رسالة عاجلة إلى حركة حماس !


عبدالله أبو شرخ
الحوار المتمدن - العدد: 5470 - 2017 / 3 / 24 - 20:26
المحور: القضية الفلسطينية     

الأخ أبا إبراهيم / يحيى السنوار ، المحترم
الإخوة / أعضاء المكتب السياسي للحركة، الأكارم
سلامٌ وتحية وبعد،
------------------------------
في يوم 17 / 3 / 2003، وهو اليوم الذي يلي يوم 16 / 3، كان الجدل محتدماً بيني وبين زملاء مؤيدون لحركة حماس، هل أن اليهودية الأمريكية " راشيل كوري " التي قتلت في رفح تحت جنازير دبابة صهيونية، هي مناضلة عالمية، وأن الله سيدخلها الجنة ؟ أتباع حماس قالوا حرفياً ( لا، هي في النار لأنها لا تصلي ولا تصوم )، بمعنى أن الجنة مخصصة حكراً خالصاً لنا نحن المؤمنين العابدين، وهم بذلك قد نصّبوا أنفسهم مكان رب العزة الذي سيقضي وحده لا شريك له بين الناس يوم الحساب، طبقاً لأعمالهم " من يعمل مثقال ذرة خيراً يره " !
تجادلت كثيراً معهم لأقنعهم بأن اليهودية ديانة وبأن الحركة الصهيونية هي حركة سياسية تتمسح بالدين وتدعي تمثيله زوراً، وبأن عداء الشعب الفلسطيني هو مع الحركة الصهيونية التي اغتصبت فلسطين بالقوة عام 1948، ثم اغتصبت ما تبقى عام 1967، أما اليهود والنصارى والصابئة والمجوس وغيرهم، فلا عداء معهم طالما أنهم لم يعلنوا الحرب ضد المسلمين !
------------------------------
المهم، أنه تنامى إلى مسامع الناس من خلال وسائل الإعلام، أن حركة حماس قد أعدت وثيقة جديدة، بناء عليها سيتم الاعتراف بإسرائيل وبقبول مبدأ حل الدولة الفلسطينية على حدود 67. لا أحد يعلم في الشارع مدى صدق هذه الأقاويل، لكن لدينا تصريح وزير الخارجية التركي جاويش أوغلو من واشنطن والذي يشير فيه أن حماس قد أبدت استعداداً للاعتراف بإسرائيل والدخول في مفاوضات لإقامة دولة فلسطينية على حدود 1967، أي نفس ما قامت به منظمة التحرير منذ توقيع اتفاقية أوسلو في 1993، وبذلك تكون حماس قد أضاعت 24 عاماً من أعمار ومستقبل الشعب الفلسطيني، وأن آلاف الضحايا ممكن سقطوا دفاعاً عن شعار " فلسطين أرض وقف إسلامي من البحر إلى النهر " كانوا مجرد جسرِ للوصول إلى احتلال مكانة المنظمة في التسوية السياسية. تلك التسوية التي اعتبرت ( خطأ ) طوال 24 عاماً خيانة وتفريطاً !
------------------------------
أما قضية الاعتراف والفرق بينها وبين الهدنة، فهي في وجهة نظر العقل الخالص مجرد أوهام لكي نقنع أنفسنا بأننا لم نتنازل، وكأن تعاملنا بالشيكل الإسرائيلي ليس اعترافاً، وكأن اعترافنا بحدود 1967 ليس اعترافاً بحدود إسرائيل !
في الحقيقة أنه لم تكون الفرصة سانحة لإعادة بناء النظام السياسي الفلسطيني كما هي سانحة اليوم، إذ لم يتبقى خلاف جوهري في العقيدة السياسية بين حماس والمنظمة، لكن يظل الصراع محتدماً حول المناصب والمكاسب المادية، من مثل، من هو الرئيس القادم، وكيف نعين السفراء والوكلاء والوزراء، وما هي جدوى الاحتفاظ بسلاح لا يمكننا استخدامه من الآن فصاعداً !
إن استمرار حماس في الانفصام والتقافز بين خطاب مقاومة مسلحة ثم اعتراف ومفاوضات، ينعكس بلا شك على حياة الشعب الفلسطيني والمنطقة، ولهذا سأبدي وجهة نظر آمل أن تكون محلاً لعنايتكم.
