دلالات هامة لإحصاءات الحوار المتمدن


محمود يوسف بكير
الحوار المتمدن - العدد: 7121 - 2021 / 12 / 29 - 01:22
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

أولا تهانينا ‏لإدارة الحوار المتمدن على هذا الإنجاز الكبير الذي حققته عبر السنين وجعلت من الموقع منصة إعلامية رائدة وذات انتشار واسع عبر العالم. ‏ومنذ أيام صدرت إحصائيات هامةعن مؤسسة الحوار بأعداد زوار صفحات وأقسام الموقع المختلفة منذ تأسيسه وحتى الآن. ‏وكما تعلمنا في الاقتصاد فإن الأرقام هي أهم أدوات أي عملية تحليل بيانات يراد منها الوصول إلى دلالات دقيقة لما تعبر عنه الأرقام باعتبار أنها محايدة ولا تكذب ‏عكس الإنسان المشحون بالعواطف والتوجهات الأيديولوجية التي تجعل البعض يحيد عن الإقرار بالحقيقة عندما تتعارض مع قناعاته الشخصية أو لكبر في نفسه. وفيما يلي بيان بأهم الإحصاءات التي صدرت عن مؤسسة الحوار، ‏وحتى نجعل الموضوع شيقا وليس مجرد أرقام فسوف نضيف لكل إحصاء نبذة عما هو حاصل في الواقع ويتسق عما تعبر عنه الأرقام وذلك من باب تبادل الآراء والخبرات مع القراء:
١‏ بلغ عدد زوار الموقع منذ تأسيسه ٢,٥ بليون زائر،
٢ ‏بلغ عدد زوار مركز دراسات وأبحث الماركسية واليسار في الموقع حوالي ٨,٧ مليون زائر،
٣‏ بلغ عدد زوار مركز الدراسات والأبحاث العلمانية حوالي ١٧ مليون زائر،
٤‏ بلغ عدد زوار مركز مساواة المرأة حوالي ٢٩ مليون زائر،
٥ ‏بلغ عدد زوار مركز أبحاث الحركة العمالية والنقابية ١,٨ مليون زائر.

الدلالات والملاحظات:

