التيتي الحبيب - عضو الكتابة الوطنية للنهج الديمقراطي بالمغرب ورئيس تحرير الجريدة المركزية جريدة النهج الديمقراطي - في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: في خضم السيرورات الثورية التي تعيشها شعوب المغرب الكبير وباقي العالم العربي، ما هي مهام اليسار وخاصة الماركسي مع استلهام دروس الثورة البلشفية في ذكراها المئوية؟.


التيتي الحبيب
الحوار المتمدن - العدد: 5397 - 2017 / 1 / 9 - 21:53
المحور: مقابلات و حوارات     


من اجل تنشيط الحوارات الفكرية والثقافية والسياسية بين الكتاب والكاتبات والشخصيات السياسية والاجتماعية والثقافية الأخرى من جهة, وبين قراء وقارئات موقع الحوار المتمدن على الانترنت من جهة أخرى, ومن أجل تعزيز التفاعل الايجابي والحوار اليساري والعلماني والديمقراطي الموضوعي والحضاري البناء, تقوم مؤسسة الحوار المتمدن بأجراء حوارات مفتوحة حول المواضيع الحساسة والمهمة المتعلقة بتطوير مجتمعاتنا وتحديثها وترسيخ ثقافة حقوق الإنسان وحقوق المرأة والعدالة الاجتماعية والتقدم والسلام.
حوارنا -193- سيكون مع الأستاذ التيتي الحبيب - عضو الكتابة الوطنية للنهج الديمقراطي بالمغرب ورئيس تحرير الجريدة المركزية جريدة النهج الديمقراطي - في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: في خضم السيرورات الثورية التي تعيشها شعوب المغرب الكبير وباقي العالم العربي، ما هي مهام اليسار وخاصة الماركسي مع استلهام دروس الثورة البلشفية في ذكراها المئوية؟.




اشكر الرفاق في الحوار المتمدن على اتاحة الفرصة لتبادل الافكار مع القارءات والقراء الكرام حول مهام اليسار الماركسي كما تفرضها مرحلة السيرورات الثورية التي تعيشها منطقتنا.ومما يزيد الموضوع راهنية ويضغط على اعطائه الصبغة الاجرائية هو تزامنه مع الذكرى المئوية للثورة البلشفية العظيمة التي فتحت عهدا جديدا في تاريخ البشرية.ففي خضم هذه الشروط يسعدني تبادل الراي مع رفاقنا في اليسار في المغرب الكبير وباقي منطقة العالم العربي.


و من اجل طلب الدقة وتجنب الغموض و السقوط في العموميات فاننا نعني باليسار موضوع نقاشنا، هو اليسار الماركسي وخاصة منه الماركسي اللينيني الذي يطرح على نفسه مهام التغيير الثوري في اقطاره و على صعيد منطقتنا و هو التغيير المشدود الى مهام بناء الدولة الوطنية الديمقراطية الشعبية في افق بناء الدولة الاشتراكية.و بهذا نكون قد استبعدنا اليسار الماركسي الذي اندمج في الكيانات القائمة و يشتغل من ضمن مؤسسات دوله و في اطار استراتيجية التغيير من داخل الانظمة القائمة، وقد تمت مع مثل هذا اليسار بالنسبة لنا في المغرب منذ مطلع السبعينيات من القرن الماضي، وهي قطيعة ايديولوجية وسياسية.اما اليسار الثوري و الذي لا يتبنى الماركسية فان الاهتمام به سيكون من باب انجاز مهام التنسيقات والتحالفات السياسية و هي بطبيعة الحال من صلب مهام اليسار الماركسي اللينيني.
