مؤيد احمد - سكرتير اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العمالي العراقي - في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: الاوضاع السياسية في العراق، الاستفتاء في إقليم كردستان، التحديات والمهام الثورية للخروج من الوضع القائم.


مؤيد احمد
الحوار المتمدن - العدد: 5636 - 2017 / 9 / 10 - 21:08
المحور: مقابلات و حوارات     


من اجل تنشيط الحوارات الفكرية والثقافية والسياسية بين الكتاب والكاتبات والشخصيات السياسية والاجتماعية والثقافية الأخرى من جهة، وبين قراء وقارئات موقع الحوار المتمدن على الانترنت من جهة أخرى، ومن أجل تعزيز التفاعل الايجابي والحوار اليساري والعلماني والديمقراطي الموضوعي والحضاري البناء، تقوم مؤسسة الحوار المتمدن بأجراء حوارات مفتوحة حول المواضيع الحساسة والمهمة المتعلقة بتطوير مجتمعاتنا وتحديثها وترسيخ ثقافة حقوق الإنسان وحقوق المرأة والعدالة الاجتماعية والتقدم والسلام.
حوارنا -206- سيكون مع الأستاذ مؤيد احمد - سكرتير اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العمالي العراقي - حول: الاوضاع السياسية في العراق، الاستفتاء في إقليم كردستان، التحديات والمهام الثورية للخروج من الوضع القائم.
 


الوضع السياسي على صعيد العراق


ان اوضاع العراق السياسية الحالية هي اوضاع ما يسمى بـ "ما بعد داعش". احدى ظواهر هذه الاوضاع الجديدة على صعيد العراق هو التغيير في علاقات القوى المحلية واشتداد التنافس بين ايران وامريكا حول النفوذ داخل العراق والتاثير على المسارات السياسية والعسكرية والامنية في البلاد.هذا التنافس يمتد ويشمل بطبيعة الحال التعامل مع مختلف القوى البرجوازية المحلية مع ما ينجم عن ذلك من اعادة ترتيب موقع تلك القوى في علاقة مع بعضها ببعض و بامريكا وايران. ان ما يرسم الاوضاع الحالية بالنسبة للقوى البرجوازية الحاكمة في العراق هو انتهاء فترة المعارك العسكرية مع داعش وما يترتب عن ذلك من ظهور تناقضات واشتداد تضادات في صفوف هذه الجبهة المنتصرة اي اشتداد صراع فيما بين جبهة القوى البرجوازية القومية والاسلامية -الطائفية الحاكمة.
اولا: ان القوى البرجوازية الاقوى في العراق هي احزاب تيارات الاسلام السياسي الشيعي وميليشياتها والتي تتحكم بحياة ومصير الجماهير في عموم العراق وبالاخص وسط وجنوب العراق. فكتل واحزاب هذه التيارات ليست موحدة فيا بينها بالرغم من كونها لا زالت مؤتلفة في "التحالف الوطني" الشيعي. هناك معضلات خانقة تواجه تيارات الاسلام السياسي الشيعي اولها ازمة حكمها في العراق بوصفها تيار برجوازي اسلامي طائفي شيعي ومشاكل انطباق نفسها مع وقائع الجديدة للمجتمع الراسمالي الطبقي المتناقض والمتأزم. ان هذه التيارات تواجه معارضة اجتماعية واسعة بوجه حكمها والتي يستشري الفساد المالي والادراي في كامل بنيناىه وتواجه معضلة الحفاظ على حكمها ومن حيث الاساس بوصفها تيار اسلامي- طائفي. فيمكن قراءة هذا التأزم وهذه المعضلة في ردود افعال احزب وقوى هذا التيار نفسه ضد الشيوعية والعلمانية والالحاد وفي التغييرات التي تحدث داخل صفوف هذه التيارات للاسلام السياسي الشيعي والاصطفافات الجديدة التي تحصل في صفوفها.
