حسقيل قوجمان - مفكر وكاتب ماركسي وباحث موسيقي - في حوار مفتوح مع القراء والقارئات حول: الماركسية الصحيحة عند الانتصار وعند الفشل.


حسقيل قوجمان
الحوار المتمدن - العدد: 5047 - 2016 / 1 / 17 - 19:29
المحور: اخر الاخبار, المقالات والبيانات     


من اجل تنشيط الحوارات الفكرية والثقافية والسياسية بين الكتاب والكاتبات والشخصيات السياسية والاجتماعية والثقافية الأخرى من جهة, وبين قراء وقارئات موقع الحوار المتمدن على الانترنت من جهة أخرى, ومن أجل تعزيز التفاعل الايجابي والحوار اليساري والعلماني والديمقراطي الموضوعي والحضاري البناء, تقوم مؤسسة الحوار المتمدن بأجراء حوارات مفتوحة حول المواضيع الحساسة والمهمة المتعلقة بتطوير مجتمعاتنا وتحديثها وترسيخ ثقافة حقوق الإنسان وحقوق المرأة والعدالة الاجتماعية والتقدم والسلام.
حوارنا -172- سيكون مع الأستاذ حسقيل قوجمان - مفكر وكاتب ماركسي وباحث موسيقي -  حول: الماركسية الصحيحة عند الانتصار وعند الفشل.


في الحقيقة اشعر بالسعادة وباني محظوظ لاني في عمر الشيخوخة هذا - الذي يمر في الاسابيع الاخيرة من الخامسة والتسعين وينتقل في شباط القادم الى السادسة والتسعينن - ما زلت قادرا على التفكير والكتابة والقراءة والدفاع عن ارائي. ولابد ان قرائي يشعرون ان كتاباتي في السنوات الاخيرة كانت مقتصرة على المواضيع النظرية. وسبب ذلك هو انعزالي وعدم ارتباطي مباشرة بالاحداث الجارية في العالم.

كتبت العديد من المقالات عن الماركسية اللينينية ودافعت عن علميتها وكتبت عن المادية الديالكتيكة والمادية التاريخية وكونهما علما في اعلى تطوره وقد كانت كتاباتي موضع انتقاد ونقاش وجرى الحوار حولها.
بهذا الوضع كان من الصعب علي ان اختار موضوعا للحوار مع قراء الحوار المتمدن لان ما ساكتبه واناقشه يكون تكرارا مملا لما سبق لنا النقاش حوله. كان كل همي ان اجد موضوعا لا يشكل تكرارا مملا لنقاشات سابقة ووجدت اخيرا موضوعا لم اكتب انا عنه ولم اقرأ من ناقشه في الحوار المتمدن غير تعليقات ساخرة حول اعتبار الماركسية صحيحة لدى انتصار الثورة وبناء المجتمع الاشتراكي وكذلك اعتبار الماركسية صحيحة عند انهيار الاشتراكية وعودة الراسمالية. قررت جعل هذا موضوع الحوار مع القراء.