أولا، يمثل عدد زوار الموقع" ٢،٥بليون زيارة " إنجازًا كبيرا لإدارة الموقع ويدل ‏على شعبية الموقع بين من يتحدثون العربية سواء داخل العالم العربي أوخارجه. ولأن الحوار موقع ثقافي ومعرفي وتقدمي فإن زواره لابد أن يكونوا من فئة المثقفين ومحبي الاطلاع. كما نجح الحوار منذ تأسيسه في اجتذاب ‏الآلاف من المثقفين العرب للكتابة فيه وإجراء حوارات ومقابلات مع القراء. ومن ضمن عوامل نجاح الموقع إن ادارته تؤمن بالمساواة بين الجميع بغض النظر عن الجنسية، أو العرق، أو الدين، أو الجنس، أو التوجه الفكري وهذا دليل على تحضر فريق الإدارة واتساع افقهم.
ثانيا، العدد المنخفض وغير المتوقع لزوار مقالات وابحاث الماركسية واليسار ليس له من تفسير سوى أن الماركسية المعاصرة لم يعد لها تأثير في حياة الشعوب العربية وأنه لا أمل في تطبيق مبادئها الديكتاتورية المدمرة، خاصة وأن أغلب إبحاثها ما هي إلا اجترار للماضى البعيد المفارق للواقع المعاش. ‏والسبب ليس في ماركس الذي اجتهد وفقا لمعطيات عصره، ولكن السبب في أتباعه اللذين حولوا الماركسية إلى ديانة مقدسة صالحة لكل زمان ومكان ولا يحق لأحد أن يتعرض لها بأي نوع من النقد أو الإصلاح، ولو أن حلول الماضي في أي مجال كانت تصلح لعلاج مشاكل الحاضر والمستقبل لتوقفت حركة الزمن ولما كان هناك داع للاجتهاد أو البحث أو التطوير. ولذلك نقول دائما إن أي مواجهة ثقافية بين اليسار الماركسي وبين التيار المحافظ في أي مكان في العالم العربي سوف تكون نتيجتها محسومة مسبقا لصالح الأخير لاسباب عديدة لعل من أهمها غياب أي ظهير شعبي للتيار الماركسي لفشله في التواصل واقناع الجماهير العريضة بما يحمله من أفكار هو نفسه لا يفهمها ولا يقبل بتطبيقها على نفسه. وكم من مرة تساءلت في مقالاتي عما إذا كان أحد من الكتاب الماركسيين مستعد أن يتنازل عن أملاكه لصالح العمال وأن يسمح لهم بحكمه وأن يحددوا احتياجاته بناءا على تقديرهم، وأن تدمر بلادهم ولكن لم يرد أحد منهم.
ثالثا، ‏بلغ عدد زوار مركز الأبحاث العلمانية تقريبا ضعف عدد زوار مركز الأبحاث الماركسية وهذا يدل على أن هوية الموقع الحقيقية هي العلمانية وليس الماركسية.‏ونحن نلاحظ بالفعل أن نسبة الإقبال على المقالات والأبحاث العلمانية والدينية تحوز على اهتمام كبير من الكتاب والقراء معا باعتبار أن الدين لازال هو المكون الثقافي الرئيس في حياة الشعوب العربية و أنه من أهم عوامل تخلفنا الحضاري ‏ولذلك فإن أغلبية المتابعين للموقع يؤمنون بأن العلمانية والحداثة هي أملنا في التخلص من الاستبداد والحوكمة السيئة التي تعاني منها كل الدول العربية تقريبا. وبحسب علمي فإن موقع الحوار هو أول موقع ثقافي روج لنشر مبادئ الفكر العلماني بين الشعوب العربية إيمانًا منه بأن ‏من ضيع أمتنا العربية وساعد على نشر الاستبداد والظلم وانعدام العدالة الاجتماعية هو الثقافة الدينية السائدة والتي تستغل بشكل مقصود لتكريس حالة التخلف واستعباد الشعوب. والحل لهذه المعضلات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية التي نعاني منها ليس في ديكتاتورية البروليتاريا وتخصيص فائض القيمة بالكامل للعمال وحدهم وحرمان باقي المشاركين في العملية الإنتاجية من نصيبهم واشعال الحروب الأهلية وتدمير مقومات الدولة، بل إن الحل يكمن في تحقيق دولة القانون والديمقراطية وحقوق الانسان وحرية التعبير والاعتقاد وفصل السلطات التشريعية والقضائية والإعلامية والدينية عن السلطة التنفيذية. وكما ‏قلنا مرارا وشاركنا في هذا الرأي الكثير من المفكرين في الموقع فإنه لو نجحت الكنيسة ورجالها في الغرب فيما نجح