-يوصيكم- لا تحرم المساواة في الإرث


يامنة كريمي
الحوار المتمدن - العدد: 5866 - 2018 / 5 / 6 - 02:50
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني     

"يوصيكم" لا تحرم المساواة في الإرث
يامنة كريمي
يستمر عناد ومكابرة بعض التيارات السلفية في رفضها الدخول في حوار جاد من أجل رفع الظلم والحيف المعنوي والمادي عن فئة واسعة من المغربيات والمغاربة بشأن المساواة في الإرث بين الجنسين كجزء من المساواة في الحقوق على غرار المساواة في الواجبات التي هي قائمة في مجتمعنا.
وقلت المكابرة والعناد من منطلق أن زعامات هذه التيارات تعرف حق المعرفة أن الإسلام دين الحق والعدل وأن مداخل الاجتهاد في نصوص الأحكام متعددة لحكمة ربانية وعلم مسبق منه عز وجل أن قضايا الناس طبيعتها التحول والتجدد وبالتالي لا بد من أن تكون نصوص الأحكام مرنة وصالحة لكل زمان ومكان في إطار مقاصد الإسلام المتمثلة في العدل والرحمة واليسر وتكريم بني البشر من خلال الاستجابة لحاجياتهم وضمان حقوقهم بلغة العصر. وتلك الحقوق، لا يمكن أن تضمن في زماننا هذا إلا بتفعيل مبدأ المساواة.
وأمام إغلاق التيار "الفقهي" المتشدد باب الاجتهاد في قضايا الأسرة والمجتمع التي تفهم خطأ على أنها قضايا الأنثى لوحدها، تولد لدى المهتمات والمهتمين بالموضوع دافعا للنبش في دروس ومحاضرات والأنشطة الدعوية لبعض أساتذة ومعلمي الفقه الذين يتزعمون حملات استنكار مطلب المساواة ويحرضون على الكراهية والعنف في حق المطالبات والمطالبين به. وفي هذا السياق جاء المقال التالي.
والمقال عبارة عن دراسة نصين تم استخلاصهما من شريطين لأحد أساتذة الشريعة، بغرض توفير أرضية فكرية لتجديد إثارة الحوار الذي سبق وأثير في مقالات أخرى وعلى مواقع عديدة لكن عوض مواجهة الحجة بالحجة يتم تهريب الحوار الاجتماعي والوطني إلى خانة الإقصاء، مع أن المسلمين والمسلمات سواء في هذا الشأن. إضافة إلى توزيع صكوك التكفير رغم أن إيمان الخلق هو في علم الخالق وحده الذي لا يكشف عما في الصدور غيره. وخصوصية هذا المقال هو أنه، في جزء منه، دعوة للحوار من منطلق "وشهد شاهد من أهلها". وأول النصين وهو بالدارجة المغربية جاء فيه:
"... في الحقيقة مشي انتقاد للمدونة، المدونة ما جات غير داك الحيط للي قصير. هو انتقاد لآية قرآنية، ولكن معندوش الشجاعة باش يقول الله تعالى غلط، أما النص واضح: "يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين ". إيه واضح لكن ميقدش يقول القرآن غلط. أجي نقزو، نجيبو المدونة ولا نقولو الفقهاء. الفقها الجامدين، لي ما بغاوش إتحلو، ما بغاوش يكفرو، ما بغاويش إخرجو على هذا الإسلام..."
https://www.youtube.com/watch?v=IGbdH35O37A
النص مقتطف من الرابط أعلاه ويدور حول فكرتين أساسيتين هما:
1) اتهام صاحب النص للمطالبات/المطالبين بالمساواة بأنهم جبناء وأنهم يعتبرون الله قد أخطأ والقرآن قد أخطأ وأنهم يتحاملون على "الفقها" لأنهم يصمدون أمام الدعوة للكفر والخروج عن الإسلام التي يقوم بها المطالبون والمطالبات بالمساواة في الإرث...
2) الجزم النهائي لصاحب النص في أن قوله تعالى" "يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين " هو نص واضح "إيه واضح".
الفكرة الأولى حضرت عرضا في سياق النص لاستحالة العثور على نتاج فكري لهذا التيار لغرض معرفي يخلو من الحث على العنف والكراهية في حق الآخر، ولأي ذريعة كانت. لذلك سنتجاوزها وننتقل ا للفكرة الثانية حيث صاحب النص يؤكد وبشكل قاطع أن النص القرآني " يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين" واضح. والوضوح الذي يرمي إليه هو، أن الأنثى يجب أن ترث نصف ما يرثه أخوها. وعند التأمل في طبيعة هذا الموقف القطعي والنهائي نجد أنه أصله الوحيد والأوحد هو وقوف صاحبه عند ظاهر النص وحرفيته واكتفاءه بما جاء عند السابقين.