ان زعيم مجلس الاعلى الاسلامي عمار الحكيم قد اسس حزبا جديدا تحت اسم "تيار الحكمة الوطني" حيث ابعد كلمة الاسلامي من اسم حزبه الجديد وزار هو نفسه الاردن خلال الفترة السابقة. كما وان التيار الصدري وزعيمه مقتدى الصدر، المولع بان يظهر ومنذ فترة طويلة بمظهر ممثل تيار "وطني" عربي "عراقي" مناهض لامريكا والتدخل الاجنبي، زار السعودية في الفترة الاخيرة مع ما تحمل هذه الزيارة من ايحاء بـ "حياده" الاسلامي - الطائفي!، ومن المقرر ان يزور البلدان الاوروبية مع ما يشير ذلك الى الظهور كممثل تيار اسلامي "وطني" معتدل . هذا، وهناك حيدر العبادي رئيس الحكومة الحالية وكل الاشارات تدل على انه يريد ان يكون بمثابة ممثل خط سياسي "وطني عراقي" مدافع عن العراق بوجه داعش اكثرمما يظهر كممثل حزب اسلامي- طائفي. ان صداقته مع امريكا والغرب واعتداله فيما يخص العلاقة مع السعودية والمحيط الاقليمي "العربي" وغيره يدل على خطه السياسي المتمايز، نوعا ما، داخل حزبه الحالي "حزب الدعوة الاسلامية". من الممكن، ان يخوض الانتخابات القادمة تحت اسم جديد اذا سارت الامور على المنوال الحالي.
ان هذه التحولات تدل، الى حد ما، على بروز، ان جاز التعبير، تيار قومي عربي "معتدل" ذو صفة "وطنية عراقية" اسلامية -شيعية داخل اوساط تيارات الاسلام السياسي الشيعي او المحيط الاوسع خارج اطار هذه التيارات. غير ان تبلور هذا النمط من التيار سوف يحمل تناقضات وتضادات حادة في داخله يعيق دون تحوله الى تيار سياسي اجتماعي واضح المعالم . ان ظهور تيارا من هذا النوع يمثل تناقضا بحد ذاته قبل ان يكون تيارا محددا بخصائصه النوعية. فهو يبقى فصيل من فصائل تيارات الاسلام السياسي الشيعي ولكن بتعديلات طفيفة بهدف الحافظ على نفسها وتلبية متطلبات حماية النظام الراسمالي وعلاقات راس المال في العراق في اطار الاوضاع الجديدة. ان الارضية الدولية والاقليمية التي تفسح المجال لنشوء هذ ا النوع من التحركات والمتعديلات السياسية داخل معسكر التيار الاسلام السياسي الشيعي وبالاخص بالنسبة للعبادي هي بالاساس تواجد نفوذ امريكا داخل العراق الذي تزايد بشكل صارخ بعد احتلال الموصل من قبل داعش صيف 2014 .
لا شك، ان نفوذ النظام الاسلامي في ايران على تيارات الاسلام السياسي الشيعي في العراق وبالتالي على النظام الحالي فيه اكثر بكثير من نفوذ امريكا. فان استراتيجية النظام الاسلامي في ايران داخل العراق تتحقق بالاساس عن طريق الاحزاب والقوى والميليشيات المرتبطة مباشرة بالنظام الايراني ضمن تيارات الاسلام السياسي الشيعي وان الحرب ضد داعش وفرت الارضية لتنامي النفوذ الايراني. سيحاول هذا النظام الحاق اكبر اذى بخصمه داخل العراق في فترة ما بعد داعش مع ما ينجم عن تفاقم الازمة الامنية في العراق.
في هذه الفترة الحساسة المسماة بفترة ما بعد داعش تواجه جميع التيارات الحاكمة البرجوازية الاسلامية والقومية في عموم العراق ازمة سياسية عميقة حيث تتفاقم تناقضات حكمها يوما بعد يوم. انها مرحلة مليئة بالصراعات والتناقضات والتضادات اذ ان البرجوازية الحاكمة تواجه معضلات حكمها القومي والاسلامي الطائفي والتي لا بد وان تبحث عن حلولا رجعية و كارثية لها تعتمد من حيث الاساس على سد الطريق امام اي نهوض ثوري جماهيري بوجهها من قبل جماهير العمال والكادحين والفئات المحرومة الواسعة، ليس في وسط وجنوب العراق فحسب، بل في كوردستان كذلك.
ثانيا: تهمين على المناطق الغربية ومحافظة الموصل نفوذ تيارات الاسلام السياسي السني- القومي العربي والقوميين العرب حيث ترسم هذه التيارات بشكل كبيرملامح المسارات السياسية فيها. ان القضايا التي تطرحها هذه التيارات في هذه المناطق ليست متمحورة حول الصراع المذهبي- الطائفي قدر تمحورها حول مسالة حسم السلطة السياسية لصالح التيار القومي العروبي والتيار الاسلام السياسي السني - القومي العربي، على صعيد كل العراق بوجه منافسيها تيارات الاسلام السياسي الشيعي و داعميها الاقليمي نظام الجمهورية الاسلامية في ايران.
