محمود يوسف بكير - كاتب وباحث في الشئون الاقتصادية والإنسانية - في حوار مفتوح مع القراء والقارئات حول: هل سيظل قدر منطقتنا العربية محصوراَ ما بين الاستبداد العسكري أو الديني وإما الفوضى؟.

محمود يوسف بكير
الحوار المتمدن - العدد: 5033 - 2016 / 1 / 3 - 20:06
المحور: مقابلات و حوارات     


من اجل تنشيط الحوارات الفكرية والثقافية والسياسية بين الكتاب والكاتبات والشخصيات السياسية والاجتماعية والثقافية الأخرى من جهة, وبين قراء وقارئات موقع الحوار المتمدن على الانترنت من جهة أخرى, ومن أجل تعزيز التفاعل الايجابي والحوار اليساري والعلماني والديمقراطي الموضوعي والحضاري البناء, تقوم مؤسسة الحوار المتمدن بأجراء حوارات مفتوحة حول المواضيع الحساسة والمهمة المتعلقة بتطوير مجتمعاتنا وتحديثها وترسيخ ثقافة حقوق الإنسان وحقوق المرأة والعدالة الاجتماعية والتقدم والسلام.
حوارنا -171- سيكون مع الأستاذ د. محمود يوسف بكير - كاتب وباحث في الشئون الاقتصادية والإنسانية -  في حوار مفتوح مع القراء والقارئات حول: هل سيظل قدر منطقتنا العربية محصوراَ ما بين الاستبداد العسكري أو الديني وإما الفوضى؟.




بداية أعرف أن الكثير من الكتاب والقراء سوف يختلفون معي وربما بشدة بسبب قناعاتي الشخصية بأن الأمريكان أرادوا بالفعل أيام الرئيس بوش الابن إدخال إصلاحات تدريجية في المنطقة العربية. حيث تخيلوا أنه بالإمكان إخراج المنطقة من الخيارين الأبديين اللذان يحكمانها منذ عصر الخلافة الاسلامية وهما إما الديكتاتورية العسكرية أو الاستبداد الديني وذلك عن طريق تشجيع حالة من الفوضى الخلاقة في المنطقة تهدف الى إرباك المؤسستين الدينية والعسكرية أملا في أن يخرج من رحم الفوضى تيار علماني براجماتي مستنير يؤمن بالتعددية والديمقراطية والحرية والحكم الرشيد كما هو الحال في المجتمعات الغربية المتقدمة، ومن ثم يمكن للغرب التعامل مع هذه الأنظمة الديمقراطية الحديثة بدلا من الاعتماد على أنظمة ديكتاتورية فاقدة للشرعية وغير مستقرة.

ولكن اتضح بعد اندلاع ثورات الربيع العربي أن الأمريكان تعجلوا الأمر حيث فوجئوا بأن حالة الفوضى الخلاقة تحولت إلى فوضى عارمة ومآسي وخراب لم يشهد العالم العربي مثيلاً له عبر تاريخه الطويل.

وانتهى مشهد الربيع العربي ببروز تيارات دينية متطرفة يجمعها مشروع إسلامي عدمي يفضل الموت والدمار على الحياة والإعمار. وهي تيارات لا تصلح معها أي عملية تفاوض سياسي لإن مطالبها ليست موضعا للتفاوض أو تبادل التنازلات لإنها تتعلق بمشروع مقدس يتمثل في إحياء دولة للخلافة الإسلامية الأصولية في العالم العربي أولا ثم الاتجاه بحدودها غربا إلى قصر باكنجهام ثم البيت الأبيض. والموت والدمار هما البديل الوحيد في حال فشل هذا المشروع.

والسؤال المحوري هو لماذا نفشل دائماَ وكذلك فشل الأمريكان في تغيير المعادلة الأبدية التي تحكم مجتمعاتنا منذ قرون وهي إما الاستبداد الديني أو الديكتاتورية العسكرية.

الأمريكان يعترفون اليوم بأنه لم تكن لديهم خطة واضحة لما بعد مرحلة الفوضى الخلاقة التي أدت الى اندلاع ثورات الربيع العربي وسقوط نظم الحكم المستبدة في كل من العراق وليبيا واليمن وتونس وسوريا التي لم يسقط نظامها السياسي بعد ولكنه نظام فاشل وساقط من الناحية العملية منذ سنتين على الأقل.
أما مصر التي تبدو متماسكة فإن الاستقرار النسبي الذي تشهده حالياَ قائم على نظام عسكري قمعي مستبد أسوأ بكثير من نظام مبارك نتيجة ما صاحبه من تدهور للأوضاع الاقتصادية واعتماد مصر على معونات الخليج وهو لم يحدث أيام الطاغية مبارك.

لقد أدرك الأمريكان متأخرين أن النظم السياسية في العالم العربي هشة للغاية وأنه من السهل إسقاطها لأنها لا تقوم على أي نوع من الشرعية الحقيقية وتفتقر الى الدعم الشعبي، كما أن مؤسسات الدولة التشريعية والقضائية والتنفيذية والإعلامية كلها مؤسسات صورية يضعها الحاكم في جيبه، بالإضافة الى أن الأحزاب السياسية ومؤسسات المجتمع المدني والجامعات تعاني من حالة هزال شديد وذات نفوذ ضعيف وليس لها وجود في الشارع لأنها محاصرة وممنوعة من ممارسة العمل السياسي من قبل السلطات الحاكمة.

وقد سبق لي أن كتبت مقالاَ في موقع الحوار عن أسباب فشل الدول كانت خلاصته أن الدول الفاشلة عبر التاريخ فشلت نتيجة ضعف مؤسساتها وانعدام استقلالها وتركز السلطة في يد الحاكم.

