ملاحظات حول الشباب والعمل الجماهيري الفلسطيني


وسام رفيدي
الحوار المتمدن - العدد: 4774 - 2015 / 4 / 11 - 12:06
المحور: التحزب والتنظيم , الحوار , التفاعل و اقرار السياسات في الاحزاب والمنظمات اليسارية والديمقراطية     



من اللافت للنظر ان أية كتابات حول العمل الشبابي في فلسطين تربطه عادة بالمؤسسات الشبابية التي نشأت بعد سلطة أوسلو، اي بماسسة العمل الشبابي، وهي منظمات ممولة وخاضعة، فكريا بعد ماليا، للفكر الليبرالي الرأسمالي! ويكفي مراجعة سريعة لما تضخه تلك المنظمات من برامج ومفاهيم وتوجهات حتى يتأكد حقيقتين: الأولى انها تعيد انتاج الفكر الليبرالي المعولم على قاعدة الاستهلاكية الثقافية، الوجه الآخر للاستهلاكية البضاعية، والثانية، وكنتاج للأولى، ( تنتج) سلسلة من المفاهيم والبرامج فيما يتعلق بالقضية الوطنية، تتناغم ليس فقط مع التوجه الليبرالي بل ومع ممثله الأبرز فلسطينيا: السلطة الفلسطينية! هنا يمكن التعريج على مفاهيم المقاومة المدنية ( وكأن النضال من أجل انقاذ الحيتان مثلاً) والسلمية ( وهي مسالمة بحقيقتها)، والحوار مع الآخر ( التطبيع مع الصهاينة بلغة أخرى)، حل الصراعات والنزاعات ( ضد المقاومة المسلحة بلغة أخرى)، المقاومة الشعبية (كمصطلح يتحايل على المقاومة المسلحة)....
الحقيقة ان العمل الشبابي في فلسطين نشأ قبل السلطة بكثير، وإن ارتبط احيانا بالمأسسة عبر مؤسسات القوى والفصائل إلا أن ربطه بالمأسسة حصرا، يهيل بعض من التراب على حيويته ودفقه الذي عرفه تاريخيا.
إن الحديث عن العمل الجماهيري والشباب في فلسطين لا بد ينطلق من مقاربة من جهة، ومن متلازمتين من جهة ثانية. أما المقاربة فنعني بها تلك العلاقة بين العمل الجماهيري في مرحلة مع العمل الوطني ككل، وتحوله للعلاقة مع الفكر الليبرالي في مرحلة تاليا، دون انتفاء بقايا تأثيرات للمرحلة السابقة. أما المتلازمتين فهي ارتباط العمل الجماهيري الشبابي بالعمل الوطني من جهة والنضال الاجتماعي الديموقراطي من جهة ثانية. ضمن هذه المقاربة وتهاتين المتلازمتين سيتركز هذا المقال.



التحول الأبرز
كان لانطلاق الثورة الفلسطينية المعاصرة بعد العام 67 . ذلك الانطلاق مثلما كان مظهره الأبرز اكتساب النضال الفلسطيني طابعه الشعبي، شأن ثورة 36، كان يعني تحولا في أدوار الطبقات والفئات الاجتماعية، فقد تمكنت الفئات الوسطى المتحدة من أصول فلاحية، غدت لاجئة، من تسلم زمام القيادة بديلا لأبناء العائلات الأرستقراطية الاقطاعية التي هيمنت على الحقل السياسي الفلسطيني قبيل العام 48 وبينه وبين العام 67، كما القى اللاجئون الفلسطينيون (الفلاحون سابقا والعمال في بلاد الشتات) ثقلهم في النضال المسلح حتى بات من غير مجازفة اعتبار الثورة الفلسطينية ثورة اللاجئين! اما الفئتان الاجتماعيتان، بلهجة السوسيولوجيا المخلة بالعلمية بعض الشيء، اللتان تعزز دورهما، ليس بمعزل عن العلاقة مع الطبقة على أية حال، فهي فئتي النساء والشباب.
كانت الانطلاقة انطلاقة شبابية دون منازع، وحتى أخذا بعين الاعتبار للتصنيف العمري للشباب فقد كانت انطلاقة قيادية شبابية فالعديد من قيادات العمل المسلح آنذاك كانوا في الثلاثينيات لا أكثر. ومع ذلك، فقد تميزت تلك الفترة ايضا بنشوء منظمات العمل الجماهيري المرتبطة بمنظمة التحرير باعتبار تلك المنظمات، ادوات لمنظمة التحرير وظيفتها الأساس التعبئة لمعركة فلسطين. البعض يمكن ان يعتبر هذا مدخلا للطعن في نضج الحركة الشبابية آنذاك باعتبار المهام وطنية 100% لا شأن لها بالمهام الإجتماعية والديموقراطية، كما وُجد مَنْ يعتبر العمل النسوي في فلسطين بعد العام 48 مفتقدا للمقاهيم الجندرية مثلا!!! او ان يعيب على الحركة الشبابية فترة الإنتفاضة، شأن العمل النسوي، انه وطنيا دون رابط بالنضال الإجتماعي الديموقراطي.