كما لا يفوتنا هنا من ادخال تدقيق جوهري غالبا ما لا ينتبه له مناضلو اليسار الماركسي، وهو الضرورة القصوى اتخذ الخصوصيات الاثنية والثقافية للاقطار التي ينتمي اليها هذا اليسار الماركسي، و بذلك نريد التاكيد على الخصوصيات الاثنوقافية المتعددة و التي يحجبها نعته السائد باليسار الماركسي العربي، لاننا نعتبر العالم العربي منطقة جغرافية تقطنها شعوب متنوعة و متعددة ليست بالضرورة عربية الهوية بل هويتها متعددة الروافد مثل ما هي عليه في منطقة المغرب الكبير حيث امتزجت في هويتنا المكونات الاصيلة اي الامازيغية و الوافدة اي الافريقية و العربية والموريسكية و غيرها، او كما هي عليه الحال ايضا في منطقة الشرق الاوسط حيث امتزجت مكونات متعددة واعطت الهوية الحالية. اننا ننظر الى مسالة الهوية كمعطى تاريخي وخاضع للتطور والتفاعل الدائم، وليست هوية جامدة متكلسة.نحن ندرج هذه المعطيات لان اليسار الماركسي بمنطقتنا اغفلها او تفاداها، و كان لذلك و لاشك بالغ الاثر في عدم انغراسه العميق وسط الجماهير، لانها لم تجد في هذا اليسار ذلك المعبر الحقيقي عن هويتها وهمومها ومطامحها في الوجود الذي يضمن التمتع بمجمل الحقوق الثقافية واللغوية وخيرات الارض و الاستفادة من الارث الغني الثقافي والحضاري، و ما انتجه من اعراف و قوانين تنظم الحياة و تملك واقتسام الخيرات.و نحن نحيي الذكرى المجيدة لثورة اكتوبر العظيمة لا بد وان نستحضر ما قدمته هذه الثورة من حقوق لكل الشعوب والاقليات التي توحدت في بناء اول دولة حقيقية لسلطة العمال وحلفائهم الفلاحين الفقراء.انها سمحت لشعوب اضطهدت عبر التاريخ بالوجود والاستمرار بل هي اليوم شعوب متقدمة، عكس ما حصل لشعوب اصيلة بامريكا الجنوبية حيث انقرضت واندثرت اقليات ولم يبقى له اثر، بفعل سيطرة انظمة استبدادية ورجعية، و نتيجة الاستغلال الموتحش للامبريالية لمناطق تواجد تلك الشعوب
نناقش ايضا مهام اليسار الماركسي في خضم ما تعرفه منطقتنا من سيرورة ثورية اندلعت ابتداءا من تونس بعد اضرام البوعزيزي النار في جسده يوم 17 دجنبر 2010، و كانت تلك هي الشرارة التي اشعلت نارا امتدت الى ربوع تونس لتتعداها الى باقي بلدان العالم العربي نظرا للترابط التاريخي والوجداني بين شعوبه. فتحت هذه الدينامية النوعية عهدا جديدا لم تعرفه شعوبنا و قواها السياسية والاجتماعية من قبل.اندلعت الانتفاضات بشكل مفاجئ بالنسبة لجميع القوى بما فيها اليسار الماركسي الذي لم يستطع ان يتحول الى قيادة سياسية جماهرية وبقي على الهامش، بينما نجح الى حد ما الاسلام السياسي في "ترويض" تلك الانتفاضات و ان يتزعم بعضها، لكن ومن فرط عمق مطالب وطموحات الموجة الشعبية و مضمونها الثوري لم يستطع هذا الاسلام السياسي ان يتحول الى قيادة تحوز رضى و انخراط اوسع الفئات والطبقات الكادحة وراءه. انكشفت طبيعته الطبقية وانفضح مشروعه الذي لا يختلف في العمق عن الانظمة السائدة والتي سقطت رؤوس بعضها خاصة في مصر حيث تحققت احدى دروس كمونة باريز المتمثل في كون الشعب هو مصدر الشرعية فهو من يمنحها و هو من يحجبها وبذلك كانت نفس الموجة التي ركبها الاخوان المسلمون هي من اسقطتهم...
