مهدي جابر مهدي (د.سامي خالد) - أكاديمي يساري عراقي - في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: الربيع العربي وأزمة اليسار ..... أسئلة الفكر ..... أجوبة الواقع.


مهدي جابر مهدي
الحوار المتمدن - العدد: 4333 - 2014 / 1 / 12 - 15:47
المحور: مقابلات و حوارات     

من اجل تنشيط الحوارات الفكرية والثقافية والسياسية بين الكتاب والكاتبات والشخصيات السياسية والاجتماعية والثقافية الأخرى من جهة, وبين قراء وقارئات موقع الحوار المتمدن على الانترنت من جهة أخرى, ومن أجل تعزيز التفاعل الايجابي والحوار اليساري والعلماني والديمقراطي الموضوعي والحضاري البناء, تقوم مؤسسة الحوار المتمدن بأجراء حوارات مفتوحة حول المواضيع الحساسة والمهمة المتعلقة بتطوير مجتمعاتنا وتحديثها وترسيخ ثقافة حقوق الإنسان وحقوق المرأة والعدالة الاجتماعية والتقدم والسلام.
حوارنا 121 - سيكون مع الأستاذ د.مهدي جابر مهدي (د.سامي خالد) - أكاديمي يساري عراقي-  حول: الربيع العربي وأزمة اليسار ..... أسئلة الفكر ..... أجوبة الواقع .


قبل ثلاث سنوات شهد العالم العربي حركات احتجاجية شعبية واسعة بدأت من تونس وامتدت لبقية البلدان العربية بأشكال وصور مختلفة . وأطلقت عليها تسمية الربيع العربي .. وأثارت الظاهرة الكثير من الاسئلة المتعلقة بطبيعة الحدث وتسميته وابعاده ومستقبله وقواه المحركة ودور
وموقع اليسار وقواه السياسية .أسئلة واخرى غيرها جديرة بالتفكير والتأمل ارتباطا بالحدث والحصيلة ،لظاهرة مهمة ولكن متعرجة من حيث تطورها وتفاعلاتها ... أسئلة اكبر من الاجوبة .. وهي جادة وبحاجة الى البحث والتحليل ومحاولة الاجابة رغم عدم اكتمال الظاهرة بالارتباط مع سرعة تدفق الاحداث وتعدد الاطراف واتساع المؤثرات ...

اطرح لكم آراء غير نهائية في (4 ) محاور وهي بحاجة الى النقاش ...
 


( 1 )

مثًل الربيع العربي تحولا نوعيا في العديد من البلدان العربية ، وردا على سياسات الانظمة الاستبدادية وانتهاكات حقوق الانسان وقمع المعارضين السياسيين ، وتزايد مستويات الانسداد السياسي الذي شهدته وتشهده البلدان العربية بما يعرقل تطورها واستقرارها ويرفع درجة الاحتقانات السياسية والاجتماعية التي تعبٌر عن نفسها في صور متنوعة من العنف الاهلي وطغيان التفكير الانتقائي والاختزالي والايديولوجي المغلق في التعاطي مع تلك الاوضاع .
كل هذه العوامل وغيرها قادت الى انفجار السخط الشعبي واتساع الحركات الاحتجاجية .
تميًز هذا التحول بعد من السمات واهمها :
- سعة المشاركة الشعبية وخاصة الشباب والنساء .
- تنامي الوعي السياسي لدى الشعوب .
- عجز الانظمة السياسية في احتواء الحركة الاحتجاجية .
- طرح مطالب مجتمعية في صيغة شعارات معبئة لقطاعات واسعة من المجتمع .
- تأثير وسائل التواصل الاجتماعي والتكنولوجي في التعبئة والتنظيم .

