عبدالله أبو شرخ - مفكر فلسطيني - في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: المؤتمر الإلكتروني الفلسطيني لقراءة المشهد السياسي الراهن وبحث الخيارات المطروحة ! من الحماقة أن نزحف إذا كان بإمكاننا التحليق !.


عبدالله أبو شرخ
الحوار المتمدن - العدد: 5424 - 2017 / 2 / 6 - 00:05
المحور: مقابلات و حوارات     

من اجل تنشيط الحوارات الفكرية والثقافية والسياسية بين الكتاب والكاتبات والشخصيات السياسية والاجتماعية والثقافية الأخرى من جهة, وبين قراء وقارئات موقع الحوار المتمدن على الانترنت من جهة أخرى, ومن أجل تعزيز التفاعل الايجابي والحوار اليساري والعلماني والديمقراطي الموضوعي والحضاري البناء, تقوم مؤسسة الحوار المتمدن بأجراء حوارات مفتوحة حول المواضيع الحساسة والمهمة المتعلقة بتطوير مجتمعاتنا وتحديثها وترسيخ ثقافة حقوق الإنسان وحقوق المرأة والعدالة الاجتماعية والتقدم والسلام.
حوارنا -195- سيكون مع الأستاذ عبدالله أبو شرخ - مفكر فلسطيني -  حول: المؤتمر الإلكتروني الفلسطيني لقراءة المشهد السياسي الراهن وبحث الخيارات المطروحة ! من الحماقة أن نزحف إذا كان بإمكاننا التحليق !. 
 


مقدمة:

في الوقت الذي يعلن فيه نتنياهو عن مشاريع بناء آلاف الوحدات السكنية في الضفة الغربية، تقوم حكومة رام الله باعتقال ومطاردة عناصر حماس والجهاد بل والشعبية وفتح، كما تقوم حكومة حماس بإصدار أحكام بالسجن على عناصر من فتح بدعوى التخابر مع رام الله ! في نفس اللحظات تداهم قوات شرطة الاحتلال قرية أم الحيران في النقب وتهدم بيوتها وتشرد سكانها ! كل هذا يحدث في ظل السلطتين تحت الاحتلال ! لقد آلمني الصديق الكاتب والأديب نبيل عودة من الناصرة عندما علق على موقع التواصل على منشور ندعو فيه لمسيرة حاشدة تضامناً مع الأسرى بسؤاله ( أي أسرى تقصد بالضبط ؟؟ الأسرى في سجون حماس أم في سجون السلطة أم في سجون إسرائيل ؟؟! ) !!!
وضع شديد التعقيد والغموض والخطورة أيضاً، فنحن فشلنا في الحصول على دولة على حدود الرابع من حزيران، بل إن حكومة اليمين الصهيوني المتطرفة في إسرائيل قد قررت ضم جميع الأراضي المصنفة " C " والتي تشكل 60 % من أراضي الضفة الغربية، وهي ضربة مميتة لمشروع حل الدولتين الذي تصورته منظمة التحرير والإخوة في حركة فتح والذي توهم أصحابه من الفلسطينيين بأن العالم سوف يساندهم للاعتراف بالدولة المستقلة على حدود 67. بكلمات أوضح فإن الخيار التفاوضي الأوسلوي قد وصل بعد 23 عاماً من الاستيطان إلى طريق مغلق بالكامل.
بالمقابل، فإن دولة الاحتلال، تمكنت بعد دراسات وأبحاث ومؤتمرات هرتسليا، من تصميم خطة احتواء المقاومة المسلحة في غزة، من خلال إجبارها على خوض حرب نظامية تلائم جيشها وترسانتها الحربية بأدوات بدائية بسيطة، الأمر الذي تسبب ثلاث مرات بخراب ودمار وهلاك الآلاف وتشريع عشرات الآلاف. في واقع الحال نحن نشهد تراجعاً فلسطينياً كبيراً في كل الأصعدة سوء في المسار التفاوضي الأوسلوي أو في مسار المقاومة المسلحة بالعنف الثوري، لدرجة أن الخيار الوحيد المتاح والممكن أمام الشباب هو مغادرة الوطن والرحيل بعد أن تحول تراب الوطن إلى جحيم يشتعل بالفقر والبطالة وأزمات السكن والعلاج والتعليم. سنقوم بالبحث في كافة الخيارات المطروحة أمام شعبنا بكل مصداقية وأمانة، فالتضليل والكذب والتزوير أوصلنا إلى حالة من العدم !