و من خلال استقرائنا لهذه السيرورات الثورية يمكننا استخلاص اهم المميزات والتي ستفيدنا في التحديد الدقيق لمهام اليسار الماركسي اليوم.وهذه المميزات نجملها في ما يلي:


1- لقد أكدت تلك السيرورات الثورية أن الجماهير هي صانعة التاريخ
2- لقد كسرت تلك السيرورات الثورية جدار الخوف لدى الجماهير التي أبانت عن استعدادات هائلة للعطاء والتضحية وعن قدرة فائقة على الابتكار
3- لقد لعب الشباب الدور البارز في تلك السيرورات الثورية
4- لقد لعبت وسائل الاتصال الجديدة دورا حاسما في تهيئ وتنظيم والدعاية للسيرورات الثورية في العالم العربي
5- لقد كان لانخراط الطبقة العاملة دور حاسم في تجذير المطالب المرفوعة الى درجة تحقيق اسقاط رؤوس الانظمة (تونس ومصر كمثال)
6- لقد كان لموقف الجيش دور مهم للغاية في مسلسل التغيير السياسي.


لا زالت هذه السيرورات الثورية مستمرة رغم وصول الحركات الأصولية إلى الحكم باعتبارها الحركات الأكثر تنظيما والأوسع تأثيرا بفعل استغلالها للشعور الديني و توظيفها البنى الثقافية، ونظرا لتشتت القوى اليسارية وضعفها؛ لكننا نعتقد انها ليست إلا لحظة من لحظات مسلسل السيرورات الثورية، والامور مرشحة بفعل تطور الصراع الطبقي الى الانتقال الى لحظات اخرى من الفعل الثوري، وهذا هو ما يعتمل اليوم في تونس ومصر.
من جهة ثانية نعتبر اهم الاضافات النوعية التي خلقتها على الارض هذه السيروررات الثورية خاصة في التجربة المصرية يمكن تلخيصها في ما يلي:


1- إن الحركة الأصولية- حركة الاخوان المسلمين وحلفائهم - تختزل الديمقراطية في نتائج التصويت (الشرعية الانتخابية) ولذلك اعتبرت نجاحها في الانتخابات هو بمتابة حيازة شرعية لا حدود لها لانها حققت مزاوجة الشرعية السياسية و "الشرعية الدينية".
2- باسقاط الجماهير لحكم الاخوان استطاعت ان تمارس لاول مرة حق عزل رئيس سبق لها و ان انتخبته، بعدما تأكدت من اخلاله بالتزاماته تجاهها، لذلك اسقطت عنه الشرعية الشعبية.
3- شرعية التأسيس يجب أن تكتسبها القوى المساندة والفاعلة في السيرورة الثورية(الشرعية الثورية) وعلى هذه القوى التوافق حول مشروع دستور وبلورته داخل مجلس تأسيسي ثم عرضه على استفتاء ديمقراطي ونزيه
4- اظهرت التجربة المصرية ان المؤسسة العسكرية تلعب دورا محوريا في الانظمة القائمة و هي مؤسسة تخترقها التناقضات و التي بفعلها يمكنها ان تلعب ادوارا متناقضة تجاه الثورة فهي قد تقف موقفا محايدا او داعما الى حدود معينة لكنها حتما ستقف موقف العداء لكل تجذر للثورة.لذلك انتبهت القوى الثورية في تونس لهذه المسالة واعتبرت ان مهمة انشاء السلطة البديلة، السلطة الشعبية هي الترياق لانقلاب الجيش ضد الشعب.وفي هذه المسالة يمكننا ان نستلهم دروسا غنية وحقيقية من تجربة الثورة البلشفية المظفرة لانها حسمت منذ بدايتها الاولى بتشكيل انوية الجيش الاحمر المكون من الطلائع العمالية والشعبية والجنود الثوريين تحت القيادة السياسية للحزب.


ان استقراء مهام اليسار يجب ان يتم على قاعدة تشخيص دقيق وصارم لحالة اليسار الماركسي و هو يخوض غمار السيرورات الثورية الحاصلة اليوم،هكذا تكشفت اعطاب خطيرة جدا: منها تواجد لانوية يسارية مشتتة و مهلهلة و على هامش الطبقة العاملة و عموم الكادحين، و منها ايضا انخراط هذا اليسار في اولويات ومهام تغيب فيها الاستراتيجية الثورية وتنعدم فيها التكتيكية السياسية المبدعة.
