رشيد غويلب - ناشط سياسي يساري وصحفي متابع لشؤون اليسار والحركات الاجتماعية - في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: حركة الاحتجاج الشعبي في العراق .. طبيعتها وآفاقها الواعدة.


رشيد غويلب
الحوار المتمدن - العدد: 5410 - 2017 / 1 / 23 - 22:49
المحور: مقابلات و حوارات     



من اجل تنشيط الحوارات الفكرية والثقافية والسياسية بين الكتاب والكاتبات والشخصيات السياسية والاجتماعية والثقافية الأخرى من جهة, وبين قراء وقارئات موقع الحوار المتمدن على الانترنت من جهة أخرى, ومن أجل تعزيز التفاعل الايجابي والحوار اليساري والعلماني والديمقراطي الموضوعي والحضاري البناء, تقوم مؤسسة الحوار المتمدن بأجراء حوارات مفتوحة حول المواضيع الحساسة والمهمة المتعلقة بتطوير مجتمعاتنا وتحديثها وترسيخ ثقافة حقوق الإنسان وحقوق المرأة والعدالة الاجتماعية والتقدم والسلام.
حوارنا -194- سيكون مع الأستاذ رشيد غويلب - ناشط سياسي يساري  وصحفي متابع لشؤون اليسار والحركات الاجتماعية -  حول: حركة الاحتجاج الشعبي في العراق .. طبيعتها وآفاقها الواعدة.


الاحتجاج الشعبي المتواصل في العراق منذ 31 تموز 2015 يعد امتدادا لحركة الرفض التي تنوعت وتوازت مع سير العملية السياسية التي اعقبت سقوط دكتاتورية صدام حسين بغزو خارجي، ويمكن ان نعتبر تظاهرات 25 شباط 2011 فصلها الأول. ومجريات الحركة تشير الى بداية تحول في الوعي السياسي في البلاد، كان نصيب الاجيال الشابة فيه كبيرا.بالاضافة الى تنامي قبول فكرة رفض الواقع القائم، والاستعداد للمشاركة في تغييره. وفي بلد يعيش خرابا وتراجعا اجتماعيا فريدا في نوعه ، تعتبر مشاركة المرأة وتصاعدها النسبي في الحراك مؤشرا للامل.

ان نظرة واقعية للظروف السائدة في البلاد وتوازن القوى الفعلي بين القوى المتمسكة بالسائد وبين قوى التغيير، وكذلك عمق ذهنية التغييب القائمة على الحفاظ على الاستقطاب الطائفي - الإثني ومحاولة الحفاظ عليه، والفعل السلبي للعاملين الاقليمي والدولي في الساحة العراقية تجعلنا نتفهم ان الهدف المباشر للحراك ينحصر اليوم في الرد على نقص الخدمات، ونشر ثقافة الاحتجاج والمطالبة بالحقوق، وزج الكثير من طاقات وامكانات ليست قليلة لمنظمات واوساط اجتماعية ما زالت بعيدة عن المشاركة، او على الاقل تشكك بجدواها، لتحقيق الممكن من الإصلاحات على طريق التغيير المطلوب واعني به اقامة دولة مدنية ديمقراطية، بديلا وحيدا لنظام المحاصصة الطائفية والإثنية الذي بدأ يدخل نفقا مسدودا.

اسباب تفجر الاحتجاجات

جاء الحراك نتيجة فشل مشروع القوى السياسية المتنفذة، وصراعها العدمي على الثروة والسلطة، معتمدة الطائفية السياسية شكلا للصراع الاجتماعي - الاقتصادي. وفشل محاولات المتنفذين في الاستمرار في سياسة تدوير الأزمات التي انتجها منهج المحاصصة في ادارة الدولة. الأمر الذي دفع برموز كبيرة منهم إلى الاعتراف بفشلهم ، في محاولة منهم لكسب الوقت واعادة تنظيم الصفوف بعيدا عن المراجعة الموضوعية والبحث الجدي عن البدائل الممكنة. واستمرار المراهنة على اهمال ردود الفعل الجماهيرية، والمراهنة البائسة على عامل الزمن في ترويض الجموع المكتوية بنار الأزمة.

