ملاحظات حول مفهوم الاحزاب السياسية


حسقيل قوجمان
الحوار المتمدن - العدد: 5301 - 2016 / 10 / 1 - 15:00
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

ملاحظات حول مفهوم الاحزاب السياسية
سؤال غريب خطر ببالي، "هل توجد ميزات خاصة يجب ان تتوفر في الحزب الشيوعي او الحزب السياسي وكل حزب سياسي؟" رغم انني لم اقرأ شيئا عن موضوع كهذا ولا اعلم اذا كان قد نوقش وجرى بحثه من قبل. كذلك لا اعلم اذا كان بامكاني الاجابة عليه اجابة علمية صحيحة. مع ذلك احاول ان اجيب عليه بالصورة التي اعتبرها صحيحة.
كانت الثورات الشعبية احداثا عرف تاريخها خصوصا ثورات العبيد مثل ثورة سبارتاكوس وثورة الزنج وربما تاريخ ثورات عبيد اخرى. كتب الكثير عن ثورة العبيد بقيادة سبارتاكوس وحتى راينا فلما عن هذه الثورة.
كانت الثورة تستند الى جماهير العبيد ضد حكومة اسياد العبيد من اجل التحرر من النظام العبودي. قد تكون بينها ثورات ناجحة او ثورات فاشلة. ولكنها كانت كلها ثورات ضد النظام العبودي تهدف الى اسقاطه والقضاء على النظام العبودي. وكانت لهذه الثورات قيادة. ولا اعلم ان كان لهذه القيادات تنظيم معين او ان كان لهذا التنظيم اسم معين. انا شخصيا لا اعرف كثيرا عن التاريخ الحقيقي لثورات العبيد.
هل كانت القيادات في هذه الثورات تسمى احزابا او اية اسماء اخرى؟ ليس لي اجابة على هذا السؤال. ولكن المؤكد هو وجود قيادات لهذه الثورات.
في الثورة البرجوازية الفرنسية على النظام الاقطاعي بدانا نقرا عن تكوين احزاب سياسية. فما هي الميزات الرئيسية لهذه الاحزاب؟ ان اهم خاصية لهذه الاحزاب حسب رايي هي النضال من اجل اسقاط النظام القائم والاستيلاء على السلطة من اجل تشكيل نظام اخر اكثر تقدما منه. وما زالت هذه الخاصية اهم خواص جميع الاحزاب السياسية ومنها الاحزاب الشيوعية.
الحزب السياسي، اي حزب سياسي وكل حزب سياسي، ينبغي ان يكون هدفه الاساسي نيل السلطة واستلام الحكم. هذا هو الشعار الاستراتيجي لاي حزب سياسي. وحين يتخلى اي حزب سياسي عن هدفه الاستراتيجي هذا لايبقى حزبا سياسيا حقيقيا. وهذا يصدق على الاحزاب الشيوعية كما ينطبق على كل حزب سياسي اخر.
هناك مثال عالمي ساطع على حزب شيوعي عظيم هو الحزب الشيوعي الصيني. الحزب الشيوعي الصيني قاد اعظم ثورة برجوازية بقيادة الطبقة العاملة في التاريخ البشري.
بدات الثورة البرجوازية الصينية في اواخر العشرينات من القرن الماضي في شنغهاي ولكن الاضطهاد الشديد الذي مارسته حكومة شان كاي شك تساندها الامبريالية الاميركية جعل استمرار الصراع في شنغهاي وغيرها من المدن الكبيرة غير ممكن فاضطر الحزب الشيوعي الصيني الى الانتقال الى النضال في الريف. وتاريخ نضال الحزب الشيوعي في قيادة الثورة منذ البداية حتى سنة ١٩۳٦ معروف ومؤرخ وخصوصا المسيرة الكبرى. كان النضال يجري من المغاور والارياف وكان الحزب الشيوعي الصيني يجري الاصلاح الزراعي اهم متطلبات الثورة البرجوازية في المناطق التي يحتلها مما جذب اليه الجماهير الصينية.