و في البحث عن اسس لهذه الاعطاب فاننا وقفنا على البعدين الرئيسيين التاليين و هما:


+ عطب البناء النظري والسياسي لنظرية الثورة في خط هذه التنظيمات.
+ هيمنة النخبوية في قيادة التنظيم و في النظر للنضالات الجماهرية وغياب او عدم تفعيل مبدأ خط الجماهير كنظرية تأسس للعمل السياسي و لتأطير الحركات الجماهيرية و الاحتجاجية.


ان اليسار الماركسي اللينيني مطالب اليوم بالمزيد من التأكيد على موقفه التارخي تجاه الانظمة الاستغلالية المستبدة عميلة الامبريالية وذلك باعتبارمهمة انجاز الثورة الوطنية الديمقراطية الشعبية كمهمة راهنة، وهذا ما كشفته الاستعدادات الهائلة للشعوب التي انتفضت في سيرورات الشعب يريد التي قادها الشعب التونسي، و اكدتها ايضا الثورة البلشفية التي كشفت بان انجاز وتحقيق الثورة الاشتراكية باتت على جدول اعمال البروليتاريا في عصر الامبريالية و تحت قيادة الاحزاب الشيوعية التني تستحق حمل هذا الاسم.وما نجاح ثورة اكتوبر 1917 الا دليل على هذا الاستنتاج.
و من اجل الانخراط في البناء النظري والسياسي لمهام الثورة الراهنة نقترح عرض بعض الامور التي نراها اساسية بل حتى بديهية من الزاوية النظرية لكنها في الممارسة تبقى غير مستوعبة كفاية ومن اهمها ما يلي:


1- ان الجماهير هي من تحرر نفسها بنفسها. والثورة من صنع الجماهير وليست قرارا تتخذه مجموعة ضئيلة او صغيرة بالنيابة عن تلك الجماهير.
2- في حركتها العفوية والتلقائية تعبر الجماهير عن كل المخزون من الحقد الطبقي، وتعتمد على كل الرصيد المتراكم والمتحقق لها من خلال التجربة و من الوعي الحسي او حتى الادراك العلمي لطبيعة التناقضات مع اعداءها الطبقيين وعلى هذه القاعدة وهذا الأساس تتمكن الجماهير من ابداع الاشكال التنظيمية والتعبيرية للدفاع عن مطالبها واحتياجاتها، ولذلك لا يجب معاملة الجماهير المنتفضة كقطيع جاهل او اناء فارغ يجب ملؤه بالعلم والمعرفة، كما لا يجب كبح هذه الحركة العفوية او التلقائية او قمعها .
3- وبما ان تلك الحركة الاحتجاجية العفوية للجماهير هي موجهة ضد الاعداء الطبقيين، فإنهم لن يبقوا مكتوفي الايدي بل سيسعون الى اجهاض تلك الحركة بتفجيرها من الداخل عبر اشعال فتيل التناقضات الثانوية، ليسهل عملية قمعها باستعمال العنف الرجعي لإحداث خسائر مادية وبشرية تبث الرعب والخوف في صفوف الجماهير.
4- امام هذا التدخل المتعدد الاشكال لقوى النظام القمعية والسياسية والإيديولوجية و كذلك بتدخل القوى السياسية التابعة او الملتفة حول الانظمة الحاكمة سيكون من السذاجة الاعتقاد بان الحركة الجماهيرية العفوية ستكون قادرة لوحدها على المواجهة وتحقيق الانتصار.فلكي تتم المواجهة بأقل الخسائر بل ولتحقيق اكبر النتائج والانتصارات لا بد من انخراط القوى اليسارية المنظمة تنظيما ماركسيا لينينيا في هذه الحركات الاحتجاجية لدعمها و لمساعدة الجماهير على بناء تنظيماتها الذاتية التي ستتمكن من صياغة المطالب وتشكيل التنسيقيات او الادوات التي تتابع تحقيق تلك المطالب والتفاوض حولها وضمان تطبيق التزامات الاطراف التي فرضت عليها الاستجابة لمطالب الجماهير.على القوى اليسارية ايضا مساعدة الجماهير على تحصين صفوفها وفضح الاختراقات ورصد كل الثغرات التي يحاول منها العدو شق الصفوف.على القوى اليسارية بث الفكر التنويري والتوعية حول القضايا والإشكاليات التي تثار امام الحركة الجماهيرية.
