كيف نقاوم بعد الانسحاب أحادي الجانب ؟!


عبدالله أبو شرخ
الحوار المتمدن - العدد: 5563 - 2017 / 6 / 26 - 00:59
المحور: القضية الفلسطينية     

عندما كانت قوات الاحتلال تجوب شوارع ومزارع قطاع غزة، كان الأطفال يرشقونها بالحجارة، بينما شبان الانتفاضة يستهدفونها بقنابل المولوتوف. لكن ماذا حدث منذ تنفيذ خطة الانسحاب أحادي الجانب في 2005 على يد شارون ؟!
جدير بالذكر أن خطة الانسحاب أحادي الجانب من غزة، كانت قد طرحت في ورقة بحثية في مؤتمر هرتسيليا منذ سنوات الانتفاضة الأولى، ومن هنا كانت خطيئة أوسلو، فقد كانت إسرائيل يائسة من غزة ومن قنبلتها السكانية " الديمغرافية "، حيث كانت مكلفة كدولة احتلال بموجب القانون الدولي ومعاهدات جنيف بتقديم كافة الخدمات المدنية للسكان تحت الاحتلال، لكن منذ توقيع اتفاق أوسلو وتشكيل السلطة عام 1994 تم تخويل السلطة الوطنية الفلسطينية بتقديم تلك الخدمات، وأصبحت الدولة المحتلة تحكم السلطة التي لن يمكنها تقديم أي خدمة دون موافقة وتسهيلات من دولة الاحتلال.

لقد تحول قطاع غزة بعد الانسحاب أحادي الجانب إلى أكبر سجن في العالم، وهو بموجب القانون الدولي ما زال واقعا تحت وصاية الاحتلال، فالبحرية الإسرائيلية تفرض طوقا بحرياً شاملاً على غزة، ورغم توقيع ما يسمى بالهدنة بين المقاومة وإسرائيل، إلا أن قوات البحرية تلاحق صيادي غزة وتطلق النار عليهم وتصادر مراكبهم وتقتلهم أحياناً دون أن يكترث الرأي العام في غزة أو في الخارج !

من الشرق توجد مرابض المدفعية الثقيلة والدبابات وبطاريات صواريخ أرض – أرض الموجهة بالليزر، أما من الجو فحدث ولا حرج حيث تحتل إسرائيل بتفوقها الجوي كل شبر في القطاع، وتصور بكاميراتها الطائرة جميع تحركات ومواقع المقاومة !
لم يعد في غزة قوات ودوريات تجوب الشوارع يمكن مقاومتها، وبالتالي انتقلت الحالة الطبوغرافية ( الجغرافيا العسكرية ) من وضع المقاومة إلى وضع الحرب الكلاسيكية المفتوحة، حيث تم استدراج المقاومة لتشكيل ما يشبه الجيش النظامي، المتواضع القدرات أمام أحدث ترسانة في العالم.
لقد تم تحييد أو احتواء سلاح المقاومة من خلال إجبار المقاومة على خوض منازلات الحرب المفتوحة التي يكون فيها التفوق كاسحاً للترسانة الإسرائيلية، وكما تحول سلاح كوريا الشمالية " النووي " إلى مجرد كتل من الحديد لا تقوى على استخدامه بسبب خوفها من تفوق الولايات المتحدة الصاروخي والاستراتيجي وكثافة النيران، تم احتواء جميع سلاح البلاد العربية دون استثناء، فلا مشكلة في امتلاك السلاح التقليدي طالما أنه ضعيف ولا يجرؤ أصحابه على استخدامه.
لماذا لا يطالب أحد مصر بتسليم ترسانتها الحربية التي تضاهي ترسانات الدول العظمى، بما في ذلك الغواصات وحاملات الطائرات ؟! السبب أن مصر دولة عضو في المنظمة الدولية ويعتبر سلاحها موافقاً لبروتوكولات الأمم المتحدة من حيث ضمان حق مصر في التسلح للدفاع عن نفسها، وهو هو لا يمكن إنكاره على أي دولة في العالم.

مشكلة العراق كانت باختصار ليس مجرد امتلاك السلاح – وهو حق قانوني – ولا التقدم العلمي أبداً، فكوريا الجنوبية واليابان والصين دولا متقدمة ولا يتم استهدافها لهذا السبب، بل كل مشكلة العراق أن لديه قابلية لاستخدام السلاح فعلياً ضد جيرانه في المنطقة، ومن هنا فإن العراق قد اخترق البروتوكولات الدولية من حالة الدفاع عن النفس إلى حالة هجوم واعتداء وتشكيل خطر على استقرار المنطقة !

