من المسؤول عن هذه المهزلة؟


محمود يوسف بكير
الحوار المتمدن - العدد: 7791 - 2023 / 11 / 10 - 00:01
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

يهدف هذا المقال القصير إلي بيان ما تعرض له الفلسطينيون من خداع وتضييع وقت من الغرب وإسرائيل في اتفاقيات وهمية مثل اتفاق أوسلو ولامبالاة غريبة من العرب وكيف أن الحرب الحالية يمكن أن تغير كل شيء. وفي هذا فقد انشغلت طوال شهر أكتوبر بما يحدث في غزة للمساعدة في إيصال صوتنا إلى أكبر عدد من الأوربيين للضغط على حكوماتهم كي تسعى بجدية لايقاف مذابح غزة والضغط على إسرائيل ومصر من أجل السماح بدخول مئات الشاحنات المحملة بالمساعدات من خلال معبر رفح، بالإضافة إلى المطالبة بتفعيل حل الدولتين كما وعد الغرب مرارا باعتبار أنه الحل الوحيد للقضية الفلسطينية ووقف إراقة الدماء بين الإسرائيليين والفلسطينيين وما عدا هذا من اتفاقات واجتماعات ثبت أنها بلا قيمة مثل اتفاق أوسلوعام ١٩٩٣ والذي كان مضيعة للوقت ونوع من التحايل على القيادة الفلسطينية، وذلك لان الاتفاق صمم بحيث لا يعمل و بالفعل فإنه لم يحقق أي شيءٍ للفلسطينيين سوى الحصول منهم على اعتراف بإسرائيل وتغيير اسم منظمة التحرير الفلسطينية إلى السلطة الفلسطينية وتم تأجيل حل كل المشاكل الكبيرة مثل إقامة الدولة الفلسطينية وتقسيم القدس …الخ إلى أجل غير مسمى، في ذات الوقت الذي كانت المستوطنات الاسرائيلية تزيد بسرعة غير عادية خاصةً في الضفة الغربية. وعلى ما أتذكر فأن الكثير من الدول العربية رحبت بالاتفاق وقتها ربما لأنهم أرادوا نسيان هذه القضية وطي صفحتها. وبالفعل فإن ما حدث بعد هذا الاتفاق المشؤوم من الإسراع بعمليات التطبيع بين العرب وإسرائيل دليل على صحة هذا الاعتقاد. وكما قلنا مرارا فإن أسلوب حل المشاكل من خلال تجاهلها أو التعامل مع أعراضها فقط وتأجيل أو التكاسل في البحث عن جذور المشكلة غالبا ما يؤدي الي عواقب وخيمة، وليس هذا في السياسة فقط، ولكن حتى في حياتنا العادية، ومثال على هذا أن يذهب المريض إلى الطبيب شاكيا من صداع شديد ومتكرر فيطلب منه الطبيب أن يتناول قرص بنادول مع كوب شاي وان يرتاح قليلًا. بالتأكيد سوف تقل حدة الصداع مع قرص البنادول وقليل من النوم. ولكن في معظم الحالات سوف يعاود الصداع زيارة المريض مرات أخرى وربما بشكل أعنف لان الطبيب لم يكلف خاطره بأن يبحث عن مصدر الصداع، واكتفى بالنظر إلى العرض وتعامل مع المشكلة وكأن المريض يعاني من الصداع لانه لا يتعاطى البنادول! أما بخصوص المسألة الفلسطينية فإن الغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة فإنهم يتحملون مسؤولية تاريخية وسياسية وأخلاقية في تردي الأوضاع في المنطقة العربية بشكل عام وفي فلسطين بشكل خاص فهم من صدروا مشاكلهم مع اليهود في أوروبا إلى فلسطين ومع الوقت تحول أصحاب الأرض الأصليون إلى مشردين ومضطهدين في بلادهم في الوقت الذي تحول فيه اليهود من مشردين إلى أصحاب الإرض في أكبر عملية سطو في التاريخ. كل هذا والغرب يستمتع بالفرجة كما نقول في مصر على امتهان الفلسطينيين. بالإضافة إلى التأييد الأعمى للمحتلين ومدهم بالأسلحة والأموال. الآن يشاهد الغرب عمليات التدمير لكل مقدرات الحياة والمذابح اليومية التي تقوم بها إسرائيل في غزة منذ أكثر من شهر بلا مبالاة، وبمنتهى الأريحية لا توافق أمريكا وغالبية الدول الغربية على أي دعوة لوقف النار بدعوى أن إسرائيل تمارس حقها في الدفاع عن النفس. كل هذا الدمار والحصار والقتل أصبح دفاعا عن النفس! والسؤال ما هو الإرهاب إذن؟ ولماذا علمونا أن كل ما تقوم به الفصائل الفلسطينة من هجمات محدودة لا يمكن مقارنتها بما تقوم به إسرائيل هو أرهاب وليس دفاعا عن النفس؟ أين الحياء وهل غاب الضمير الإنساني إلى هذا الحد لدى السياسيين في الغرب؟ أنا لا أهاجم كل الغرب بلا تمييز لانني أكره التعميم العشوائي والقولبة واستطيع أن أؤكد من خلال تجربتي الطويلة بالغرب أن الأغلبية هناك ذات ضمير حي شأنها شأن باقي شعوب الأرض فلا يوجد شعب كله طيب أو شعب كله شرير. وفي هذا فقد شاركت أنا وزوجتي في أكبر مظاهرة قامت في لندن منذ سنوات عديدة وذلك يوم السبت ١٤ أكتوبر والتي شارك بها ما لا يقل عن ٢٠٠ ألف متظاهر ولأول مرة تم غلق وسط لندن بالكامل بما فيه شارع أكسفورد وميدانه وشارع ريجنت وساحة ترافلجر وحتى مبنى البرلمان مرورا ب ١٠ داوننج ستريت مقر رئيس الوزراء. كنت حريصا على تأمل وجوه كل من حولنا في هذا الزحام الشديد والتحدث مع بعضهم، وما أسعدني جدا أن أغلبية المتظاهرين كانت من الأوروبيين رجالا ونساءا ومن مختلف الجنسيات والأعمار. وفي نفس الوقت كانت هناك مظاهرات في الكثير من المدن الأوروبية الأخرى، الكل يطلب بوقف العدوان الإسرائيلي المجنون، ومن يومها والمظاهرات تنطلق كل يوم سبت في لندن وعدد متزايد من المدن الأوروبية والأميركية والتي تشهد جامعاتها الكبرى وعلى رأسها جامعة هارفارد مظاهرات كبيرة ضد العدوان الإسرائيلي، والمفارقة العجيبة هنا هي أنني لم أسمع عن أي مظاهرات منتظمة في كل الدول العربية! ولا أعني بهذا أن الأوربيين يحبون غزة أكثر من العرب ولكنه الاستبداد وخنق الشعوب أيها السادة. ومن جلب الاستبداد إلينا ودعمه ولازال هو الغرب بعد انتهاء استعماره لدولنا واستغلاله لمقدراتنا، فأتي إلينا بما هو أسوأ من الاستعمار كنوع من الانتقام ألا وهو الاستبداد والفساد، وهذا الثنائي الجهنمي يسيرا معا دائما ويدا بيد والذي يزيد من قوته واستدامته هو غياب دولة القانون ومن ثم فإنه لا أمان لأحد. وهنا يكون من الأفضل للشعوب إيثار السلامة والاكتفاء بالدعاء. وبعيدا عن عالمنا العربي البائس، فقد نجحت المظاهرات في الغرب والاعلام المحايد والكثير من السياسيين والمفكرين ذوي الضمير الحي في الغرب وعبر العالم وعلى رأسهم السكرتيرالعام للإمم المتحدة الحالي السيد جوتريتش الذي لا يكف عن فضح الهجمات الوحشية الإسرائيلية بالرغم من حملات الإرهاب الإسرائيلي عليه داخل أروقة الإمم المتحدة وخارجها. والرجل يفعل هذا بالرغم من علمه بأن ما يقوم به يعني القضاء على مستقبله السياسي من قبل اللوبي الصهيوني في أمريكا، فتحية لهذا الرجل النبيل. إننا نعرف أن الفلسطينيين سوف يخسرون الحرب عسكريا ولكن انتصارهم السياسي لا شك فيه ولا أبالغ عندما أقول أن كلمة فلسطين وغزة أصبحت تحتل الصدارة في كل وسائل الاعلام والمحطات التليفزيونية العالمية وبشكل مغاير لما كان يحدث سابقا فهناك حالة من الاستنكار للعدوان الإسرائيلي والتعاطف مع القضية الفلسطينية لم تحدث بهذا الزخم منذ اندلاع هذه الأزمة منذ عقود طويلة، وحتى الأنظمة الاستبدادية التي لا تؤمن بالديموقراطية ولا بحقوق الانسان لديها مثل الصين وروسيا وكوريا الشمالية وإيران بدأت تستغل هذه الأزمة للتنديد بإسرائيل والغرب لتحقيق مكاسب سياسية، وهذا أيضا في صالح الفلسطينين حتى أن حكومة بايدن بدأت تشعر بالخجل والعار وضعف موقفها بشدة في أوكرانيا لصالح روسيا بسبب التصرفات المجنونة لإسرائيل. كما أن هناك حالة من الغضب ضد بايدن لرفضه وقف إطلاق النار في غزة بسبب الخوف من اللوبي الصهيوني وبالرغم من هذا فإن شعبيته تتضاءل كل يوم وفرصته في البقاء في البيت الأبيض إصبحت صعبة. أما بالنسبة لإسرائيل فإن خسائرها السياسية أكبر بكثير مما نتصور، ومن أهمها انتكاسة مشروع التطبيع مع العرب وتزايد حالة الكراهية لها عبر العالم بما فيه الغرب لأنها أصبحت فجأة بمثابة عبء أخلاقي على كل من كان يتعامل معها، هذا ناهيك عن خسائرها الاقتصادية الكبيرة. ولولا الدعم الأميركي المعلن والخفي لها لكان اقتصادها في حالة أسوأ بكثير مما هو عليه الان. فلسطين لازالت تقاوم هذا الهجوم البربري والحصار العنيف عليها دون أي دعم حقيقي من العرب الذين يشاركون بصمتهم الغرب في المسؤولية عما يحدث من مذابح ومعاناة في غزة لم يعرف لها التاريخ مثيلا. والسؤال الان هل سيواصل العالم العربي الاكتفاء بالمشاهدة وإصدار بيانات الشجب والإدانة فقط أم أن العرب سيقدمون على موقف جماعي قوي تجاه الولايات المتحدة ومؤيدي إسرائيل في الغرب؟

‏‏‏محمود يوسف بكير
مستشار اقتصادي