تكثر الكتابات عن ان تاريخ الاتحاد السوفييتي امتد سبعين عاما وان انتهاء الاتحاد السوفييتي كان في السنوات الاخيرة من الثمانينات نتيجة بيريسترويكا وغلوسنوست غورباشوف وانتهى الاتحاد السوفييتي في ١٩٩١. هذا صحيح من الناحية الاسمية فقط اذ ان الاتحاد السوفييتي لم يكن اتحادا واحدا طوال السبعين عاما. كان اتحادا سوفييتيا واحدا منذ ثورة اكتوبر الاشتراكية وحتى وفاة او قتل ستالين واتحادا سوفييتيا اخر من يوم استيلاء الخروشوفيين على قيادة الحزب الشيوعي والدولة السوفييتية الى حين زواله. الحقيقة هي ان الاتحاد السوفييتي الاول انهار يوم وفاة ستالين وتحول الاتحاد السوفييتي من دولة اشتراكية الى دولة راسمالية يوم استيلاء الخروشوفيين على الحكم.
كتبت كثيرا عن ذلك وخصوصا ثلاث مقالات لمناقشة هذا الموضوع في مجلة نورث ستار كومباس الكندية الصادرة باربع لغات. كان الاتحاد السوفييتي الجديد تحت قيادة الخروشوفيين دولة راسمالية من اليوم الاول لاستلامهم الحكم. وكانت في البداية بالضرورة راسمالية دولة حولت خزينة الدولة الاشتراكية التي كانت ملكية جماعية لشعوب الاتحاد السوفييتي الى راسمال دولة وكان من الصعب العبور الى الراسمالية الكاملة لان ذلك يتطلب افقار شعوب الاتحاد السوفييتي التي كانت منذ ثورة اكتوبر مالكا لكل الثروات الاجتماعية في فترة النظام الاشتراكي واجاعتها وتحويلها الى شعوب لا تملك غير قوة عملها سلعة تبيعها لتحصل على طعامها. ولم يكن هذا سهلا لانه يتطلب سلب كافة الحقوق العظيمة التي نالتها هذه الشعوب اثناء بناء النظام الاشتراكي. وقد كتبت بعد تحطيم جدار برلين مقالا اعتز به بعنوان من يزرع الريح يحصد العاصفة ناقشت فيه كون انهيار دول المعسكر الاشتراكي عدا الاتحاد السوفييتي هو نتاج لانهيار النظام السوفييتي الاشتراكي ومع ذلك انهارت هذه الدول قبل الانهيار التام للاتحاد السوفييتي وشرحت الاسباب التي ادت الى ذلك. والمقال موجود في موقعي في الحوار المتمدن واكون شاكرا لو ان ادارة الحوار المتمدن تعيد نشره لانه يصب في صلب موضوع حوارنا.
يزعم البعض بان المجتمع الاشتراكي لم يتحقق في الاتحاد السوسفييتي في فترة لينين ستالين. وهذا غير صحيح. وكان ستالين قد شرح هذا الموضوع في خطابه حول مسودة دستور سنة ١٩٣٦ الذي نشر في الحوار المتمدن مؤخرا. ففيه ناقش ستالين الفرق بين الدستور والبرنامج. فبين ان الدستور يعكس ما تم تحقيقه ولذلك فان هذا الدستور يعبر عن التحقيق الناجز للمجتمع الاشتراكي. فقد كان المجتمع السسوفييتي مجتما اشتراكيا كاملا ولذلك دعت الضرورة الى وضع دستور جديد، دستور المجتمع الاشتراكي. اما البرامج والقوانين فهي تعبر عما يتطلب تحقيقه في المستقبل. ففي سنة ١٩٣٦ كان المجتمع السوفييتي مجتمعا اشتراكيا سائرا في طريق بناء المجتمع الشيوعي. وبعد سنة ١٩٥٣ اصبح النظام السوفييتي رغم احتفاظه باسم الاتحاد السوفييتي مجتمعا راسماليا كاملا تطلب تحقيق مستلزماته المدة بين هذا التاريخ وتاريخ اختفاء اسم الاتحاد السوفييتي رسميا سنة ١٩٩١.
لكي يتحول المجتمع الاشتراكي الى مجتمع راسمالي كامل كان ينبغي ان يتحول الشعب العامل الى طبقة عاملة لا تملك غير قوة عملها تبيعها للطبقة الراسمالية. وقد تطلب نجاح الطبقة الراسمالية لتحقيق ذلك وقتا طويلا ادى الى ان من تعلموا وعاشوا في الاتحاد السوفييتي في الستينات والسبعينات كانوا مبهورين من الحقوق التي تمتعت بها شعوب الاتحاد السوفييتي التي لم تفلح الطبقة الراسمالية بعد في سلبها. ولكن النتيجة الواضحة لشعوب روسيا والدول التي تشكلت بعد تمزق الاتحاد السوفييتي حاليا اصبحت كظروف معيشة الطبقة العاملة في ارجاء العالم. وهذا ما تشهد عليه ظروف الدولة الروسية الاقتصادية والسياسية والاجتماعية وحتى الثقافية حاليا بكل وضوح.