5- على القوى اليسارية ان تكون مسلحة بنظرة علمية لمختلف معطيات الصراع الطبقي وان تكون مدركة ادراكا جيدا لموازين القوى بين الحركة الجماهيرية والعدو الطبقي. ومن خلال هذه الرؤية يتوجب على القوى اليسارية ان تكون في مستوى اقتراح الشعارات الملائمة للمعارك الجماهيرية، شعارات تأخذ بعين الاعتبارات الاستعدادات والجاهزية الشعبية للنضال من اجل تحقيقها. ولذلك يجب ان تكون شعارات واقعية وجريئة في نفس الوقت.
ولكي تتقدم هذه القوى اليسارية في تحقيق كل ذلك لا بد لها من ان تنجز مهمة بناء الحزب المستقل للطبقة العاملة وهي عندنا اليوم مهمة مركزية باتت تطبع مختلف المهام القريبة او البعيدة المدى.ان بناء هذا الحزب يعتبر الجواب الاستراتيجي على وضع التشرذم التنظيمي و الضعف الايديولوجي والسياسي وحالة العزلة المزمنة للمناضلين الماركسيين اللينينيين عن الطبقة العاملة وعموم الكادحين.انها المهمة التي يمثل الامساك بها هو الامساك بالحلقة المركزية من سلسلة مهام انجاز الثورة الوطنية الديمقراطية الشعبية.
6- على القوى اليسارية الماركسية ان تدرك بشكل حاسم بان معضلة بناء موازين القوى تتطلب الى جانب بناء الحزب المستقل للطبقة العاملة المسترشد بالماركسية اللينينة ان تتعلم كذلك عقد التحالفات، وبناء الجبهات مع القوى المستعدة للنضال سواء من اجل مطلب واحد او مجموعة من المطالب او حتى على برنامج معقد نسبيا. ومن اجل هذا النضال المشترك على اليسار ان يبني الجبهات المناسبة مع تلك القوى المختلفة. ان مثل هذه الجبهات تكون مؤقتة وخاضعة لدينامية التطور وتسمح بالتقدم الى صيغ وأشكال متعددة في العمل المشترك.
7- نظرا لوضع التشرذم والشتات الذي يعيشه اليسار نفسه فهو مطالب بتقوية ذاته وبتحصينها من وهم اصلاح الانظمة القائمة ولذلك سيكون هذا اليسار المناضل مطالبا باالانخراط في النضالات الجماهيرية بل ان يتواجد في قلبها و هو ما سيمكنه من اختبار اوضاعه التنظيمية ومعالجة اختلالاته وبالسرعة المطلوبة، وان يضع على المحك ايضا اطروحاته الاستراتيجية والتكتيكية ويقيس مدى اجابتها او لا على الحركية الاجتماعية الناشئة. ومن خلال هذه الدينامية وليس قبلها يمكن لليسار ان يتقدم الصراع ويصبح في طليعة الكفاح الشعبي ويحظى بالهيمنة السياسية والفكرية المستحقة ويقود المراحل اللاحقة من الوضع المستجد.و من شان كل يسار مهلهل ومتخاذل البقاء خلف الحركة الجماهيري يتأمل مؤخرتها ويندب حظه.