بودي التعليق قليلا حول النقطة الاخيرة :
فقد ساعدت الحداثة والتطور العلمي التكنولوجي وثورة المعرفة والاتصال في صناعة الاشكال والصور التي عززت الاجتماع والنشاط البشري واخرجته من مستواه الادنى والابسط الى نظام اعلى واعقد . من هنا يأتي الدور الفاعل للثورة الرقمية والفضائيات في توجيه الاحداث وانتاج روابط اجتماعية جديدة وهنا يكمن دور الشبكات الاجتماعية في التغيير – مع ملاحظة ان هذه العوامل مساعدة وليست مسببة للتغيير – وشكلت ( غوغول، تويتر ، فيسبوك ) رموزا للتمرد لانها تمثل اكبر تجمع للجمهور ، حيث ساهم التطور الهائل في وسائل الاتصال وتقدم التكنولوجيا في زيادة التفاعل الشعبي ولم تعد السياسة فكرا وممارسة مقتصرة على نخب محددة ، فصار الوعي بالسياسة وتأثيراتها اعمق من خلال الحضور الشعبي في السياسة وانشغال الناس بشؤون السياسة بمستويات اكبر .

كل ذلك يدل على ان الربيع العربي ، بنجاحاته واخفا قاته ، ليس مؤامرة حاكتها مطابخ السوء بل انفجار شعبي داخلي جاء بفعل تراكم عقود من الاخفاقات والفشل السياسي وسياسات الاقصاء والتهميش ، وحصيلة فهم مجتمعاتنا لمتطلبات العصر .


( 2 )

نجحت الحركات الشعبية في تحقيق مكاسب هامة فتحت الباب على مصراعيه لتحولات لاحقة . ولكنها واجهت صعوبات متنوعة محلية وخارجية ، شكلت عوائق امام السير السلس لتطورها اللاحق، وتقف وراء ذلك عوامل عديدة منها :

1- ألأرث الاستبدادي الذي امتد لكل ميادين الحياة المجتمعية ، فعاش العالم العربي حقبة ممتدة من من التسلط حيث سقط المستبد ومعه ظهرت الى السطح مشكلات كانت كامنة بفعل القسر.
2- ضعف التقاليد الديمقراطية والتقاليد المؤسساتية .
3- فشل النخب السياسية الحاكمة في ادارة المرحلة الانتقالية ، ومساهمتها في اذكاء العصبيات المغلقة ، وتغذية الصراع بين برامج طائفية كجزء من حروب الصراع على السلطة .
4- تأثير الاقتصادات الريعية " الريوع النفطية " ووقوفها كعقبة ضدتطور وفاعلية المؤسسات السياسية الحديثة .
5- تداخل وتشابك العلاقة بين الديني والسياسي من خلال تسيس الدين وتديين السياسة واثر ذلك على العمل المؤسساتي .
6- انعكاسات الظروف السياسية وعدم الاستقرار السياسي وغيابالامن ونقص الخدمات وانتشار الفساد ، في تزايد حالة اللامبالاة وتدني مستويات المشاركة السياسية وخاصة في الانتخابات .
7- تدخلات الدول الاقليمية في شؤون بلدان الربيع العربي سواء من اجل السيطرة عليها واحتواءها او بغية التصدي لها وافشالها .
8- تناقض المواقف الدولية وازدواجية المعايير التي تعتمدها في التعاطي مع الواقع الجديد في بلدان الربيع العربي .

كل ذلك وغيره ، ادى الى تراجع وتعثر في التحولات ومسارها من جهة ، وصعود الاسلام السياسي ، الذي اثبت خلال فترة قصيرة من حكمه ، انه عاجز عن ادارة ناجحة لبلدان تتميز بالتعدد والتنوع.
وقاد ذلك الى النتيجة التالية : فشل عملية اعادة بناء الدول على اسس جديدة – رغم الاقرار المجتمعي بضرورة اعادة البناء والتخلص من مركزية الدولة وتثبيت ذلك دستوريا – ارتباطا بالفشل في انتاج المجتمع كجماعة انسانية والفشل في انتاج الدولة كجماعة سياسية ... انطلاقا من مفهوم الدولة بأعتبارها الكيان السيادي والتنظيمي الذي يتمتع بسلطات ومسؤوليات وهياكل مؤسساتية يسمح لها القيام بالادوار والوظائف المنوطة بها .
وبفعل ذلك شهد العالم العربي اعادة انتاج انظمة حكم شبه استبدادية وطائفية وفاسدة مع هامش من الحرية والتعددية مما رفع من درجة الاحباط لدى المواطنين الذين فقدوا الامل واصيبوا بالاحباط وشعروا انهم بين دكتاتوريتين : دكتاتورية الانظمة الاستبدادية ودكتاتورية الظلاميات الدينية والتطرف بما تملكه من قدرات ونفوذ ... فبات العالم العربي مسارح مشتعلة ، وتحولت الآليات الديمقراطية ، بعد افراغها من محتواها ، الى عبء ومعيق للديمقراطية وحاضنة للاستبداد والفساد والجريمة المنظمة والعصبيات المغلقة والاصوليات والتطرف سواء بمرجعيات دينية او سياسية او بالاثنين معا .
وهكذا تحولت السياسة من خير الصالح العام الى منفعة الصالح الخاص وتصفية الحسابات بين الخصوم وبروز شخصيات متهالكة من انصاف الساسة المتطلعين لادوار لا تناسب احجامهم من الذين تفرزهم التغيرات السياسية .