ومرة أخرى فإن الأمريكان اكتشفوا أنه من الصعوبة بمكان تغيير المنطقة العربية نتيجة إرثها الاستبدادي الطويل والانتماءات القبلية والعرقية التي تعلو فوق مفهوم الدولة الحديثة بالإضافة الى الثقافة الدينية المتحجرة التي أسس لها الأشاعرة والذين اختزلوا العالم والوجود في الحضور المطلق للإله في السماء والحاكم في الأرض وطاعتهما أهم من أي شيء آخر ولا دور لما سواهما أي الانسان والوجود والعلوم والفنون وأسباب الحياة الأخرى. وكأن الإنسان والوجود لا يدخل في تكوينهما أي عناصر أو عوامل أخرى سوى الدين.

وترجمة لهذا النسق الفكري السقيم نشأ الاستبداد الديني من فوق ممثلا في سدنة الدين واستبداد الحاكم في الارض مدعوماَ بالقوة الغاشمة والعسكر.

وهكذا قضى المذهب الأشعري على ملكات الإبداع الثقافي والعلمي والفني والسمو الروحي الإنساني لدى أغلبيتنا كعرب فتحولنا الى وحوش بشرية تتقلص مساحة الإنسانية والرحمة والتسامح والعقلانية في وجدانها يوماً بعد يوم حتى أصبحنا كمسلمين مصدر ذعر وهم للعالم أجمع.

وبالرغم من هذه الحقائق المؤلمة على أرض الواقع في عالمنا العربي فلازلنا نعيش أسرى لوهم زائف وسخيف وهو أننا شعوب متدينة ومتراحمة وسعيدة مقابل غرب كافر ومادي ومنحط وغير إنساني ويعاني من البؤس والشقاء.

وباختصار شديد فإن التراث العربي بكل مكوناته تحول الى سجن كبير تعيش داخله شعوبنا دون أن تدري وإن درت فلا حيلة لها أمام هذا الإرث الثقافي الثقيل الذي أكسبه الزمن قدسية لا يمكن تجاوزها بسهولة.

والأسئلة التي أود أن أطرحها للحوار على قراء وكتاب الموقع هي:

ــ هل مشكلاتنا هي الأمية والجهل ونظام التعليم التلقيني وليس التحليلي والنقدي والذي يستمد أصوله من الثقافة الدينية المتحجرة هو المسئول عن تخلفنا؟ هل نظام التعليم هو المسئول عن حالة اللامبالاة الشائعة لدى الأغلبية وانصرافها عن الشأن العام وفشل كل المحاولات التنويرية في العالم العربي طوال القرنين المنصرمين؟

-هل شيوخ الإسلام هم السبب في تخلفنا من خلال اصطفافهم وراء السلطة ودعوتهم للناس بطاعة الحاكم حتى ولو كان ظالما درءا للفتنة وعدم الاستقرار؟ هل يمكن إعفاء هؤلاء الشيوخ من المسؤولية وهم يتعايشون في انسجام ووئام مع كل ما حولهم من ظلم وفساد واستبداد بينما هم يرفلون في النعيم؟

ــ هل مشكلتنا هي غياب منظومة حقوق الإنسان العربي وشيوع حالة من الخوف من السلطة امتدت مؤخراَ إلى غالبية المفكرين والمثقفين الذين أصبحوا يؤثرون السلامة الشخصية وتخلوا عن دورهم التنويري والدفاع عن حقوق الضعفاء؟ أليس غياب هذه المنظومة وعدم استقلال القضاء هما السبب في تقبل الجماهير العربية فكرة التعايش مع الاستبداد وعدم رؤية بديل اخر له سوى الفوضى وعدم الاستقرار؟

ــ هل مشكلتنا اقتصادية بالأساس؟ أو بمعنى آخر هل يمكن أن تؤدي التنمية الاقتصادية الحقيقية وما يستتبعها من تنمية بشرية تلمسها الشعوب في حياتها من خلال تحسن خدمات التعليم والصحة وتقليص فجوة الدخل بين الأغنياء والفقراء بدلاَ من استمتاع القلة بكل ثمار التنمية الاقتصادية، هل يمكن أن تؤدي هذه التنمية الشاملة إلى خروجنا من حالة التخلف وشروق شمس التقدم كما حدث في أوروبا؟
نحن ندرس طلاب الاقتصاد أن الاقتصاد يلعب الدور الرئيسي في ربط أفراد أي تجمع بشري وإنه عندما يفشل الاقتصاد في أي مجتمع فإن هذا المجتمع يتخلف بالضرورة سياسياَ وثقافياَ وحضارياَ ورياضياَ وفنياَ وأخلاقياَ وحدث ولا حرج.

فهل مشكلتنا فعلاَ اقتصادية ولا ينبغي هنا ان ننسى أن الاقتصاد هو من هزم الكنيسة في الغرب وحول اوروبا الى مجتمعات علمانية متقدمة. ولا ينبغي أن يفهم أحد من هذا أن أوروبا قد أعطت ظهرها للدين فلازال الدين حاضرا ولكنه يمثل فضاءا خاصا بكل فرد ولا يصح للآخر أن يقحم نفسه فيه بدعوي أنه عليم ومطلع على مقاصد الرب كما هو الحال في مجتمعاتنا.

ــ وأخيراَ هل هناك أي أمل في أن يكون هناك بديل آخر أمام شعوبنا العربية غير الاستبداد بنوعيه أم الفوضى والخراب دون سائر شعوب الأرض؟