أحمد فاخر عضو الأمانة العامة لحركة اليسار الاجتماعي الأردني في حوار مفتوح: حول الحراك الشعبي الأردني البدايات أم النهايات


أحمد فاخر
الحوار المتمدن - العدد: 3733 - 2012 / 5 / 20 - 13:25
المحور: مقابلات و حوارات     

من اجل تنشيط الحوارات الفكرية والثقافية والسياسية بين الكتاب والكاتبات والشخصيات السياسية والاجتماعية والثقافية الأخرى من جهة, وبين قراء وقارئات موقع الحوار المتمدن على الانترنت من جهة أخرى, ومن أجل تعزيز التفاعل الايجابي والحوار اليساري والعلماني والديمقراطي الموضوعي والحضاري البناء, تقوم مؤسسة الحوار المتمدن بأجراء حوارات مفتوحة حول المواضيع الحساسة والمهمة المتعلقة بتطوير مجتمعاتنا وتحديثها وترسيخ ثقافة حقوق الإنسان وحقوق المرأة والعدالة الاجتماعية والتقدم والسلام.
حوارنا - 79 - سيكون مع الاستاذ د.أحمد فاخر عضو الأمانة العامة لحركة اليسار الاجتماعي الأردني حول:  حول الحراك الشعبي الأردني البدايات أم النهايات؟


بدأ الحراك الشعبي الأردني مبكراً حتى أنه سبق العديد من الحراكات الشعبية العربية المختلفة،وكان قد سبق بداية الحراك الشعبي الواسع الذي انطلق في بداية عام 2011 أكثر من 200 اعتصام وفعالية احتجاجية بدأً بالاعتصامات المتعددة لعمال المياومة في وزارة الزراعة، والذي أثار قضية أكثر من 20 الف عامل مياومة في مختلف مؤسسات الدولة، إلى اعتصام واضراب عمال ميناء العقبة ونهايته المآساوية؛ الى اعتصامات مختلفة حول الكثير من القضايا الاقتصادية والسياسية والمطلبية الأخرى توجت بيوم الغضب الأردني بتاريخ 1412011 الذي دعت له حركة اليسار الاجتماعي الأردني والذي ضم أكثر من 10 ألاف متظاهر لأول مرة؛ منذ أكثر من خمسين عاماً من تجريم وقمع العمل الحزبي والسياسي.
هذا الخروج الواسع للجماهير شكل مفاجأة مذهلة للجميع بدون استثناء، سواء من جانب الدولة أو من قوى المعارضة،هذا الحراك أثبت صحة التشخيص الذي قدمته حركة اليسار الاجتماعي الأردني للواقع السياسي والاقتصادي لطبيعة الأزمة العامة في الأردن، وأهمية اختيار الشعار المناسب في دفع جماهير غفيرة ليس لها خبرة في العمل السياسي والجماهيري دفعها للخروج الى الشارع وتبني الشعارات السياسية التي رأت فيها تعبيراً صادقاً عن اسباب مشاكله السياسية والاقتصادية والاجتماعية وتلامس الوجدان الشعبي.
تمكنت حركة اليسار الاجتماعي الأردني من استعادة الخطاب الوطني والسياسي والاجتماعي لليسار الأردني واستطاعت بان تحقق حضوراً متميزا في الأوساط العمالية والشبابية والشعبية،افتقده اليسار زمناً طويلاً.
لقد كانت معركة حركة اليسار الاجتماعي الأردني منذ نشأتها عام 2007 مع سياسات الليبرالية الجديدة التي تم فرضها على الأردن من قبل البنك الدولي والدوائر المالية الغربية طوال العشرين عاماً الماضية تحت ذرائع تصحيح وانقاذ الاقتصاد الأردني وتحقيق النمو، وفرضت الوصفات الجاهزة والقائمة على الخصخصة والاقتصاد الحر والانفتاح على الأسواق، وتحرير الأسعار والأجور، وتخفيض الأنفاق العام وخاصة على الخدمات الاجتماعية والغاء الدعم ،بحجة أن هذه الخطوات من شأنها أن تحرك القوى الكامنة في المجتمع من أجل تحريك آليات النمو التي يكبلها تدخل الدولة وتجلب الاستثمارات الأجنبية الضرورية من أجل التنمية.