الأرجح أن إسرائيل تعاملت مع سلاح غزة بنفس منطق احتواء سلاح الجيوش العربية أو كوريا " النووية "، فلا مشكلة مع كتل الحديد في المخازن طالما لن يقوى الخصم على استخدامها فعليا وعملياً ! لقد تم استدراج المقاومة في غزة إلى مواجهة تقليدية مفتوحة مع ترسانة الاحتلال الحربية ثلاث مرات، وفي كل مرة كان الضحايا بالآلاف وكان المعاقون وكان الدمار الواسع في منازل السكان وتشريد مئات الآلاف في مراكز الإيواء !


والآن كيف يمكن للشعب الفلسطيني أن يقاوم ؟!


إن طعن فتاة في القدس يعتبرها الفلسطينيون مجرد رد فعل على هدم البيوت والقتل والقمع المتواصل الذي يتعرض له سكان القدس الشرقية، ولكن هنا، يسود منطق، يقتلونا فنقتلهم، لكل فعل رد فعل، دون أن نعي نحن الفلسطينيون بأن مسألة الفعل ورد الفعل تجعل الاحتكام مرهونا لميزان القوى والتسليح كماً ونوعاً، فماذا تفعل نصل سكين في يد فتاة مراهقة أمام جيش مدجج بالسلاح، مثلما نتساءل، ماذا تفعل صواريخ بدائية محدودة القدرة أمام الصواريخ التي تهدم الأبراج وتزيل مربعات سكنية بأسرها ؟؟!
إن العالم الذي يساند الحق الفلسطيني، هو عالم حر، متقدم ومتمدن لا يؤمن بالقتل والقتل المضاد، لذا فهم يستنكرون حوادث الطعن والدهس، لا سيما وأن تنظيم إرهابي مثل داعش أصبح يمارس نفس أساليب الطعن والدهس التي يشمئز منها الناس في كل مكان في الكوكب.
لا يوجد أي ميزان قوى يسمح بخوض أي منازلات عسكرية مفتوحة مع الاحتلال، والأجدى أن نتوجه إلى المنافسة العلمية والتكنولوجية التي برعت فيها دولة الاحتلال، ذلك أن الإحصائيات التي نشرت مؤخراً عن حجم إنفاق " إسرائيل " على البحث العلمي يفوق ما تنفقه الولايات المتحدة مجتمعة، فكيف بإنفاق العالم العربي الذي لا يتجاوز 0.2 % من الدخل القومي مقابل 5.8 % من الدخل القومي في الحالة الإسرائيلية ؟؟! هذا بدوره ينعكس على براءات الاختراع، فمقابل 1100 براءة اختراع في " إسرائيل " نجد 34 براءة اختراع في العالم العربي من المحيط إلى الخليج !!!
هذه الأرقام يجب أن تتواجد على مائدة التفكير المقاوم في فلسطين، الذي ينبغي له أن يعتبر البحث العلمي ساحة أساسية من ساحات المنافسة، وأن براءات الاختراع هي الميدان الأساسي للتنافس بين الأمم المتحضرة.
نحتاج في فلسطين والعالم العربي إلى ثورة جذرية في نظام التعليم. ثورة تشمل المناهج وبرامج تأهيل وتثقيف المعلمين. ثورة تمنح المعلم مميزات معيشية وراتب محترم أسوة بالطبيب والمهندس، وذلك لكي تستقطب مهنة التعليم المتميزون والمبدعون مثلما تستقطبهم مهن أخرى كالطب والهندسة !

إنه لمن المخجل والمؤسف أن تحصل 6 جامعات إسرائيلية من أصل 9 على تصنيف ضمن أفضل 500 جامعة في العالم، بينما لدى الشعب الفلسطيني في الضفة وغزة حوالي 29 جامعة لم تحصل أي منها على التصنيف !
المقاومة الحقيقية لا يجب أن تتغافل عن المستوى العلمي والتكنولوجي والاقتصادي والثقافي بحيث نبرهن للعالم أجمع أننا شعب يفكر ويبدع ويخترع ويصنع ويصدر فنصبح جديرين بدولة ديمقراطية كاليابان وسنغافورة وكوريا الجنوبية، ولكن هذا يستلزم إنتاج جيل كامل جديد كلية، جديد في تفكيره وتقبله للآخر، ديمقراطي، منفتح على الثقافات الأخرى بدل الانغلاق القاتل على ثقافة العصور الوسطى !