إلى الرئيس محمود عباس .. هل حان وقتها ؟!


عبدالله أبو شرخ
الحوار المتمدن - العدد: 6471 - 2020 / 1 / 22 - 21:55
المحور: القضية الفلسطينية     

السيد / محمود عباس ، الموقر
رئيس دولة فلسطين،
رئيس منظمة التحرير الفلسطينية
ورئيس حركة التحرير الوطني الفلسطيني فتح،
ومن بعده فإن هذا الحديث موجه لكافة الفلسطينيين في جميع أماكن تواجدهم عبر 166 دولة حول العالم .. يتحدثون 166 لغة أجنبية .. يحملون من الخبرات والقدرات والأموال، ما يؤهلهم لأن يكونوا شعباً عريقاً متعدد الثقافات .. مع وحدة فلكلورية وتراثية شعبية في الدبكة والتطريز والكنافة النابلسية وزيتون رام الله وعنب الخليل وجبنة الغنم النابلسية أيضاً .

هذا الشعب بحاجة إلى حديث من نوع آخر، بعيداً عن صراخ الشعارات الحماسية التي لم تحقق ما انطلقت أصلا من أجله وهو " تحرير الأرض والإنسان " !! الآن لا أرض ولا حتى إنسان !!!
----------------------------------------
ثمة سؤال يؤرق كل فلسطيني في شعب تعداده يفوق 13 مليون نسمة . وهو ( هل نحن قادرون حقاً على إزالة الكيان الإسرائيلي من الوجود ؟؟! ) ، يليه سؤال آخر ( هل سيوافق العالم على تدمير إسرائيل وتهجير 7 مليون يهودي معظمهم من مواليد فلسطين ؟؟! ) .. إن المتأمل بعمق وصدق ونزاهة يدرك أن العكس تقريباً هو ما يحدث، فنحن مشتتين أكثر بين مناطق ال 48 والضفة وغزة والشتات العربي والعالمي .. الفقر يغزوا كل فلسطين كضريبة البقاء في وجه المشروع الصهيوني الإحلالي الاستيطاني.
لكن ليس الاحتلال وحده هو السبب الوحيد في جميع أزماتنا التي نعاني منها، ذلك أن الفساد وسوء استخدام السلطة وتفشي الواسطة والمحسوبية هي أمراض تخص تاريخياً المجتمعات العربية بشكل عام، ونحن من جملة العرب!!
------------------------------------------
وعودة عاجلة إلى مسألة إزالة " إسرائيل " من الوجود .. فهل لاحظنا التفوق الهائل في العلوم والتكنولوجيا والاقتصاد بأنواعه لدى الإسرائيليين على ما لدينا كفلسطينيين ؟؟! الفارق بين إسرائيل والفلسطينيين هو ذات الفارق بين المجتمعات العربية والحضارة الغربية التي تقدمت وتحررت من أغلال جميع موروثاتها وعاداتها وافكارها في القرون الوسطى. أعتقد أن القاريء يوافقني على أن العدو قد امتلك نواصي التقدم والفعل في شتى مجالات الحياة، بينما نحن لا زلنا نختلف حول التداوي ببول الإبل وهل الأرض كروية أم مسطحة ولا ننسى كيفية دخول الحمام ودعاء ركوب الدابة ؟؟!

------------------------------------------
الآن ما هي مشكلة الشعب الفلسطيني بالضبط ؟؟! هل هي احتلال غزة والضفة ( 22 % من فلسطين ) ؟؟! أم هي حق الوجود والعيش في فلسطين التاريخية من رفح حتى رأس الناقورة ومن جنين إلى خليج العقبة ومن نهر الأردن إلى مئذنة مسجد حسن بك في يافا ومن مواصي خانيونس إلى قمة جبل الكرمل في حيفا وحتى أسوار عكا العريقة ؟؟!

