعتبار أن حساسية المسألة الدينية في العلاقة مع الجماهير تحجر على نقد النص والفكر الديني، وبالتالي تترك الساحة الثقافية خالية من معول حفر البديل الثقافي الثوري والعلمي لطريقه، والمنطلق الثاني الرهان على مقولات من نوع ( تجديد الفكر الإسلامي) او (الاسلام المعتدل)، فيما إن تحليل منطلق التيارات الرئيسة للفكر الإسلامي الحديث والمعاصر، الوهابية والسلفية والإخوان، ستقود إلى مرجعيات التكفير التي أنبتت كل تكفيرية هذه التيارات، مرجعية تتسلسل منذ أبن تيمية مروراً بمحمد بن عبد الوهاب وأبو الأعلى المودودي وصولاً لسيد قطب، بما يحيل موضوعات (التجديد والاعتدال) إلى حقل البهلوانية الفكرية في أحسن الأحوال، او الخداع الفكري في أسوأه. بقي القول ان التفريق واجب بين ضرورات العمل النضالي المشترك مع الجهاديين الإسلاميين في النضال ضد الصهاينة والامبرياليين، وذلك حقل التكتيك والممارسة السياسية، وبين ضرورات النضال ضد الفكر والثقافة الدينيين، وذلك حقل الممارسة الفكرية.

(7)
تجارب عديدة خاضتها قوى اليسار الفسطيني سواء للتوحد أو، بالحد الأدنى، لإيجاد، قاعدة منظمة هيكلياً للعمل المشترك. وللأسف، لم ينجح أياً منها. ابتداءً من القيادة المشتركة بين التنظيمين، الجبهة الشعبية والجبهة الديموقراطية، مروراً بجهود حثيثة لتشكيل تيار ديموقراطي مطلع ال 2000 لعب فيها الشهيد أبو علي مصطفى مع العديدين دورا بارزاً، وصولا إلى محاولات تشكيل تجمع ديموقراطي لكل اليساريين والتقدميين قبل عدة سنوات، دون نسيان الدعوات والاجتماعات القيادية العديدة حتى اليوم، والتي لم يكتب لها النجاح، كنتائج ملموسة.
أما لماذا لم يكتب لكل تلك المحاولات النجاح فاسباب عديدة برأيي، ربما لا يتسع المجال هنا لتفصيلها، علماً ان تحديد تلك الأسباب يجب ان يكون مدخلها حواراً جماعياً، صادقا ونقدياً، اكثر منه فردياً. وفي حدود هذا المفتتح، ولحقيقة كوني فرداً يسارياً، يمكنني تسجيل الأسباب التالية كاجتهاد:
1- عدم الإقرار بحقيقة الأوزان المختلفة لمكونات اليسار. وما يهم هنا ليس حقيقة ان الأوزان باتت معروفة للقاصي والداني إن كان بفعل النتائج الانتخابية المختلفة ام بفعل الحشد، المحدود على اية حال، بل الأهم، تلك العقلية التي لا زالت تتعامل مع العمل المشترك، قبل أن نقول الوحدة، بعقلية المحاصصة والكوتا: كم لدي وكم لديك، وماذا سأحصل وماذا ستحصل! إنها ذات العقلية القبلية التي باتت تقليداً سياسياً متبعاًمن تراث منظمة التنحرير وهياكلها.
2- عدم قناعة التيار اليساري العام بالاشكال والهياكل المقترحة، إما بسبب القائمين والداعين لها، وإما لعدم تعبيرها عن موجبات الصراع مع الصهاينة أصلاً، وإما لأنها ببساطة لم تأتِ بجديد بقدر ما أعادت تكرار ما سبق من محاولات وهياكل ثبت عدم قدرتها على ان تكون معاول للخروج من الأزمة.
3- ولا مندوحة عن الالتفات لما يقال عفوياً، وبتكرار بات ملاحظاً، هنا وهناك، من أن المعيق الأكبر هو القيادات التي تخشى فقدان موقعها إذا ما أعيد بناء اليسار او تم طرح بدائل ثورية لما هو قائم. لم يعد العمل القيادي في الساحة الفلسطينية، على العموم ودون المس بقيادات لا زالت تدفع الثمن، تكليفاً يتطلب التضحيات، بل غدا موقعا لامتيازات هي ملازمة لأشكال العمل العلني المؤسساتي المكاتبي، امتيازات مكنت العديد من القيادات من الحصول على رأس مال رمزي، بالمفهوم السوسيولوجي، تجد من الصعوبة بمكان التنازل عنه. لذلك ينتشر بين نشطاء تيار اليسار تلك اللازمة: القيادات سبب الأزمة لتمسكهم بمواقعهم! وليس من باب السخرية القول: ذات القيادات التي صنعت التاريخ المشرف لليسار، هي ذاتها التي تتحمل بعضاً من أزمته، دو انكار الأسباب الموضوعية، وهي ذاتها التي يعوَّل عليها للخروج من الأزمة! تلك مفارقة لا تنسجم مع المنطق السليم.
 

