عبدالحكيم الفيتوري في حوار مفتوح حول: ثورة الحرية في ليبيا، المرأة، والتنوير الديني


عبدالحكيم الفيتوري
الحوار المتمدن - العدد: 3304 - 2011 / 3 / 13 - 12:51
المحور: مقابلات و حوارات     

أجرت الحوار: هيفاء حيدر

من اجل تنشيط الحوارات الفكرية والثقافية والسياسية بين الكتاب والكاتبات والشخصيات السياسية والاجتماعية والثقافية الأخرى من جهة, وبين قراء وقارئات موقع الحوار المتمدن على الانترنت من جهة أخرى, ومن أجل تعزيز التفاعل الايجابي والحوار اليساري والعلماني والديمقراطي الموضوعي والحضاري البناء, تقوم مؤسسة الحوار المتمدن بأجراء حوارات مفتوحة حول المواضيع الحساسة والمهمة المتعلقة بتطوير مجتمعاتنا وتحديثها وترسيخ ثقافة حقوق الإنسان وحقوق المرأة والعدالة الاجتماعية والتقدم والسلام.
حوارنا – 38 - سيكون مع الأستاذ عبدالحكيم الفيتوري حول: ثورة الحرية في ليبيا، المرأة، والتنوير الديني.
 

1- مرحلة التغيير في المنطقة العربية قد بدأت ،كيف ترى وتيرة التصاعد والتسارع وهل من خوف لديكم في الالتفاف على ما تحقق في مصر ،تونس، ومن أية جهات؟ دينية وشمولية أم غيرها؟

يبدو أن وتيرة التحرك الشعبي الرافض للأنظمة الاستبداد في مرحلة انتشار يصعب معها رصدها وتحديدها، كانت شرارة الانطلاقة من تونس الخضراء، ثم مصر،وبعد ذلك انتقلت إلى منطقة الخليج من البحرين، ثم اليمن، وعمان، وإيران، وليست السعودية وبقية الدول العربية بمنأى عن اصداء الثورة. ولكن ثمة مخاوف من الالتفاف على هذه الانتفاضات الشعبية من قبل المتسلقين من النفعيين والمندسين، وذلك عبر رفع ذات الشعارات، واعتماد منهج التسويف، والاقرار بالاهداف على الورق، واستخدام عصا قانون الطواريء عند اللزوم. واللافت للنظر أن هذين الصنفين( النفعي والمندس) يمارسان أعمالهما في تضييع بوصلة الثورة بنفس طويل، وحضور دائم بالروح الوطنية، والمحافظة على مكاسب البلاد، أو بظهور مستمر في ثوب الطهر والتقوى، للوصول بجماهير الثورة إلى القناعة التامة بأن ثورتهم تحققت، وذلك بتغيير الحاكم السابق الذي ينتمى إلى الطبقة الارسقراطية بحاكم ينتمي إلى ذات الاستبداد، بينما يبقى النظام السابق بهياكله وكوادره ورؤاه الاستراتيجية في كبت الحريات وعدم احترام حقوق الانسان.

2 -هل من تفسير للصمت العربي الكبير إزاء ما يقترفه القذافي من جرائم بحق الشعب الليبي؟