------------------------------------------
إن الدولة الواحدة في فلسطين التاريخية قائمة بالفعل الآن بحكم الأمر الواقع .. لها جيش واحد .. هو جيش الاحتلال .. لها عملة موحدة هي الشيكل .. لكنها دولة عنصرية تميز بين مواطنيها على أساس العرق واللون والدين .. فاليهودي في تل أبيب يحظى بحياة لا يتمتع بها الفلسطيني في الناصرة وشفا عمرو، ولا يحظى بها الفلسطيني في الضفة والقدس وغزة .. إن الأزمة في حقيقتها جلية واضحة تكمن في طبيعة هذه الدولة وليس في مبدأ وجودها، على الأقل بعد مضي 72 عاماً على قيامها !
إن البرنامج الوطني الفلسطيني الواقعي الذي يجب أن يتوحد الفلسطينيون خلفه، هو كيفية تغيير طبيعة هذه الدولة لكي تصبح دولة جميع مواطنيها على كامل فلسطين التاريخية .. لا دولة لليهود وحدهم كما هو حاصل بالفعل الآن!!!

-------------------------------------------
ولأجل تحقيق هذه الغاية في تغيير طبيعة الدولة من دولة أبارتهايد وتمييز عنصري، إلى دولة ديمقراطية تحقق الحرية والعدالة والمساواة والرخاء لجميع مواطنيها من يهود ومسلمين ودروز ومسيحيين وشركس .. من عرب وبدو ودروز وأعراق شرقية وأوروبية متناثرة .. لابد من تغيير أهداف الشعب الفلسطيني التقليدية، من إزالة إسرائيل إلى تغيير طبيعتها الاحتلالية نزوعاً نحو التعايش السلمي .. ولكي تتحقق هذه الأهداف، لابد من خوض المعركة الثقافية والفكرية والحضارية بدلا من حرب العبوات والصواريخ والعنف الذي استنزف آلاف الأوراح وخلف مئات الألوف من اليتامى والثكالى والأسرى والجرحى .. إنها معركة سلاحها العقل والتراث والتاريخ لا معركة الأساطيل الحربية والعضلات .. معركة يخوضها العقل الفلسطيني مدعوما بقاعدة شعبية وشبابية من أجل متابعة تطورات الردود الصهيونية أو الردود الفلسطينية عليها.
-------------------------------------------
ماذا لو دعمت السلطة الوطنية مشروع السينما الفلسطينية المهمشة ؟؟؟ ماذا لو تغيرت مسيرة العودة من بتر الأرجل والانتحار المجاني على السلك إلى أكبر تظاهرة مليونية في غزة ولبنان والأردن وسوريا وعواصم الشتات الأوروبي والأمريكي ؟؟! ماذا لو أنتج المخرج المبدع عبد السلام شحادة أفلاما قصيرة عن طرق المستوطنات في الضفة والتي يمنع الفلسطينيون من استخدامها ؟؟؟ فليم آخر عن سرقة المياه العذبة ومياه الأمطار في الضفة وغزة ؟؟ فليم ثالث عن ضحايا التطهير العرقي والثقافي لسكان القدس وعرب 48 ؟؟؟ فيلم رابع عن معاناة الأسرى، وخامس عن معاناة أهل غزة على معبر رفح .. أن يتمكن الفلسطينيون من مفكرين وشعراء وكتاب وفنانين ومخرجين وصحافيين وأطباء ومهندسين ومحامين من القول للعالم أجمع .. " نحن هنا باقون .. شعب ذو حضارة عريقة .. أجدادنا الكنعانيين هم أول من اخترعوا الأبجدية وصنعوا السفن وتأملوا النجوم وابتكروا الزجاج وعصروا الزيتون وطحنوا القمح وخمروا العنب وجففوا التين ورقصوا في أفراحهم الدبكة والدلعونا وظريف الطول!!!
------------------------------------------
في الختام، يجب القول والاعتراف بأن جميع الخيارات السياسية لحل الدولتين، كما خيارات المقاومة بالعنف، قد فشلت تماما، وأنه لا خيار لنا سوى استمرار الكفاح لنيل حقوقنا بأفكار وأساليب جديدة، تجنح أكثر نحو التعايش السلمي مع جميع المكونات الثقافية الأخرى على أرض فلسطين التاريخية.. ولنتوحد خلف شعار " دولة ديمقراطية واحدة لجميع مواطنيها " !.. فهل هذا ممكن أم أن الظروف لم تنضج بعد ؟؟!
[email protected]