وفي الثلاثينات هاجمت اليابان الصين وواصلت احتلالها ولم تنجح حكومة شان كاي شك في صدها واحتاجت الى مساندة الحزب الشيوعي رغم ان قائده ماو سي تونغ كان محكوما عليه بالاعدام. فعقدت الجبهة بين حكومة شان كاي شك وجيش الحزب الشيوعي سنة ١٩۳٦ من اجل تحرير الصين من المستعمرين اليابانيين. فاصبح الجيش الشيوعي رسميا جزءا من الجيش الصيني يتقاضى من الحكومة الرواتب ويستلم السلاح. ولكن الشروط التي وافق الحزب على الانضمام الى الجبهة كانت ان يبقى الجيش الشيوعي مستقلا ومنفصلا كل الانفصال عن الجيش الصيني الحكومي وان يكون الحزب الشيوعي وحده المسيطر على المناطق التي يحررها. وان اي تحرش يجري من قبل الجيش الحكومي على الجيش الشيوعي يقابل بالحرب على انه اعتداء على الجيش الشيوعي.
استمر هذا الوضع حتى استسلام اليابان في نهاية الحرب العالمية الثانية حين كانت تحت السلطة الشيوعية مساحات قدر عدد سكانها بمائتي مليون. وعندها طلب شان كاي شك اعادة هذه المناطق الى الحكم الامبريالي الصيني فرفض الحزب الشيوعي ذلك واشتد الصراع بين الجيشين الى ان انتهى بهروب حكومة شان كاي شك الى جزيرة تايوان وتسلط الحزب الشيوعي على كامل الارض الصينية واعلان الديمقراطية الشعبية الصينية في الاول من تشرين الاول سنة ١٩٤٩. كان ذلك انتصارا عظيما للحزب الشيوعي الصيني وموقفه الثوري المتمسك بالمبادئ الماركسية.
الديمقراطية الشعبية شكل من دكتاتورية العمال والفلاحين الثورية كما شرحها لينين في كتاب تكتيكان في الثورة البرجوازية وليست حكومة اشتراكية. حكومة تحقق القضاء على النظام الاقطاعي واستقلال البلاد عن الخضوع للسيطرة الامبريالية. هي ككل ثورة برجوازية تتطلب عند انتصارها اتخاذ شعار استراتيجي جديد وفقا لمتطلبات تطور الدولة الجديدة. والشعار الاستراتيجي للديمقراطية الشعبية هو كالشعار الاستراتيجي في كل ثورة برجوازية ناجحة. انه شعار الثورة الاشتراكية.
لكن شعار الثورة الاشتراكية في الديمقراطية الشعبية يختلف اختلافا جوهريا عن شعار الثورة الاشتراكية في دولة برجوازية اخرى. في الدول البرجوازية يتطلب شعار الثورة الاشتراكية اعلان الثورة على الحكومة البرجوازية واسقاطها لتحقيق التحول الى الاشتراكية.
اما شعار الثورة الاشتراكية في الديمقراطيات الشعبية فهو شعار يتحقق من اعلى ومن اسفل، من الحكومة الديمقراطية الشعبية التي تريد تحقيق النظام الاشتراكي بالتعاون التام مع جماهير دولة الديمقراطية الشعبية.
اذا راجعنا كتابات ديمتروف حين كان رئيس الديمقراطية الشعبية البلغارية بعد الحرب العالمية الثانية نجد شرحا رائعا لهذه السياسة الماركسية للديمقراطيات الشعبية.
الحكومة الديمقراطية الشعبية، دكتاتورية العمال والفلاحين الثورية، تريد تحقيق الاشتراكية ولا تحتاج الى اعلان ثورة مسلحة من اجل تحقيق ذلك. انها تعمل على القضاء على البرجوازية بطريقة سلمية ولكنها يجب ان تحقق ذلك بالتعاون مع جماهير الشعب للقضاء على البرجوازية باجراءات سلمية ومشاريع غير عنفية لتحقيق ذلك.
