ليبيا والمحكمة الجنائية الدولية


هيفاء حيدر
الحوار المتمدن - العدد: 3290 - 2011 / 2 / 27 - 03:01
المحور: دراسات وابحاث قانونية     

ليبيا والمحكمة الجنائية الدولية
جريمة العدوان ،الحاضر الذي لا يغيب لا عن المحافل الدولية ولا عن ساحة الفعل الذي فرضها بالقوة العقيد والجنرال ألقذافي التائه في متاهته لكن ليس على شاكلة جنرال غابرييل غارسيا ماركيز.إنه الجنرال الذي لم يعد يرى أبعد من أنفه وهو يذهب ببلاده نحو الهاوية ويرمي بشعبه ومستقبله إلى أبعد من قرارة أي منزلق خطير بارتكابه أفضع وأبشع الجرائم بحق الإنسانية .
ولعل فظاعة الفعل المرتكب والمجازر التي توقع بالمدنيين أطفال ونساء وشيوخ على شكل إبادة جماعية وفي أكثر من مكان في هذا العالم الشاسع وعلى يد عتاة مجرمين تحالفوا مع الموت الأسود لإبادة شعوبهم قل العد أو كثر منهم , فإزهاق روح جريمة يجب الحساب عليها بأقصى العقوبات , مما دعى المجتمع الدولي ومنذ السنوات الأولى لبدايات القرن العشرين المنصرم في الدعوة الى مؤتمر باريس عام 1918 لتشكيل لجنة دولية تعنى بجريمة العدوان حيث انبثقت مقدمات وجاءت فكرة تأسيس المحكمة الجنائية الدولية .التي تختص بمحاسبة ومحاكمة أولئك الذين يرتكبون جرائم حرب – كل الأشخاص – بمن فيهم من يقبعون في أعلى سلم مسؤوليات البلاد – رؤساء ووزراء- الجميع – وبقي نقاش كيف سيؤسس نظام هذه المحكمة وعلى أي بنود سيحتوي وما طبيعة الهيئة القضائية التي ستتولى الإشراف ومتابعة عمل المحكمة بقي النقاش وتداول الأمر سنوات حتى ما بعد الحرب العالمية الثانية ليتوقف هناك والعالم على أبواب الحرب الباردة التي أوزارها على العلاقات الدولية ما بين قوى القطبين الرئيسين حينها.إلى أن شكل النظام الأساسي للمحكمة نظام روما الخاص بالمحكمة عام 1998 .
إن الجرائم التي ترتكب أثناء الحروب والهبات الجماهيرية واستغلال المنصب للنيل من المدنيين والقصاص منهم لدرجة استخدامهم كدروع بشرية مرتكبين بحقهم أفضع الانتهاكات ان هذه الجرائم تستحق عدم التسامح ولا التهاون في محاكمة كل من تثبت ان له يد وذو صلة بارتكابها وفي نفس الوقت رفع كافة أشكال الحصانة التي كانوا يتمتعون بها من أجل السعي والعمل لوضع حد أو نهاية لارتكاب مثل هذه الجرائم في المستقبل .
إن صعوبة هذه الجريمة من حيث الإثبات والأدلة والنية والزمان والمكان وأركانها والشروط المترتبة لها قد شكل عائق أمام الجهود الدولية من أجل التوصل الى تعريف دقيق وشامل لجريمة العدوان بحيث لم يشمل نظام روما تعريفاً لها.