منذ خطة إسرائيل للانسحاب أحادي الجانب في 2005، لم يعد في الواقع ما تفعله المقاومة المسلحة سوى قصف مدن الداخل بالصواريخ البدائية انطلاقاً – في الغالب – من مناطق مأهولة بالسكان في قطاع غزة، وهو ما يؤدي إلى إقحام المقاومة في خانة " الإرهاب " ثم وقوف الدول العظمى إلى جانب دولة الاحتلال باعتبار أن " من حقها الدفاع عن نفسها " ! إن عدم الاكتراث للخسائر الفظيعة في المدنيين لعدم وجود ملاجيء محصنة للناس قد أصاب سكان القطاع بإحباط شديد، فالخسائر في عدوان 2014 وحده كانت 2300 شهيداً وآلاف الجرحى، وهو العدد الذي لم نخسره عام النكبة نفسها ! كان الفدائي المجاهد عماد عقل وإخوانه يواجهون دوريات الاحتلال الراجلة والمحمولة، وقتها كان الاحتلال مباشراً وكانت الخسائر تؤلمه بشدة، ولكنه بعد خطة الانسحاب 2005، لم يعد هناك جيش احتلال في الشوارع ولم يعد لدينا سوى القذائف البدائية قياساً على الآلة العسكرية الإسرائيلية الحديثة والجبارة، الأمر الذي جعل من خسائرنا في الجانب المدني أكثر مما نتوقع، وطبعاً أقل مما يمكن للاحتلال أن يوقعه لو أراد.
لقد وقعنا في مصيدة الحرب شبه النظامية، المقاومة بسلاحها المتواضع وكثافة نيرانها البسيطة، مقابل قنابل الفراغ والارتجاج حيث يكفي صاروخ واحد أو اثنين لتدمير برج كامل.
خطة اجتياح المقاومة لمدن غلاف غزة، لا شك أنها خطة جريئة، ولكنها غير عملية، فقد يتمكن العشرات من رجال المقاومة من الولوج إلى مناطق غلاف غزة، ولكننا لم نسأل أنفسنا، كيف سيعودون، وكيف نؤمن لهم الدعم اللوجستي ( المؤن والذخيرة والمعدات الطبية ) ؟؟ أم أنه سيكون اجتياحاً استشهادياً نحتل فيه عناوين الصحف لبعض الساعات ثم ينتهي كل شيء على عكس ما نروم ونشتهي ؟؟!
---------------------------------
إن موازين القوى السائدة بين المقاومة ودولة الاحتلال مختلة بالكامل لصالح الأخيرة، كما أن أوضاع العرب لا تبشر بخير، فهذا ملك البحرين يؤكد على حق اليهود التوراتي في أرض فلسطين، وهذا هو الجيش العراقي يسحق والجيش السوري ينهك بحرب أهلية أو مؤامرة عالمية، وخلاصة القول، أن إسرائيل لم تكن في أفضل أوضاعها كما هي اليوم، وبالعكس، لم نكن نحن في أضعف حالاتنا كما نحن الآن، فماذا نفعل ؟!
التوصيات:
1- إطلاق حرية الرأي والفكر، ووقف جميع محاولات الأجهزة الأمنية لاعتقال الناس على خلفية الرأي على مواقع التواصل، وهذا المطلب موجه لغزة والضفة معاً.
2- ضبط الحدود ومناطق التوتر في الضفة وغزة، فالواضح والثابت، أننا لا نستطيع الرد على سقوط المزيد من الشهداء، لا شهيد رفح ولا شهيد الجلزون !
3- إسرائيل لا يعنيها اعترافنا من عدمه، لأنها دولة تعترف بها جميع الدول العظمى والصناعية والمتطورة في الكوكب، على العكس منا، ولكن يعتبر اعترفنا بها كدولة شرطاً لدخول بوابة المجتمع الدولي.
4- يجب التفكير ملياً في جدوى الاحتفاظ بسلاح المقاومة المتواضع والذي قد يؤدي إلى حروب مدمرة يدفع ثمنها المدنيون من شعبنا، تماماً كما حدث 3 مرات من قبل.
5- يجب أن يتواصل الطموح الوطني الفلسطيني من أجل مجتمع ديمقراطي، يقوم على العلم، وتنظيم النسل، وتحسين جودة التعليم والارتقاء بالصحة، وتطوير صناعات محلية منافسة، وفتح المجال للاستثمار العربي والعالمي من أجل خلق اقتصاد حر يقوم على المنافسة في قوانين السوق بدلاً من اقتصاد متخلف يعتمد على احتكار بشع للخدمات الأساسية الاستهلاكية مثل الاتصالات وجوال والإنترنت والكهرباء.
6- الاعتراف بإسرائيل والدخول إلى المنظمة وإتمام المصالحة والقبول بمبدأ الدولة الفلسطينية على حدود 67 من شأنه أن يمنح المجال لشعبنا وقواه من إعادة بناء الإنسان الفلسطيني الذي دمرته الحروب، وأعياه الفقر، ونهشته البطالة، وافترسته المخدرات، وقتلته السرطانات.
7- لا يعني الاعتراف بإسرائيل والتخلي عن العنف المسلح أي هزيمة إطلاقاً، فثمة متسع لتشجيع حركة المقاطعة BDS الهادفة إلى تفكيك عنصرية الدولة العبرية من خلال عزلها ومقاطعة منتجاتها عالمياً، وتكوين دولة فلسطينية على حدود 67، أو الإعلان عن دولة ديمقراطية واحدة لجميع سكانها، مع عودة كاملة للاجئين وفق القرار 194، باعتبار أن الدولة الديمقراطية بعد تفكيك الفكر العنصري الصهيوني، هي دولة " حرية / عدالة / مساواة " !

دمتم بخير