وكما لا يخفى عن المتابعين لهذا الشأن، فإن تفسير وفهم النصوص القرآنية بالاعتماد على ظاهر النص لغة ومعنى يعتبر أكبر جريمة إنسانية في حق الوحي الإلهي وأكبر إخلال بالأمانة المعرفية ومناهج البحث الفكري. وكنماذج عن دلك الإخلال ما يلي:
- تجاهل أحوال الناس وتعطيل مطالبهم وحقوقهم على غير هدى الله الكريم التي جاءت معظم أحكامه في أمر المعاملات استجابة لمطالب الناس كما تنص على دلك مجموعة من النصوص القرآنية من قبيل: "يسألونك...يسمع الله تحاوركما....". وهذا أقطع دليل على أن للخلق الحق في المطالبة بحاجياته، هذا الحق الذي أصبح حاليا وبإيعاز من "الفقي" من باب المحرمات. وعلى هدي الله صار بعض الخلفاء الراشين الذين لبوا حاجيات الناس بتعطيل بعض الأحكام التي تجووزت بقوة الزمان.
- تعطيل مبدأ التعقل والتدبر والتفقه كما أمرنا بها سبحانه وتعالى في مجموعة من النصوص القرآنية والتي أبسطها تلك التي تحضر فيها العبارات التالية:" أفلا تعقلون؟...أفلا يتدبرون؟ ... يفقهون...).
والتعقل يكمن في قواعد المنطق واحترام خطوات المنهج العلمي في دراسة النصوص ومن تلك الخطوات التي إذا ما أخضعنا لها النصوص قيد الدراسة، فحتما سنتوصل إلى استنباط أحكام غير تلك التي توصل لها صاحب النصين وكل من حذا حذوهم أو يحذون حذوه. وتلك الخطوات سنتطرق إليها في خضم مناقشة النصين موضوع المقال وستكون أولها هي:
-التحقق من اللغة وضبطها لأن عادة ظاهر العبارة لا يعني بالضرورة معناها ودلالتها الحقيقية. فمثلا عندما يقول صاحب النص أن "النص واضح" فدلك يعني أن لغته لا تحتمل أكثر من معنى وهو أمر مستبعد جدا في اللغة العربية عامة وفي القرآن خاصة. والدليل هو أن عبارة "يوصيكم" التي وصفها صاحب النص بالوضوح واعتبر الحكم المستنبط منها هو فرض شرعي، تقول بعض الدراسات، أن الاستعمال القرآني لعبارة "يوصيكم" التي هي من فعل أَوْصَى/ ¬يُوصِيَ وتقرب من فعل وصّى/ يُوَصِّيَ لكن تختلف عنه في الدلالة. ففعل وصّى بالتشديد يوحي بالتكرار والتأكيد والأهمية فيكون بمعنى الفرض. أما أوصى يوصي فليست له أي دلالة للتأكيد أو الفرض. وقد ورد في القرآن في قضايا الأحكام وبالضبط في إرث الأولاد، واعتبر المعنيون أن التكليف هنا يهم موضوعا مرتبطا بالفطرة مما لا يحتاج لحكم شرعي واجب. وهذا القول وحده يعتبر شهادة على أن النص 11 من سورة النساء يحتمل الاجتهاد من أجل تحقيق العدل. وبدافع الفطرة معظم الوالدين الآن يتوقون للمساواة بين أولادهم دون تمييز في كل الأمور بما في دلك الإرث، ولا يمنع بعضهم عن دلك سوى سيف الردة على أعناقهم.
والإخلال بمناهج البحث في النص 11 من سورة النساء لا يقف عند مكون اللغة وإنما هناك نماذج أخرى من الإخلال سنعرضها لكن بعد أن نعرج على النص الثاني الذي يدخل ضمن أرضية هذا المقال والذي جاء فيه:
"...التعريف يفيدنا في القول إن الواجب يثاب أو يعاقب، ليس من التعريف به حقيقة لكن من باب بيان أهميته وقيمته، لأنك حينما تدخل عنصرا جديدا هو الثواب والعقاب يكون للأمر معنى آخرا وبعدا آخرا. عندما يُدْعَى الإنسان أن يفعل شيئا "افعل كذا..." يبقى للإنسان الخيار، أن يفعل أو لا يفعل، ولا يذكر له أنه إن لم يفعل سيعاقب لأن الأمر الذي وجه إليه ليس أمرا وإنما هو مجرد نصيحة أو إرشاد لا غير... لذلك قلت عندما نختار تعريف الواجب بماهيته نقول مقصد الشارع من المكلف فعله بحتم وإلزام..."
https://www.youtube.com/watch?v=hO7jI0IB1Ms&t=762s
النص مقتطف من الرابط أعلاه، وموضوعه هو أنواع الحكم الشرعي. وأول الأحكام الشرعية، هو الحكم الشرعي الواجب. وشروط الحكم الشرعي الواجب وما يميزه عن باقي الأحكام هو أن يكون هناك أمر بالفعل بالحتم واللزوم. بمعنى آخر أن المشرع عندما يأمر المكلف بفعل شيء، يكون الأمر بفعل دلك الشيء مقرون بالتواب في حالة القيام بالفعل وبالعقاب في حالة الترك. وإلا فإن دلك الأمر أو التكليف "الحكم الشرعي" يكون من باب الإرشاد أو النصيحة أو التوجيه.