أولاً: خيار تحرير فلسطين بالقوة المسلحة


كان التفكير بأن " ما أخذ بالقوة لا يسترد بغير القوة " هو الأساس لجميع الثورات والانتفاضات التي قامت بها الفصائل الفلسطينية، فقد مارست حركة فتح الكفاح المسلح منذ العام 1965 بهدف تحرير فلسطين المغتصبة عام 1948، ثم انضمت إليها الجبهة الشعبية بعد عدوان 1967. جميع فصائل منظمة التحرير مارست الكفاح المسلح بدعم قومي أو أممي، ثم في العام 1974 تم التنازل حتى إقامة دولة على حدود العام 1967، وفيما بعد تم التنازل إلى إقامة دولة فلسطينية على أي جزء يتم تحريره، وفي العام 1993 تم الحصول على سلطة حكم ذاتي على أمل أن يكون هذا الحكم طريقاً للدولة، وبعد انقضاء مدة الخمس سنوات الانتقالية ثم استشهاد الراحل عرفات، تم التنازل للحفاظ على سلطة الحكم الذاتي بأي ثمن ! بعد التسعينات مارست كل من حركة حماس والجهاد الإسلامي إلى جانب الجبهة الشعبية الكفاح المسلح حتى انسحاب إسرائيل أحادي الجانب من غزة في 2005. في الأعوام 2008، 2012، 2014 خاضت المقاومة من غزة ثلاثة حروب متوالية، معظمها جاء كردة فعل على الاستفزاز الإسرائيلي. لم تدرك المقاومة أن المعركة مع الاحتلال بعد انسحابه من غزة قد تحولت إلى مواجهة نظامية يتفوق فيها من يملك الترسانة الأكبر والأقوى. كانت النتائج وخيمة على سكان غزة فدفع الناس آلافا من الشهداء وآلافا من الجرحى غير الخراب والدمار. مجمل القول أن الشعب الفلسطيني قد مارس العنف الثوري المسلح منذ العام 1948 وحتى 2014، لكن من دون تحقيق أي نتائج تذكر في سبيل تحرير الأرض المغتصبة.

ثانياً: خيار حل الدولتين / الدولة الفلسطينية على حدود 67 !


من العام 1965 وحتى دورة المجلس الوطني الفلسطيني في العام 1974، كانت منظمة التحرير تتبنى خيار تحرير فلسطين بالقوة المسلحة تحت شعار " لا صلح، لا اعتراف، لا مفاوضات " مع إسرائيل، ولكن في تلك الدورة تم تبني شعار " دولتين لشعبين " على أن تقوم الدولة الفلسطينية على حدود الرابع من حزيران 1967. في العام 1977 تم إنشاء ثاني مستوطنة على أراضي الضفة الغربية، وبدأ الاستيطان يشتد بوتيرة أكبر في الثمانينات والتسعينات، ثم تضاعف أكثر وبصورة جنونية بعد اتفاق أوسلو 1993. في الوقت الراهن إسرائيل تستعد لضم الأراضي المصنفة " C " وهو ما يشكل 60 % من مساحة الضفة الغربية، وبإضافة ما تم نهبه بالجدار العازل 12 %، فإن المتوقع هو ضم 72 % من الضفة الغربية وهو ما دعى مندوب فلسطين في الأمم المتحدة بأن يصرح بأننا على وشك الإعلان عن موت حل الدولتين !

ثالثاً: حل الدولة الفلسطينية في قطاع غزة بحكم الأمر الواقع


قطاع غزة منطقة مكتظة باللاجئين، تعاني الفقر والبطالة والانفجار السكاني، وقد سعت دولة الاحتلال إلى التخلص من عبيء إدارة غزة منذ العام 1955 عندما طرحت الإدارة الأمريكية على الزعيم الراحل ناصر مشروع توطين اللاجئين في صحراء سيناء والذي تم إسقاطه بتظاهرات عارمة عمت قطاع غزة. بعد خطة الانسحاب أحادي الجانب عام 2005، قامت حركة حماس بالسيطرة على مقاليد الحكم في غزة في العام 2007 وذلك بعد فوزها في الانتخابات التشريعية عام 2006. في العام 2007 تم إعلان الحصار الشامل على قطاع غزة، فقد فرضت دولة الاحتلال العديد من العقوبات الاقتصادية على قطاع غزة، مثل وقف دخول العمال ووقف استيراد منتجات القطاع الزراعية والصناعية. الدولة الفلسطينية في غزة قائمة الآن بمؤسساتها التي ينقصها الاعتراف، ويبدو أن فئات كبيرة من سكان القطاع قد أصبحت تميل إلى إنهاء مأساة الحصار ومنع السفر والعلاج وحق العمل حتى لو ضمن مشروع دولة غزة، التي ستكون مفتوحة على الجانب المصري ضمن تفاهمات سياسية وأمنية بين الحكومة المصرية وحكومة حماس ! من المرجح أن إسرائيل تسعى لفرض هذا المشروع بحكم الأمر الواقع كونه يضمن توطين مليون ونصف المليون لاجيء في مخيمات قطاع غزة بلا تعويضات أو مقابل سياسي ! هذا المشروع هو أكثر الخيارات المطروحة قوة من الناحية التنفيذية كون عزل غزة وفصلها عن فلسطين التاريخية هو حلم صهيوني قديم.