و ادى سلوك المتنفذين الى تنامي القناعة بعدم قدرة النظام القائم على حل المشكلات ووضع حد للتردي متعدد الأوجه، والانتقال بالبلاد الى شاطئ الامان. وكشف احتلال داعش عددا من المحافظات العراقية عجز النظام وهشاشة مؤسسته العسكرية وعمق الفساد الذي ينخرها. وفجرت جرائم الارهابيين ضد المجموعات السكانية الأصيلة في العراق كالأيزيدين والمسيحين، ومأساة الملايين من النازحين غضب الناس الذين يعانون الأمرين من ازمة اقتصادية سببها سياسة اقتصادية فاشلة، وهبوط اسعار النفط، في بلد لا وجود فيه لتنوع مصادر الدخل فيه.

ومن هنا جاء الرد الشعبي بدءا من تظاهرات 2011، مرورا بالعديد من الاحتجاجات المطلبية المتنوعة، وتظاهرات 2013 وصولا الى احتجاجات عمال شركات التمويل الذاتي االمورورثة من الدكتاتورية المنهارة في ربيع العام الماضي، التي سبقت الحركة الاحتجاجية الحالية، والتي حظيت بتأييد مؤسسة دينية ذات تأثير كبير مثل مرجعية النجف وقوى سياسية واجتماعية، وجاءت ردا على غياب الخدمات وخصوصا الكهرباء في صيف العراق اللاهب.
ان الانطلاق العفوي يؤكد عدم الوضوح في معرفة تفاعل عوامل الأزمة، وانعكاسها بفعل احتجاجي فاق تصورات بعض القوى التي انخرطت في الحركة. ولكن عفوية الاحتجاج في ايامه الأولى لاتجعله مقطوع الجذور، ولا تلغي التراكم الذي تحقق عن طريق الضغط على متنفذي السلطة ومطالبتهم بالاصلاح الحقيقي. وسرعان ما تحول الرد العفوي إلى حركة منظمة عبر تنسيقيات متعددة تعكس تنوع التيارات والقوى والاوساط الاجتماعية المشاركة فيه.
ولا نأتي بجديد اذا ما اشرنا إلى عدم تحقق الإصلاحات المنشودة، لعدم توفر الارادة السياسية باعتبارها منطلق مهم لهذه العملية، بالإضافة الى غياب البنية التشرعية، وتعدد مراكز القرار وتصارعها وعدم استقلالها. و على الصعيد الرسمي مقاومة المعسكر المعادي للاصلاح والذي يمسك باوراق قوية التأثير، مقابل تردد الحكومة ووقوعها في فخ المماطلة وعدم تمتع رئيسها بالجرأة المطلوبة لخوض معركة من هذا النوع. ولا يغيب عن البال عجز السلطة التشريعة والقضائية، بل عدم رغبة رموزها بدفع عجلة الاصلاح الى امام، وتورط الكثيرين منهم في ملفات منظومة الفساد التي تنخر جسد الدولة، والتي لا تقل خطرا عن الإرهاب الذي لا يزال يحتل مدنا وقصبات عراقية تنتظر تحريرها.

تنوع اشكال الاحتجاج

اعتقد ان حركة الاحتجاجات ستستمر ما دامت عوامل تفجرها قائمة، ولكن من الضروري ان لا تنحصر الحركة الاحتجاجية في التظاهر بساحات العاصمة ومدن البلاد الرئيسة، بل ان تنتقل الى الاحياء السكنية ومواقع العمل، وان تتنوع اشكالها وهذا ما لمسناه في الحراك الفلاحي والطلابي المتنوع، الذي كشف عن امكانات كبيرة، وعن ابداع في ابتكار اساليب الضغط، وروحية الإصرار وعدم التراجع امام وسائل التخويف. ولعل خزين الحركة الإحتجاجية في العراق وبلدان أخرى يحتوي على اشكال احتجاج اخرى مثل الإعتصام، وعقد المؤتمرات الشعبيبة لمناقشة المطالب وبلورة البدائل، وكتابة المذكرات ، والتحرك على القوى السياسية والاجتماعية، وما ينتجه العقل المقاوم المبدع من اشكال جديدة.

