الثورة الليبية في سياق عام


عبدالحكيم الفيتوري
الحوار المتمدن - العدد: 3638 - 2012 / 2 / 14 - 22:51
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

الثورة الليبية في سياق عام

الثورة في سياق الهدم والبناء: الثورة تعني عملية هدم وبناء... في النظم والزعمات، والفكر والثقافات ... فيبدو أن مرحلة الهدم بالنسبة لثورة 17 فبراير قد تحقق منها نسبة لا بأس بها فقد تم هدم طاغوت العصر، كذلك هدم بعض قياداته وقليل من نظمه الاستبدادية ... ولكن بالنسبة لهدم الفكر والثقافة الاقصائية الاستبدادية يبدو أنها على ما هي عليه مع بعض التغيرات الهامشية في الشكل دون المضمون...

أما إذ ما نظرنا إلى الشطر الثاني من فلسفة الثورة وهي عملية البناء ، تبدو الصورة من خلال المشهد الليبي في مسيرته الحولية، أنها تراوح بين الآمال والطموح النظري دون البناء والتطوير العملي، إلا ما كان من محاولة خجولة لقيام حكومة مؤقتة هزيلة، أو اصدار ما يسمى بالقانون الانتخابات الذي يكرس الفردي والقبلية دون التعددية المرجوة في التحول الديمقراطي.

ولعل حالة ارتباك المجلس الوطني الانتقالي وحكومته المؤقتة في عملية الهدم والنباء، تعود إلى اختلاف وجهات النظر بين اعضاء المجلس وحكومته من جهة، وبين اعضاء المجلسين والثوار من جهة أخرى، وبين الثوار والثوار. كذلك وجود بقايا رموز النظام البائد خاصة منهم في الجوانب الأمنية والسياسية، وثمة إشكالات أخرى فنية وتقنية ومالية وعلائقية تجعل حالة الارتباك في ليبيا أطول من غيرها من ثورات الجوار.

-الثورة في السياق المعرفي: يبدو أن ثورة 17 فبراير في انطلاقتها الأولى لم تكن لديها قيادة تحمل رؤية استراتيجية لمراحل الثورة وجدولة عمليتي الهدم والبناء... وبالتالي كان إقاع 17 فبراير في إطار الفعل وردت الفعل لدرجة التناقض في الرؤى والاهداف... فمثلا ثمة من ينادى بالدولة الإسلامية وتطبيق الشريعة، وأخر ينادي بدولة مدنية (عالمانية)..... وهكذا دواليك. ومما لا شك فيه أن غياب القيادة المواحدة، والرؤية الاستراتيجية يجعل عملية الانحراف بالثورة أو سرقتها، فتاريخ سرقة الثورات في التاريخ القريب والبعيد حاضرة لدى العارفين بسنن المدافعة التاريخية، وبالتالي فإن 17 فبراير ليست استثناءا من قوانين التدافع وكل الاحتمالات مفتوحة إن لم تستوعب فلسفة الثورة في سياقها المعرفي ومراعاة قوانين النهوض والسقوط.

-الثورة في السياق الواقعي: بعد حول كامل من ثورة الحرية والكرامة في ليبيا، والتي اسفرت بكل فخر عن قتل الطاغية وإعتقال جل قيادته، وبذلك تقلب 17 فبراير صفحة ثقيلة من كتاب ليبيا، لتفتح صفحات جديدة، ولكن يبدو أن الكتابة في الصفحة الجديدة؛ صفحة البناء ليست سهلة كصفحة الهدم، فالواقع ملتبس ومعقد،والأفق ملبد بالغيوم، والمستقبل غائب، وبالتالي لابد مراعاة بعض النقاط للكتابة في صفحة البناء ما يمكن الاعتماد عليه في المرحلة القادمة وتكون لها ما بعدها، ومن تلك النقاط تجاوز مرحلة الاستقطاب بأنواعه السياسي والعقدي والجهوي، إلى مشروع وطني يشارك فيه الجميع، يؤسس على منطق ديمقراطي، يتبنى استراتيجية الثورات المتعددة والمتنوعة لكافة مناشط الحياة؛ الفكرية، والثقافية، والمناهجية، والسلوكية المأسسة، ومن خلال هذا المشروع يمكن أن تسهم 17 فبراير في تحقيق أمال شعبنا بتوفير حياة كريمة ،وعدالة اجتماعية، ومساواة قانونية، ورفض صور الاستبداد وهيمنة الفرد والنظام الشمولي في أي صورة كانت دينية أو علمانية.

-الثورة في السياق التدافعي: تاريخ الثورات البشرية يزودنا بصور وحقائق عن محاولة سرقت ثورة، أو سرقتها والانحراف بها عن مسارها، ولعل ثورة الاسلام في نظام الحكم والعدالة الاجتماعية سرقت مبكرا على أيدي مؤسسي العهد الجبري والعاض وولاية المتغلب. كذلك يصح القول في ثورة مليون شهيد في الجزائر حيث سرقت من الفقراء والمغبونين على أيدى المستبدين الجدد. فإذا كان ذلك كذلك فإن ثورة 17 فبراير ليس لها حصانة سماوية من السرقة أو الانحراف بها عن مسارها الصحيح، ولعل الحوداث الاخيرة التي وقعت –ولازلت- في ربوع البلاد هنا وهنالك مؤشر على دخول الثورة قواعد سرقة الثورات، على الرغم من تنكر البعض للواقع المعيش وغض الطرف عما يحدث،إلا أن الظاهرة السياسية إذا تكررت عبر التاريخ، يصبح هناك قانون علمي عام يتحكم فيها(إذا تكررت تقررت).. وبالتالي ينبغي أن يكون التعامل مع مرحلة البناء في الرؤى والاستراتيجيات على قدر عال من التفكير والوعي واستشراف المستقبل. والتهاون في مرحلة البناء يعني ولوج محطات الفراغ السياسي، والأمني، وفتح باب الصراعات على مصرعيه، صراع الايدلوجيات، صراع المصالح، فثمة صراع بين دعاة الدولة الإسلامية، والدولة العلمانية من جهة، وبين الصوفية والسلفية، وبين المدنيين والعسكريين، بين المتسلقين والوطنيين، وبين الجهويات والعرقيات من جهة أخرى.... وتدخل حينئذ البلاد –لا سمح الله- مرحلة الصوملة والتي منطقها (الصدام، والاستقطاب)، وقائدها ( السلاح، والمال السياسي).

وإلى لقاء