غزة وما يمكن أن يفعله الحوار ونحن


محمود يوسف بكير
الحوار المتمدن - العدد: 7839 - 2023 / 12 / 28 - 23:49
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

يهدف المقال الى عرض بعض الأفكار بشكل مباشر وغير مباشر لما يمكن أن نقدمه من دعم للإخوة الفلسطينيين في غزة من خلال موقع الحوار المتمدن، وبعض الذكريات القديمة المتعلقة بما يحدث حاليا، بالإضافة إلى بعض التساؤلات المنطقية في نهاية المقال. في مقالنا على الموقع "من المسؤول عن هذه المهزلة" بينا كيف تعرض الفلسطينيون للخداع عبر سنوات طويلة ليس فقط من الغرب، ولكن من العرب أيضا الذين لم يقدموا لهم سوى بيانات الشجب والإدانة والشعارات الكبيرة. وبينا أيضا كيف كان لمظاهراتنا الضخمة في لندن أثر كبير في زيادة وعي الأوروبيين بأبعاد القضية الفلسطينية وجعل الإعلام الأوروبي أكثر موضوعية في تغطيته لما يحدث في غزة. وقد نجحت مظاهرات لندن في تحقيق هذه الأهداف من خلال التعآمل مع البعد الإنساني للصراع والتركيز على ما يحدث في غزة الآن من عمليات إبادة إجرامية ضد المدنيين الفلسطينيين، بالإضافة إلى تجنب عرض ما يحدث على أنه صراع ديني كما يفعل البعض من المتشددين الدينيين. ونحن هنا ندعو كل من بإستطاعته التبرع بإي مبلغ للمنظمات الإنسانية العديدة التي تعمل داخل غزة وتلك التي تقوم بالرغم من الظروف الصعبة القائمة حول معبر رفح بإدخال العديد من الشاحنات المليئة بمختلف الإمدادات الغذائية والطبية إلى داخل القطاع. ومن هذه المنظمات التي تبرعنا لها بالفعل وتلقينا في خلال ثوان رسائل إليكترونية تفيد باستلامهم لتبرعاتنا وكيف يخصصونها، منظمة الأونروا وبرنامج الطعام العالمي وهي منظمات تابعة للأمم المتحدة وتعمل داخل غزة، كما تبرعنا أيضا لبنك الطعام المصري والذي يرسل شاحنات محملة بصناديق من الوجبات المختلفة إلى داخل القطاع، وكل هذه المنظمات لها مواقع على الإنترنت ويمكن التبرع لها بكل وسائل الدفع المعروفة للجميع. وهذا أقل شيء يمكن إن نفعله كأفراد لإخواتنا في غزة بعد أن خزلتنا حكوماتنا، وهذه الدعوة موجهة فقط لمن هم قادرون على التبرع. ونحن نتمنى على إدارة الحوار المتمدن المعروفة بدعم القضايا الإنسانية عبر العالم نشر هذه الدعوة أو المقال لأكبر فترة ممكنة حتى يحقق الغرض منه ولهم منا كل الشكر والتقدير. كما أننا ندعو الحوار لفتح حساب مصرفي للتبرعات بحيث توضع تفاصيله في مكان بارز على الصفحة الرئيسية للموقع حتى يراها كل الكتاب والقراء القادرين على التبرع وعلى أن يحول المبلغ المجمع بشكل دوري لأي من منظمات الإغاثة المذكورة أعلاه أو غيرها ويمكنني أن أرسل للحوار المزيد من الأسماء ذات المصداقية لأنني اكتشفت أن هناك منظمات صغيرة تقوم بجمع تبرعات لغزة دون إن يكون لها إي تواجد أو منفذ لغزة. وهذا الحساب باسم الحوار يمكن استخدامه مستقبلا لجمع التبرعات لأي كوارث إنسانية أو طبيعية أخرى. وبالإضافة إلى الجانب الإنساني لما يحدث في غزة والذي يوجع قلوبنا جميعا، أود أن أعرض أيضا للجانب السياسي لحرب غزة، ولكن بشكل فلسفي حتى نخرج ببعض العبر مما يحدث، وفي هذا فقد وصلني من أحد الأصدقاء في مصر فيديو قصير عن غزة ما قبل هذه الحرب وما بعدها، وكإنسان عادي استوقفني هذا الفيديو كثيرا وبالفعل دخلت في حوار حوله مع بعض الأصدقاء من داخل وخارج مصر ورإيت أن أشرك فيه أصدقائي في الحوار المتمدن. الفيديو يظهر كيف كانت الحياة اليومية البسيطة للفلسطينيين حيث تجد الأسواق في حالة نشاط والابتسامة على وجوه الجميع والأطفال يذهبون لمدارسهم وتشاهدهم وهم يلعبون أيضا "وللعلم وعن تجربة شخصية فإن التعليم في غزة أفضل حالا من عدد كبير من الـدول العربية والتلاميذ الفلسطينيون عادة في غاية الجدية والاجتهاد. وكانت الإولى على دفعتنا في كلية الاقتصاد بجامعة القاهرة بنت فلسطينية من عائلة ياسر عرفات ولازلت أتذكر أسمها عزة القدرة، وكانت عبقرية في الرياضيات ولا أدري أين هي الان". وبالإضافة إلى اللقطات الجميلة للفيديو والتي توضح كيف أن الحياة كانت آمنة ومستقرة، كان هناك آلاف العمال الذين يذهبون يوميا إلى إسرائيل للعمل والاسترزاق لدعم أسرهم، هذه هي حياة البسطاء في كل أنحاء العالم الذين لا يطمعون في أكثر من بيت وأسرة، وفرصة عمل ،وأمن واستقرار. وباختصار فإن كل شي كان يعمل في غزة مزارع ومصانع ومستشفيات ومدارس بالرغم من بعض الصعوبات والمضايقات التي كانت تأتي من الجانب الإسرائيلي من وقت لآخر. ولو أننا تأملنا واقع ما كان قبل الحرب بدقة لوجدنا أن وضع الدولة المستقلة التي يتحدثون عنها منذ زمن كان شبه قائما في غزة ما قبل الحرب عكس الحال في الضفة الغربية المليئة بالمستوطنات وقوات الأمن الإسرائيلية والمشاحنات التي لا تنتهي حول مسجد الأقصى.