ضرورة التفريق بين الشعب العربي والانظمة المستبدة الحاكمة، فالشعب العربي لحمة واحدة، بل هذه الانتفاضات الشعبية أشعلت روح الوطنية لديه، وعززت الشعور بالانتماء القوي إلى الوحدة العربية والصف العربي الواحد. أما بخصوص صمت حكام العرب المتمثلة في الجامعة العربية حيال النزيف اليومي والجرائم التي ترتكب ضد الشعب الليبي من قبل الطاغية القذافي وأذنابه، يعود هذا الصمت إلى عدة أسباب منها، خوف هذه الانظمة الفاسدة من انتقال عدوة الثورة إلى شعوبها. ثانيا: الاستفادة من أموال القذافي المسروقة من الشعب الليبي. ثالثا: الاحتراز من اساليب القذافي العدوانية والهمجية.
-وماذا عن آفاق تحقيق أهداف الهبة الجماهيرية وحسم المعركة مع النظام القائم؟
أفضل أن اسمى ما يجري في الارض الليبية الآن، بأنها ثورة حقيقية وليست انتفاضة ولا هبة. فمن المعروف بأن الثورة إيقاعها سريع وقوي ومداها أطول وأعمق لأنها تعمل على اجتيثاث جذور الفساد الكائن في البنى الاجتماعية والنظم السياسي جملة صورة ومضمونا. بينما الانتفاضة عادة ما تأتي بعد قيام الثورة بغية إحداث التعديل والتطوير والتجديد في الأفكار والأساليب وأنماط الحكم.
أما عن حسم المعركة ضد آل القذافي، فالمتوقع أن تكون هنالك خسائر جسيمة في الارواح والممتلكات، وذلك لهمجية القذافي وامتلاكه سلاح الجوى، ولكن المعركة محسومة من الآن لصالح الثوار، فهم يحملون العقيدة العسكرية التي تتمحاور على شرعية مطالبهم،وقوة إرادتهم على التغيير، وخبرتهم بالمنطقة وتضاريسها. بينما المرتزقة وما تبقى ما كتائب الآمن التابعة لآل القذافي لا يملكون العقيدة العسكرية، ولهذا انهزامهم قريبا جدا.
-وكيف تقيم مواقف الدول الغربية الذي يلعب البترول الدور الحاسم فيها، وهل نحن على أبواب تدخل عسكري أم انتظار مشوب بالحذر خوفاً من تكرار التجربة العراقية؟
لا يخفى أن مواقف الدول الغربية إزاء ما يجري في ليبيا، لا تحكمه القيم والمبادئ التي ينادي بها الغرب بين شعوبه، وإنما المصالح والمصالح فقط! ويبدو أن تجربة تدخل الغرب في العراق وافغانستان والصومال، وما جره عليهم من خسائر بشرية وأزمات مالية؛ حاضرت أمام صانع القرار الغربي بخصوص التدخل في الشأن الليبي. وبالتالي فهو يفضل تسجيل حضورا إيجابيا بأقل خسائر ممكنة وذلك من خلال الدعم السياسي والانساني الرمزي، الذي يضمن له المشاركة بصورة من الصور في الوضع السياسي القادم،ويحقق له مصالحه المرجوة دونما التورط في الرمال الليبية الصعبة. وإن كان التدخل بالحظر الجوي وقصف بعض مواقع القذافي قائما.

3 - دعوات الإصلاح والتغيير أصبحت مطروحة على أجندات الحكومات كما الأحزاب السياسية وبشكل متسارع وكأن المشروع العربي النهضوي قد نضجت ظروفه اليوم هل الفرصة قد أصبحت مؤاتية أم تأخرنا وترك الأمر للشارع لقول كلمته؟

تغيير الشعوب والأمم ليست عملية سهلة، فهي بحاجة إلي نفس طويل ومستمر، وتراكمية فكرية واعية. وبالتالي ما قدم في فترة الاستقلال وما بعده من أفكار ونماذج ومشاريع نهضوية ساهمت بصورة من الصور في إحداث النقلة النوعية لدى الشارع العربي هذه الأيام لقول كلمته النهاية،ولكن وللاسف أن الشارع العربي انطلق في مسيرته الثورية التمردية وهو بمعزل عن الاحزاب والتنظيمات القديمة اليسارية والدينية. ويبدو أن السبب وراء ذلك يرجع إلى التقليدية والرتابة الضاربة بأطنابها في الاحزاب التقليدية على مستوى الفكر والرؤى والرموز والهياكل والوسائل. وهذا ما جعله يتجاوز تلك الآدبيات الحزبية النهضوية القديمة متجها إلى ما هو مطروح في عالم الافكار والوسائل والتقنيات الحديثة، مسجلا بذلك تقدمه بل وتجاوزه لتلك الاحزاب التقليدية.