هذا المنطق ينسى ببساطة ان انخراط الشباب في النضال الوطني هو بحد ذاته انخراطا في النضال الديموقراطي والاجتماعي باعتبار هذا الانخراط تغييرا في دور القوى والفئات حتى لو لم يتجسد ذلك في برنامج هام محددة نظرا لطغيان المسألة الوطنية.
في المحتلة المحتلة، المصطلح الأدق للمصطلح الجعرافي، الضفة وقطاع عزة ومنطقة 48، كان تعبيران اساسيان شبابيان قد بدآ يتركان بصماتهما بتفاوت على العمل الشبابي الفلسطيني: الأول هو ذلك الامتداد الواسع الذي عرفه اتحاد طلبة فلسطين مهاية الستينيات ومطلع السبعينيات. ورغم ارتباط الاتحاد آنذاك بالمنظمة، وكان يخضع عمليا تحت تأثير الجبهة الشعبية، إلا أنه لم يبني أدوات تنظيمية متماسكة للحفاظ على ايستمراريته، ناهيك عن أن انخراط اعضاؤه الواسع بالعمل المسلح والمجموعات الفدائية لعل دورا في تصفيته سريعا. أما التعبير الثاني فكان المنظمة الشبابية التابعة للشيوعيين الأردنيين في فلسطين المحتلة، وهذه المنظمة وإن قدمت رؤية فكرية وطبقية ناضجة آنذاك إلا أن عدم انخراط الشيوعيين في العمل المسلح، وبل وعدائيتهم احيانا له، عنت عزل المنظمة وهامشيتها في التأثير على العمل الشبابي.
بدايات من نوع آخر
وكما شهدت نهايات السبعينيات ولادة استراتيجية تنظيمية جديدة لفصائل المقاومة المسلحة في فلسطين، ونعني بها التوجه، ليس فقط لبناء المجموعات المسلحة، بل ولبناء ايضا المنظمات الجماهيرية، فقد بدات بتقديرنا مرحلة جديدة ن العمل الشبابي، وخاصة مع نشوء لجان العمل الطوعي في فلسطين، كمنظمات جماهيرية قاعدية تحولت مع مطلع الثمانينيات لهياكل تنظيمية تضم عشرات الآلاف من الشباب، ومن الجنسين، كانت ليست فقط هياكل للنشاط الشبابي بل ورافد للعمل الوطني وللتربية السياسية الثورية.
يمكن ببساطة اعتبار تلك البدايات هي النهوض الفعلي للعمل الجماهيري في فلسطين المحتلة منذ مطلع الثمانينيات والذي تجسد بالتوجه الفصائلي لتأسيس المنظمات الجماهيرية القطاعية ومنها بالأساس المنظمات الطلابية. إن ما يميز تلك المنظمات آنذاك هو ما يدعونا لاعتبارها مرحلة النهوض الفعلي للهمل الجماهيري الشبابي:
1- كانت منظمات مرتبطة بالتظيم السياسي الوطني، مالا وتوجهات ومهام وقيادة وكادر، وبالتالي كان انخراطها بالنضال الوطني قد وسم العمل الوطمي لسنوات طويلة، بحيث كانت هي رافعته الحقيقية.
2- تركيبتها الطبقية والاجتماعية، من عمال وطلاب ومهنيين ونساء ومثقفين، أضفى طابعا ديموقراطيا وثوريا على نشاطها والتحامها بالجماهير الأمر الذي قاد بالضرورة
3- إلى اكتساب العمل الوطني بعدا أكثر ديموقراطية واكثر جماهيرية وهذا قاد
4- لتطعيم برامجها بمهام ديموثراطية واجتماعية وليس فقط للمهام الوطنية
ضمن هذا الواقع يمكننا القول ان مرحلة الثمانينيات عرفت نشوء البنية التنظيمية الشعبية للشباب في فلسطين، ذكورا وإناثا، الأمر الذي سيترك تاثيره الكبير على اندلاع الانتفاضة الشعبية الأولى ويسمها بسماته أعلاه.

مرحلة الحصاد
لا نجانب الحقيقة إن قلنا أن حركة التحرر الوطني في فلسطين مدينة بانطلاقتها كثورة مسلحة ومن قم كانتفاضة شهبية ضد الكولونيالية الصهيونية لقطاع الشباب تحديدا. ومثلما تأكد ذلك في انطلاق الثورة في العام 67 تاكد ايضا بانطلاق الانتفاضة في العام 87.
إن الانتقاضة الشعبية وإن اندلعت عفويا لكنها وجدت، منذ لحظتها الأولى، في الحقل السياسي الفلسطيني ما أهل الحركة الوطنية لقيادتها وتوجيه مهامها بصيغة أكثر ديموقراطية بما لا يقاس من صيغ العمل القيادي الفلسطيني في الخارج. فالقاطع الواسع من المنظمات الشبابية، الطلابية والنسوية والعمالية، بتأطيرها لعشرات آلاف الشباب، وتجربة هذه القطاعات في العملين الكفاحي والسري ضد المحتلين، كل ذلك وفر بنية تنظيمية جاهزة لتأطير اوسع للشباب المتهطش للعمل الوطمي والكفاحي الجماهيري ولحمل مهام وطنية عريض لخصها شعار/ مطلب: الحرية والاستقلال.
