مراجعات وأفكار 13


محمود يوسف بكير
الحوار المتمدن - العدد: 7665 - 2023 / 7 / 7 - 00:54
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني     

المراجعات
١هناك هجوم خبيث وغير عادي في الشرق على الليبرالية مع أنها تنادي بالأساس إلى تلبية تطلعات الناس للحريات العامة، وربما يكون هذا الهجوم راجع إلى أن الحريات العامة شائعة في المجتمعات الرأسمالية الغربية. ولأن الكراهية متزايدة هذه الأيام ضد الغرب فإنه يتعين أيضا محاربة الليبرالية التي تؤدي إلى إفساد المجتمعات كما يرى هؤلاء. ولكن الحقيقة المنسية أو المتجاهلة هنا هي أن الحريات العامة خاصة حرية التعبير التي حرمنا منها في الشرق أدت الى انتشار الفساد والاستبداد والظلم بشكل خطير. ويمكننا القول هنا إنه حتى لو أدت الليبرالية إلى إقامة نظم رأسمالية، فإنه في ظل كفالة الحريات العامة يكون من الممكن نقد الممارسات الرأسمالية الفاسدة وبيان عيوبها من ثم إصلاح النظام. وعلينا أن نتذكر أنه بدون حريات عامة تحولت كل الأنظمة الاشتراكية السابقة إلى رأسماليات مقنعة وفاسدة وانتهى بها الحال إلى الانهيار الكامل. الليبرالية في بدايتها في القرن التاسع عشر في مصر على سبيل المثال كانت تطالب بتقييد الملكية وتعدد الأحزاب وحرية التعبير وتبني مفاهيم الدولة الحديثة وتعليم البنات وليس بتغطيتهم بالحجاب وتقييد تحركاتهم، وكل هذا عكس ما هو حاصل الآن. وللأسف فإن المجتمعات الشرقية أنتهى بها الحال إلى أن تكون مجتمعات رأسمالية ولكن بدون ليبرالية ولذلك يعم الفساد والظلم دون أن يتمكن أحد من النقد وأصبحنا نعيش حالة من العبث واللاعقلانية والتخبط وبدون إن نعرف كيف نتعامل مع النموذج الرأسمالي المشوه الذي ارتضيناه والذي يحدد خياراتنا بين الحياة الدنيا أو الآخرة فلا تعايش بين الفيزياء والميتافيزيقا، ولذلك أصبحت مجتمعاتنا ممزقة وتعيش حالة من الحرب الداخلية بدرجات متفاوتة ولم يعد هناك أمل في التعايش المشترك. ولأننا بارعين في رفع الشعارات والكلام الأجوف بدأنا نتوهم أن حل مشاكلنا المعقدة والمتراكمة يمكن أن يأتي من خلال المزيد من القيود ومن خلال تبني شعارات بائسة وسطحية من عينة أن الإسلام هو الحل أو أن العلمانية هي الحل دون أن نعي أنه لا أمل في نجاح إي من هذه الشعارات في إنقاذنا مما نحن مقدمين عليه في غياب العقلانية والديموقراطية والحريات المقيدة بدولة القانون. والأهم من كل هذا غلبة ثقافة الصمت السائدة وسط الأغلبية التي تناضل من أجل لقمة العيش ولا يعنيها كثيرًا ما نتحدث عنه. وكانت النتيجة انفصالنا عنهم وتركهم نهبا للحركات الدينية المتطرفة.
٢بعد غياب كبير عن المنتديات العلمية بسبب قيود الكوفيد، دعيت إلى منتدى علمي عن الجوانب المختلفة لمستقبل الأوبئة والرعاية الصحية في العالم وقد شارك فيه عدد كبير من العلماء والأساتذة من الجامعات الأوروبية والأميركية والأفريقية والأسيوية وكبير العلماء في منظمة الصحة العالمية التابعة للأمم المتحدة وكانت مصادفة سارة أن أجلس في العشاء إلى جوار هذا الأخير وهو رجل إنجليزي أسمه جيرمي فارار وهو خريج جامعة أكسفورد وحاصل على لقب سير، ولكنه في غاية التواضع ويعيش حاليا في سويسرا حيث مقر المنظمة. دارت حوارات كثيرة ومفيدة على مائدتنا منها حوار بيني وبينه حيث بين في كلمته كيف أن الأبحاث الطبية والتداوي والعلم بشكلٍ عام قد حققوا تقدما مذهلا في السنوات الأخيرة وضرب أمثلة عديدة على هذا، وأنا أيدت رأيه من خلال جهاز الموبيل القابع أمامي على المائدة حيث يمكنني من مكاني ومن خلال هذا الجهاز الصغير أن أتحدث مع أي شخص في العالم وأن أراه وأن أطلع على أي معلومة أريدها خلال ثواني معدودة وهذا إنجاز علمي لم يكن لأحد تصور حدوثه منذ سنوات قليلة ماضية. ولا أحد يعرف ماذا سيحقق العلم من إنجازات جديدة في الإيام القادمة. ولكنني ذكرت في حوارنا أيضا أن هناك تطورات أخرى خطيرة في حياتنا والعلم أيضا هو السبب فيها مثل الانبعاثات الحرارية الناتجة عن الوقود الإحفوري والتلوث المناخي ومخاطر حدوث أي حرب نووية ولو خطأ أو تسرب أحد الفيروسات الخطيرة من أحد المعامل ومخاطر السوشيال ميديا على أولادنا والترابط الأسري الذي يحتضر بالفعل وغيرها من مخاطر لا حصر لها وكلها من منتجات العلم. وقلت إن المدهش هنا هو إن العلم يتقدم بشكل إيجابي وسلبي في نفس الوقت وهو ما يعني أن العلم يخضع لنفس الظاهرة التي تعلمناها كبشر وهي أن المبالغة في أي شيءٍ حتى ولو كان جيدا تكون لها مضار واضحة وملموسة، وبما أننا نعشق العلم فإنه لن يكون بمقدورنا أبدًا وقف تقدمه وبالنتيجة فإن مخرجاته السلبية سوف تستمر. وكنت متشائما عندما قلت إن يوم القيامة لن يكون بفعل الله ولكن بفعل الانسان وعلمه. وسألت جيرمي عن توقعاته لمستقبل العلم والبشرية، فأجاب بكل تواضع لا أعرف. واتفقنا على إن نلتقي مرة أخرى في زيارته القادمة للندن لاستكمال حوارنا الذي جعلنا أصدقاء بالصدفة.

الأفكار
١ ندمي على الأشياء التي فعلتها في حياتي لا يعادله ندمي على الأشياء التي لم أفعلها وكان بمقدوري أن أفعلها لو أنني فكرت قليلًا، وفعلا لا يوجد من ينقذنا من أنفسنا. نعم الشهادة تثبت أننا تعلمنا، ولكنها لا تثبت أننا نفهم دائما.
٢ ونقلا عن ستيفن هوكنج الذي قال ما معناه: العدو الأخطر للمعرفة ليس الجهل وإنما وهم المعرفة. وبالعربي نسمي هذا بالجهل المركب وهو حالة الشخص الجاهل ولا يدري أنه جاهل.
٣هناك قانون في علم النفس يسمونه بقانون الراحة النفسية وهو ألا تقحم نفسك في جدل تعرف أنه غير مفيد. التجاهل يعيد كل شخص إلى حجمه الطبيعي.

مستشار اقتصادي