الدولة الديموقراطية في فلسطين التاريخية


وسام رفيدي
الحوار المتمدن - العدد: 4751 - 2015 / 3 / 17 - 08:45
المحور: القضية الفلسطينية     

الدولة الديموقراطية في فلسطين التاريخية
تعقيبا على ورقة الرفيق غازي الصوراني

ليست هذه الورقة تعقيبا، بالمعنى الحرفي، على ورقة الرفيق غازي الصوراني المقمة لمؤتمر حيفا حول الدولة الديموقراطية العلمانية، إذ أنني اتفق بالمجمل مع دعوته لإعادة الاعتبار للشعار/ الهدف الموصوف في ورقته. إنها بالأحرى مساهمة بالنقاش الذي افتتحته الورقة، وتلك ميزتها الأهم، ناهيك عن ميزة الدعوة الأساس.
أولاً: ارغب في أن أؤكد بداية ما أعتقده ظاهرة التسلسل التنازلي في الفكر السياسي الفلسطيني المعاصر، منذ انطلاق الثورة الفلسطينية المعاصرة حتى اليوم. فمن شعار تحرير كامل التراب الوطني الفلسطيني ( تحرير فلسطين) كمدخل للحل الديموقراطي للقضية الفلسطينية بإقامة دولة فلسطين الديموقراطية العلمانية، مروراً بشعار السلطة الوطنية في العام 1974، ومن ثم الدولة الفلسطينية في حدود العام 1967 الذي تحور للشعار الملغّم (دولتان لشعبين)، ليصل لسلطة الحكم الإداري الذاتي حسب اوسلو، وصولا لدولة بوش (القابلة للحياة)، والتي يغازلها فريق اوسلو الجديد ( عباس/ فياض) وإن ليس علانية....اقول، منذ العام 1967 ومسلسل التنازل الفلسطيني (الرسمي على الأقل) بات لا يعرف حدودا، حتى اصبح شعار الدولة مشروعا اشبة بمشاريع المنظمات غير الحكومية مقدم للتمويل الغربي من لدن حكومة فياض، وبمعزل عن التحرير والتحرر وإزالة الاستيطان، بمعزل عن دحر مشروع الكولونيالية الصهيونية في فلسطين.
ثانياً: لا أرى بهذا العملية التنازلية في الفكر السياسي محض (واقعية سياسية) كما يروج، وتحديدا من بعض قوى اليسار او اليمين الفلسطيني الحاكم، في المنظمة سابقا وسلطة الحكم الذاتي حالياً. إنه تعبيراً عن التحولات الطبقية داخل قيادة حركة المقاومة في حقبة السبعينات بتأثير الحقبة النفطية، بحيث عكس التنازل ثقل النخب البيروقراطية على رأس جهاز المنظمة حينذاك، هذا الثقل الذي اوصل بتحالفه مع الرأسمال الفلسطيني في الخارج إلى اوسلو، ليغدو مشروع السلطة والحال هذا تحالفا طبقيا جديدا أدار الظهر للمسألة الوطنية مقابل فتات المكاسب الاقتصادية تحت الاحتلال.
واليسار الذي كان أدرك حقيقة تلك التحولات وأطنب في الكتابة والحديث عنها، لم يتخذ لنفسه موقفا سياسيا بديلا بل إندرج في ذات المسار تحت شعار المرحلية والواقعية السياسية، فبات الحضور طاغٍ لتقرير المصير بديلا عن التحرير، ولدولة الضفة والقطاع بدلا عن الدولة الديموقراطية على كامل التراب الوطني.
ثالثاً: ليست المسألة إذن كما يذهب الرفيق غازي من أن ضرورة العودة لشعار الدولة الديموقراطية العلمانية يأتي في سياق انسداد الأفق امام شعار الدولة المستقلة في حدود العام 67، بل يستوجب القول بوضوح أن ضرورة العودة للشعار/ الهدف هي عودة للمربع الأول الصحيح. بمعنى آخر إن تصويب مسار الفكر السياسي، كمراجعة نقدية ضرورية، يستوجبه ضرورة الرد السياسي اليساري على المآل الذي اوصلتنا له قيادة اليمين للنضال الوطني من جهة، وردا على مسار التبعية السياسية لليسار لذلك اليمين.