كان العمل الجماهيري آنذاك مصبوغا بصبغة مزدوجة، فمن جهة بات ينظم عشرات الآلاف من الشباب المنتمي وفق رؤى سياسية، متصارعة ولكن متعاضدة في آن، ومن جهة ثانية فقد انتج هذا العمل طوال الثمانينيات وخلال الانتفاضة جيلا تميز، بحكم تربيته في النضال قبل كل شيء، بتمسكه برؤى وايديولوجيات مقاومة إضافة لقيم الجماعية والعطاء والتضحية.
رغم الدور الذي لعبته ماسسة العمل الشبابي عبر المنظمات الجماهيرية في تلك اللحظة التاريخية فإن تلك المأسسة، ونتيجة ارتباطها وطنيا بالمال الوطني وصلاتها بالجماهير الفقيرة وانخراطها بالنضال فهي لم تكن، المأسسة نعني، عاملا هداما للطاقة الحيوية الشبابية، فالعمل الشبابي فترة الانتفاضة الأولى، كانت سمته الإبداعية اكثر بكثير من سمته الموجهة تنظيما، وكان دفقه الحيوي غالبا ما يتجاوز البرامج والمهام التنظيمية، وليست قليلة الحالات التي اصطدمت فيها المبادرات الشبابية مع بيروقراطية بعض الثيادات فكانت الغلبة لللأولى!
مرحلة جديدة نوعية
بنشوء الحقل السياسي الجديد نتيجة اتفاقيات اوسلو وانخراط قيادة المنظمة بالاستسلام المذل للكولونيالية الصهيونية، نتجت العديد من التحولات على العمل الجماهيري والشبابي. للتوضيح يمكن تبنيد تلك التحولات بالتالي على سبيل الإيجاز المكثفك
1- تراجع مكانة العمل الجماهيري التنظيمي للقطاعات الشبابية، المرتبط بالقصائل والقوى، لا بل وتحول بعضه، بأدواته وكادراته للعمل في المنظمات غير الحكومية، وفق التوجات اليبرالية والتمويل الراسمالي المعولم.
2- الانفكاك الحاصل بين قواعد تلك المنظمات وقطاعاتها الشبابية الأمر الذي ترك العديد من لاشباب عرضة لتأثيرات التوجهات الجديدة إما عبر المنظمات غير الحومية او سلطة الحكم الإداري الذاتي، وما عزز ذلك هو الوضع المعيشي البائس للقطاعات الشبابية الفقيرة والمهنية الأمر الذي دفعها للبحث عن لقمة العيش في القطاعين الأكثر خطورة على مستقبل الانتماء الشبابي: السلطة والمنظمات غير الحكومية
3- وهذه التحولات الجديدة باتت تترك تأثيراتها على منظومة مفاهيم تشكلت وتم تعزيزها ببرامج وتوجهات منظمة هدمة للنظام السياسي الجديد ولحالة الاستسلام وهجران النضال. ويمكن هنا مثلا التعريج على سياسة ربط الشباب الفلسطيني بالهم الفردي الاقتصادي والمعيشي بعيدا عن الهم الجماعي الوطني، هنا يمكن نقاش تلك السياسة الاقتصادية للممولين ومنظمتهم غير الحكومية/ الحكومية المسماة سلطة! بربط القطاع الشبابي باسياسات لابنكية في الإقراض والتوظيف، وهنا يمكن التعريج على رعاية التمويل والسلطة معا لمشاريع التطبيع بما تتركه من تكوين نفسي قابل بالكولونيالية ومتعاملا معها حكالة خلافية/ نفسية ينقصها التفاهم المشترك لا كحالة صراع وجودي، وهنا يمكن التعريج على دور الإعلام الخليجي المتأمرك والمتأسلم في آن في حرف الشباب وثقافتهم عن فلسطين والنضال ضد الكولونيالية، وهنا يمكن الحديث عن سيادة الهم الفردي بديلا للهم الجماعي، المسالمة بدلا من الصراع، التشكيك بالمشاريه التحررية الكبرى، القومية والإشتراكية، وغيرها الكثير.
4- إن أخطر ما يواجهه قطاع الشباب اليوم يكمن بتقديري في خطرين اثنين على سبيل التركيز لا الحصرك الأول يكمن في دور المنظمات غير الحكومية الناشطة في العمل الشبابي بترويج المفاهيم الليبرالية بديلا لمفاهيم التحرر الوطني وللتطبيع والمسالمة بديلا للمقاومة والصراع، اما الخطر الثاني فهو سياسة السلطة ليس فقط في إقثار قطاعات متزايدة من الشباب والخريجين بل وفي ربطهم بسياسات بنكية تجعل منهم حصان سبق يلهث طوال حياته لتسديد قروض تتزايد يوما بعد يوم.