حيث نصت المادة 5/2 من النظام على أن المحكمة ستمارس صلاحيتها بالنظر في جريمة العدوان حالة تبني نص يتوافق مع المادتين (121 -123 ) لتحديد تعريف يمكن المحكمة من ممارسة اختصاصها بالنظر في هذه الجريمة على ان يكون هذا النص منسجما مع ميثاق الأمم المتحدة .
لقد تركزت نقاط الاختلاف في تعريف جريمة العدوان في نقاط أهمها:
أركان هذه الجريمة من حيث الأفعال التي ترتكبها الدولة وشروط ممارسة اختصاص المحكمة من حيث صلاحيات المحكمة ارتباطاً بصلاحيات مجلس الأمن الواردة في ميثاق الأمم المتحدة.
ولا بد لنا هنا من ان نذكر بضرورة ان تكون هذه المحكمة هيئة مستقلة من حيث الصلاحيات والمهام المنوطة بها وحيادية في نقاش المسائل المطروحة أمامها .لما لها من أهمية تنبع من الدور المناط في الحفاظ على القيم والإرث الإنساني لروابط الإنسانية والبشرية جمعاء لذلك فإن هذا يحتم على المحكمة الدولية الجنائية الابتعاد عن الصبغة والتأثير السياسي لمواقف بلدان أعضاء فريقها والذي سيكونون ممثلين لهم في عضوية الهيئة حيث يكون من الصعوبة بمكان ان تنأى مصالح هذه الدول جانباً في حال نقاش قضايا مصيرية لحياة دول يرتكب زعمائها جريمة حرب أو جرائم إبادة إنسانية او قتل جماعي وتحت مسميات ومسببات عديدة .في ارتكابهم لجرائم العدوان والتي تشكل خطورة على مستقبل الإنسانية.
لم يكتفي ألقذافي بأربعة عقود كي يبرهن لنفسه - وليس للعالم - صحة نظريته في كتابه الأخضر حتى يصبغ تاريخه القمعي باللون الأحمر لدماء أبناء شعبه الذين تحملوا على مدار سنوات خلت ليس مزاجيته وحسب وغرائبية أطروحاته وتفرده بالسلطة والمال والعباد والبلاد ولم يفتأ يستمر في غيه مصدقاً أن الجماهير الذي ظن نفسه يمتلكها هي التي تحكم بالرغم من نزولها الى الشارع في ثورة عارمة ضده وضد نظامه الفاسد .يبدو ان حبه للمنصب وتمسكه حتى الرمق الأخير به ربما لن يتبقى له من الوقت الكثير حتى يتسنى لنا أن نراه واقفاً أمام المحكمة الجنائية الدولية ليحاكم على ارتكابه جرائم إبادة إنسانية ضد الشعب الليبي الأعزل.
في ثالث ثورات عالمنا العربي هذا العام لم يتعلم الحكام بعد الدرس حيث إنهم على ما يبدو قد قرأوا على يد شيخ أوحد .
يفهمون بشكل متأخر ويحاولون اللحاق بالركب يصمون أذانهم ويغلقون عيونهم ويستمرون في الكلام ولا يسمعون سوى أصواتهم النشاز .منهم من غادر مبكراً ومنهم من تأخر كي يذل أكثر أمام شعبه والعالم والقذافي الحالي يبدو ان من كان يلقنه الدرس كان شيخاً في الإفتاء قادماً من كوكب الفضاء الخارجي كي يتناسب مع تعاليم الكتاب الأخضر أقنعه أن البقاء على الرأي فضيلة , وسفك الدماء جهاد, ما بعده جهاد, وأن التراجع من شيم الجبناء, والمعذرة للشعب عما ارتكب بحقه من انتهاكات يدخل في باب المحرمات ,لذلك فضل القذافي أن يبقى التلميذ النجيب في تطبيق تعاليم شيخه الأستاذ . فالله أعلم إلى أين سيقوده حتفه المحتوم قبل أن تكتب جماهير الشعب الليبي حكم النهاية للطاغية .
ترى ما الذي يحول ما بين الحكام وشعوبهم في البدء بمسيرة الإصلاح والديمقراطية وتحقيق العدالة الاجتماعية ؟
هل الأمر يحمل كل هذه الصعوبة للبدء في الخطوة الأولى؟
ولو كان الوقت متأخراً أفليس أفضل الوصول متأخرين من أن لا يصلوا أبدا؟
.أليست العودة للشعب ومصالحه أفضل ألف مرة من الارتماء بأحضان الغرب والارتهان لشروطه .