8- يلاحظ اليوم ذلك الانشغال الى حد الهوس من طرف البعض بمسألة من يقود الحركة النضالية عن موقعه هو في القيادة وتراه يشترط في التحالفات ويرسم الخطوط الحمراء لغيره، بينما هو في الحقيقة لا يستحق حتى ان يلتفت اليه نظرا لهامشيته خاصة عندما تتوضح الصورة بين من هم اصدقاء الشعب و منهم اعداء الشعب، فمثل هذا التصرف هو بمثابة من يضع المحراث امام الثور. ان الانخراط في مثل هذه "النقاشات" اليوم هو من قبيل صب الماء في طاحونة رهط آخر من القوى السياسية التي ترتعد فرائصها من كل هبة جماهيرية لانها تعتبر الكادحين قوة دهماء سريعة الانسياق مع اطروحات غير مضمونة العواقب، ولذلك تجد هذا الرهط يشترط التغيير المؤمن عليه من طرف شركات التامين السياسي وهي اشتراطات تخدم بشكل واع مصالح الرجعية لتأبيد الوضع تحت مسوغ الاستقرار ومحاربة المغامرة.


لكي لا يفوت اليسار على نفسه امكانية التجذر وسط الشعب والتحول الى قوة حقيقية تلتحق بمشروعه الجماهير الكادحة من عمال وغيرهم، لا بد من انخراطه الفعال والحقيقي في الدينامية الحالية و الانشغال اولا وقبل كل شيء بتحسين ارتباطه بالحركة الاحتجاجية والفعل في ديناميتها العفوية والتلقائية وليس الانكفاء على نفسه او محاولة اجهاض الحركة خوفا او توجسا من قوى لها تواجد معين وسط الجماهير. وفي هذا الارتباط سيحدث الفرز وسط كل القوى المنخرطة في الدينامية الاجتماعية ووسط اليسار نفسه وتبرز الطلائع الثورية الحقيقية وليست المدعية او الانتهازية. ان ركوب وقيادة الامواج العاتية آنذاك ستكون من نصيب اليسار الماركسي المتمرس والمكافح . وسيكون لليسار وجه اخر ومكونات جديرة بثقة العمال والكادحين. لكن قبل ذلك لا بد من الامساك براس الخيط كما حاولنا توضيحه .
من بين القضايا التي حظيت و لا زالت باهتمام اليسار الماركسي بل شكلت نقطة اختلاف حاد هي كيفية التعامل مع الاسلام السياسي، ولهذا نرى ان نجيب اولا على سؤال:كيف يجب علينا ان ننظر الى الاسلام السياسي اليوم؟ يجب ان تكون نظرتنا تاريخية ودينامية، فالإسلام السياسي اليوم ليس هو كما كان عليه قبل 80 سنة اي بعيد تشكل تنظيم الاخوان المسلمين، و ليس هو كما كان قبل عشرة سنوات.لقد وقعت عليه تغيرات وعرف تطورات خاصة بعد اندلاع السيرورات الثورية بمنطقتنا. والإسلام السياسي بالمغرب ليس كما استنبته النظام بداية الستينيات و لا حتى كما كان عليه في منتصف الثمانينيات من القرن الماضي، و هو اليوم بعد حركة 20 فبراير شهد تغيرات و حصلت فيه تطورات.
كانت من اولى بوادر التغيير الذي لحق بالإسلام السياسي بعد هذا التوسع الجماهيري هو حدوث بعض التجاوزات بل حتى عصيانه للأسياد و اولي النعمة على تنظيماته، و هو ما كنا نصفه بانقلاب السحر على الساحر، فتم تصويب صواريخ ستينغر الى صدر الولايات المتحدة و السعودية بعد ان كانت مخصصة للروس ونظام مجيب الرحمان في افغانستان، كما سقط السادات تحت رصاص الاسلامبولي . هكذا ظهرت تنظيمات اسلامية متنوعة و مختلفة الى حد انها باتت تتواجه مع بعضها البعض. فهذا الاسلام السياسي جلب الى صفوفه افواجا من الشباب وجندهم عبر التاطير الفكري والنظري وجعل منهم ميليشيات قائمة الذات وخلايا نائمة باتت مستعدة للتحرك و هو ما وظفته اليوم كل القوى الدولية الراعية للإرهاب.لقد اصبح للإسلام السياسي بهذا المعنى بعدا دوليا يعتمد في صنع السياسات الدولية وتشن به حروب وتغذى بها الصناعة الحربية في امريكا وغيرها من الدول الامبريالية.و لأنه بات يأخذ هذا الموقع وهذه الاهمية اصبح قوة مخاطبة من طرف البانتاغون ومختلف سفارات الولايات المتحدة والدول الغربية؛ انه الشريك التابع و الضامن لاستمرار الهيمنة الامبريالية.