هذا كان وضع الديمقراطية الشعبية الصينية كما في جميع الديمقراطيات الشعبية. كان على الحزب الشيوعي الصيني ان يعلن شعاره الاستراتيجي الصحيح في الديمقراطيات الشعبية، الثورة الاشتراكية، وان يحققها بالوسائل السلمية بالقضاء على البرجوازية الى ان يحقق النظام الاشتراكي الحقيقي.
ان الحزب الشيوعي الصيني فشل في وضع شعاره الاستراتيجي لتحقيق الاشتراكية بالقضاء على البرجوازية بالطرق السلمية بل اعلن شعارات اصلاح البرجوازية وضمها الى الحكومة الديمقراطية الشعبية ففقد بذلك كونه حزبا شيوعيا حقيقيا. وقد فقد حق تسمية نفسه حزبا شيوعيا. وكان هذا اساس سياسات الدولة الصينية بعد نجاح الثورة البرجوازية العظيم.
ادى تخلي الحكومة الصينية عن شعارها الاستراتيجي بالتطور من دولة ديمقراطية شعبية الى دولة اشتراكية الى كامل التطور الذي جرى فعلا في الصين حين تحولت من دولة ديمقراطية شعبية الى دولة راسمالية امبريالية تريد ان تنافس الولايات المتحدة في سيطرتها العالمية واجراء الاتفاقات مع الهند وروسيا في هذا الاتجاه. هذه هي الصين التي نراها اليوم. فهي لم تكن دولة اشتراكية حقيقية ولو يوما واحدا.
المثل الثاني الذي استطيع الحديث عنه هو الحزب الشيوعي العراقي. فمعروف ان الحزب حتى في بداية حياته بقيادة الرفيق فهد كان شعاره الاستراتيجي الاستيلاء على السلطة وتحقيق الثورة البرجوازية تحت شعار وطن حر وشعب سعيد. وفي محاكمة الرفيق فهد الاولى حين اتهمته المحكمة بانه يريد الاستيلاء على السلطة لم ينكر ذلك بل اعترف بذلك وناقشهم في ان رومانيا التي تحققت فيها الديمقراطية الشعبية مع بقاء الملك في الحكم.
الا ان الحزب الشيوعي العراقي تخلى عن هدفه الاستراتيجي للاستيلاء على السلطة وتحقيق الثورة البرجوازية في الكونفرنس الاول حين اعتبر ان الظروف في حينه اصبحت ذات طابع سلمي. فاصبح منذ ذلك الحين حزبا تائها لا يعرف ما عليه ان يسلكه ويحاول ان يتفق حتى مع اشد اعدائه فاعترف بقيادة حزب البعث الذي كان هدفه الاساسي القضاء على الحزب الشيوعي والحركة الشيوعية وهذا ما حدث في جبهة الحزب الشيوعي مع حزب البعث حيث كان امام اعضائه اما الموت تحت سيف حزب البعث او الهرب الى خارج العراق. وقد اعلن الحزب في حينه الى اعضائه بالهرب اذا كانت لديهم امكانية الهرب فاصبح ما يسمى الحزب الشيوعي جماعة ممن يسمون انفسهم شيوعيين خارج العراق منتشترين في شتى بلدان العالم. وهذا ادى الى اتخاذ قرار اللجنة المركزية المجتمعة خارج العراق في براغ بحل الحزب الشيوعي والانضمام الى الحزب الحاكم في العراق. وهذا يصدق على كافة التحالفات التي عقدها سواء مع الجيش الاميركي واشتراكه في حكومة بريمر او غيره.
الميزة التي تميز الحزب السياسي عن غيره من الاحزاب هي ان يكون له شعاره الاستراتيجي في النضال من اجل الاستيلاء على الحكم الذي بدونه لا يكون حزبا سياسيا حقيقيا.
الميزة الثانية التي يجب ان يتميز بها الحزب السياسي، كل حزب سياسي بما في ذلك الحزب الشيوعي، هي ان تدرك قيادة الحزب بان الحزب ليس قوة ثورية بحد ذاته يستطيع تحقيق عمليات ثورية حقيقية.