ان انتهاء دور داعش العسكري سيؤثر، باشكال مختلفة، على موقع ونفوذ هذه التيارات المهيمنة سياسيا داخل اوساط سكان هذه المناطق. غير ان تجربة السكان الماساوية اثر حكم داعش والانعطافات السياسية الماسوية والقتال والدمار خلال 14 سنة الماضية ومعانتهم اثر ممارسة التميز والتعسف الطائفي بحقهم من قبل قوى الاسلام السياسي الشيعي وميليشياتهم سببت بمجملها جروحا عمقية في وجدان سكان هذه المحافظات لا تلتئم بسهولة. مهما كانت دروس سكان هذه المنطقة الماخوذة من تجربة حوالي عقد ونصف من الزمن من الماسي والدمار فانها لا تضعهم في منائ من خطر الوقوع مرة اخرى ضحية تلاعب تيارات الاسلام السياسي السني- العربي والتيار القومي العربي بحياتهم ومصيرهم السياسي حيث من الممكن ان يقعوا ضحية ادغام قضيتهم ومعضلاتهم بدوامة تلاعب الدول البرجوازية الاسلامية السنية العربية الحاكمة في المنطقة والمخططات البرجوازية الامبريالية والقوى الاقلييمة تجاه العراق.
ثالثا: مع الاستفتاء في كوردستان، حتى وان لم يخطو حدك باتجاه استقلال كوردستان في المدى القريب والمتوسط، ستنتهي الحكومة الفيدرالية والعملية السياسية بمعناها الحالي. هذا، وسوف تتسم علاقة الاقليم بالمركز بطابع انتقالي مع ما يرافق ذلك من التزايد في الاحتكاكات والصراعات وانعكاساتها على مسارات السياسية في العراق وكوردستان وعلى صعيد المنطقة.

 


الاستفتاء في كوردستان


تتصدر الاوضاع الحالية، على صعيد كوردستان العراق وبدرجة اقل على صعيد بقية العراق، مسالة الاستفتاء المزمع عقده يوم 25 ايلول الجاري. ينقسم ولأول مرة في تاريخ كوردستان العراق راي الطبقات الاجتماعية وممثليها السياسيين المختلفين حول الأدلاء بصوت نعم او لا لاستقلال كوردستان في هذا الاستفتاء بالذات. ان سياسة اجراء الاستفتاء الحالي هي بالاساس سياسة واستراتيجية طرحها الحزب الديمقراطي الكوردستاني(حدك) ورئيسه مسعود البرزاني وبمشاركة الاتحاد الوطني الكوردستاني (اوك) وبعض الاحزاب الاسلامية واكثرية الاحزاب السياسية الفاعلة في كوردستان العراق.
هناك ثلاثة مسائل مهمة يجب ان تكون واضحة قبل كل شئ لتلافي اي سوء فهم بخصوص هذا الموضوع.
اولا: ان حدك يريد اجراء الاستفتاء وتحقيق استقلال كوردستان كجزء من مطامحه القومية وبوصفه حزب البرجوازية القومية المحافظة الرئيسة في الحركة القومية الكردية في كوردستان العراق. هذا يعني، ضمن ما يعني، ان مشروع الاستفتاء والاستقلال بالنسبة لهذا الحزب ورئيسه سياسة جدية والقصد منها تحقيق استقلال كوردستان بوصفه انجاز طموحه البرجوازي القومي . لذا، انها ليست مجرد سياسة لاخداع الجماهير وكسب اصواتها في كوردستان لغرض تحقيق مصالحه السياسية في صراعه مع القوى الحاكمة في بغداد كما يدعي قسم من المخالفين للاستفتاء الحالي.