نظرا لهذا التأثير الواسع لقوى الاسلام السياسي خاصة وسط الكادحين، بات من واجب قوى اليسار وخاصة منه اليسار الماركسي توضيح طريقة تعامله معه. وفي هذا الاطار برزت توجهات مختلفة منها من يجعله في مرتبة العدو الاكثر شراسة و يراه كوحدة متجانسة و منها من يراه في نفس المرتبة كعدو مع الانظمة الحاكمة وهما رأيين لا نتفق معهما.
اننا نرى ضرورة فتح ورشة المواجهة الفكرية والسياسية مع قوى الاسلام السياسي لكنها مواجهة عقلانية مسترشدة بالرؤية له كظاهرة اجتماعية، وتروم هذه المواجهة الى تحقيق اهدافا واضحة يمكن اجمالها في:
- تحرير عقول الجماهير الكادحة و تأهيلها لاستيعاب خطاب ودعاية الفكر اليساري التقدمي كفكر ينبع من صلبها وليس كفكر مغترب عنها.فكلما خضعت تلك العقول الى هيمنة ذلكم الفكر النكوصي، كلما اصبحت غريبة عن واقعها الاجتماعي بل غريبة حتى على عصرها.فعلى عكس ما يدعيه البعض حينما يقول بان اليسار مغترب عن شعبه، فإننا نعتقد ان السبب الرئيسي في هذا التباعد الحاصل والغربة، راجع الى هيمنة فكر مفرط في الاغتراب مفروض بقوة التمويل والدعاية الخليجية والامبريالية في وضع اجتماعي متسم بالفقر الشديد والحاجة. طبعا على اليسار دائما وأبدا ان يكون ابن بيئته، ان يجتهد ليكون المعبر الحقيقي عن مطامح شعبه. لذلك يعتبر الغرض الاساسي من خوض هذا الصراع هو افتكاك وعي الجماهير الواسعة وتحرير العقل و ملكة التفكير والإبداع والاجتهاد.
- تحقيق جلب قوى مناضلة اضافية الى صفوف الشعب، عبر التحاق التوجهات المناضلة الحقيقية التي ستبرز من صفوف قوى الاسلام السياسي، واحتلالها مكانتها الطبيعية ضمن القوى التقدمية، وهذا مطمح صعب المنال يتطلب مجهودا جماعيا من طرف كل القوى التقدمية.
اذا كانت تلك هي الاهداف المباشرة والغير المباشرة، فان الطرق والوسائل من اجل تحقيقها ستكون مختلفة باختلاف الاطراف التي يجري معها الصراع. لذلك سيكون الصراع مع بعضها صراعا تناحريا لسبب وحيد لأنها تعتبر نفسها صراحة جزء من الانظمة الحاكمة.
في المقابل هناك اطراف اخرى تعتبر نفسها مستقلة عن الانظمة وهي في تناقض مع الكتلة الطبقية السائدة وترى فيها سببا للاستغلال والعسف الذي تتعرض له وهذه الاطراف ترى ايضا ان مصالحها متناقضة الى هذا الحد او ذاك مع الطبقات المستغلة و مع الهيمنة الامبريالية و شركاتها ومؤسساتها، فمع مثل هذه الاطرف يكون الصراع من نوعية مختلفة لأنه يدخل في اطار التناقضات وسط الشعب .
