يامنة كريمي - باحثة في قضايا المرأة والديانات من المغرب - في حوار مفتوح مع القراء والقارئات حول: من أجل حوار متحضر لتأسيس المساواة بين الجنسين في الإسلام.


يامنة كريمي
الحوار المتمدن - العدد: 5074 - 2016 / 2 / 14 - 17:56
المحور: مقابلات و حوارات     


من اجل تنشيط الحوارات الفكرية والثقافية والسياسية بين الكتاب والكاتبات والشخصيات السياسية والاجتماعية والثقافية الأخرى من جهة, وبين قراء وقارئات موقع الحوار المتمدن على الانترنت من جهة أخرى, ومن أجل تعزيز التفاعل الايجابي والحوار اليساري والعلماني والديمقراطي الموضوعي والحضاري البناء, تقوم مؤسسة الحوار المتمدن بأجراء حوارات مفتوحة حول المواضيع الحساسة والمهمة المتعلقة بتطوير مجتمعاتنا وتحديثها وترسيخ ثقافة حقوق الإنسان وحقوق المرأة والعدالة الاجتماعية والتقدم والسلام.
حوارنا -174- سيكون مع الأستاذة يامنة كريمي - باحثة  في قضايا المرأة والديانات من المغرب -  حول: من أجل حوار متحضر لتأسيس المساواة بين الجنسين في الإسلام.


تقديم

يندرج موضوع الحوار في سياق خط الأبحاث والدراسات المعاصرة التي تعالج واقع المرأة المسلمة وما تعانيه من تمييز باسم الإسلام من جانب الفكر الديني المعسر. في مقابل ما يحاول المجتمع المدني المغربي -المتمثل في الجمعيات النسائية والحقوقية وبعض زعامات الأحزاب ذات الميول اليساري- من تأسيس لمبادئ حقوق الإنسان الدولية. بالإضافة إلى تيار ثالث هو التيار السياقي أو التاريخي، الذي استفاد من إيجابيات التيارين السابقين وحاول إغناءهما عن طريق مشروع جديد يقوم على استعمال أدوات وآليات بحث وتواصل معاصرة ومناهج علمية أكثر موضوعية والتحلي بمبادئ الانفتاح والتسامح والأخذ بمبدأ النسبية في معالجة كل الأمور والقضايا الاجتماعية والفكرية. وسنحاول من خلال افتتاحية الحوار هذه، تقديم نظرة موضوعية وإن كانت موجزة عن هذه التيارات التي تتدافع حول قضايا المرأة في المغرب. على أساس أن يتم طرح التفاصيل خلال الحوار الذي يمكن أن يتسع لطرح وتحليل وعلاج هذه التحديات السوسيو-اقتصادية والثقافية التي تعودنا أن نختزلها في عبارة (قضية أو قضايا المرأة).