4- تثار قضية المرأة والموقف من تحررها في أدبيات الأحزاب اليسارية في مواجهة الأفكار الدينية ومرجعياتها تجاه المرأة ،في الوقت الذي تسيطر فيه العقلية الذكورية عند كلاهما كيف ترى هذا التناقض تجاه قضية المرأة؟
المرأة ضحية ثقافة وأعراف عربية وليست ضحية جنس، بمعنى أن اليساري والاسلامي ما هو إلا بن بيئته الثقافية والعرفية، ومهم طرح من افكار جميلة على المستوى النظري، فهو دائما يبقى مأسورا بقيود العادات والاعراف والثقافة السائدة، وإن تبدت بعض صور التحررية هنا وهنالك، ولكن الحقيقة أن الجميع محكومون بثقافة ذكورية تتعاطى مع المرأة بكونها موضوعا وليست ذاتا. وبالتالي ينبغي التوجه إلى نقد النصوص الدينية والثقافية بطريقة منطقية تحفظ للمجتمع انتمائه إلى مكوناته التي توفر له الاستقرار والآمن الاجتماعي مع التحول إلى قضية المساواة الحقيقية بين المرأة والرجل بكونها ذاتا. ومن هنا ينبغي أن تشارك المرأة في عملية النقد والتحول الحقيقي بصورة فاعلة وألا تقف متفرجة في محل مفعول به. وللآسف أن قضية المرأة جملة عادة ما تتناولها الاحزاب اليسارية والدينية في إطار المناكفة السياسية، وليس في إطار العلمية الجادة، وهذا هو مكمن الداء.

5 - دعيت إلى قراءة جديدة للخطاب الديني ما هو الجديد الذي تطرحه في هذا المجال من رؤية لفهم الإشكاليات التي يعاني منها هذا الخطاب على ضوء الواقع والمتغيرات اليوم؟

لعل ما يميز الطرح التجديد الذي نأمه أنه طرح لا يرفض الإيمان ومنطق التخلق بأخلاق الوحي أولا. ثانيا، أنه طرح من داخل الصف المؤمن وليس من خارجه. أما عن الجديد الذي نقدمه يمكن ذكر أهم محاوره، كونه يتمحور حول ضرورة فرز آيات القرآن إلى آيات خالدة وأخرى عابرة؛ بمعنى ثمة آيات خالدة لا تتأثر ببعدي الزمان والمكان، وآخرى تتأثر بختلاف الزمان والمكان والانسان. وهذا الفرز يسمح بتحديد الآيات التي تمثل (الدين)، من الآيات التي فارقها الواقع. وبالتالي مراجعة وإعادة النظر فيما بني على الآيات العابرة من إجماعات ومصادر تشريعية تفيد الوجوب والاطلاق عبر التاريخ والجغرافيا. فمثلا لو نظرنا إلى القضية السياسية برمتها من خلال عملية الفرز السالفة نجد أنها لا علاقة لها بالسماء، فهي أرضية بامتياز في الفكر والوسائل والانماط، وبالتالي تصبح المناداة بإقامة الدولة الاسلامية من خلال كتب الاحكام السلطانية كما يطرحه الاسلاميون، يعد ضربا من ضروب الاحتماء بالتاريخ، والوقوع في شراك سطوة الاسلاف، ومناهضة لقيم الوحي التي تقرر بكمال الدين(اليوم أكملت لكم دينكم)، وعدم شموليته لمناشط الدنيا(أنتم أعلم بشؤون دنياكم). كذلك يمكن ملاحظة ذلك الخلط وعدم التمييز بين كمال الدين وشموليته من خلال الطرح الاسلامي لمفهوم المواطنة، حيث ينطلق من مفهوم الذمة وأحكامها التي تجاوزها الزمان وأصبحت في ذمة التاريخ، لأن الآية التي ورد فيها مفهوم الذمة تصنف من الآيات العابرة التي ينبغي فهمها في سياقها التاريخي ومساقها الثقافي الاجتماعي. أي أنها من النصوص التي فارقها الواقع حيث كانت إنشائية في زمن التنزيل فصارت بالنسبة للمتلقي اليوم اخبارية. وأحسب أن فهم واستيعاب أهمية عملية فرز الآيات الخالدة من العابرة يعد حجر الزاوية في عملية تفكيك ما بني عليها من مصادر السلطة التشريعة من روايات وإجماعات، وبالتالي إمكانية المساهمة في حل الاشكاليات المعرفية على مستوى الفكر والسلوك والواقع، وبدون ذلك أرى أن ما يقدمه الخطاب الاسلامي في السياسة والاقتصاد والاجتماع لا يعدو كونه مواعظ في الفكر.

ختاما، اتوجه بالشكر والتقدير لإدراة الحوار المتمدن لإتاحة الفرصة لي لمخاطبة الجمهور الوعي قراء الحوار المتمدن.
عبدالحكيم الفيتوري
8-3-2011