حديث مناسبة! عن أوضاع مؤسسة العمال الرسمية!


وسام رفيدي
الحوار المتمدن - العدد: 4745 - 2015 / 3 / 11 - 08:57
المحور: الحركة العمالية والنقابية     

دا الحديث عن الحركة العمالية موسمية وفي هذا تأكيد على وضع مأساوي مزدوج: مأساوية اجترار الحديث كل عام، ومأوساوية ان المعالجة تقتصر مناسباتية لا أكثرز يجري هذا في وقت تنشط فيه النضالات الطبقية للعمال والمستخدمين، فالعامين الأخيرين شهدا سلسلة من النضالات لموظفي الجامعات والبنوك والمجالس المحلية والبلدية والقطاع الحكومي وغيرها من المؤسسات. واللافت أن تلك النضالات، ولأن المؤسسة الرسمية للعمال ( الاتحادات بمختلف مسمياتها) غائبة إلا عن تناول اوضاعها في المناسبات، تجري بعيدا عن تلك المؤسسة. في هذه اللحظة نخوض نحن اساتذة وعمال وموظفي الجامعات في الضفة والقطاع وتحت قيادة اتحاد نقابات الجامعات الفلسطينية نضالا على المستوى الوطني، ايضا بمعزل عن المؤسسة الرسمية للاتحاد.
بالنتيجة، ودون مواربة: نضالات العمال في جهة، وهمومهم بالتالي، والمؤسسة الرسمية في جهة أخرى، فإذا لم تستطع المؤسسة الرسمية كسب ثقة العمال والمستخدمين المتمركزين في مواقع العمل الكبيرة نسبياً، كالجامعات والبنوك والمجالس المحلية والبلديات، فهي لن تكسب ثقة عامل هنا وعامل هناك مشتتين على ورش بناء ومشاغل حرفية.
وحال مؤسسة العمال الرسمية كحال العديد من المؤسسات النقابية، كالاتحاد العام لطلبة فلسطين مثلاً: هيكل مفرغة على رأسها حفنة من المتفرغين! ومع ذلك تبدو الصورة اكثر من مجرد عدم كسب الثقة، لتطال تركيب ومهام المؤسسة، وطبيعة قيادتها والمنهج الذي اختطه، وكل هذا يقف برأيي عائقاً أمام إعادة بناء اتحاد حقيقي للعمال وتنشيط النضال الطبقي دفاعا عن حقوقهم.
بداية لا بد من التأكيد، في مرحلة باتت فيها البديهيات تحتاج للتأكيد: هذه المقالة تنحاز قناعة فكرية وطبقية للنقابة العمالية باعتبارها اداة من أدوات الصراع الطبقي ضد رأس المال، شكل من أشكال التنظيم الاجتماعي للعمال في صراعهم مع رأس المال، وبالتالي فهي، إذ تلتحم بمنهج الصراع الطبقي، تقف على النقيض من منهج "الشراكة الثلاثية" الليبرالي[2] الذي تسلل منذ سنوات لصفوف النقابيين الفلسطينيين، يساريين وغير يساريين، فكلهم في الهم شرق.
سألت مرة نقابياً ناشطاً، لا ينقصه الإخلاص للعمال ولا التاريخ العمالي المشرف، يعمل في مؤسسة غير حكومية تدافع عن قضايا العمال، وكان ناشطا وقياديا حزبيا يساريا في زمن مضى، سألته كيف تروجون لثقافة ومنهج الشراكة الثلاثية الذي يقف على النقيض من ثقافة ومنهج الصراع الطبقي، وبالتالي يميّع النضال العمالي ويضعه في المحصلة في جيب رأس المال؟ كان صادقا معي كعادته: تلك الثقافة التي تمول المؤسسة!!!
فالتمويل حاضر بقوة اليوم في العمل النقابي إن كان تمويلا للمؤسسة الرسمية او لمؤسسات غير حكومية تنشط في قضايا عمالية، فمثلما غزى التمويل قطاعات الزراعة والصحة والتنمية، على فرض ان هناك تنمية!، بعدما كانت قطاعات للنشاط الجماهيري الحزبي برؤية طبقية ثورية، غدت قطاعات تمأسست على قاعدة التمويل التخريبي وفق أجندات الليبرالية الجديدة، فالويل والثبور لمن يتجرأ ويتحدث فيها مثلا عن الصراع الطبقي، بل كل المديح والتمويل لمن يرفع لواء الشراكة الثلاثية والتعاون مع القطاع الخاص والحكومي والبرامج المشتركة. هي صورة تكمل الصورة الأساس: يستبدل الحزب السياسي الثوري بالمنظمة غير الحكومية، ومعها تستبدل ثقافة التحرر الوطني والطبقي بثقافة الليبرالية الجديدة، مثلا ثقافة القانون الدولي والحقوق، وثقافة  (المقاومة الشعبية) لا حسب ما عرفها واختبرها وصنعها شعبنا في الانتفاضة الشعبية الأولى مثلا، بل حسب مواصفات سلام فياض وتمويله لمناشطات مسالمة ضد الجدار بالتعاون مع الإسرائيليين السلاميين!!!