رابعاً: مشروع الدولة الواحدة وعودة اللاجئين


قبل العام 1974 كانت منظمة التحرير تسعى لتحقيق دولة فلسطين العربية العلمانية لجميع سكانها، لكن بعد تحريرها بالقوة، أي أن فكرة التعايش ضمن دولة واحدة كانت مطروحة ضمن دولة فلسطين العربية. في العام 1947 رفض العرب قرار تقسيم فلسطين إلى دولتين، عربية ويهودية. لكن دعونا ننظر الآن إلى المشهد بصورة متكاملة، خاصة بعد أن طرح اليمين الصهيوني مبدأ يهودية الدولة بهدف الالتفاف على حلم إنشاء دولة واحدة ديمقراطية لجميع سكانها.
شد التعقيد والتداخل الجغرافي بين المدن والقرى الفلسطينية والإسرائيلية، سواء في الداخل المحتل منذ 1948 أو في الضفة الغربية بعد الاستيطان، تجعل من أمر الفصل السكاني أمرا شديد الصعوبة، بينما الأمر الواقع يشير إلى أن الأمور ذاهبة في النهاية لفرض دولة واحدة لجميع سكانها، علماً بأن طموح قوى اليمين الصهيوني هو تصفية الوجود العربي الفلسطيني من فلسطين التاريخية، ويكفي التذكير بأن أحزاب التهجير " الترانسفير " قد حصلت على مقاعد في الكنيست الأخيرة.
لو تبنت منظمة التحرير خيار الدولة الواحدة والتعايش السلمي على أرض الواقع، فسوف نتخلص كفلسطينيين من الدعاية الإسرائيلية بخصوص قتل اليهود ورميهم في البحر. خيار التعايش سوف يلقى ترحيباً دولياً وأممياً كبيراً وحتى من داخل الشعب الإسرائيلي نفسه !


-----------------------------------------


الخلاصة:

1- يعيش سكان قطاع غزة تحت حصار مميت مفروض منذ 10 سنوات، تفشت البطالة وانتشر الفقر كما تم إغلاق المعابر وتقييد حرية السفر ويعاني الناس في غزة من ضعف التحويلات العلاجية إلى خارج غزة بسبب قيود السفر. سكان غزة يبحثون عن حل سياسي لمستقبل غزة ومستقبل أجيالهم.
2- ما زالت أغلبية من دول العالم تساند حل الدولتين رغم موته على أرض الواقع الأمر الذي يحصر الخيارات في دولة غزة " بحكم الواقع " أو دولة واحدة لو تم تبنيها من منظمة التحرير.
3- رغم صعوبة الأزمات التي تعصف بالشعب الفلسطيني، فإن خيار الدولة الواحدة الذي يكفل الحرية والعدالة والمساواة هو الأمل الوحيد بعدة الشعب الفلسطيني إلى أرضه التي تم تهجيره منها عام 1948 فيما عرف بالنكبة.
4- الشعب الفلسطيني في الضفة وغزة والشتات بحاجة إلى استفتاء شعبي عام بإشراف الأمم المتحدة والمنظمات الدولية حول الخيارات الثلاثة المطروحة:
1- الاستمرار في النضال من أجل تفكيك الاستيطان وإقامة الدولة على حدود 67 معتمدين على الرأي العام العالمي واعتبار معظم دول العالم أن الاستيطان ظاهرة غير قانونية مع الأخذ بعين الاعتبار الواقع الاستيطاني الرهيب في الضفة الغربية !
2- التوافق الوطني والشعبي لإنشاء دولة مستقلة معترف بها في غزة مع الأخذ بعين الاعتبار مدى خطورة هذه الدولة على مستقبل اللاجئين.
3- التوافق الوطني والشعبي لتبني رؤية حل الدولة الواحدة من خلال النضال لإسقاط الفكر الصهيوني العنصري ومبدأ " يهودية الدولة " الذي يتعارض مع كافة مباديء الحرية والعدل والمساواة، وهو طريق تمت تجربته في جنوب أفريقيا بقيادة مانديلا. ضمن هذه الرؤية تتم مقايضة الاستيطان بالعودة الكاملة للاجئين. لا فرق بين من يعيش في كريات أربع أو تل يافا أو غزة أو الجليل أو تل أبيب .. ليس واقعياً مطالبة 8 ملايين إسرائيلي معظمهم من مواليد فلسطين المحتلة بالمغادرة إلى خارج فلسطين .. نحن شعبين وقطعة الأرض محدودة ولا سبيل إلى إنهاء الصراع إلا بالتعايش والإخاء والمساواة، والأهم عودة جميع اللاجئين والمهجرين إلى أراضيهم وممتلكاتهم.


ملاحظة:

1- أي فلسطيني / ة من غزة أو الضفة أو الشتات بإمكانه المشاركة ويفضل أن يذكر مكان إقامته.
2- الدعوة عبارة عن مبادرة شخصية من الكاتب.