هيفاء حيدر - كاتبة وناشطة يسارية نسوية - في حوار مفتوح القراء والقارئات حول: دلوني على الدين كي أتبعه.


هيفاء حيدر
الحوار المتمدن - العدد: 4979 - 2015 / 11 / 8 - 18:44
المحور: مقابلات و حوارات     


من اجل تنشيط الحوارات الفكرية والثقافية والسياسية بين الكتاب والكاتبات والشخصيات السياسية والاجتماعية والثقافية الأخرى من جهة, وبين قراء وقارئات موقع الحوار المتمدن على الانترنت من جهة أخرى, ومن أجل تعزيز التفاعل الايجابي والحوار اليساري والعلماني والديمقراطي الموضوعي والحضاري البناء, تقوم مؤسسة الحوار المتمدن بأجراء حوارات مفتوحة حول المواضيع الحساسة والمهمة المتعلقة بتطوير مجتمعاتنا وتحديثها وترسيخ ثقافة حقوق الإنسان وحقوق المرأة والعدالة الاجتماعية والتقدم والسلام.
حوارنا -167- سيكون مع الاستاذة د.هيفاء حيدر - كاتبة وناشطة يسارية نسوية  -  حول: دلوني على الدين كي أتبعه.


تصبح كل الجمل وكل الأحاديث المطولة عن النساء "حمالة أوجه" ، ويكثر فيها التفسير لمعنى أن تكوني امرأة في زمن الدين المغيب بين ثنايا النوايا المبطنة عنك وعن وجودك الإنساني،
واذا ما اقترن ذلك في زمن الحروب فلا مفر أمامنا من مواجهة السؤال القديم و المتجدد، لماذا الزج بكل قضايا النساء في أتون الحرب المستعرة الى حلبة الدين، وهل لا يملك (هذا الدين السمح والذي يدعو الى المساواة والعدالة والرحمة)، غير السبي والبيع والمزايدات حسب العمر واللون والوضع الاجتماعي ، لماذا لا يرون بنا هؤلاء اللذين يرون أنفسهم أصحاب حصريين للدين وتطبيقاته سوى سلع قادمات من غياهب التاريخ؟

أي سرب للحياة يراد للنساء في زمننا هذا أن نكون خارجه ؟ كم يثيرك بالغثيان ما يبث على الفضائيات الدينية من فتاوي تزيد عتمة النفق المظلم الذي نعيش به سواداً ، تغيب معظم النساء الأكاديميات والباحثات عن شاشات هذه الفضائيات ،( كما تغيب الفضائيات الأخرى النساء عن شاشاتها أيضاً)، فلا عزاء للنساء في كلاهما لكن يبقى الفرق بمقدار ونوعية التغييب عن المشهد ، فكما يحتل الشاشات الدينية أصحاب اللحى وغض النظر مجازاً ، تغيب وتبعد الشاشات الأخرى النساء التنويريات واصحاب الرأي ، وتبقي على "الجميلات" الداعيات الى مزيد من المهارة في فن الطبخ والتجميل وتغيير ديكورات البيت علهن يؤمن بذلك بعض الحرارة في جدران البيت المتهالك انسانياً وعاطفياً، وعودة الى من يملكون حقيقة الافتاء في الدين نرى ان اقصاء النساء لديهم كمن يريد باطلاً لإجتناب الحق ، غالباً ما تصور النساء انهن رافضات للدين وتقاليده وأعرافه تحت ذريعه انهن يردن الحرية الشخصية ويمتلكن أجسادهن وحرية التصرف بها، متناسين هم أنفسهم إنهم يرمون الحصى في طريق النساء كلما حاولن الاقتراب من محراب الحرية والعدالة والكرامة الانسانية ، يريدون للنساء ان تظل متقوقعة داخل شرنقة النص الديني مسلماً كان أم مسيحياً شتان أن تميز الفرق في التعامل والنظرة طالما العقل الأبوي واحد فمهما تعددت الأديان تبقى النظرة للمرأة شبه موحدة على قاعدة التنميط والتبعية وملكيتها المشاع لفكر يمجد قوامة الرجال مهما علت مكانة وعمل المرأة مقابل مكانة عقل الرجل مهما دنت أيصاُ .لتبقى الغمامة السوداء تحجب النور عن العقل قبل الجسد والروح .

وبذلك تصبح النساء تعيش جل حياتها، وكيانها محتل من قبل هذه السلطة الدينية، مقيد، لا بنص وحسب، بل بتفسيرات ما أنزل الله بها من سلطان، مستعملاً اللغة ومجبراً أدواتها على الانحاء والمرونة الكاملة لتوصيف ثنايا جسد المرأة وشكله ملقياً عليه ما طاب من المحرمات والممنوعات في نفس الوقت الذي تثير توصيفات المرأة حمية الرغبة والشوق لكل ما هو ممنوع فيها ومكبوت بحكم النص حيناً وتفسيراته حينا آخر.
في خضم كل هذا من أين ستدار عجلة الخروج من تحت جلباب الدين ، من العالم الاسلامي والعربي الغارق حتى رأسه بصراعات دموية تغرق فيها النساء كضحايا لما يسمى الأسلام المتشدد ولأرهابه الذي ما فتئ يدنس كل مقدس يحاكي القيم الأخلاقية وانسانية النساء والرجال من البشر، لدرجة اعتبارهن على لسان أبو هريرة ( الكلب والمرأة والدين تقطع الصلاة) ، (النساء ناقصات عقل ودين)، أم أن عجلة التغيير في قضايا المرأة ستأتي من بين صفوف اليساريين والليبراليين والمنفتحين عقلاً المنغلقين سلوكاُ ، يرون في النساء تكملة لعدد أو تعبئة لفراغ ، وفي أبعد الحدود لا مانع من القيام بعدة أدوار وظيفية ومهام حياتية بشرط أن تبدع بها كلها وأن تحافظ على درجة التفوق في اداء كل هذه المهمات حيث أن الله قد من عليها بنعم عبر بيولوجية تعمل على الحفاظ على الجنس البشري وعبر أدوار خارج البيت عليها ان تنتحر في اليوم الواخد عشرات المرات لكن ليس لدرجة الموت حيث أنه عليها ان تنهض من جديد فثمة وظائف ومهام لم تنجز بعد.

هي هكذا اذاً حياة النساء في دنيا قد أفلتها الدين من عقالها ، وهوما زال يخال أن الله قابع في عليائه ينتظر محاسبتنا في الأخرة من الدنيا على خصلة شعر قد سقطت سهواً من تحت الإشارب، أو على صوت علت نبرته قليلاً في وجه باطل، أو على لباس شبه لهم بأنه يخص الرجال دون النساء، حيث كل الضير عليهن في تشبههن بشركائهم من الذكور، لقد تناسو أولائك الناطقين الرسميين بإسم الدين أن الله قد غادر السماء منذ استكمل خلقنا على هذه الصورة ، عندما خلقنا أحراراً نساء ورجال، متساوون ، حين دعانا أن نسلك طريقاً نلتمس به علماً، ووعدنا حينها أن يسهل لنا طريقاً الى الجنة، منذ ذلك الحين أتى وعاش الله في داخلنا ، في عقولنا ودماغنا، في كل نبضة من قلوبنا نجد الله معنا على شكل محبة خالصة لوجهه المتسامح والأكبر من الحلال والحرام المتعلق بخصلة شعر أو نبرة صوت. وحتى نصل الى اكتشاف هذا الرب القدير في داخلنا ، دلوني على الدين كي أتبعه.