إن القضية الأولى بتقدير المقالة لما يمكن اعتباره أزمة المؤسسة الرسمية للعمال أن يسار تلك المؤسسة قد غرق حتى أذنيه في ثقافة الليبرالية الجديدة والشراكة الثلاثية بديلا لثقافة الصراع الطبقي، فأدار الظهر لبرنامجه وتاريخه ونضالاته قبل أن يدير الظهر للعمال أنفسهم!
القضية الثانية التي نعتقدها في جوهر اسباب الأزمة نعبر عنها في السؤال الصارخ التالي: ماذا يفعل اليسار في مؤسسة لا تملك من رصيد سوى حفنة متفرغين وعضوية مسجلة للحصول على التأمين الصحي الحكومي، لا عضوية تعبأ في النضال الطبقي؟؟؟  مرة أخرى يمكن ان ينتصب شعار الوحدة الوطنية في إطار ينبغي ان ينهض على اسس طبقية اساساً! واليسار الفلسطيني، كما عبر الراحل الرفيق حبش مرة، دفع ثمنا غاليا لحرصه على الشق السياسي من البرنامج الوطني لتدعيم الوحدة الوطنية على حساب الاصلاح الديموقراطي، فكانت النتيجة ان قامت الثورة وانتهت ولم تكن ديموقراطية قط في مؤسستها!! وكان الراحل الرفيق ابو علي مصطفى قد حور الشعار مرة بذكاء وفطنة سياسية فقال: وطنية الوحدة لا الوحدة الوطنية.
ألم يئن الآوان ليتعلم اليسار من تجربته ويكف عن رهن حركته وشعاره وبرنامجه للبرجوازية، نهجاً وامتدادات نقابية وسياسية، فتلك ليست فقط انقاذا لليسار العمالي في الحركة النقابية الفلسطينية بل وانقاذا للمشروع الوطني ذاته.
وأخيراً، ماذا عن تركيبة المؤسسة العمالية الرسمية؟ المحاصصة اولا وعاشرا واخيرا، تماما كانعكاس لكل نظام المحاصصة والكوتا في الساحة الفلسطينية. واذا كانت مرة الشرعية الثورية توفر الغطاء ( الديموقراطي) لفصائل المقاومة كي تقرر عبر المحاصصة والكوتا في شأن المؤسسة الفلسطينية، الوطنية والنقابية، فلا شرعية ثورية اليوم عندما سكتت البنادق. ما هي شرعية اللجنة التنفيذية للاتحاد العام لنقايات العمال مثلاً؟ وقس عليه ما هي شرعية اعضاء المجلس الوطني الذين لم ينتخبوا مرة واحدة في الحياة منذ العام 1964!!!! بل ما هي شرعية اللجنة التنفيذية للمنظة التي  (دحشت) أحمد قريع في عضويتها كمستقل، اي والله كمستقل، بعدما خسر عضوية اللجنة المركزية لحركة فتح!!! ففي اللجنة التنفيذية ممثلون لفصائل لا يملك فصيلهم أكثر من مرافقي الأمين العام وحفنة موظفين على نظام الكوتا الحزبية في جهاز السلطة... كقاعدة جماهيرية!!! نلوك صبح ونهار حال الحكام العرب وندير الظهر ( لحكام بلادنا)! إن اتحادا للعمال لا ينبني بطريقة ديموقراطية من القاعدة للقمة لا يمكن مطالبة العمال باعتباره ممثلهم كما يجدر به احترام ذاته بان يكف عن اعتبار نفسه ممثلا للعمال في فلسطين!



[1] - هذا المصطلح هو الذي تبنته الحركة العمالية الاشتراكية الناشئة من الاممية الثانية تاريخيا والمعادية للصراع الطبقي والشيوعية، ويعني التعاون والشراكة مع قطاعات الانتاج الثلاث: النقابات والرأسماليين والحكومة!!! إنه الشعار المحبب للرأسمال اليوم وللممولين الأوروبيين في العالم لحرف النقابات عن الصراع الطبقي الثوري.