عبد الصادقي بومدين - عضو اللجنة المركزية لحزب التقدم والاشتراكية بالمغرب - في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: اليسار والتيارات السياسية الإسلامية في الشرق الأوسط وشمال افريقيا: محاولة لمقاربة جديدة.


عبد الصادقي بومدين
الحوار المتمدن - العدد: 5493 - 2017 / 4 / 16 - 22:49
المحور: مقابلات و حوارات     


من اجل تنشيط الحوارات الفكرية والثقافية والسياسية بين الكتاب والكاتبات والشخصيات السياسية والاجتماعية والثقافية الأخرى من جهة، وبين قراء وقارئات موقع الحوار المتمدن على الانترنت من جهة أخرى، ومن أجل تعزيز التفاعل الايجابي والحوار اليساري والعلماني والديمقراطي الموضوعي والحضاري البناء، تقوم مؤسسة الحوار المتمدن بأجراء حوارات مفتوحة حول المواضيع الحساسة والمهمة المتعلقة بتطوير مجتمعاتنا وتحديثها وترسيخ ثقافة حقوق الإنسان وحقوق المرأة والعدالة الاجتماعية والتقدم والسلام.
حوارنا -200- سيكون مع الأستاذ عبد الصادقي بومدين  - عضو اللجنة المركزية لحزب التقدم والاشتراكية بالمغرب -  حول: اليسار والتيارات السياسية الإسلامية في الشرق الأوسط وشمال افريقيا: محاولة لمقاربة جديدة. .
 


ثمة واقع لا يرتفع في كل هذه المنطقة المسماة "العالم العربي" ، وأفضل تسميتها بالشرق الأوسط وشمال إفريقيا، هو الحضور القوي لتيارات سياسية إسلامية في المشهد السياسي والواقع الاجتماعي...
واقع يفرض قراءة جدية عميقة ورصينة من طرف قوى اليسار بكل مكوناته، وبشكل خاص من طرف مثقفيه و"منظريه" ، ليس انطلاقا من مقولات وتصنيفات وأحكام مسبقة التي يلجأ إليها السياسي عادة لاتخاذ مواقف وردود فعل (وحتى انفعال) ظرفية، بل انطلاقا من تحليل علمي أو قريب من العلم ، لفهم هذا الواقع فهما سليما، كما هو وليس كما يريد اليساري ببداهته أن يكون . فهم الواقع في كل تعقيداته كمنتوج للتاريخ المادي و الروحي، وتراكم وتفاعل داخلي وخارجي، هو الذي يزود الفاعل السياسي بخلفية فكرية وبمعطيات تمكنه من اتخاذ الموقف السليم، الناجع والفاعل في حركية التاريخ والمجتمع....
هل قام اليسار، بمكونيه الفكري والسياسي، بمثل هذا التحليل المتعدد الأبعاد (تاريخي، اجتماعي ، سياسي، ثقافي..) لظاهرة ما يسمى ب "الإسلام السياسي"؟ لمكوناته، لخلفيته التاريخية والاجتماعية، لطبيعة تمثيليته الطبقية، للتركيبة الطبقية لهياكله وتنظيماته ، لنوعية المصالح التي يعبر عنها اعتبارا لكون الصراع السياسي هو، في نهاية المطاف، تعبير عن صراع مصالح طبقية؟


هل استعمل اليسار، في مكونه الفكري ، المنهج المادي الجدلي وأدواته التحليلية بما فيه الكفاية وبشكل خلاق ومبدع ومطور، للمنهج والأدوات معا، بالنظر لما راكمه الفكر البشري من اجتهادات وما تنتجه جدلية الواقع والفكر من إمكانيات الاستيعاب والفهم؟ وعندما أحيل إلى المادية التاريخية فلا أحيل إلى قوالب ومقولات جاهزة وأحكام مسبقة، بل إلى منهج قريب من العلمية، منهج جدلي، بمعنى انه يقر منذ البداية بجدلية الفكر والواقع، وتطور الفكر بناء وتفاعلا مع تطور الواقع، ومن ثمة تطور المقولات والأحكام المتضمنة في المادية الجدلية نفسها؟ فلا يمكن أن يتطور الواقع ويتحول باستمرار دون أن يتطور الفكر الذي يستوعبه ويحلله ويسعى إلى التأثير فيه؟
فعلا هي إشكالية أكبر من اليسار العربي ، هي إشكالية اليسار كونيا، غير أن عدم استحضارها، على الأقل، من طرف مفكري اليسار العربي (أو اليسار في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا) يجعل قراءته لواقع محدد وإشكالية محددة ( التيارات السياسية الإسلامية في موضوعنا) قد تتسم بتطبيق ميكانيكي للنظرية مما ينتج عنه قصورا ، في استيعاب الإشكالية وبالأحرى الحديث عن حلها.


