عن الحكيم في ذكراه....وتخليدا لتراثه الفكري


وسام رفيدي
الحوار المتمدن - العدد: 4756 - 2015 / 3 / 23 - 21:42
المحور: الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية     



في ذكرى رحيل القائد الحكيم، جورج حبش، لن نعيد كلمات مكرورة لاكها الخطاب اليومي وما فتيء، بغض النظر عن مدى إخلاصه لفحواها! إنما ودون مقدمات نكتب ونقول: نحافظ على تراثه الفكري فنكون أخلصنا لتاريخه الزاخر بالتضال الوطني والقومي. والحفاظ على تراثه الفكري يحيل على دعوة وتوضيح، اما الدعوة فهي لتجديد المشروع الوطني الفلسطيني وإعادة بناء أدواته التنظيمية بعدما ان إنهار هذا المشروع بشطب الميثاق وإدارة الظهر للنضال المسلح ولفلسطين التاريخية، او تقزم على ايدي القيادة الرسمية لدويلة/ محمية، وفي الحالتين غدى الناظم السياسي الوطني مفتقد. أما التوضيح فهو ان الحفاظ على تراث الحكيم الفكري خطوة ليس القصد بها استفادة الباحثين والدارسين لتاريخ الفكر العربي المعاصر، وخاصة لجهة تأريخ المدرسة القومية الماركسية التي جسدها الحكيم بتراه الفكري ونضاله الوطني والقومي، وهي مهمة غاية في الأهمية، إلا انه بالاساس، أي الحفاظ، يهدف إلى تشكيل قاعدة فكرية- تنظيمية لتجديد المشروع الوطمي وإعادة بناء أدواته التنظيمية بعامة، وإعادة بناءاليسار الفلسطيني بخاصة، فهي، تاليا، مهمة نضالية بالأساس اكثر منها أكاديمية، فلسنا، نحن الذين ناضلنا بالاستناد لهذا التراث، بالنهاية مثقفي ارشيف او مكتبات بقدر ما حملنا ولا زلنا نحمل الهم المزدوج: هم الوطن المغتصب وهم الكادحين الفقراء.
فأين يكمن ما نعتقده تراثا فكريا ثوريا للحكيم؟
1- انه اولا ذلك الدور الريادي الذي لعبه الحكيم، عبر تنظيم القوميين العرب بداية ثم عبر تاسيس الجبهة الشعبية مع الفرق الأول، بإيجاد ذلك التزاوج بين بين الفكر الماركسي والفكر القومي.
استنادا لموقف ستاليني تقليدي تبلور في ثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضي فقد اهالت الاحزاب الشيوعية التراب على مطمح الشعوب العربية بالوحدة القومية للشعوب العربية فلم تمالك برنامجا واضحا، ولا سعت لبناء هيكل تنظيمي واضح يعكس اي اهتمام بالمسالة القومية، فبدت تلك الاحزاب وكأنها غارقة بقطرية برجوازية رسم معالمها اتفاق سايكس- بيكو الاستعماري وتم التعامل معه كقدر لا فكاك منه. بالمقابل فعدائية الفكر القومي للماركسية والشيوعية، دون إغفال الموقف الشيوعي المؤيد لتقسيم فلسطين في التسبب بتعزز هذا العداء، من جهة، ومن جهة ثانية، غياب الموقف الطبقي الثوري عن الفكر القومي عموما، وتسلل نزعات قومية شوفينية في هذا الفكر، كل ذلك خلق شرخا بين الفكرين، صل درجة العدائية في لحظات فارقة.
والحكيم، بالاستناد للفكر القومي الذي تسلح به، في الخمسينيات والستينيات، وإخلاصه الوجداني للمسألة القومية المتثلة بمشروع الوحدة العربية، وتحليله لمسار تجربة هذا الفكر في الممارسة السياسية العربية وصل لقناعة سرعان ما دعى لتجسيدها: المزاوجة بين المحتوى التقدمي للفكر القومي، وهو حصراً: حل المسألة القومية، عبر مشروع النهوض العربي وبناء دولة الوحدة العربية، والانحياز للفكر الثوري الماركسي وهدفه ببناء الاشتراكية. لا نبالغ بالقول ان الحكيم وبتجربته وتراثه الفكري، وفي هذا الصدد تحديدا، قد عمل على تأسيس مدرسة في الفكر العربي المعاصر عنوانها المدرسة القومية الماركسية طان لها تأثيرها لاسياسي ليس على مستوى الفكر العربي فحسب بل وعلى مستوى الممارسة السياسية والكفاحية لفصائل العمل القومي واليساري على مستوى المنطقة العربي بالعموم. فبتأثيرات تلك المدرسة، وعبر التحاور الرفاقين تغيرت برامج وتوجهات شيوعية كتوجهات الحزب الشيعي اللبناني مثلا، وتأسست فصائل قومية ماركسية على امتداد الوطن العربي من لمغرب حتى عُمان.