( 3 )

لعبت قوى اليسار – بتعددها وتنوعها – دورا هاما في نشر مطالب الديمقراطية وحقوق الانسان والدفاع عنها وصاغت برامج واسعة لمسار ومتطلبات التحول الديمقراطي منذ عقود طويلة وقدمت على هذا الطريق تضحيات جسًام .. وبحق شكلت القاعدة السياسية والفكرية الاسبق لمنطلقات الحركات الاحتجاجية في الربيع العربي .
وتدل الوقائع على ان هذه القوى اخفقت في تحويل شعاراتها وبرامجها الى واقع وظلت اسيرة انغلاقها وتناولها التقليدي المحافظ الذي تحكم في صياغة مواقفها . ورغم انها تدعي التجديد قولا الا انها تمارس نقيضه فعلا .
واعطى الربيع العربي لهذه القوى فرصة للنهوض والارتقاء بدورها ، الا انها عجزت عن الاستفادة من الظروف الجديدة واكتفت في اجترار مواقفها وبرامجها المتخمة بالشعارات والبعيدة – في احيان كثيرة – عن الواقع مما افقدها القدرة على الفعل والتأثير .
وظلت الاحزاب الشيوعية - وهي اكثر قوى اليسار تنظيما ونضالا – على هامش الحدث واخفقت في التأثير على مجرى الاحداث ... وما يؤكد ذلك فشلها في الوصول الى البرلمانات في ظل الانتخابات ، ومع الاقراربالثغرات التي اعترت تلك الانتخابات وقوانينها غير العادلة ، الا ان
ذلك لا يبرر الحصيلة الضعيفة لهذه القوى على صعيد النتائج .
واليوم امام اليسار مجموعة من التحديات التي تتعلق ليس فقط بدوره وتأثيره في مجرى الاحداث بل وايضا تتعلق بوجوده ، ومطلوب الاجابة عى هذه التحديات من خلال امعان النظر في الحقائق والوقائع وتشخيص العلل وتحديد العلاجات المناسبة لها .... دون ذلك ستبقى قوى اليسار مجرد هياكل تردد خطابات خشبية مغرقة بالاوهام لا تتقبل الملاحظات النقدية وتكتفي بحضورها الرمزي . وبرأيي المتواضع ان الخلل الذاتي المرتبط بمستويات التفكير وطبيعة القيادات ونزعة الرضا عن النفس تعد احد اهم الكوابح امام خروج هذه القوى من ازمتها وعزلتها .
و يبقى اليسار القوة الاكثر كفاءة بما يمتلك من تجربة غنية على الصعيدين النظري والعملي – رغم كل النواقص – ولكن من خلال تجديد قواه فكرا وممارسة وتعاونه مع القوى المدنية الجديدة الصاعدة التي تفتقد للتنظيم والتجربة .
وجدير بالاشارة هنا ، ان القوى المدنية والشبابية التي لعبت دورا متميزا في انطلاق الاحتجاجات الشعبية وديمومتها ، تواجه تحدي التنظيم وتحدي انضاج الرؤية ، واقصد بذلك ضرورة عدم اسناد مقاليد ادارة التحول الديمقراطي الى قوى غير ديمقراطية
كما ان القوى المدنية – منظمات المجتمع المدني ليست بديلا عن الاحزاب السياسية .. ولكل قوة وظائفها المحددة وادوارها .. لذلك فنجاح المنظمات المدنية يتطلب تحالفها مع احزاب اليسار .