قامت الحكومات السابقة بتبني هذه الوصفة الاقتصادية بالكامل طول العشرين عاما الماضية فماذا كانت النتائج؟؟
بيع مقدرات الوطن الشحيحة أصلاً وانخفاض في معدلات النمو الاقتصادي وارتفاع المديونية الى مستويات غير مسبوقة وارتفاع نسبة البطالة وتدهور المشاريع التنموية وزيادة الفجوة بين الطبقات وتفاقم ظاهر الفقر وزيادة جيوب الفقر حسب المصادر الرسمية منذ عام 2006 الى عام 2012 من 22 جيبا إلى 36 جيبا للفقر.
جرى تصوير والنتائج الكارثية لهذه السياسات الاقتصادية من قبل فئة الليبرالية الجديدة بأنها "تضحيات" مؤقتة وضرورية من أجل اعادة بناء هياكل فعالة تتيح تنمية مستقبلية بحسب ادعائاتهم .
ونحن هنا يحق لنا أن نسأل ونتسأل هل هي كذلك فعلاً أم أنه برنامج ممنهج لتفكيك الدولة الأردنية ودفعها إلى الخلف وما يترتب على ذلك من نزعات معادية للدولة وإطلاق العنان لإثارة مشاعر اقليمية ودينية وعشائرية متطرفة وعدوانية.
وقد رافق هيكلة الاقتصاد الأردني نحو الخصخصة واقتصاد السوق نشوء فساد غير مسبوق واستيلاء اجرامي على أموال الدولة وأموال المساعدات والمنح والقروض، ولم تكن بالمناسبة خاصية أردنية بل وكما أثبتت تجارب المناطق والبلدان المختلفة بغض النظر عن مستواها الاقتصادي ان الفساد المالي الضخم خاصية مترافقة بل وعضوية ومن أهم خصائص الاقتصاد النيوليبرالي.
صورت السياسات الليبرالية الجديدة بأن مسالة الديموقراطية بأنها رديف للنيوليبرالية الاقتصادية ومعارضتها "أي السياسات الاقتصادية" هي معارضة للديموقراطية،ولم تكن ديمقراطيتها مختلفة عن اقتصادها.
تاريخ الديموقراطية الأردنية تاريخ من التزوير الفظ الذي لم يقم وزنا لرغبة الشعب الأردني بديموقراطية حقيقية تتيح له المشاركة بصناعة القرار السياسي والاقتصادي الوطني،الذي يحدد مصير ومستقبل الأردن.
وعرف "الأردن الليبرالي"وللمرة الأولى في تاريخه المال السياسي الضخم والتدخل السافر للأجهزة الأمنية في تزوير إرادة الناخبين وتم التزوير تحت حجة منع الإسلام السياسي من الوصول إلى الحكم ولكن هذا التدخل كان من أجل منع الشعب الأردني أن يكون سيد نفسه ومقرراً لمصيره ومستقبله.
واستولت الليبرالية الجديدة على القرار التشريعي واستنت أكثر القوانين المعادية للحريات الأساسية للمواطنين الأردنيين واندمجت السلطة التشريعية في دائرة الفساد وتحولت هذه السلطة إلى محامي دفاع عن الفساد بحسب تعبير رئيس دائرة مكافحة الفساد.

تبنت حركة اليسار الاجتماعي الأردني "البديل الإنساني" الذي طرحه المفكر الكبير د. سمير أمين هذا الفكر القائم على معادة ومعارضة الليبرالية الجديدة المتوحشة.