2- وباستثناء التجربة المحدودة للشيوعيين السودانيين، والعراقيين والجزائريين كأفراد لا كأحزاب، كان للشيوعيين العرب في طوال التاريخ الحديث والمعاصر موقفا نقديا، وصل بعض الاحيان عبر التعبئة لمستوى العدائية، تجاه امتشاق الماركسيين للسلاح. ليس هذا بطبيعة الحال انتقاصا من النضالات والتضحيات البطولية اعشرات الآلاف من لاشيوعيين في النضال ضد الانظمة العميلة والامبريالية، ولكنه رؤية نقدية لطابع النضال الشيوعي العربي عبر عقود الذي انطبع بطابع النضال الجماهيري لا السياسي المسلح في ظروف كانت فيها الجماهير متعطشة لحمل السلاح ومقاومة اعدائها الطبقيين والقوميين. ويبدو أن النزوع الثوري للفصائل الماركسية، وفي مقدمتها الجبهة الشعبية، لامتشاق السلاح هو ما حدا بالادبيات لايساسية لإطلاق اسم اليسار الجديد على تلك الفصائل تمييزا لها عن افصائل الشيوعية التقليدية في الساحة العربي. وإذا كان من الصحيح ان بعض تلك الفصائل، منها الجبهة الشعبية في بداياتها، قد تعاملت بقداسة مثالية مع العمل المسلح، إلا ان ميزتها انها تمكنت عبر تجربتها، من المزاوجة بين مختلف أشكال النضال مع إبقائ العمل المسلح في موقع الريادة منها.
3- لم تكن الجماهير لتجانب الصواب عندما كانت تتندر على الشيوعيين العرب بانهم يرفعون مظلاتهم ان امطرت في موسكو!!! فحس الجماهير العفوي، والناضج معا، اكتشف ان التبعية للموقف السوفيتي كانت سمة بارزة ولافتة في السلوك السياسي للشيوعيين العرب. هنا بالذات تتجلى جرأة الحكيم والصف القيادي للجبهة الشعبية وبرنامجها المعروف: موافقة الأصدقاء السوفييت على الاعتراف باسرائيل وحقها بالوجود لا يعني مةافقتنا بل رفضنا لذلك الموقف، فاي موقف في العالم لا يمكن ان يكون بديلا عن رؤيتنا وقناعتنا بحقوقنا والوطنية في ارضنا.لم يعرف الحكيم مساومة على هذا الصعيد، بل ذهب به الحد حد التعليق على بريسترويكا غورباتشوف انذاك ان خاطب السوفييت علانية: تعيدون النظر بكل شيء فأعيدوا النظر بموقفكم نت تقسيم فلسطينن واعترافكم بالكيان الصهيوني. وقد كان لهذا المقف لنقدي من موقف السوفييت تأثيره على العديد من فصائل العمل الياسر العربي التي أعادت هي الأخرى موقفها وأعادت العلاقة مع السوفييت كما كان ينبغي ان تكون وكما ارستها الجبهة الشعبية من حيث الجوهر: تحالف ونقد لا تبعية ولا انصياع!
4- ولعل الملمح الأخير في تراث الحكيم، هو ذلك العداء الذي لا يقبل القسمة على اثنين للمشروع الصهيوني الكولونيالي في فلسطين، والتمسك بفلسطين التاريخية من جهة وبالحل الثوري للمسألة الفلسطينية من جهة ثانية: دولة فلسطين الديموقراطية كجزء من محتمع عربي اشتراكي موحد، دولة لا مكان فيها للمشروع الصهيوني ولا للحركة الصهيونية وكيانها وان كانت تتسع لليهود بخصوصيتهم الدينية واللغوية. زهذا للموقف الفيصل هو ما يضع الحد الفاصل بين موقف الهرولة في الفكر السياسي الفلسطيني: كامل التراب والتحرير ثم دزلة على اي بقة، ثم دولتين وصولا للحكم الاداري ودولة المحميات المعزولة، وبين الموقف التاريخي المتمسك بتجليات المربع الاول للصراع: ارض محتلة يجب تحريرها اولا وقبل كل شيء بحيث تكون كل الجهود لمعركة التحرير لا للصفقات التي اثبت التاريخ الفلسطيني انها لا تورث الا المزيد من التنازل منذ العام 1974 عام شعار السلطة الوطنية وحتى العام 1993 عام اوسلو!