ثانيا: ان المسألة القومية الكوردية مسالة سياسية بحاجة الى الحل حيث انها جزء من ديناميزم الصراعات السياسية في كوردستان العراق نتيجة لسيادة الافق القومي البرجوازي على اقسام كبيرة من السكان. ان هذه المساألة لا تتم اعادة انتاجها في الوقت الحالي اثر الظلم القومي لانه ببساطة ليس هناك ظلم قومي على الجماهير في كوردستان العراق. ان غياب الظلم القومي في الوقت الحاضر لا ينفي كون المسالة القومية الكوردية الحالية لها صلة بتاريخ الظلم الذي استمر عقود من الزمن على ايدي الحكومات المركزية المتتالية في العراق ووصل حد الابادة الجماعية والدمار مثل مجازر سكان مدينة حلبجة واجراء عمليات الانفال وتدمير المدن والقرى وغيرها على ايدي النظام البعثي العروبي الفاشي. كما وان المسالة القومية الكردية لها صلة بما تركه هذا التاريخ من آثار في اذهان و"عواطف" اكثرية السكان الناطقين بالكردية بالشعور بالتباعد عن بقية السكان الناطقين بالعربية.
ثالثا: الشئ الاهم والجوهري حاليا فيما يخص اعادة انتاج المسالة القومية الكردية كمسالة سياسية تحتاج الى الحل ليس الظلم القومي ولا حتى"عواطف" السكان والشعور بالتباعد مع الناطقين باللعربية، انما هو الصراع البرجوزاي القومي الجاري بين القوى البرجوازية القومية والاسلامية الحاكمة في العراق وبين الحركة القومية البرجوازية الكردية واحزابها وتياراتها السياسية. اي يتم اعادة انتاج المسالة القومية الكردية اثر الصراع الدائر حول تقاسم الثروات والسلطة والاراضي بين طرفي النزاع القومي وما يقومان به الطرفان البرجوازيان القوميان المتخاصمان من تأجيج نار التعصب القومي والكراهية القومية فيما بين السكان الناطقين بالعربية والناطقين بالكردية.
آخذين تلك النقاط بنظر الاعتبار، ان حق تقرير المصير على العموم لجميع الامم والقوميات لا يشكل في عهدنا الحاضر، براينا، احد فقرات برنامجية للاحزاب الشيوعية والاشتراكية الثورية المعاصرة كما كان المتبع في برامج احزاب الحركة " الاشتراكية الديمقراطية" في بداية القرن الماضي. ان الحركة الشيوعية العمالية واحزابها وبعد ان اعادت النظر في هذه القضية اثر تجربة الحروب القومية الرجعية وبالاخص في بلاد البلقان اواسط التسعينيات من القرن الماضي توصلت الى قناعة بعدم ضرورة ادراج حق الامم لتقرير المصيرها بمثابة فقرة برنامجية بل الاكتفاء بتطبيق حق الانفصال حيال المسائل القومية المحددة التي تتبلور اثر الصراع القومي مثل المسالة القومية الكوردية و قضية فلسطين والتي تعيق تطور الصراع الطبقي و تحتاج الى الحل.
نظرا لكون المسالة القومية في كوردستان بحاجة الى حل فذلك يتطلب من البروليتاريا وحزبها الاشتراكي الثوري داخل العراق ان يؤكد على حق الجماهير في كوردستان في حل المسالة عن طريق اجراء استفتاء عام حول البقاء او الانفصال عن العراق. طبعا هذا لا يعني التخندق في خندق الانفصال او البقاء داخل العراق اذ ببساطة ان الاقرار على المسالة هو من شان الجماهير في كوردستان. كما وعليها ان تتصدى لاية مساعي شوفينية قومية عربية او التركمانية وغيرها بخصوص تمتع الجماهير في كوردستان بحقها في حل المسالة القومية الكوردية عن طريق الاستفتاء. وبالمقابل انه من المهام الاشتراكية والاممية للطبقة العاملة والجماهير الكادحةواحزابها في كوردستان ان تقيم مسالة دعم الانفصال او البقاء داخل العراق وفق مصالح نضال بروليتاريا الطبقي الاشتراكي.