(8)
في التاريخ الفلسطيني المعاصر حدثان غيرا من الحقل السياسي الفلسطيني تغييراً جدياً. نكبة العام 1948 عنت فيما عنت كنتائج، ليس فقط تدمير البنية الاجتماعية بالكامل وتهجير 82% من الشعب الفلسطيني بل وأيضاً تدمير الحقل السياسي وأبرز مكوناته آنذاك اللجان القومية والأحزاب. اندثرت الاحزاب السياسية الوطنية، اندثر الدور القيادي للحسينيين والنشاشبيين، واندثرت مع كل هذا قيادات العمل الوطني من رموز الاقطاع والرأسمال: وبرز حقل حديد، في الشتات والداخل، قيادات شابة وقوى جديدة، القوميون والبعثيون والإخوان والشيوعييون، والأخيرون كانوا موجودين قبل ذلك ولكن بصيغة مختلفة، وهياكل تنظيمية جديدة. كانت وفاة الحاج أمين الحسيني، أبو عمار ما قبل ال 48، دون ان يعبأ بها أحد، دلالة إضافية على موت حقل ولادة آخر. وفي العام 1967 ومع استكمال استعمار فلسطين، تكرر المشهد: تراجعت او اندثرت قوى، واندثرت هياكل وولدت قوى وهياكل جديدة، كانت بدأت تتململ قبل العام 67.
إنني اعتقد جازماً، ان نشوء سلطة أوسلو هو المتغير الثالث البارز في التاريخ المعاصر بما عناه من بروز السلطة الوليدة على أنقاض المنظمة، فعلياً وإن لم يكن إسمياً،- لا يستغربن أحد كلمة أنقاض!- ونخب جدبدة تلاقحت مع نخب قديمة، فيما رويدا رويدا تنزاح النخب القديمة، نخب المنظمة، لصالح نخب السلطة. ومع ذلك بقي حال القوى كما هو!


(9)
على قاعدة ما سبق، وتحديداً للحاجة الملحة لتعبير يساري موحّد، للنضال ضد المشروع الصهيوني، ومن أجل حقوق ومصالح الفئات الشعبية الكادحة، ولحفر الطريق عميقاً للفكر العلمي المتحرر بديلاً للثقافة والفكر الإسلامي التدميري، لا نجد خياراً أمام قوى اليسار الفلسطيني سوى إعلان التزامها ببناء حزب ثوري ماركسي يساري جديد بديلاً لما هو قائم من جهة، ومستكملاً ووارثاً للدور والتجربة التاريخية الكفاحية العريقة لذات القوى من جهة ثانية. إن الحزب الجديد يتشكل، والحال هكذا، كحالة من القطع والاستمرارية الديالكتيكية مع الحالة القائمة، يقطع وبذات الوقت يحقق الاستمرارية وفق محددات جرى التطرق لبعضها بعمومية سابقاً.
 

(10)
وأخذاً بعين الاعتبار التجارب السابقة فلن يُبنى الحزب الجديد، إن كُتب له ان يُبنى، بذات الطرائق البيروقراطية السابقة: اجتماعات قيادية وترتيبات قيادية ومحاصصات وبيانات مشتركة.....في وادٍ، فيما التيار اليساري العام، وما تبقى من عضوية اليسار في وادٍ آخر! إن الآلية الوحيدة، الثورية فعلاً، هي عبر حل الهيئات القيادية والكادرية لفصائل اليسار والدعوة لمؤتمرات قاعدية على قاعدتين اثنتين: برنامج مقترح لبناء الحزب الموحّد، وعضوية اليساريين، بغض النظر عن التزامهم الحزبي من عدمه. تلك المؤتمرات، وفق آلية تقر من هيئة تأسيسية، يكون على عاتقها، أي تلك الآلية، انتخاب مؤتمر موحّد ينتخب بدوره الهيئات القيادية للحزب المنشود. إنني أعتقد ان تلك الآلية ليست فقط تكفل الخروج من دائرة الأساليب القديمة والعقيمة لتوحيد اليسار، بل تحفز جمهور اليسار من التيار المنظم وغير المنظم للانخراط لاستشعاره بجدية الخطوة والآلية، وتعطشه، الذي لا أشك به، لتوحيد اليسار.
بقي القول ان الحزب، بما هو حزب ماركسي وثوري، ينبني حصراً وفق الأسس اللينينة لبناء الحزب، تلك الأسس التي اختبرتها تجارب الاحزاب الشيوعية واليسارية خاصة التي تخوض نضالاً شرساً ودامياً مع أعدائها الطبقيين أو القوميين، أسس تركز على بنية تحتضن كافة أشكال التنظيم، تنطلق من القاعدة اللينية الذهبية: جهاز يخدم سياسة لا سياسة تخدم جهاز، حزب يستفيد نقدياً من كارثية التجربة الستالينية في قتل روح المبادرة والنقد والإبداع والديموقراطية الداخلية، بقدر ما ينبني وفق قواعد الانضباط الحزبي، حزب ينفتح على الاجتهادات والتيارات الماركسية طالما لا تهجر محدداتها الأساسيةن أعني الماركسية، والتي سقناها أعلاه.