فيه فقهاء المسلمين لما وصلت أوروبا إلى ما هي فيه اليوم من تقدم وحقوق وحريات. إن غياب مبادئ العلمانية والحداثة مكن رجال الدين لدينا عبر عصور طويلة من محاربة العلم والتفكير الفلسفي الحر بين الناس. ‏وهذا ما يحاول موقع الحوار وكتابه ومعلقيه تغييره وتشجيع الناس على التفكير الحر والعقلاني مع مراعاة خصوصيتهم القديمة في التدين، بمعنى عدم منعهم من اعتناق المبادئ الدينية السامية التي تشترك فيها كل الأديان سواء السماوية أو غيرها. ويتطلب هذا في رأينا أن يتم تحرير الدين ممن يسمون برجال الدين كما حصل في أوروبا بعد أن تضخمت الأديان بشكل خطير وغلبت عليها الخرافات والتعقيدات والطقوس والديكورات والبذخ في الانفاق فيما لا ينفع الناس. إن ما ينشده الفكر العلماني كما أراه هو تحرير العقول من النهج الأيديولوجي في التفكير حيث يصبح الدين فضاءا خاصا بالفرد دون وصاية أو إملاءات أو تخويف من أحد. علما بإن المبادئ الأساسية التي تشترك فيها كل الأديان حتى تلك التي تم اختراعها قبل ما يسمى بالأديان السماوية ليس بها ما يضير أحد حيث كانت دائما تتمحور حول الايمان بكائن أعلى يقيم في مكان ما في السماء وهو قادر على كل شيء، وهذا المبدأ يمنح الانسان خاصة عندما يتعرض للظلم نوعا من الدعم المعنوي بإن هذا الكائن لن يتركه وحيدا في لحظات ضعفه. أما المبدأ الثاني والذي أتى به الفراعنة فهو الخلود فيما بعد الموت وهو مبدأ هام جدا لما يقدمه من عزاء للإنسان الخائف دائما من حقيقة الموت والفناء. وأخيرا مبدأ العمل الصالح وعدم إيذاء الآخر. هذه هي المبادئ التي أتت من إجلها الأديان كي تعين الانسان، ولكنها ضاعت وضيعتنا معها وأصبح الانسان هو المعين للأديان بفضل رجال الدين وإشهار سيف التكفير. والفكرة باختصار والتي يحاول الموقع الترويج لها ونحن معه هي أن العلمانية تمثل بداية الحل لما نحن فيه.
رابعا، أما المفاجأة السارة في الإحصاءات المذكورة فهى نسبة الاقبال الكبيرة على مركز مساواة المرأة والتي تدل على أن المرأة العربية تزداد وعيا كل يوم وأنها في طريقها للتحرر من استعباد الرجل لها، وأود أن أنتهز هذه الفرصة كي أتوجه بالتحية لادارة موقع الحوار على المبادرة بانشاء هذا المركز الرائد في عالمنا العربي لدعم حقوق المرأة العربية المضطهدة والمظلومة طوال قرون بالرغم من حقيقية أنها لا تمثل فقط نصف المجتمع ولكنها أيضا تعتني بنصفه الآخر كأم وكأخت وكزوجة وكإبنة، كما أتوجه بالشكر والتقدير لكل الكاتبات النشطات والموهبات في الحوار واللاتي يعطين للموقع حياة وشكل متميز.
خامسا، لم أندهش كثيرا من تدني عدد زوار مركز إبحاث الحركة العمالية والنقابية والسبب معروف لنا جميعا وهو الحصار المضروب من قبل الحكومات على كل أشكال العمل النقابي والأمر لا يشتمل فقط على نقابات واتحادات العمال ولكن يمتد أيضا ليشمل نقابات الأطباء والمهندسين والمحامين والصحفيين والفنانين….إلخ ومن ثم فإن هذا الإحصاء الأخير لعدد زوار مركز الحركة النقابية من الطبيعي أن يكون منخفضا لإنه ليس هناك جديد وهو بهذا يعبر عن حال المجتمعات العربية، والآن ينحصر عمل هذه النقابات في تنظيم رحلات الحج والعمرة لأعضائها وبعض الخدمات الخفيفة الأخرى.
مرة أخرى تهانينا لادارة موقع الحوار على إنجازاتها الكبيرة التي أشرنا إليها في سياق المقال وتمنياتنا لهم بالمزيد من النجاح والتقدم وأرجو ألا يأخذ الزملاء الماركسيون ما ذكرته عن الماركسية المعاصرة على ما محمل شخصي كالعادة لان هدفنا هو الإصلاح بشكل عملي مستفيدين من تجارب الآخرين وليس بالأحلام ورفع الشعارات.

‏‏‏محمود يوسف بكير
مستشار اقتصادي