وخاضت الحركة منذ انطلاقها صراعاً سياسياً عرت فيه هذه السياسات المعادية للشعب الاردني ودعت إلى نقاط هذه أهمها :
1- الغاء الخصخصة واعادة القطاع العام وتبني نهج اقتصادي قائم على اساس دولة الرعاية الاجتماعية والسوق الاجتماعي القائم على أسس حماية الطبقات الشعبية من الاستغلال والاحتكار،وزيادة مخصصات الرعاية الاجتماعية والتأمين الصحي الوطني والشامل،إضافة إلى محاربة الفقر ومجانية التعليم وتوفير الشروط الملائمة للسكن الكريم ،إضافة لتأمين حق العمل والتنمية الاقتصادية التي تنعكس على الأغلبية الشعبية والتوزيع العادل للثروة.
2- محاربة الفساد المالي والإداري وملاحقة الفاسدين ومعاقبتهم واسترداد الاموال المنهوبة وإعادة بناءالإدارة لخدمة الدولة وليس لمجموعة من الفاسدين والنهابين .
3- تشكيل حكومة انقاذ وطني والعودة الى دستور 52 بإلغاء كافة التعديلات الدستورية التي أُدخلت عليه ومنعت تطوير الحياة السياسية الديموقراطية الوطنية،وحدّت من الحريات الأساسية للمواطنين الأردنيين في العمل السياسي و العمل الحزبي.
سرعان ما تبنى الحراك الشعبي هذه الشعارات الأساسية وجعلها هدفا معلنا يسعى إليه، وبعد عام ونصف من حراك الشعب الأردني ، تم خلالها وبمبادرات ذاتيه تشكيل عشرات الحراكات المختلفة وفي معظم مناطق المملكة فمن حراك المتقاعدين العسكريين وعمال القطاع العام ومرورا بحراك المعلمين الذي توج بتشكيل نقابة للمعلمين ومن ثم اضراب المعلمين واستجابة الحكومة لإضرابهم الأكبر في تاريخ المملكة بالنسبة لتشكيل نقابي،هذا الحلم الذي دفع بعض الرفاق ما يقارب 10 أعوام في السجون من أجل نقابة كانت مستحيلة فأصبحت واقعاً مفروضاً.
هذا عدا عن تجمعات المعارضة العشائرية في مناطق كانت تعتبر حاضنة النظام الأساسية،وعناصر يسارية شابة كاتحاد الشباب الديموقراطي الاردني واتحاد اليسار الطلابي في الجامعات وتحّرك العمال سريعاً في محاولة لإصلاح اتحاد نقابات العمال الرسمي ولكن من دون طائل ،فقاموا لتأسيس اتحاد عمالي جديد يلعب دورا مهما في الحراك الاجتماعي والشعبي،فظهر هذا الاتحاد البديل مدافعاً صلباً عن حقوق العمال في القطاع العام والشركات المخصخصة.
بعد هذا الاستعراض الموجز لعام ونصف من الحراك الاجتماعي الاردني بقي أن نسال إلى أين يسير الحراك وهل هو قادر على انجاز المهام التي ينوء بحملها قد يكون من الصعب الوصل الى استنتاج قاطع ورئيسي حول مستقبل هذا الحراك الشعبي الأردني على ضوء تجارب الحراكات الشعبية العربية في كل بلد عربي على حدة.
ولكن يمكن استخلاص العبر من التجارب الاخرى ومحاولة استنباط الوسائل والطرق لتجنب النتائج السلبية التي وصلت لها الحراكات الشعبية في الدول العربية الأخرى.
والتي نحاول ان نلخصها في النقاط التالية:
1- غياب القوى السياسية المنظمة القادرة على التاثيروقيادة الحراك الشعبي بعيداًعن القوتين الرئيسيتين في الأردن السلطة و الإخوان المسلمين.