لا نعدم تراكما نظريا يستحق التنويه والاعتبار، وأعمالا جليلة يمكن تجميع خلاصاتها بتكامل وخيط ناظم.أذكر منها أعمال شيخ اليسار العربي وأحد ابرز مفكريه الراحل حسين مروة ومؤلفه الضخم "النزعات المادية في الفلسفة العربية الاسلامية" ، وأعمال الراحل مهدي عامل وبشكل خاص "مقدمات نظرية لدراسة أثر الفكر الاشتراكي في الوطن العربي" ، واجتهادات طيب تيزيني لإنجاز "رؤية جديدة للفكر العربي في العصر الوسيط" وكتاب محمود اسماعيل "الحركات السرية في الإسلام"..والانتاجات الفكرية المتميزة للمفكروالقائد اليساري المغربي الراحل عزيز بلال ومقاربته ل "للعوامل غير الاقتصادية للتنمية" (مع الأسف عير معروف عند قراء العربية لأنه كان يؤلف باللغة الفرنسية وقد سبق أن قدمت ملخصا لأعماله في مجلة الطريق العدد10صيف2014 http://ppsmaroc.com/ar/%D9%82%D8%B1%D8%A7%D8%A1%D8%A9-%D9%81%D9%8A-%D9%83%D8%AA%D8%A7%D8%A8-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%88%D8%A7%D9%85%D9%84-%D8%A7%D9%84%D8%BA%D9%8A%D8%B1-%D8%A7%D9%82%D8%AA%D8%B5%D8%A7%D8%AF%D9%8A%D8%A9/ )، وحتى أعمال حسن حنفي عندما كان قريبا من اليسار ومحاولته التأسيس ل "اليسار الإسلامي" . إنها نماذج لأعمال فكرية جليلة ورائدة ... فهل استثمرها اليسار كفاية لبلورة تحليل للواقع في كل تجلياته وباعتباره منتوجا تاريخيا في مكوناته الاجتماعية والثقافية والسياسية ثم بناء مواقف وفعل سياسي ناجع وفاعل؟


هل استوعب اليسار جيدا مفهوم النزعات المادية في الفلسفة العربية الاسلامية، وفي تاريخ الاسلام عموما، وركز عليها لإبرازها واعتمادها كأحد المصادر لبناء مقاربته النظرية والسياسية حتى يرتبط بواقعه الفعلي وليس بواقع افتراضي نظري؟
هل قام اليسار بقراءة معمقة ل"الحركات السرية في الاسلام" واعتبارها حركات سياسية " إسلام سياسي " وقراءة تجربة القرامطة كتجربة شبه اشتراكية بمعايير عصرها لبناء جسور مع الماضي ومن ثمة "المصالحة" مع التاريخ والواقع في نهاية المطاف؟
هل استثمرت أطروحات عزيز بلال حول العوامل غير الاقتصادية في التنمية ومنها أن نزوع الجماهير نحو الموروث الثقافي (الاسلام) هو رد فعل على الصدمة الحضارية التي خلفها الاستعمار وفرض قيمه الرأسمالية الليبرالية والتي هي منتوج لمسار تاريخي مختلف عن مسار شعوبنا ، وهي أطروحة ثمينة تمكننا من فهم الحاضر وفهم أسباب هذا الحضور لما يسمى ب " الاسلام السياسي " ؟
هل قرأ اليسار القرآن نفسه بدون أحكام مسبقة وبدون موقف مسبق من الدين لاستخراج "التوجه الاجتماعي" المتضمن في الكتاب المقدس عند المسلمين من قبيل الزكاة ، الصدقة، التضامن ، ومعاني الآية "وفي أموالهم حق للسائل والمحروم " وما تضمنه من انحياز للمستضعفين ؟
لا أظن أن اليسار ، عموما وخاصة في الشرق ، قام بجهد كبير لتركيب كل هذه المناحي والأبعاد لبناء ذاته وهويته التي لا بد أن تكون متميزة عن تجارب يسارية أخرى عبر العالم ولها خصوصية مرتبطة بالإطار الحضاري العام الذي يشتغل فيه. أتصور أن التجربة الصينية ما كان لها أن تنجح لولا القيم الحضارية والدينية للشعب والحضارة الصينية التي تعود إلى آلاف السنين.


