قول في الثقافة والمثقف


التيتي الحبيب
الحوار المتمدن - العدد: 7949 - 2024 / 4 / 16 - 14:54
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     


نظم فرع النهج الديمقراطي العمالي بالدار البيضاء، ندوة حول “دور المثقف في التغيير” أطرها أستاذان من أساتذة التعليم العالي، وهما من أصدقاء الحزب. اشكرهما على العرضين القيمين، وقد تناول كل من جهته، إشكالية العلاقة بين المثقف والثقافة مع السياسي والسياسة. لم يسعفني الوقت، نظرا لكثرة المداخلات وضيق الحيز المتاح لكل واحدة، أن أكمل تفاعلي مع العرضين، ولذلك ابسط رأيي هنا في ثلاثة أفكار.

الفكرة الأولى؛ تتعلق بمحاولة تفسير ما نراه اليوم من انسحاب المثقفين من الفعل الثقافي الملتزم بقضايا الشعب والكادحين، وسيادة الميوعة والضحالة، وانحياز أغلبية المثقفين لصف الامتيازات المادية وللمانحين. يعود هذا الواقع وهو محصلة لسياسة انتهجها النظام القائم منذ نهاية ستينيات وبداية سبعينيات القرن الماضي، بعد أن قرر توسيع قاعدته الاجتماعية لمعالجة أسباب أزمته السياسية والاجتماعية، التي كادت أن تعصف بالنظام القائم بعد المحاولات الانقلابية. لم تكن المغربة آنذاك منحصرة على الشق الاقتصادي، بل استهدفت أيضا وأساسا جلب النخب المثقفة لخدمة السياسات الجديدة للنظام، بما فيها إلحاق اطر الأحزاب المعارضة والضغط على تلك الأحزاب بشراء قادتها وأطرها المثقفة بعد إشباعها قمعا وحصارا وإعداما وهو ما نسميه بمخزنة أحزاب المعارضة الإصلاحية.

الفكرة الثانية؛ تتعلق بانتشار خطاب سياسي ينفر المواطن والنخب من العمل الحزبي، وشيوع أفكار فوضوية أو معادية للتنظيم ” كل من تحزب خان” ومن بين هذه الحملة انتشرت بعض الدراسات الاتروبولوحية توظف نفس الفكرة وتغذيها بالعد مثل ما فعل الحمودي بكتابه تحت عنوان “الشيخ والمريد”؛ فما لم يجتهد فيه الحمودي وهو انه لم يتعامل مع الزوايا كأحزاب سياسية وشيوخها كقادة هذه الأحزاب، ومريديها كأعضاء في الاحزاب. هذا اولا، ثانيا لم ينشغل الحمودي بقضية الديمقراطية والفكر الجماعي ومعضلة وحدة الممارسة. إنها طبعا قضايا أصيلة في الصراع السياسي في المجتمع المغربي قبل الحماية الاستعمارية وبعدها. كانت أطروحة ” الشيخ والمريد” مدخل انتروبولوجي لنشر أو المساهمة في تنفير المواطنين من العمل السياسي، وإضعاف ممارسة الانتظام الحزبي والنقابي والتأصيل للفردانية وبذلك يساهم الخبراء في إخلاء الساحة من التنظيم المعارض القوي.

الفكرة الثالثة؛ ولأن المثقفين ينتمون لفئات اجتماعية مختلفة الأصول الطبقية، فهم يشكلون خليطا يخترقه الصراع الطبقي، ومن تم فهم بدورهم خاضعون لا محالة لعملية فرز واصطفاف بحسب القضايا المثار حولها الصراع السياسي والفكري. ولذلك نجد هذه الفئات متصارعة بدورها، وتخوض معارك ضمن ما نسميه بالجبهة الثقافية، كما يخوض العمال الصراع في الجبهة النقابية أو السياسية. ولأن الأحزاب السياسية وحتى النظام القائم، يولون أهمية كل حسب أهدافه، فإن الاهتمام بهذه الجبهة وتقديم البرامج والخطط لاستقطاب المثقفين إلى صف الجماهير بشكل عام والى جانب الطبقة العاملة بشكل خاص، تعتبر مسألة حيوية تسمح بفرز المثقفين العضويين الذين سيلتحقون بصفوف الحزب المستقل للطبقة العاملة والانصهار مع الطلائع البروليتارية وطلائع الكادحين، لبناء أدوات التغيير الثوري والضرورية لانبثاق المجتمع الجديد.