هناك جدال اجتماعي واسع يدور داخل مجتمع كوردستان بخصوص الاستفتاء والاستقلال اذ ان هذه المرة الاولى في تاريخ كوردستان تتصاعد اصوات احتجاج ضد سياسة الاستفتاء والاستقلال الناجم عنه وتستقطب هذه الاصوات في قطب لا في هذا الاستفتاء وذلك للتحدي بوجه قيادة حدك والبرزاني وشركائه لهذا المشروع . ان هذا الاعتراض الاجتماعي هو اعتراض اقساما من العمال والكادحين بوجه الاحزاب الحاكمة و بالاخص حدك و اوك حيث ان تلك الجماهير اكتسبت تجربة مرة خلال 26 سنة الماضية من حكم هذين الحزبين الحاكمين فلا يريدون ان يقعوا مرة اخرى ضحية سياسة تلك الاحزاب. ان الاعتراض بوجه سياسة الاستفتاء و الاستقلال الناجم عنه علامة بارزة من علامات الانقسام الطبقي الحاد في مجتمع كوردستان وظاهرة من ظواهر حركة سياسية جنينية لجماهير العمال و الكاحين و المحرومين بوجه الحكام. كما وهناك فئات معينة من البرجوازية ومثقفيها اعلنت عن مخالفتها للاستفاء الحالي فهذه الفئة تمثلها بعض الرأسمالين القوميين الجدد. تشير بعض الدلائل على ان "حركة التغيير" البرجوازية القومية بالرغم من كونها تتخذ موقف المعارضة تجاه حكم حدك فانها سوف تتخذ قرارا بالمشاركة والادلاء بـ نعم اذا اصبح الاستفتاء امرا واقعا.
 


أزمة حكم التيارات البرجوازية القومية والاسلامية في العراق
والمهام الثورية للخروج من الوضع القائم


ان نتائج الازمة السياسية الخانقة للبرجوازية وحكمها في العراق وبكل اطيافها وتاثيرات صراعاتها و تناقضاتها وتضاداتها تضع بثقلها المباشر على حياة ومعيشة الطبقة العاملة والجماهير الكادحة والفئات المظطهدة والمهمشة الواسعة من السكان وتضع بثقلها على النازحين والمهجرين. ففي اعماق كل تلك الصراعات السياسية والحروب والدمار في العراق تقف دوافع مادية اقتصادية واقعية لحركة راس المال المتشابك عالميا واقليميا ومحليا.
ان راس المال والنظام الراسمالي في العراق هو التشكيلة الاقتصادية والاجتماعية التي في بنيانها الفوقي تجري وتتجسم كل هذه الماسي والحروب والدمار. فطالما نتحدث عن وجود نظام سياسي وقوى سياسية برجوازية اسلامية وقومية تتحكم بمصير البلاد فنحن امام قوى تحمي وتحافظ على هذا النظام الاقتصادي الاجتماعي، وان آلة حكمها هي اداة اضطهاد الطبقة البرجوازية للطبقة العاملة بالاساس. بالفعل، سخرت هذه القوى البرجوزاية الحاكمة كل اجهزة الدولة والقوانين والادارة لحماية وادامة علاقات راس المال في العراق من جهة، ومن جهة اخرى، لفرض ابشع انواع السياسات الاقتصادية النيو- ليبرالية، اي الموديل الاقتصادي النيو ليبرالي، لادامة حركة راس المال وتراكمه. لقد جرت تطبيق تلك السياسات باتفاق واجماع عام من قبل جميع القوى والتيارات البرجوازية الاسلامية والقومية العربية والكوردية الحاكمة في عموم العراق. فالنتجية كانت، ولا تزال، خلق البؤس الاقتصادي والحرمان لاكثرية السكان ونشر البطالة الواسعة على صعيد المجتمع و تزايد الفساد واللصوصية بمديات قلت مثيله في التاريخ المعاصر للعراق و المنطقة .
ان الغالبية العظمى من العمال والشباب والمراة في العراق تواجه اوضاعا اقتصادية بائسة ومآسي اجتماعية متعددة بسبب نمط العمل الهش والاجور الزهيدة والبطالة الواسعة والعوزالاقتصادي وخنق الحريات و الحقوق المدنية والفردية. ليس هذا فحسب،بل بسبب التدهور الكارثي في توفير الخدمات التعليمية والصحية العامة المجانية والسكن الاجتماعي وعدم توفر الكافي للمياه الصالحة للشرب والكهرباء وغياب الضمان والحماية الاجتماعية المناسبة للعاطلين عن العمل والفئات المهمشة والمسحوقة في ظل هذه الاوضاع.