رهان فاشل

لقد فشل رهان معسكر معاداة الاصلاح في التعويل على عامل الزمن في اصابة المتظاهرين بالاحباط والكف عن ممارسة فعل الاحتجاج. ولكن حركة الاحتجاج تجاوزت حالة الممل وضيق النفس والبحث عن الحلول السريعة الذي اصاب مجموعة صغيرة منها، ولم تتراجع وتتوقف، ولم تتمكن قرارات اصلاح شكلية، سرعان ما تبخر مفعولها، من احتواء زخمها، وكانت صبورة وواقعية في التعامل مع المستجدات، واستمرت في ممارسة ضغطها لفرض الاصلاح المنشود.

عن الحزبية والاحتجاج

التجربة الطويلة والمريرة لحزب البعث في السلطة، واداء الأحزاب المتنفذة بعد رحيل النظام ساعد على انتشار فكرة رافضة لدور الاحزاب السياسية في الحراك، وهو امر لو تحقق لسبب حرمان الحركة الاحتجاجية من عنصر التنظيم المطلوب دوما لادارة الصراع وفرض البدائل، ولكن الحركة الاحتجاجية وفي سياق تواصلها استطاعت تصحيح الصورة، وكذلك عزل الأفراد وعناصر التخريب، التي حاولت حرف الحركة الاحتجاجية عن اتجاهها الصحيح، وليس المقصود هنا التنوع داخل التيار المدني والتباينات التي تظهر على اساسه . وكان للحفاظ على الطابع الوطني للحراك، وسحب البساط من تحت اقدام المغرضين الساعين إلى تكملة مشاريع الارهاب وانهاءالعملية السياسية بالكامل. وكان للابتعاد عن الحزبية الضيقة، والحفاظ على الفضاء الديمقراطي العام للاحتجاجات دور مهم في استمرار الحركة وصلابة عودها. ومعلوم ان لاوجود لديمقراطية بدون احزاب سياسية، وتجربة البلدان الأكثر عراقة في ممارسة الديمقراطية البرلمانية دليل ملموس على ذلك. اما وضع جميع الأحزاب في سلة واحدة ونعتها بالسوء، سيؤدي مهما اختلفت اسبابة إلى اضعاف الحركة الاحتجاجية، وخلط الأوراق لتبييض وجوه الفاسدين.

شعارات واقعية

وسهلت الشعارات الواقعية والملموسة التي رفعها المحتجون مهمة استمرار الحراك، اذ كانت الشعارات تنطلق من اعادة الاعتبار إلى الوطنية العراقية، و تركز على توفير الخدمات، ومحاربة الفساد، والمطالبة بقانون انتخابات منصف، وباعادة تشكيل المفوضية على اساس استقلالها لضمان انتخابات حرة ونزيهة. والتضامن مع القوات المسلحة العراقية بتشكيلاتها المختلفة في حربها ضد داعش، انطلاقا من وحدة المعركة، فمواجهة الارهاب والفساد هدفان يكمل احدما الآخر، ولا يتعارضان، في حين حاول المغرضون والمزايدون لصق تهمة اضعاف جبهة مكافحة الارهاب بالحركة الاحتجاجية. ولابد من الاشارة إلى تدقيق بعض الهتافات ونصوص الشعر الشعبي التي يلقيها ناشطون من على منصة الاحتجاج، وتخليصها من لغة الشتم والثأرية، وشخصنة الصراع التي تشوش على جوهر الحركة الاحتجاجية الاجتماعي – السياسي العميق