الحزب السياسي الحقيقي هو قائد. القوة الثورية الحقيقية هي الجماهير التي يقودها الحزب. ولا يستطيع الحزب بذاته ان يحقق عملية ثورية بدون قيادة الجماهير التي تتفق مع نظرياته واهدافه وتستعد للسير تحت قيادته لتحقيق العملية الثورية.
واذا تحدثنا عن حزب شيوعي فان الجماهير التي عليه ان يقودها تتحدد بالمرحلة الثورية التي يناضل من اجل تحقيقها. فاذا كان يقود الجماهير في ثورة برجوازية تهدف الى القضاء على النظام الاقطاعي فان جماهيره في هذه الحال هم الطبقة العاملة والفلاحين عموما الذين يعانون من اضطهاد واستغلال الطبقة الاقطاعية.
واذا كان يقود الجماهير في ثورة اشتراكية تهدف الى القضاء على النظام الراسمالي فان جماهيره في هذه الحال هم العمال وفقراء الفلاحين بروليتاريا الريف. والحزب الشيوعي الحقيقي هو الحزب الذي يدرك هذا الوضع ويوجه نضاله من اجل تحقيقه.
لماذا اركز على هذه النقطة كل هذا التركيز؟ لان في تاريخ الاحزاب الشيوعية، وخصوصا هنا الحزب الشيوعي العراقي الذي اعرف شيئا عن تاريخه، امثلة رائعة على ذلك. فقد مرت فترة في تاريخ الحزب الشيوعي العراقي كان يتصور انه يستطيع بقوته الذاتية وحدها ان يجري انقلابا يستولي فيه على الحكم. وقد اتخذ حسب علمي خطوات في هذا المجال كاستئجار بيوت محيطة بالاذاعة لكي يحقق الانقلاب عن طريق الاستيلاء على الاذاعة واعلان استيلائه على الحكم. وقد اطلق الحزب الشيوعي العراقي اسما لهذه العملية لا اتذكره.
ان عملية كهذه هي في اعتقادي عملية انتحارية منظمة. وكل ما يستطيع الحزب تحقيقه في عملية كهذه هو تحطيم الحزب نهائيا. ومن حسن الحظ ان الحزب لم يقم بمحاولة كهذه فعلا بل اكتفى بالتفكير فيها فقط.
ثم ان "شعار المسيرة العمالية المليونية في عيد العمال سنة ١٩٥٩ كان "عاش زعيمي عبد الكريمي حزب الشيوعي بالحكم مطلب عظيمي" ذاته يعبر عن حالة مشابهة. فالجزء الاول من الشعار يعترف بزعامة وقيادة عبد الكريم قاسم. وهذا يعني ان عبد الكريم قاسم في هذا الشعار هو القائد والزعيم. والقسم الثاني من الشعار يدل على ان الجماهير كانت تريد الاشتراك مع الزعيم في الحكومة وليس الاستيلاء على الحكومة. وعبد الكريم قاسم استجاب جزئيا الى هذا الشعار بتعيين امراة تنتمي الى الحزب الشيوعي وزيرة في حكومته هي الدكتورة نزيهة الدليمي.
اما الذي فكر بان الشعار يعني اسقاط عبد الكريم قاسم والاستيلاء على السلطة يتضمنه هذا الشعار فانه كان خياليا في تفكيره. وحين تحدث معي احد المقربين الى القيادة المركزية في الحزب الشيوعي عن خطة اسقاط عبد الكريم قاسم والاستيلاء على الحكومة قلت له سلملي على الجماعة وقل لهم ان من نطح صخرة قرونة تطير.
ان الحزب السياسي، كل حزب سياسي، لا يشكل بحد ذاته قوة ثورية بل يجب ان يكون قائدا للقوى الجماهيرية الثورية التي يقودها.
هذا ما فكرت به بخصوص ميزات الحزب السياسي الاساسية ولا ادري ان كنت ناجحا في هذا. ارجو من اعزائي القراء ان يصححوني اذا امكن.
يسعدني ان ارسل هذا المقال للنشر في بمناسبة ذكرى اعلان الديمقراطية الشعبية الصينية في الاول من اكتوبر.