أولا: موقف التيار"الفقهي" المعسر من المرأة في المغرب

يستند الفكر المعسر للإسلام في مواقفه من المرأة بالمغرب إلى فكر الغزالي وابن تيمية وتلامذتهما.
وهذه بعض الشهادات عن طبيعة فكريهما اتجاه المرأة:
يقول: "حجّة الإسلام" الغزالي في النّكاح والزّوجة (والقول الشّافي فيه أنّ النّكاح نوع رقّ، فهي رقيقة له، فعليها طاعة الزّوج مطلقا في كلّ ما طلب منها. في نفسها ممّا لا معصية فيه… (إحياء علوم الدّين، دار الكتب العلميّة، بيروت، 1986، 2/ 62-64.
أما ابن تيمية فيقول: (المرأة ضعيفة كاللحم على وضم، وهي أحوج إلى الرعاية والملاحظة من الصبي !وأنها عورة. وهي أسيرة للزوج، وهي كالمملوك له، وعلى المملوك والعبد الخدمة، وأنها لا تنال نفس الوقت الذي يناله الرجل لرؤية ربه يوم القيامة...)
وعليه، وباستثناء فئة قليلة من الفقهاء كابن عرضون، فإن "الفقه"- من خلال التأويل والاجتهاد وإصدار الفتاوي والدعوة والإرشاد وتنظيم أنشطة ولقاءات بشكل مكثف ...-، يسيء للمرأة المغربية ويمس بكرامتها ويجهز على حقوقها. فالمرأة في نظر الفقه قاصر وغير راشدة تحتاج لقوامة ووصاية الذكر في كل حركاتها وسكناتها حتى وإن كان ذلك الذكر ابنها الصغير أو أحد المحارم وإن كان أحمقا او منحرفا أي يقلها رجولة ومسؤولية وكفاءة. كما يعتبرونها مصدرا للفساد يجب حجبها وعزلها إما عن طريق الإقرار في المنزل وخدمة وطاعة الذكر كأب أو أخ أو عم أو زوج أو ابن الجيران أو الحومة... أو عن طريق الاختمار. وهي في نظرهم ناقصة عقل مما جعلهم يحرمونها من الدراسة لقرون طويلة ويعتبرونها إلى يومنا هذا تعجز عن تحمل المسؤوليات الكبرى وأنها نجاسة تفسد الوضوء لذلك شاعت ظاهرة عدم مصافحتها في أماكن العمل وبعض المرافق العمومية أو حتى الخاصة. وهي كذلك بالنسبة لهم موضوع تطير مثل البومة أو الكلب الأسود ... وهي في مستوى العبد ومجرد متاع الدنيا واللعنة تصاحبها لأنها تخالف أوامر الرجل ولا تلبي حاجياته وتوفر راحته دون قيد او شرط مما يجعل أغلب النساء في جهنم... ويكفي المرء أن يمر على بعض المكتبات ليقف على ما لا يحصى من الكتب في هذا المجال مثل كبائر النساء والمرأة والزينة والمرأة والجنس والمرأة والشيطان ... ناهيك عن الأشرطة المسجلة التي تباع وتشغل بصوت مذوي في أبواب المساجد وفي وسط الشوارع الرئيسية بحيث أصبحت وظيفة لبعض العاطلين عن العمل الذين تمولهم أموال البترو- دولار لعرض تلك الاشرطة كما تشحنهم لممارسة العنف ضد النساء على الطرقات وفي الأماكن العامة وحتى وسط العائلة. وقد وصل الأمر إلى استغلال المؤسسات العمومية مثل المدارس ودور الشباب وخاصة المساجد لهذا الغرض. دون أن ننسى دور اكتساح الخطاب المهين والعنيف للمرأة في وسائل الإعلام مثل (الأنترنيت) حيث يتجاوز العنف الإعلامي السب والقذف والتهديد إلى المس بالأعراض. ناهيك عما تلعبه المقررات المدرسية وفئة من المدرسين والمدرسات من دور في إقصاء وتحقير المرأة سواء عن وعي أو عن غير أو بإيعاز من التنظيمات والجمعيات المتأسلمة. هذا مع وجود مقاومة قوية من طرف المجتمع المدني.
لكن السؤال هنا هو:
-هل السلف الراديكالي توصل يوما لبناء مجتمع الشريعة كمجتمع فاضل وكرم الإسلام ونزهه عن تضارب المصالح البشرية وأهوائها على مدى 14 قرنا؟
مع العلم أن طيلة هذه الفترة قد سادت الشريعة وغيبت المرأة -ولو في نظرهم-، ونبذ كل من يخالفهم وشاع الدعاء عليه في المساجد.
فإذا كان الجواب بنعم، فكيف؟ وإن كان بلا، فلماذا؟
- ما هو النص القرآني الذي يستمد منه الكهنوت الإسلامي شرعيته في الوصاية على الخلق وحرياتهم؟
-هل لهم من الكفاءة والتفتح العلميين ما يسمح لهم ولهن بخوض غمار موضوع الأديان والاجتهاد فيها؟
-من فرض عليهم تقديس واجترار اجتهاد السلف ونحن نجد في كل من القرآن التراث الإسلاميين ما ينهى عن ذلك؟


ثانيا: التيار الحقوقي والمطالبة بالمساواة المطلقة بين المرأة والرجل تنفيذا معاهدة سيداو