السلطة التي لا تسعى إلى الإصلاح الجدي وتعمل على تسكين الحراك منحنية أمام العاصفة وتقوم بإصلاحات سياسية شكلية لا تفيد في أي تغيير الواقع الاجتماعي والاقتصادي للأردنيين وتقدم نفسها أمام الدوائر المالية الغربية كمن يسعى للإصلاح السياسي استجلاباً للمساعدات المالية والدعم السياسي الغربي في الوقت الذي تقوم فيه بالتعبئة الشعبية لقواعدها ضد الحراك الشعبي بحجة منع سيطرة الإسلاميين عليه والتخويف من إقامة حكومة دينية متطرفة.
2- حركة الإخوان المسلمين وحزبها"جبهة العمل الإسلامي" يسعى هذا التيار لاستلام السلطة في الإردن بعد نشوة أصابته من المكاسب التي حققها الحركة الإسلامية في تونس ومصر وليبيا و منذ انفجار الوضع السوري أصبحوا في وضع المترقبين وتصوروا أن جائزتهم على موقفهم من الوضع السوري ستكون الأردن بعد"انتصارهم" في سوريا،فمنذ بداية الثورة في سوريا والأزمة السياسية ارتفع سقف شعاراتهم السياسية ضد النظام في الأردن، وهبطت مشاركتهم في الحراك الشعبي ولكن دون الخروج منه وتركه،وعندما تبين أن الاحداث في سوريا أعقد واصعب من تصوراتهم، عادوا بكثتفة إلى الحراك مع رفع سقف شعاراتهم السياسية واعتقد هنا أنهم يسعون بهذه الطريقة أنهم إلى ترميم العلاقات القديمة مع السلطة،وخوفا من أن تلجا إلى ضربهم بعد التعبئة الشاملةضدهم في الأشهر الثلاثة الأخيرة.
وعلى سبيل الذكر لا الحصر لم يهتم الإسلاميون طوال فترة الحراك الشعبي بشعارات الحراك الأساسية التي بل كان التفافهم الواضح وشعارهم الأساسي هو الإصلاح السياسي على أساس الملكية الدستورية فقط والذي في حال تحقيقه سيمكنهم من الوصل إلى سلطة منفردين فيها أو متشاركين مع قوى النظام بسبب دفاعهم المستميت عن سياسات السوق الحر وآليات الليبرالية الجديدة على الصعيد الاقتصادي والتي تظهر بشكل واضح سواء ببرامجهم الاقتصادية أو خطابهم السياسي.
3- أما عن قوى الحراك الاجتماعي الأخرى، هناك العشرات من قوى الحراك الأُخرى
"كننا قد ذكرناها سابقاً " إضافة على القوى السياسية التاريخية اليسارية والقومية وهي تمتلك برامجها الخاصة التي تتعارض فيما بينها أحياناً إلا أنها تتفق تماماً في الأهداف الرئيسية الكبرى -محاربة السياسات النيوليبرالية على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي والسياسي والثقافي -.
واستئصال الفساد وملاحقة الفاسدين ومحاكمتهم واستعادة الأموال المنهوبة،وكذلك النضال المشترك من أجل الديموقراطية السياسية و إلغاء ما تسميه الديموقراطية النيوليبرالية.
اما الهدف الأساسي لحركة اليسار الاجتماعي الأردني هو العمل مركز موحد لهذه الحراكات على أساس برنامج الحد الأدنى من التوافقات يخوض الصراع السياسي من مركز يساري جبهوي،حيث أن وجود مثل هذا المركز هو المؤهل في اعتقاد الكثير من القوى السياسية والحراكات المختلفة هو القادر على خلق تيار ثالث متحد حول أهداف واضحة له القدرة على تعبئة وحشد الجماهير ودفعها إلى النضال من أجل تحقيق تطلعاتها المشروعة والنبيلة بعيداً عن سيطرة السلطة ، وبعيدا عن طموحات الحركة الإسلامية بالسيطرة على الحراك الشعبي الأردني بما يخدم الأهداف الضيقة والمتعارضة مع أهداف .