و استحضر تجربة اليسار في أمريكا اللاتينية وإبداع مفهوم لاهوت التحرير دون أي عقدة تجاه الدين ولا موقف مسبق منه. ونجاح تجارب يسارية في امريكا اللاتنية راجع، في جزء منه، الى استيعاب واقع متميز وذي خصوصية ادركها اليسار ونتج عنها تطبيق خلاق لفكره وقيمه.
استحضر أيضا مفهوم الكتلة التاريخية التي دعا إليها غرامشي ، التي لا تستثني الأحزاب المسيحية بل تدمج كل القيم الاجتماعية في الدين المسيحي.
أعتقد أن ثمة قصور، وأجازف بالقول أن ثمة "أصولية" لدى اليسار العربي ، فالأصولية لا تحيل بالضرورة إلى تيارات سياسية إسلامية ، بل الأصولية تعني الارتباط الدوغمائي بالأصول التي تبقى في نظر أي أصولي أسمى من كل اجتهاد أو تطوير لاحق، وهي في حالة اليسار إنتاجات ماركس وانجلز ولنين . لقد تحدث روجية غارودي، عندما كان مفكرا يساريا، عن أصوليات وليس أصولية واحدة، واعتقد أن كثيرا من الحركات اليسارية هي "أصولية" بمعنى ما وسلفية لأنها تحيل إلى خلاصات السلف الصالح وليس فقط إلى منهجية في التحليل للوصول لهذه الخلاصات والسلف الصالح هو" ماركس" انجلز لينين" رغم أن هؤلاء مهما كانت عبقريتهم فهم بشر مرتبطون بواقعهم ومستوى التطور الاقتصادي في عصرهم ومستوى تطور الفكر والعلم والعقل البشري عموما...


لنأخذ مثلا مقولة "الدين أفيون الشعوب "، فماركس درس تطور نمط الانتاج الرأسمالي في أوروبا، ودرس تأثير المسيحية في خط تطور أوروبا ودور الكنيسة الرجعي في حماية الإقطاعية، كما درس نمط الإنتاج الأسيوي انطلاقا من الهند ودور الديانات الهندية الرجعية فعلا ، وأستنتج انطلاقا من ذلك مقولته تلك، ولا أظنه درس تجربة القرامطة ومجمل الحركات السياسية /الدينية في الإسلام، فالعقل البشري الواحد محدود وعمر البشر محدود كذلك، وما كان بالإمكان بناء مفهوم "لاهوت التحرير" انطلاقا من مقولة لها سياقها التاريخي ونسبية في نهاية المطاف كأي إنتاج فكري بشري.
ارتأيت أنه لا بد من هذه "المقدمات النظرية" لمقاربة الاشكالية التي يطرحها هذا المقال ولو على شكل مساءلات وتساؤلات ، لاجل محاولة فهم الحضور القوي للتيارات السياسية الاسلامية فيما يسمى ب "العالم العربي " والذي اسميه الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لاعتبارات ليس موضوع هذا المقال التفصيل فيها.
في تصوري لا بد من مساءلة مفهوم " الاسلام السياسي"، فما هو الاسلام السياسي تحديدا ؟ وهل هو تيار موحد ومنسجم في أطروحاته وممارساته ومشاريعه؟ هل نضع في سلة واحدة تنظيمات إرهابية متطرفة لغتها الوحيدة هي القتل ، وتنظيمات سياسية لغتها الخطاب والممارسة السياسية بغض النظر عن وجودها القانوني؟ هل نساوي بين داعش أو النصرة مع حركة النهضة بتونس أو حزب العدالة والتنية بالمغرب مثلا؟ إن مثل هذه المقاربة التي تضع كل التيارات الإسلامية في سلة واحدة تشبه المقاربة التي روجتها القوى الرجعية حول اليسار في وقت سابق دون تمييز بين تنظيمات متطرفة فعلا وأسلوبها هو الاغتيال وأحزاب سياسية تؤمن بالعمل السياسي واعتبرت وروجت ان كل اليسار ارهابي ومتطرف دون اعتبار للتمايزات الواضحة بين ما سماه مهدي عامل ب" اليسار الحقيقي واليسار المغامر".


