الرأسمالية النيوليبرالية وبيع “مكان الصلاة” في إقليم كردستان


مؤيد احمد
الحوار المتمدن - العدد: 7949 - 2024 / 4 / 16 - 00:50
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

مؤيد أحمد

عرض رجل ديني يدعى عبداللطيف احمد، وهو إسلامي سلفي، اماكن الصلاة في مسجد الجنة في السليمانية للبيع والذي هو قيد الانشاء، بسعر قدره 650 دولار امريكي لمكان واحد بسعة سجادة واحدة ومن ثم طرح هذا السعر في السوق.
من الواضح أن هذا السعر، كأي مشروع رأسمالي آخر، هو شكل القيمة المنتجة، القديمة والحديثة، للمنتج (مكان صلاة داخل مسجد الجنة). بمعنى آخر، هو سعر يُحسب على أساس رأس المال المستخدم (المتغير والثابت) وفائض قيمة عمل العمال المنتج حديثاً، والذي هو مصدر أجور العمال وارباح المستثمرين.
وقد انتشر خبر هذا التسليع(التبضع) لأماكن الصلاة في وسائل التواصل الاجتماعي، وأثار اهتمام ودهشة بعض الناس في الاقليم؛ وهم يقولون كيف أن "الدين" و"التدين" و"عبادة الله" له سعر، وكيف يمكن شراؤه وبيعه، كأي منتوج وأسهم البنوك والمؤسسات المالية الأخرى.
وفي لقاء تلفزيوني مع فضائية القناة الثامنة، قال عبد اللطيف أحمد إنه استعار الفكرة من المملكة المتحدة (بريطانيا)، حيث يتم العمل بهذا النوع من المساهمة. كما ويعتقد أنه اخترع اختراعًا "خيريًا" جديدًا.
ومن المثير للاهتمام أنه بمجرد ما تم تحديد سعر مكان كل سجادة صلاة في المسجد، تعامل سوق رأس المال في إقليم كردستان معه كمنتوج مالي جديد وكسهم، وبدأ هذا السوق في شراء وبيع هذا المنتوج. واذا تخيلنا بأن هذا السهم ربما قد يجد موطئ قدم في سوق التداول المالي في البنوك العالمية، وقد يجد نفسه فجأة داخل شبكة رؤوس الأموال الأمريكية والإسرائيلية والإيرانية والسعودية والروسية والصينية. وبينما تنخرط وسائل التواصل الاجتماعي وقسم من مجتمع كوردستان في نقاش فكري حول هذه المسألة، فإن دوران سهم المسجد كراس مال مالي يكون في حركته المتواصلة باضطراد وعملية تحقيق ذاته قد تجاوز حدود الاقليم.
على اية حال، فإن هذه الصدمة التي اوجدها سعر وسهم "سجادة الصلاة" جعلت بعض المتدينين مستائين ومندهشين يتسائلون كيف انه خدش مشاعرهم الدينية، ودفعت بآخرين إلى التفكير في أسرار علاقة حياة الإنسان المادية والاقتصادية والاجتماعية بالدين والتدين والفكر.
من الواضح ان هذا التسليع لأماكن الصلاة هو ظاهرة ونتاج عملية أوسع تتمثل في تطور الرأسمالية النيوليبرالية في الاقليم، والاخضاع المتزايد لحياة الناس لسوق رأس المال. ان هذه العملية، خاصة في العقود الثلاثة الماضية، جعلت من إقليم كوردستان مركزا لحرمان الجماهير وإفقارها المتزايد وتحويل اقساما كبيرة منها الى بروليتاريا، ونشر الثقافة الفردية البرجوازية والثقافة القمعية لأُحاد رأس المال في المجتمع.
وضمن تقسيم العمل داخل الطبقة البرجوازية وتياراتها وحركاتها الاجتماعية من اجل حماية النظام الرأسمالي، فانه من الواضح ان دور الاسلام السياسي (اسلاميزم) في الحفاظ على هذا النظام يتجسد من خلال التغطية على صراعات العالم الواقعي وتحويلها الى ما هو خارج هذا العالم. وبالتالي، يُظهِر ويُبرر وجود الغني والفقير، وانقسام المجتمع إلى من يملك ومن لا يملك، كإرادة وقدر خارجي سماوي، ويتم تبرير وتصويراستعباد المرأة وحرمانها وإهانتها وحق الزواج من اربعة نساء كمسألة خارجية سماوية وسنن وتراث التدين.
باختصار، ان الاسلاميزم يعمل بايديوجيا سماوية، في الوقت الذي هو في الواقع حركة طبقية واجتماعية وسياسية وفكرية داخل المجتمعات. وهو بهذه الطريقة وهذا النشاط الفعلي ايضا أنشأ وطور موقعه داخل البلد الواحد وبوجه البرجوازية الحاكمة في البلدان الرأسمالية الأخرى.
الشرط الأول لهذا التقسيم للعمل في معسكر البرجوازية العالمية للحفاظ على النظام الرأسمالي المضطهِد هو أن يدخل الإسلاميزم ساحة الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والفكرية للمجتمع بأيديولوجيا وفكر فوق الأرض، وليس كما فعل (عبد اللطيف احمد) ان يهبط بهذا الفكر والايديولوجيا والتدين إلى الأرض ويمزجه برأس المال وتسليع الأشياء والأفكار.
يروج الإسلاميزم لنفسه بأيديولوجية خارجية خارج الاقتصاد السياسي للمجتمع والانقسامات الطبقية فيه، وحتى خارج النظام الأبوي والذكوري واستعباد المرأة في الحياة الاجتماعية والاقتصادية. وفي مجال اضطهاد المرأة ايضا، يستخدم الإسلاميزم المصالح الذكورية الواقعية الموجودة في المجتمع والتي تشابكت مع الدين في عملية تاريخية، ومرة أخرى اليوم يُصوِر هذا الاضطهاد كمسألة عقائدية وسماوية ودينية ويجعله أكثر فتكا.
رغم أن الإسلاميزم يعمل في البناء الفوقي للمجتمع، فإن الرد الثوري لا يكون فقط في البناء الفوقي، ولا يتم الرد عليه من خلال العلمانية، بل وبشكل أساسي من خلال التغيير الثوري للعالم الواقعي والثورة الشيوعية على عبودية الإنسان في النظام الرأسمالي.
10/4/2024