( 4 )

الى اين نتجه ؟ ما هو البديل المناسب ؟
المؤشرات الواقعية تؤكد ان مسيرة التحول صوب الديمقراطية ليست يسيرة على الصعيدين النظري والعملي في ظل اتساع خرائط الدم .
وفي ظل تأثيرات الشمولية في حياتنا - فكرا وممارسة – يصبح المشهد معقدا واحيانا مأساويا ليصبح الغموض والارتباك والحيرة والخوف عناوين ليس فقط للحاضر وانما ايضا للمستقبل . فالبلدان العربية لاتتجه اليوم صوب الديمقراطية بل ينتظرها الكثير لكي تصل الى ذلك .
ولا اقصد هنا مجرد الانتخابات والتعددية الشكلية بل الديمقراطية كآلية وممارسة وقيمة .
ودلت تجارب البلدان التي شهدت التي شهدت تغيرات سياسية منذ العام 2010 وكذلك العراق منذ 2003 على :
1- ان سقوط الانظمة الاستبدادية ليس ضمانة للتحول الديمقراطي .
2- ان الانتخابات وبعض مظاهر الديمقراطية كالتعددية لا تعني ضمانات لنجاح الديمقراطية مالم تقترن بعمل مؤسساتي فاعل . فالفرق كبير بين انتخابات تغير وجوه واخرى تغير سياسات .
3- التوافقية كآلية تلحق – احيانا – نتائج سلبية خاصة عندما تتحول
عندما تتحول الى محاصصة وتوزيع للمغانم .فالديمقراطية التوافقية تقوم على الرضا لكنها لا تولده .
4- عدم التحديد الواضح لأسس النظام السياسي ومباديء الدستور تترك الفرص للمحاور واذكاء الصراعات . ونواجه هنا اشكاليات قانونية واخرى سياسية ونجد الخلط والانتقال من لغة علم السياسة التي تبتغي دقة المعلومات وعمق التحليل الى لغة السياسة التي تتضمن اهدافا واحلاما وتمنيات .
5- جوهر الديمقراطية ان المواطنين المتساوين في الحقوق هم المصدر الفعلي والحقيقي لشرعية الحكم . وان عدم اعلاء مبدأ المواطنة المتساوية يساعد في هيمنة الولاءات الضيقة .
6- ان أرث الانظمة الاستبدادية السابقة التي حكمت لعقود طويلة تركت اثارا جسيمة لا يمكن معالجتها خلال فترة زمنية قصيرة .
من هنا احدد البديل : الدولة المدنية الديمقراطية التي تقوم على التعددية والفصل بين السلطات وتداولها سلميا واحترام حقوق الانسان وضمانتها .
ولم تنتج البشرية وحضارتها افضل من هذا الخيار بعد ، ولكن السؤال المهم : كيف يتحقق ذلك في العالم العربي؟
ان ذلك يحتاج الى عدة عوامل :
اولا – قوى تستطيع تعبئة الناس لخيار الديمقراطية والدولة المدنية.
ثانيا – وعي مجتمعي وثقافة ديمقراطية .
ثالثا – ارادة سياسية تمتلك الطاقات والقدرات ( كفاءة النخب )
فالثقافة والسياسة دائرتان مترابطتان – ولا اقول متطابقتان – ولكنهما متمايزان تحليليا وعمليا . وتزداد الحاجة لتاسيس وتحديد معرفي للسياسة وللثقافة وللعلاقة بينهما . ومن الضروري فهم وادراك كيف تشكل المعرفة اختيارات الناس الاجتماعية والسياسية لكي يكونوا على بينة من عملية الانتقال الى الديمقراطية اشبه بالمخاض الصعب والمعقد والشاق والطويل .
وان تلك الصعوبات والتعقيدات لا تعني العودة الى الوراء ، الى انظمة حكم ما قبل الربيع العربي ... وبهذا الفهم لا تصبح البلدان العربية حقول اختبار لفرضيات غير معللة .......