ثم أن المفهوم نفسه غير دقيق ، فهل يعني أن الاسلام كدين غير سياسي ؟ في تصوري أن الاسلام منذ البداية دين وسياسة ، فلم يكن النبي محمد مجرد داعية لقيم الاسلام وتعاليمه بل أسس دولة وقادها سياسيا وعسكريا ، وهذا هو الفرق الجوهري بين الاسلام وباقي الديانات ، حيث النبي أو المبشر أو الداعي لدين جديد مجرد داعية يلقي تعاليمه ويمضي كما هو شان المسيح مثلا؟
إن الانطباع الذي يخلقه مفهوم الاسلام السياسي هو أن هذه التيارات السياسية في الإسلام أمر جديد وسلبي بالمطلق ، وأعتقد أنه انطباع خاطئ، فالخوارج والقرامطة والشيعة وغيرهم هي تيارات إسلامية سياسية (إسلام سياسي) ، وحتى التيارات ذات البعد الفكري أو الفلسفي مثل المعتزلة والمرجئة هي تيارات سياسية في العمق ، والمذاهب الصوفية المتأثرة بالتدين الأسيوي والداعية إلى الابتعاد عن السياسة تحمل في عمقها موقفا سياسيا يدعم السلطة القائمة، والنماذج كثيرة في الماضي وحتى في الحاضر.
مساءلة المفهوم إذن تبدو لي حتمية لبلورة مقاربة جديدة لهذا الذي يسمى ب "الإسلام السياسي" وبلورة الموقف أو المواقف من تياراته المتنوعة.


أتحدث تحديدا عن تيارات سياسية إسلامية أو ذات مرجعية إسلامية وليس عن التنظيمات الإرهابية المتطرفة ، فهذه الأخيرة لا تندرج ضمن موضوعنا والموقف منها لا يحتاج إلى كثير نقاش وهو الرفض والإدانة، ولا مجال لأي تعامل معها شأن أي تنظيم إرهابي أيا كان زمانه ومكانه ومرجعياته.أتحدث عن تيارات سياسية إسلامية بصيغة التعدد. ومقاربتي تنبني على التمييز بين هذه التيارات بين المتطرفة والمعتدلة من جهة وعلى فكرة الاعتراف المتبادل بين اليسار وهذه التيارات عوض الإقصاء المتبادل من جهة أخرى.


أمامنا دروس التاريخ ومفادها أن في تاريخ الإسلام تيارات سياسية على اليسار، الذي يعيش في بيئة إسلامية، أن يستأنس بها حتى لا ينفصل عن تاريخ بيئته وأن يكون امتدادا ، بشكل ما، لكل الحركات ذات الطابع الثوري والبعد الاجتماعي في تاريخ الاسلام.

وأمامنا تجارب من التاريخ الحديث: تجربة الحزب الشيوعي اللبناني مع حزب الله، وتجربة الحزب الشيوعي السوداني مع جبهة الترابي ، وتجربة اليسار مع حركة النهضة أيام بنعلي، وتجربة حزب التقدم والاشتراكية مع حزب العدالة والتنمية واليسار الجذري مع جماعة العدل والإحسان في المغرب...قراءة هذه التجارب تؤكد أن ليس هناك طريقة واحدة وموحدة جاهزة لتعامل اليسار مع الحركات الإسلامية ، فالموقف يتحدد انطلاقا من واقع كل بلد ، بطبيعة الصراع السياسي فيه، وطبيعة المهام المطروحة على قوى اليسار، وبلغة أخرى نوعية التناقض الرئيس في كل بلد. تحديد التناقض الرئيس أمر جوهري في منهجية التحليل السياسي الجدلي لقوى اليسار ، دونه تتضبب الرؤيا وتضعف نجاعة الفعل السياسي إن لم أقل غياب النجاعة والدوران في حلقة مفرغة.