ان الغضب والاحتجاج المتصاعد بوجه هذه الاوضاع الكارثية يموج في اعماق الجماهير في جميع انجاء العراق. هناك الملايين من العمال اليوميين والمؤقتين يعملون في ظل اشد الظروف قساوة وباقل الاجور وهناك الملايين من العاطلين والعاطلات عن العمل بدون استلام اي ضمان للبطالة او وجود فرص عمل مناسبة لهم ليس في وسط وجنوب العراق فحسب، بل في عموم العراق. ان الاقسام الاخرى من الطبقة العاملة التي تعمل في شركات النفط والكهرباء والصناعات الاخرى والخدمات في القطاع الحكومي و الخاص تواجه ضغوطات متنوعة من السلطات والاحزاب الميليشية المتحكمة بمصيرها لاعاقة تنظيم نضالاتها وتشكيل منظماتها العمالية المستقلة للدفاع عن نفسها حيث ان فرض الإملاءات الحزبية ممارسة روتينية من قبل القوى الحاكمة والجماعات الميليشية بوجع العمال ومنظاماتهم العمالية. ان الاحزاب السياسية الحاكمة وميلشياتها في عموم العراق تتحكم بالنقابات العمالية المختلفة حيث لا تعترف السلطات ولحد الان بالنقابات المستقلة عن السلطات و الادارات والاحزاب الحاكمة ولا تعطي حق العمل النقابي في القطاع الحكومي بذرائع مختلفة . وكل هذا يؤدي الى اعاقة عمل النقابات المستقلة الموجودة وكسب جمهور العمال الى صفوفها.
لا يمكن ايجاد اي تغيير جذري في حياة الجماهير في عموم العراق بدون انهاء النظام السياسي الحالي وبدون فرض التراجع الجدي على جميع التيارات البرجوازية الاسلامية والقومية وانهاء تحكمها بمصير ومقدرات المواطنين. ان تدخل الدول الامبريالية والاقطاب الاقليمية السياسي والعسكري في العراق بالرغم من انها تاتي بشكل مستقل عن القوى المحلية وتنبع من مصالح استراتيجية لتلك الدول غير ان تطابق مصالح القوى البرجوزاية المحلية وتنسيق الاخيرة مع الدول الامبريالية والاقليمية تسهل لا بل تجسد تلك التدخلات. ان انهاء الوضع السياسي والامني الماسوي الحالي في العراق يمر كالخطوة الاولى عبر انهاء حكم وهيمنة هذه القوى البرجوازية المتسلطة على رقاب الجماهير في عموم العراق والتي تربطها مصالح مشتركة مع الدول الامبريالية و الاقليمية المختلفة التي تتصارع على التحكم بمسارت السياسية و الامينة و العسكرية في العراق.
ان البدائل البرجوازية المختلفة لا تقدم حلا ولا طريق خروج من الوضع المسدود الحالي حيث ان تلك البدائل ليست الا الدوران بشكل فعلي في حلقة مفرغة مأسوية من الحروب والدمار وغياب الأمان بالنسبة للجماهير. ان تحقيق اي تغيير جذري في وضع الاقتصادي والاجتماعي للطبقة العاملة والجماهير المحرومة وتحقيق اي اصلاح سياسي جذري على صعيد المجتمع وتوفير امان راسخ لا يجري الا عبر تقوية البديل الاشتراكي الثوري الاممي للطبقة العاملة في عموم العراق الا عبر كسب قوى التحول الثوري للمجتمع الاقتدار النضالي الموحد الكافي لاحداث التغيير. غير ان الارتقاء بالبديل الاشتراكي والثوري الاممي للطبقة العاملة الى حركة سياسية واجتماعية مقتدرة وقوية في المجتمع وعلى صعيد المنطقة لا يتحقق في الفراغ ولا بالتمنيات انما عبر النضال والمشاركة الفعلية في نضال جماهير العمال والكادحين اليومية الاقتصادية والسياسية وعبر الرد على معضلات هذه الحركة الطبقية. ان تقوية صف الاعتراض الاجتماعي والطبقي ضد الرأسمالية والتصدي للقوى السياسية البرجوازية وسياساتها واجندتها واستراتيجتها من قبل الحركة الشيوعية واحزابها الثورية، وفيما يخصنا، حزبنا، كفيلة بالمضي قدما في مسار التحرر وفرض اوسع الاصلاحات و اكثرها جذرية في الفترة الحالية. ان تنامي عناصر الازمة الثورية في كل عمل و مهام الحركة الشيوعي هو الطريق للم القوى الطبقية الثورية لايجاد الظرف الثوري وتحقيق التحول الثوري الاشتراكي للمجتمع .
08 ايلول (سبتمبر ) 2017