رابعاً: ولا بد هنا من تأكيد مسألة اعتقدها مهمة: يجب الربط المحكم بين الشعار/ الهدف وبين المهمة الوطنية الأهم: تحرير فلسطين، اي بكلمات أخرى إلحاق الهزيمة بالمشروع الصهيوني الكولونيالي وتجسيداته لفتح الطريق أمام بناء الدولة الديموقراطية الموحدة في فلسطين وفوق فلسطين التاريخية. إن هذا الربط لا يأتي فقط من الزواية المنطقية البدهية: تحرير الوطن قبل الحديث عن بناء الدولة الموحدة ( فياض مثلا يروج لدولته دون الحديث عن التحرير)، بل إنه ربط يرد على دعوتين اقل ما يوصف أنهما بهلوانيتين: الأولى: تلك الدعوة لضم الضفة والقطاع لإسرائيل لكسب المعركة الديموغرافية، وبالتالي هزيمة إسرائي انتخابياً، هكذا وبكل سذاجة. كان قد طرح هذا سري نسيبة مطلع الثمانينيات، ويعود اليوم فريق أوسلو، الذي يعتقد انه يتذاكى سياسيا فيما هو مهزوم وغبي، ليطرحه، على سبيل إحراج إسرائل!!!! الثانية: ما طرحة إدوارد سعيد من أن الدولة الموحدة طريقها المثاقفة، هكذا المثاقفة، في أحدث نسخة ( إنسانية) لليبرالية الممجوجة.
خامساً: وكي تستقيم الأمور أكثر، طالما نتحدث عن مراجعة نقدية، فمن الهام ربط الشعار/ الهدف بالأداة النضالية التي ستحمل هذا الهدف: مهمات كفاحية وبرامج عمل. وهنا بالذات لا نأتي بجديد على خبرة الحركة الثورية العالمية: فالجهاز يخدم السياسة لا السياسة تخدم الجهاز، على حد تعبير لينين الموفق، فبرنامج تحرري ثوري يستلزم حزبا ثوريا، وهنا بالذات ايضا يكمن امتحان اليسار الذي بات يفتقد لا للحزب الثوري فحسب بل وللبرنامج ايضاً. إن تحرير فلسطين عملية تاريخية طويلة تستوجب إشتراطات عديدة اهمها: ربط النضال الوطني التحرري الفلسطيني بالنضال العربي بديلا لربطه بالأنظمة وأجهزة استخباراتها، والتحالف مع القوى الثورية فعلا في العالم، لا مع انصاف الثوريين والليبراليين على تنويعاتهم، والأكثر أهمية: بناء الحزب الثوري القادر على حمل أعباء النضال بديلا لأحزاب الترهل والعلانية والمكاتب والفضائيات!
سادساً: وللإنصاف، ينبغي الإشارة أن الشعار الذي يدعو له الرفيق غازي لا زال مبثوثا في برامج اليسار الفلسطيني ( على الأقل الجبهتين الشعبية والديموقراطية) وإن بصيغ أخرى، ولكن هل الموضوع يكمن في تثبيت الشعار كشعار/ هدف أم في بناء الأدوات التنظيمية لتحقيقه، وفي تعبئة الجماهير بشرعيته وصوابيته، وفي نظم التحالفات التي تخدمه، وفي إجتراح السياسة اليومية التي تصب فيه؟؟؟؟ يقينا اننا نعني الثاني، ويقينا أننا نرى اليوم، أسواءاً كان في طبيعة الأدوات او في التعبئة او في التحالفات او في السياسية اليومية، نرى تفارقا بين البرنامج المبثوث كنص رسمي في الأنظمة الداخلية وبين كل ما سقناه، بحيث تحول شعار التحرير والدولة الديموقراطية الموحدة مجرد شعار مفرّغ من ممكنات تحقيقه لا بل باتت الممارسة السياسية والأشكال التنظيمية تهدف اساسا لقبره إلى غير رجعة.
سابعاً: أخيرا إذا اردنا حقا مراجعة نقدية، فلنعتبر بالمثل اليوناني: هنا الورة فلترقص وهنا القلعة فلتقفز، لأن مسار اليسار الفلسطيني، في مراجعاته (النقدية) العديدة، لم يفعل سوى أن يرقص عند القلعة ويقفز عند الوردة! فالمراجعة النقدية ان اريد لها ان تكون نقدية فعلا تعيد الاعتبار للدور التاريخي لليسار، فعلى اليسار ان يتصرف كبديل ثوري لبرنامج اليمين من جهة، وللمشروع الكولونيالي الصهيوني من جهة أخرى، لا أن يكتفي بتلك المعارضة ( الديموقراطية) المفرّغة من اي بعد ثوري: طبقي وتنظيمي وسياسي وكفاحي. إنه طريق طويل ولكنه على الأقل مجرب تاريخيا!