يجمع هذا التيار كل الأفراد وهيئات وجمعيات المجتمع المدني، المتشبعين بثقافة حقوق الإنسان بمفهومها المعاصر ذات التوجه اليساري والقائمة على القواعد والمبادئ التالية:
- "يولد جميع الناس أحرارا ومتساوين في الكرامة والحقوق. وهم قد وهبوا العقل والوجدان وعليهم أن يعاملوا بعضهم بعضا بروح الإخاء" المادة الأولى من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان؛
- "لكل إنسان حق التمتع بجميع الحقوق والحريات المذكورة في هذا الإعلان، دونما تمييز من أي نوع، ولا سيما التمييز بسبب العنصر، أو اللون، أو الجنس، أو اللغة، أو الدين، أو الرأي سياسيا وغير سياسي، أو الأصل الوطني أو الاجتماعي، أو الثروة، أو المولد، أو أي وضع آخر." المادة 2 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
ويطالب أصحاب هذا التيار بإجبارية احترام بنود اتفاقية سيداو التي (تلزم الدول الأطراف ليس فقط بإدانة جميع أشكال التمييز ضد المرأة، بل واتخاذ الإجراءات المختلفة للقضاء عليه من خلال (تجسيد مبدأ المساواة في الدساتير الوطنية والتشريعات كافة وكفالة التحقيق العملي لذلك- واتخاذ التدابير التشريعية وغير التشريعية لحظر كل أشكال التمييز ضد المرأة- وإقرار حماية قانونية ضد التمييز- وإلغاء القوانين والأعراف والممارسات التي تشكل تمييزا ضد المرأة- ويجب على الدول الأطراف أن تتخذ في الميادين السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية كل التدابير لضمان تمتع المرأة بحقوقها على أساس المساواة مع الرجل على جميع المستويات والقضاء على الأدوار النمطية للجنسين. واستغلال المرأة) اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو).
ورغم صحة هذه الأفكار، -من خلال المحاكمة العقلية المجردة- فالسؤال هنا هو:
-ما هي أسباب هيمنة الاجتهاد المعسر والمضيق في المجتمعات الإسلامية خاصة في قضايا المرأة على حساب الاجتهادات المنفتحة أوالموسعة والتيارات اليسارية ؟

ثالثا: المنهج السياقي ودراسة واقع المرأة والإسلام
المنهج السياقي،
وإن كان يصعب تحديد هذا المفهوم بدقة فهذه المقاربة تنص على أنه: أداة للبحث ودراسة وتحليل النصوص بما فيها النص القرآني خاصة نصوص الأحكام والمعاملات التي تقوم على أساس جدلية الواقع والمقدس كما يشهد على ذلك القرآن. وهذا المنهج يتسم بالكثير من الموضوعية والدقة من خلال كونه يشبه المنهج العلمي في محاولته تحليل كل العناصر التي تتدخل في تشكيل الظاهرة أو الحدث موضوع النص سواء على مستوى التدقيق في اللغة وتحديد دلالاتها اصطلاحيا أو كلاميا وتطورها كمفهوم عبر المكان والزمان والحقل الفكري أي السياق اللغوي أو معالجة الظروف المختلفة التي تشكل ضمنها موضوع النص كظاهرة أو حدث أو حكم... مكانية/ زمانية/ سياسية/ اقتصادية/ اجتماعية/ وفكرية والتي تعرف في تحليل النصوص التاريخية بظروف النص وسياقه والتي يمكن أن تكون أسباب النزول والناسخ والمنسوخ ...من ضمن روافدها.
وإن كنا قد أجزنا كثيرا في تعريفنا للمنهج السياقي فإن الحوار سيسمح لنا الإحاطة بالموضوع الإشكال بشكل أكبر حيث لن نجد مفرا من الوقوف على مجموعة من النقط مثل:
- دوافع ظهور المنهج السياقي وسياقه - أهميته والأهداف التي يسعى أصحابه تحقيقها من خلال قراءة جديدة لنصوص الأحكام واالمعاملات.

الأستاذة يامنة كريمي تامالوت
أستاذة التاريخ والجغرافية من المغرب
باحثة في قضايا المرأة والديانات
بدعم من زوجها وأستاذها الأكاديمي
والناشط التربوي والثقافي والحقوقي