هل المشكلة في الإسلام أم المسلمين

محمود يوسف بكير
الحوار المتمدن - العدد: 6770 - 2020 / 12 / 24 - 22:58
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

كان ‏التجديد هو شعار عصر النهضة الأوروبية أما شعار عصر النهضة الإسلامية الحالي فهو العودة إلى السلف الصالح أي تجاهل الحاضر وما هو آتي بكل متغيراته المعقدة والهروب إلى الماضي.
لم يعد الأمر يحتمل الكثير من الجدل ‏في أن أحوال المسلمين خاصة العرب منهم مزرية ليس بين المسلمين وغير المسلمين فقط ولكن بين المسلمين أنفسهم سواء على مستوى الدولة الواحدة او بين الدول الإسلامية بعضها البعض. ‏وأصبح الإسلام بفضل المسلمين موضوعا للتهكم في الغرب ومرادفا للتخلف والاستبداد والفساد وعدم التحضر والعنف والإرهاب، ‏وما أن تقع أي عملية إرهابية في أي مكان في العالم إلا وتجد أن أول المتهمين فيها هم المسلمون حتى قبل أن يبدأ التحقيق قي ملابسات العملية.
وهناك الآن حملات دعاية سلبية وخطيرة تجري في أوروبا وأمريكا وحتى في روسيا والصين ضد الإسلام والمسلمين، ‏ومع هذا فإن المسلمين انفسهم لا يأبهون ولا يهتمون وكبار شيوخهم يعتقدون أن مجرد لقاء عابر بين أحد كبار مسؤوليهم مع بابا الفاتيكان مثلا حيث يتكرر الحديث الممجوج والممل ‏عن عظمة الإسلام وانه دين السماحة والسلام والحريات وحقوق الإنسان إلى آخره - وهو نوع من العلاقات العامة التي يجيدها الغرب للحصول على أموال المسلمين وإبرام صفقات السلاح - ‏في رأي شيوخنا فإن النفاق وهذه العلاقات العامة كافية لإثبات أنه ليس هناك مشكلة وأن العالم كله يحترم الإسلام والمسلمين.
السبب الأكبر وراء حالة اللامبالاة هذه هو أننا لم نتجاوز بعد المرحلة الثيولوجية في تطور ‏الفكر الإنساني بسبب قوة نفوذ المؤسسات والمحطات الفضائية الدينية في العالم العربي ودورها في نشر الأساطير القديمة والقناعات الخاطئة السائدة لدى معظم المسلمين بأنهم خير أمة أخرجت للناس وأن نصرة الله لهم حصرية ومضمونة وأن النصر سوف يكون حليفهم في أي مواجهة مع الأخر إن عاجلا أم اجلا عملا بآيات مثل "لا تحزن فإن الله معنا" " و "‏ومن ينصره الله فلا غالب له". ‏بالطبع فإنه بالنسبة للمسلم العادي إذا كان الله معنا فمن ذا الذي يستطيع أن يكون ضدنا، ولكن ما لا يقال لهذا المسلم إن النصر الموعود بالتأكيد له شروط كثيرة وإن القرآن أيضا يقول "أن ليس للإنسان إلا ما سعى" أو كما يقال بالعامية المصرية اسعى يا عبد وأنا اسعى معاك. هذه المقولة تتماشى مع الواقع المعاش والمنطق وخير دليل على هذا الأزمات العنيفة والمعاناة التي تعصف بمعظم الدول الإسلامية والمسلمين ولا يبدو أن لها نهاية قريبة، وما هذا إلا نتاج هذا الفهم السقيم للآيات ‏ونزعها من سياقها التاريخي والترويج لها على أنها آيات مطلقة الاحكام. هذا المنطق الذي نتحدث عن مثال بسيط له يقول بإن العمل المخلص هو أساس التقدم وليس الدعاء فقط والأوهام وهو منطق يمكن إيصاله للمسلم العادي لتغير طريقة تفكيره وقد يكون قي هذا بداية لانصلاح أحواله وتمتعه بحقوقه كاملة مثله مثل المواطن الغربي.
‏وبالرغم من إنني أؤمن بالعلمانية ووجوب فصل الدين عن السياسة وشؤون الدولة إلى أنني من المؤمنين بقوة بأنه عملية الإصلاح الديني في الإسلام لا يمكن أن تتحقق إلا من خلال المصادر الإسلامية نفسها لأن عامة المسلمين لن يقبلوا بغير هذا وتاريخنا شاهد على هذا حيث فشلت كل محاولات الإصلاح من خلال حملات التغريب ومبادئ الحداثة الغربية. وقد سبق أن كتبنا في هذا وبينا كيف ‏أن طه حسين حاول هذا وانتهى به المطاف إلى اتهامه بالإلحاد واستقالته من الجامعة. ونفس الشيء حدث مع نجيب محفوظ عندما حاول في بعض رواياته خاصة أولاد حارتنا أن يبشر بأفول عصر الأديان وبزوغ عصر العلم. وكان الامر أخطر مع محفوظ حيث تعرض للاغتيال ‏وكلنا يعرف أيضا ما حدث لفرج فودة ونصر حامد أبو زيد ومحمود طه والقائمة تطول.
ومرة أخرى فإن المثال البسيط الذي ضربته يبين أن الكثير من القناعات الدينية الراسخة يمكن تغييرها عن طريق استخدام بعض الآيات الأخرى التي تستند إلى منطق أقوى لهدم القناعات القديمة واستبدالها بقناعات تتماشى مع العقلانية والمنطق. ونحن في هذا نوظف ‏مقولة علي ابن أبي طالب بأن "القرآن حمال أوجه" أي يمكن توظيف آياته لاستنباط أحكام متعددة تلبي احتياجات الناس وتتماشى مع العصر ومنها كما نرى وضع المسلمين على طريق التقدم والحداثة. هذا التوجه بالطبع يستلزم ‏فتح باب الاجتهاد والتأويل الذي تم إغلاقه منذ أيام الائمة الأربعة وأصبحت مهمة من تلاهم من فقهاء تنحصر في اجترارالماضي واعادة تأكيد الاحكام السابقة والسائدة منذ 15 قرنا بالرغم من تناقض هذا النهج مع مفهوم العقل الحديث وهو عقل مستقل وخالق للمعرفة ‏ويرفض أن يعمل من خلال سجون الماضي البعيد وإطارات المعرفة الجاهزة و المحددة سلفا كما هو الحال الآن مع العقل الديني التقليدي والعقل الأيديولوجي اللذان فشلا في استيعاب أن الواقع في حالة تغير مستمر وأن إيقاف حركة الزمن وتكبيله بالماضي شي مستحيل.
‏إن أراد المسلمون بحق أن يفضوا الاشتباك بين بعضهم البعض ومع الآخر وتحسين سمعة الإسلام والمسلمين فإن عليهم أن يتحلوا بالشجاعة الفكرية وأن يعيدوا تقديم الإسلام من جديد من خلال مراجعة ومعالجة القضايا الإنسانية والفكرية المعلقة منذ قرون في الإسلام دون أن تحظى ‏بدراسات مستفيضة وحلول صريحة وواقعية ومنها على سبيل المثال ما يلي وبدون ترتيب:

• موقف الإسلام من العلمانية ودور الدين في الدولة.
• ‏موقف الإسلام من شكل الدولة ونظام الحكم الامثل وهل هو ملكي وراثي أم برلماني انتخابي.
• ‏موقف الإسلام من الديمقراطية مقابل نظام الشورة غير الإلزامي.
• موقف الإسلام من حرية التعبير وحريات الاعتقاد.
• موقف الإسلام من مفهوم الجهاد والحرب على الإرهاب.
• موقف الإسلام من المساواة بين الجنسين وهل ستظل المرأة ناقصة عقل ودين.
• موقف الإسلام من الفقر والتنمية الاقتصادية وكيف يمكن أن توظيف الزكاة كحل.
• ‏موقف الإسلام من الفنون والثقافة وهل يعقل أن تكون كل أشكال الفنون حرام مثل الموسيقى والغناء والرقص والمسرح والسينما والرسم والنحت والتصوير إلى آخره وكيف يمكن للإنسان أن يستمتع بحياته ووقت راحته في الإسلام.
• موقف الإسلام من مشكلة التغير المناخي ‏ولماذا لا توجد توعية جادة للمسلمين بهذه المشكلة التي باتت تهدد الحياة على الأرض.

‏وأخيرا ففي كتاب سيد قطب معالم في الطريق تحدث عن مفهوم دار الحرب ودار السلام حيث تكون الدول الإسلامية ديار سلام والدول الغربية الكافرة ديار حرب. والمفارقة هنا أن الدول الإسلامية أصبحت ديار حرب وتخلف ودمار وفقر وظلم واستبداد وعدم استقرار بينما أصبحت دول الغرب ديار سلام ‏واستقرار وحرية وتقدم ورخاء.
‏نحن لا نريد أن تتحول ديار الغرب إلى ديار حرب ولكن نريد أن تكون دارنا دار سلام ومحبة وحرية وكرامة ولن يتحقق هذا إلا عندما نمتلك رؤية واضحة وصريحة تجاه القضايا السابقة ولا سبيل إلى هذا إلا عندما يتوقف الفقهاء والمفكرون لدينا عن لعب دور التخديم على الحاكم والدوران ‏في فلكه وأن يبدأوا في التفكير في مصلحة الوطن والمواطن الحائر والمظلوم.
أعرف أن المهمة ليست سهلة ولكن علينا أن نحاول وعلينا أن نتذكر دائما أن الإسلام قال كلمته منذ قرون وهو صامت ونحن من ينطقه بما نشاء.

‏‏محمود يوسف بكير
مستشار اقتصادي