ويطرح سؤال جوهري بخصوص تحديد التناقض الرئيس: هل الإشكالية التي تواجهها بلداننا (الشرق الاوسط وشمال إفريقيا) إشكالية إيديولوجية أم سياسية؟ طبعا لا يمكن الفصل المطلق بين البعدين غير أن الأسبقية في العمل السياسي تطرح نفسها موضوعيا لأجل نجاعته وقدرته على التأثير.
أتصور أن الإشكالية الأساسية ذات الأسبقية اليوم هي الإشكالية السياسية ، وأقصد مسألة الديمقراطية وإرساء قواعد العمل السياسي السليم. فوحده التنافس الديمقراطي بين كل التيارات السياسية، والاحتكام إلى صناديق الاقتراع ، واحترام إرادة الشعب عبر انتخابات ديمقراطية نزيهة، يمكن من تحرر شعوبنا من تسلط طغم حاكمة بدون سند شعبي ولا شرعية سياسية. الانتخابات وصناديق الاقتراع هي أرقى ما وصلت إليه البشرية لحد الآن كوسيلة لحل إشكالية السلطة وشرعية ممارستها بعدما تبين فشل كل الوسائل الأخرى المتجاوزة تاريخيا...
اليسار غير قادر ، موضوعيا وذاتيا ، على حل الإشكالية السياسية بمفرده وبمعزل عن قوى أخرى فاعلة ومؤثرة في الواقع والمشهد السياسي . هنا تطرح مسألة التحالفات التكتيكية المرحلية، وتطرح مسألة إمكانية التحالف أو التآلف المرحلي مع تيارات سياسية إسلامية تقر مبدئيا بالعمل السياسي وتمارسه بقواعد متوافق عليها. في هذا الإطار يسقط بعض اليسار في محاكمة النوايا وهو نفس الإشكال الذي واجهه هو نفسه في مرحلة سابقة عندما كانت القوى الرجعية المتسلطة تحاكم كل التنظيمات اليسارية في نواياها ، ومنع بعضها من حق الممارسة السياسية في إطار القانون فقط انطلاقا من اعتبار نية اليسار المفترضة أي السيطرة على السلطة وإنشاء دكتاتورية البروليتاريا. أكيد أن لكل بلد خصوصياته ، وتباين جوانب الإشكالية وتباين التيارات السياسية الاسلامية فيه ، ولا يمكن بالتالي إصدار حكم جاهز ووصفة جاهزة لكيفية تعامل اليسار مع هذه التيارات بالتحالف أو المواجهة.

إن التركيز على حل الإشكالية السياسية وتجميع أكبر ما يمكن من القوى السياسية، ومنها الإسلامية ، لا يعني إلغاء الصراع الفكري والإيديولوجي الذي يبقى مستمرا في مجالاته . فعندما نؤمن بالديمقراطية ، كقناعة وكثقافة وكممارسة، نؤمن بالنتيجة بحق الاختلاف وحق الهوية الإيديولوجية لكل طرف سياسي.
على سبيل الخاتمة:
بناء وانطلاقا مما سبق اتصور انه على اليسار ان يقوم ب " مراجعات" عميقة لمقارباته وتحاليله ومواقفه ،ليس فقط من التيارات السياسية الاسلامية، بل لمجمل تعامله مع مجتمعه وبيئته وكل القوى الفاعلة والمؤثرة.
اعتقد في ضرورة " المصالحة" مع الواقع والمجتمع والتاريخ، وهو ما يفرض امتلاك معرفي لهذا التاريخ وللواقع بكل تعقيداته وعوامل تشكله، وهو ما يمر ، بالضرورة في تقديري، عبرادماج كل القيم الايجابية والانسانية في الموروث الاسلامي وفي الدين الاسلامي نفسه وكل الحركات السياسية الاسلامية في تاريخ الإسلام .تجربة حزب التقدم والاشتراكية بالمغرب جديرة بالدراسة والاستئناس ،حيث اعترف منذ 1968 ( عندما كان يحمل اسم الحزب الشيوعي المغربي فاصبح اسمه حزب التحرر والاشتراكية بعد مراجعات فكرية وسياسية ) بمكوننين اساسيين للمغرب: النظام الملكي والدين الاسلامي ونص قنونه الاساسي منذ ذلك التاريخ على ادماج القيم الإيجابية في تراثنا في اطروحاته وممارساته ، وهو ما مكنه من التجذر في الواقع المغربي وحضوره اللافت في المشهد السياسي بل وحتى المساهمة في تدبير الشان العام.وتجربة تحالفه مع حزب العدالة والتنمية ذي المرجعية الاسلامية تستحق المتابعة وحتى الاستئناس بها من طرف قوى يسارية تعيش وضعا مشابها فيما يخص تحديد التناقض الرئيس وتقدم الاشكالية السياسية للواجهة.

اعتقد في ضرورة بناء هوية متميزة لليسار في هذه المنطقة ( الشرق الاوسط وشمال افريقيا) اعتبارا لكل ما ورد اعلاه.

اخيرا ارى ضرورة الحوار بين اليسار والتيارات السياسية الاسلامية في افق اعتراف متبادل عوض الاقصاء المتبادل وهو اعتراف ستنتج عنه افاق جديدة ، وامكانيات جديدة للفعل المؤثر في المسار السياسي خاصة ومسار تطور مجتمعاتنا بوجه عام.