مشاركة الصدريين

ومنذ اكثر من عام تساهم قواعد تيار اسلامي هو التيار الصدري مع المدنيين في احتجاجاتهم، وقد اعطت هذه المساهمة زخما للحركة الاحتجاجية وفتحت افاقا لقواعد كلا التيارين في كسر الجدران العازلة بينهما، والبحث عن مشتركات في اطار التنسيق الميداني، بعيدا عن القراءات الخاطئة التي قدمها مدنيون واسلاميون ، لا تخلو من ادلجة وتبسيط والحديث تارة عن تحالفات سياسية لا وجود لها، ومضى بعض منهم ابعد من ذلك لليتحدث عن اتفاقات استراتيجية، ناهيك عن اتهامات بالخيانة والذيلية لهذا الفصيل السياسي او ذاك. والحقيقة ان هؤلاء وبغض النظر عن صدق نوايا البعض منهم لا يرون الجوانب النافعة في هذا التقارب المجتمعي بين التيارات المختلفة، والذي بدونه يصعب الحديث عن محاولة كسر كتلة المتنفذين التي تكتسب اهمية قصوى في اطار عملية تجاوز نظام "الدولة الفاشلة القائم. وفي تقديري ان التنسيق في ساحات الاحتجاج التي يجب ان تكون مفتوحة لكل الرافضين للمحاصصة والفساد، لايعني الاتفاق في الرؤية الفكرية، ولا في تداخل المشاريع، ولكن لا يلغي امكانية تبني اوساط اسلامية مشروع الدولة المدنية، وخصوصا بعد اعلان مرجعية النجف وبوضح مطالبتها بدولة مدنية ، الذي هو مشروع المحتجين على اختلاف مشاربهم الفكرية.

ومن الطبيعي ان تبقى افاق التنسيق واتساعه مفتوحة ومن غير المستبعد ان يؤدي مسار الحراك، اذا ادير بشكل صحيح الى تحريك المواقف السياسية للاطراف المشتركة فيه او تلك التي ستنظم اليه مستقبلا، فضلا عن امكانية ظهور اشكال سياسية جديد، فلا احد يستطيع ان يضع خريطة مسبقة لاي حراك اجتماعي وتفاعلاته. ولو اردنا حصر الحركة الاحتجاجية بكسرها جدران العزل الاجتماعي والفكري والسياسي، لامكننا القول ان تحقيق مثل هذا الأمر في عراق اليوم يعد بمفرده منجزا.

نتائج ملموسة

تعرف قوى مشروع الدولة المدنية الطبيعة المعقدة لعملية التغيير، وكذلك دور الحركة الشعبية في انجازه، ومن الضروري الاشارة الى ان لا تغيير حقيقي من دون تفكيك نظام المحاصصة، وهو مطلب يكتسب ضرورته اليوم اكثر من اي وقت مضى.وهذ ما اكدته سلمية الاحتجاج واستمراره، وتمكنه من فرض نجاحات ملموسة منها ان فكرة الاصلاح اصبحت متداولة في البرلمان والحكومة واتساع صفوف المطالبين بها في الشارع، بالاضافة الى اشاعة مفهوم الدولة المدنية، واهتزاز اسس البناء السياسي الطائفي. وتحفيز المرجعية في النجف على مطالبة الحكومة بالاستجابة للمطالب المشروعة للمتظاهرين، وكذلك تشريع قانوني الاحزاب والعمل، وشهدت ايام الحراك الأولى تفعيل الدور الرقابي لمجلس النواب، وازاحة مسؤولين كبار وتغيير آخرين في العديد من المحافظات، واعفاء 123 من كبار موظفي الدولة، كان بضمنهم نواب رئيس الجمهورية ونواب رئيس الوزراء ووكلاء ومستشارون ومدراء عامون، تحوم حول عدد منهم شبهات فساد.