و لكي يكون لهذا الصراع جدوى و تمنح له امكانية التطور الايجابي لا بد من ان يدور على قاعدة انخرط كل فصائله في النضال ضد كل مظاهر الاستغلال والاستبداد. فعلى قاعدة هذا الانخراط تفتح قنوات الصراع الايجابي الذي يؤسس لتجميع القوى المناضلة ويفعل في تقوية موازين القوى لصالح نضالات الشعب و من خلال تنظيم الصراع الايجابي تلتزم الاطراف المنخرطة فيه بتقوية الجبهات الميدانية للنضال المشترك . اما القضايا الفكرية والسياسية التي يعتبر الخلاف فيها جوهريا فيستمر فيها الصراع الفكري العميق لكن بخلفية تحويله الى رافعة لدفع الصراع الطبقي ليتقدم و ليس للنسف او الردة. ان نجاح او فشل هذا الصراع الايجابي الذي نسميه نحن بالمغرب بالحوار العمومي سيكون مقياس درجة نضج القوى المتحاورة و قياس مدى التقدم الموضوعي في بناء اواصر العلاقات السليمة وذات مصداقية.كما ان هذا الحوار العمومي سيمكن من الوقوف على اخطاء السابق و معالجة جراحاتها و مثالبها و ما سببته من عرقلة وكبح لتطور نضال شعبنا.
و في ختام استعراضنا لمهام اليسار الماركسي اللينيني نرى ان العمل المشترك لكل قواه بمنطقتنا يجب ان تستحضر ان العمل على المستوى الوطني لكل تنظيم لن يكون ثوريا حقيقة الا باخذه بعين الاعتبار اواصر الاخوة و الرفاقية مع التنظيمات الماركسية اللينينة في منطقتنا وذلك لاعتبارات تارخية وجيواستراتيجية.لقد اتبثت بما لا يدع مجالا للشك السيرورات الثورية المندلعة بمنطقتنا ذلك الترابط العضوي بين مختلف شعوبنا سواء من حيث تبادل الدعم او من حيث تعرضها لاستبداد واحد متضامن بين مكوناته و بتعرض شعوبنا لنفس الظلم الامبريالي و ما وجود الكيان الصهيوني في قلب منطقتنا الا تعبير على غرس خندق متقدم وسط شعوبنا لمنعها من الثورة والتحرر من القبضة الامبريالية. كما اننا نتصور ان بناء الدولة الاشتراكية لن يكتب له النجاح الا باقامة وحدة بين شعوبنا المتحررة والتي استطاعت اقامة دولها الوطنية الديمقراطية الشعبية و هي الخطوة الاولى على فتح طريق الاشتراكية لشعوبنا لان من شأن هذه الوحدة ان تقيم القوة الاقتصادية والديمغرافية والعسكرية القابلة للعيش والتطور والنجاح في مواجهة اي عدوان من طرف الانظمة الامبريالية المحيطة بنا او حتى البعيدة.
طبعا يشكل اليسار الماركسي اللينيني جزءا لا يتجزء من الاممية الماركسية المنشودة و التي بدونها ستبقى البروليتاريا العالمية عزلاء من التنظيم ومحرومة من سلاح المواجهة مع العولمة المتوحشة للراسمالية في مرحلة تعفنها اي الامبريالية وهي حقبة تاريخية مفتوحة على كل الشرور المحدقة بالبشرية وبالحياة على كوكبنا، وحدها الاشتراكية هي ما يوفر الدرع الواقي للبشرية للبقاء والحفاظ على الحياة فوق الارض.
تلكم هي تصوراتنا لمهام اليسار كما نراها ونحن في غمرة السيرورات الثورية بمنطقتنا رغم فترة الجزر و دخولها في بعض المناطق الى عنق الزجاجة او السطو الرجعي و التكالب الامبريالي كما اننا نستلهم العديد من دروس الثورة البلشفية التي نحيي هذه السنة ذكراها المئوية و ستكون مناسبة للوقوف عند دروس وعبرالنجاحات و الاخفاقات لبناء الاشتراكية المظفرة.
الدار البيضاء/المغرب.
9/01/2017