وروسيا اليوم كما نشاهده في تتبع سياساتها دولة راسمالية امبريالية تحاول ان تنافس دولة القطب الواحد، الولايات المتحدة الاميركية. فنرى ان روسيا اليوم تحاول تكوين كتلة دولية مناهضة للولايات المتحدة كالصين والهند. وتوجه روسيا الاخير الى الحرب القائمة اليوم في سوريا لمجابهة الولايات المتحدة والدول الموالية لها كالسعودية وقطر وتركية والاتفاقات مع ايران المشتركة ايضا في الحرب الدائرة في سوريا. وليس ثمة اي شك في ان العالم يسير في اتجاه التصادم بين الدول الكبرى اذا لم تفلح الطبقة العاملة العالمية في تغيير الوضع جذريا. وتواجه الطبقة العاملة العالمية حاليا مهمة كبيرة وصعبة هي انقاذ الكرة الارضية من رذائل الراسمالية سواء من الناحية السياسية والاقتصادية او من الناحية البيئية التي تهدد الحياة على الكرة الارضية.
والان الى موضوعنا. علم الماركسية كاي علم اخر ينبغي تعلمه واتقانه لكي يصبح اداة يستطيع العلماء استخدامها في تطبيقه في الحياة البشرية. وقد اثبت التاريخ ان الحزب البولشفي بقايادة لينين ثم ستالين اتقن علم الماركسية ونجح في تطبيقه على روسيا في ثورة اكتوبر الاشتراكية وفي بناء اول مجتمع اشتراكي سائر في اتجاه تحقيق المجتمع الشيوعي. وقد اثبت تاريخ ثورة اكتوبر الاشتراكية وتطور الاتحاد السوفييتي ان الماركسية علم بشري صالح وناجح لدى تطبيقه تطبيقا دقيقا لتوجيه البشرية الى القضاء على انظمة الحكم الطبقية بكافة اشكالها وبناء مجتمع لا طبقي بكل ما في ذلك من نتائج تحول البشر الى بشر حقيقي وليس بشرا مغتربا عن كيانه الانساني نتيجة الاستغلال الطبقي. ويمكن القول ان الشطر الاول من موضوع الحوار صحيح واثبت تحقيقه صحته اي اثبت وجود الاتحاد السوفييتي الاشتراكي صحة علم الماركسية.
الا ان الاتحاد السوفييتي اثبت حقيقة اخرى لا تقل صحة ووضوحا عن الحقيقة السابقة. اثبت التاريخ ان فشل الانسان في تطبيق علم الماركسية تطبيقا صحيحا يؤدي الى عكس تطبيقه تطبيقا علميا صحيحا. لقد اثبت تخلي الخروشوفيين عن علم الماركسية قد ادى الى عكس الاتجاه وهذا يعني ان علم الماركسية اثبت صحته بطريقة سلبية اي ان عدم تطبيقه تطبيقا صحيحا ادى الى فشل النظام الاشتراكي وعدم امكانية بناء نظام اشتراكي بدونه. ادى الى اعادة المجتمع الذي استطاع الانسان تحقيقه عن طريق اسخدام العلم استخداما صحيحا، المجتمع الاشتراكي الناجز السائر في طريق تحقيق المجتمع الشيوعي الى المجتمع الراسمالي الذي كانت شعوب الاتحاد السوفييتي قد تخلصت منه. وهذا يعني ان استخدام علم الماركسية كاستخدام اي علم اخر استخداما غير صحيح يؤدي الى عكس الاتجاه الصحيح. ان استخدام الماركسية استخداما غير صحيح، التخلي عن علم الماركسية في توجيه المجتمع توجيها ايجابيا نحو المزيد من التطور، ادى حتما الى اعادة المجتمع كله الى سابق عهده، وفي موضوعنا اعادة النظام الراسمالي بكل مساوئه الى المجتمع الروسي وهذا ما اثبته التاريخ.
هل يعني هذا ان علم الماركسية هو الذي اثبت عدم صحته في هذا التطور؟ ان الجاهل في معنى العلوم البشرية فقط يستطيع ان يستنتج استناجا كهذا. فلو فرضنا ان طبيبا فشل في تشخيص مرض مريضه واعطاه دواء مخالفا لتاثير الدواء الصحيح، او عالجه معالجة خاطئة مما ادى الى وفاة مريضه، ان علم الطب هو الذي اصبح علما غير صحيح؟ بالطبع يجب ان يكون الانسان جاهلا لكي يتوصل الى مثل هذا الاستنتاج. فعلم الطب ما زال علما صحيحا وناجحا اذا استعمل بالطريقة الصحيحة، كذلك علم الماركسية بقي كعلم صحيح في جميع الحالات التي يجري فيها تطبيقه تطبيقا صحيحا. فهو صحيح اذا جرى استخدامه مرة اخرى استخداما صحيحا في بناء مجتمع اشتراكي يسير في اتجاه بناء مجتمع شيوعي، ويبقى العلم صحيحا اذا استخدم استخداما خاطئا عاجزا عن تحقيق مجتمع اشتراكي عن طريق توجيه المجتمع توجيها وفق علم غير علم الماركسية. فعلم الماركسية صحيح عند استعماله استعمالا صحيحا وعلم الماركسية صحيح عند عدم استعماله استعمالا صحيحا.
تجري في العالم حاليا محاولات جديدة للعودة الى ممارسة علم الماركسية الديالكتيكية ممارسة صحيحة وتوجيه الطبقة العاملة والشعوب الى بناء الاشتراكية على نطاق عالمي. تكونت في العالم احزاب شيوعية جديدة وتجري اجتماعات ومشاورات ومؤتمرات في هذا الاتجاه وانقاذ شعوب العالم من ارذال الراسمالية وانقاذ الكرة الارضية والحياة عليها نتيجة استمرار وجود الانظمة الراسمالية وافسادها للبيئة في الجو والارض والماء والتغلب على الارتفاع الحراري الذي يهدد الحياة على الارضية بالابادة.