واعتقد أنه كان بمقدور غزة والضفة الحصول على المزيد من الحقوق من الإسرائيليين إيام مفاوضات كامب ديفيد تحت رعاية كلينتون الذي أراد إن يدخل التاريخ على آنّه الرئيس الإمريكي الذي حل هذا النزاع الإبدي وكان رئيس وزراء إسرائيل وقتها إيهود باراك الذي قدم وقتها تنازلات لا يمكن أن يفكر فيها أي سياسي في إسرائيل الآن، ولكن عرفات لم يكن مؤهلا لاقتناص الفرصة من خلال التفاوض لأنه لم يكن يفهم أن التفاوض هو فن تبادل التنازلات واقتناء ما هو ممكن قبل المطالبة بالمزيد، وفي النهاية فضل أن يعود للضفة لإطلاق إنتفاضة جديدة. أما عن اللقطات التي وردت في الفيديو عن الأوضاع في غزة ما بعد الحرب فإنها بالطبع مأساوية ومن الصعب على إي شخص ذو ضمير وحس إنساني في أي مكان في العالم وأيا كانت ملته أن يواصل مشاهدتها دون أن تمتلىء عيناه بالدموع خاصة أمام مشاهد الأطفال الموتى وآبائهم يبكون عليهم بحرقة ومشاهد جثث الضحايا الأبرياء تحت الأنقاض ومشاهد مئات الآلاف وهم ينامون في العراء ولا يجدون مياه نظيفة ولا ما يأكلونه في فصل الشتاء القارس. والسؤال الذي طرحته على أصدقائي هو أن كل الحروب عبر تاريخ الإنسانية كان لها هدف ومنفعة ترتجى من ورائها وإلا لما اندلعت، ولكن هناك أيضا تكلفة لهذه الحروب وكثيرا ما تكون باهظة. في حالتنا هذه نقول نعم نجحت حماس في إعادة القضية الفلسطينية إلى الساحة السياسية الدولية من جديد بعد أن طغت عليها الحرب الأوكرانية. ونعم حماس شنت هجومها على الكيان الصهيوني في الوقت المناسب لوقف تطبيع العلاقات بين السعودية وإسرائيل وبلا شك فإنها نجحت في هذا مقابل إخفاق تام لحكومة أبو مازن المصابة بالغيبوبة. ومن البديهي أن حماس كانت تتوقع أن ترد إسرائيل وبوحشية شديدة أكبر من المرات السابقة وهذا ما حدث ولكن على ما يبدو أن حماس أن الرهائن الإسرائيليين في حوزتها سوف يكونون رادعا لإسرائيل عن تحويل هجماتها المعتادة إلى حرب تدميرية شاملة لكل مقومات الحياة في غزة، وربما توقعت حماس أن الدول العربية والإسلامية خاصة تلك التي قامت بالتطبيع سوف تتدخل مهددة بوقف التطبيع وربما قطع العلاقات وفرض عقوبات ولكن هذا لم يحدث بالرغم من أن وحشية وبربرية الرد الإسرائيلي هذه المرة فاقت كل التوقعات وتجاوزت كل حدود الحياء والحذر حتى أن أمريكا نفسها تتخبط ولا تعرف ماذا تفعل. ومن البديهي أن حماس وكل الفلسطينيين في صدمة وخيبة أمل كبيرة وهم يرون الدول العربية وإيران وتركيا تلوذ بالصمت منذ اندلاع الحرب وتكتفي ببيانات الشجب والإدانة المعتادة. وحتى الشعوب العربية والإسلامية قامت ببعض المظاهرات الصغيرة ولكن نفسها كان قصيرا وما لبثت أن عادت إلى الانشغال بالسوشيال ميديا. والخلاصة فإن حماس نجحت في تحقيق أهم أهدافها من العملية التي قامت بها وهي إحياء القضية الفلسطينية وإذلال العدو الإسرائيلي ووقف التطبيع، أما عن تكلفة تحقيق هذه الأهداف فإن الإثنين ونصف المليون مواطن المقيمين في غزة والمشردين الان هم وحدهم من يستطيع وصفها وتحديد حجمها لأنهم هم من دفعوا الثمن من دمائهم واستقرارهم ومستقبل أولادهم وإحبتهم الذين لن يعيدهم إعمار غزة. ولكن حتى نتصور مدى فداحة ما تحمله هؤلاء الأبرياء من ثمن باهظ، دعونا نسأل أنفسنا هل نحن مستعدون لان نفقد أولادنا وإحباءنا وبيوتنا ومصادر رزقنا وأن نشرد وننام في العراء ونتحول إلى متسولين من أجل أي شيء في هذا العالم المتوحش؟ وهل هذا الخراب هو ما ننشده من وطن؟ دعونا من العنتريات ورفع الشعارات الجوفاء والوعود الكاذبة التي ضيعت الفلسطينيين، دعونا نعيش بواقعية في هذا العالم وأن نكف عن الأحلام التي لم نر منها إلا الكوابيس وأن الأوان أن نتعلم منها بعض العبر.

‏‏‏محمود يوسف بكير
مستشار اقتصادي