وعلى أساس هذه القاعدة الفقهية كما جاءت على لسان صاحب النص نطرح السؤال التالي: -هل النص القرآني: (يوصيكم الله في أولادكم...) هو حكم شرعي واجب؟
الجواب طبعا سيكون بالنفي، لأن شروط الحكم الشرعي الواجب التي هي الحتم والإلزام غير متوفرة وبالتالي وحسب تعبير صاحب النص " الأمر الذي وجه إليه، للوالدين، ليس أمرا وإنما هو مجرد نصيحة أو إرشاد لا غير..."
وإذا كان قد اتضح أن الخطاب الإلهي في النص القرآني (يوصيكم الله...) هو نصيحة وإرشاد... بشهادة شاهد من أهلها، لا يفوتنا، عند هذه المحطة، التذكير بأن النصيحة والإرشاد كمسألة القيم، هي نتاج لسياقاتها المختلفة وبالتالي فهي قابلة للتغير والتبديل بتغير وتبدل السياقات. وتلك التغيرات لا تزعزع العقيدة ولا تمس علاقة الخلق بالخالق، كما يروج لذلك فقهاء السلف "الجامد".
إن أمر العقيدة ثابت لا يتغير ونصوصها توقيفية. أما قضايا الأحكام أو الشرائع، فطبعها التحول والتجديد ودلك ما حدث مع كل الرسالات السماوية، والأصل، طبعا، في تغير الأحكام أو الشرائع هو تغير أحوال الناس وحاجياتهم. لكن بما أن الإسلام كان خاتم الرسالات ولعلم رباني باستمرار تغير وتحول أحوال الناس وتجدد حاجياتهم تم تعويض تجديد الشريعة بفتح باب الاجتهاد في إطار مقاصد الإسلام.
ودائما في إطار عرض نماذج إخلال التيار المتشدد بقواعد قراءة النص القرآني بدافع التمييز وعدم التسامح في موضوع المرأة ، نستحضر قاعدة فقهية يتم السكوت عنها بشكل كلي وهي: "الحكم الشرعي القائم على علة يدور مع علته وجودا أو عدما". وهذه القاعدة تشكل لوحدها مدخلا إسلاميا كافيا لتحقيق المساواة في الإرث. لأن كل من له دراية ولو بسيطة بأسباب النزول وبالنصوص القرآنية في شموليتها والتفاسير المرافقة لها، يعرف أن علة جعل إرث الذكر ضعفي إرث الأنثى سببه هو أن الذكر/الفارس أنداك كان هو المعيل لدى الأغلبية في يثرب/المدينة. لكن حاليا المرأة بدورها، في زماننا ومكاننا هذا، معيلة ونسبة النساء المعيلات لعائلاتهم جزئيا أو كليا في ارتفاع مستمر. أي أن علة تفضيل الذكر على الأنثى قد انعدمت مما يستوجب تغيير الحكم على غرار ما حدث مع مجموعة من الأحكام الإسلامية التي تجاوزتها سياقات المواطنة والإنسانية.
وخلاصته هو أن مساواة الأنثى بالذكر في الحقوق لا يحرمها الإسلام، كما أن قراءات السلف للنصوص القرآنية ليست مقدسة لكونها مجرد اجتهاد تم بوسائل وأدوات ومناهج أضعف مما لدينا حاليا. فتطور الوسائل والمناهج قد دللت صعاب البحث الفكري وجعلت النتائج تتماهى مع المنطق والموضوعية. يشهد على دلك ما سبق توضيحه وبيانه وما تم التوصل إليه من مداخل إسلامية لتحقيق المساواة بين الجنسين بما في دلك المساواة في الإرث ورفع الحيف والظلم عن الفئات المستضعفة وتجدير الحق والعدل الذي هو جوهر الشرائع، "وحيثما كان العدل فهناك شرع الله".
وحتى لا نفوت الفرصة، لا بد أن ندرك جميعا بأن تحقيق المساواة في الحقوق، وفي القريب العاجل، سيجعل المغرب بلدا إسلاميا سباقا ورائدا في القطع مع قراءات الفكر الأبوي للنصوص القرآنية وما يصاحبه من خطابات الوصاية والكراهية ورفض قيم التسامح وحقوق الإنسان.