عبدالله خليفة في حوار استثنائي مفتوح حول: الحراك الاجتماعي في البحرين وعموم الخليج العربي، دور وموقف القوى التقدمية


عبدالله خليفة
الحوار المتمدن - العدد: 3283 - 2011 / 2 / 20 - 14:39
المحور: مقابلات و حوارات     

أجرت الحوار:  هيفاء حيدر

من اجل تنشيط الحوارات الفكرية والثقافية والسياسية بين الكتاب والكاتبات والشخصيات السياسية والاجتماعية والثقافية الأخرى من جهة, وبين قراء وقارئات موقع الحوار المتمدن على الانترنت من جهة أخرى, ومن أجل تعزيز التفاعل الايجابي والحوار اليساري والعلماني والديمقراطي الموضوعي والحضاري البناء, تقوم مؤسسة الحوار المتمدن بأجراء حوارات مفتوحة حول المواضيع الحساسة والمهمة المتعلقة بتطوير مجتمعاتنا وتحديثها وترسيخ ثقافة حقوق الإنسان وحقوق المرأة والعدالة الاجتماعية والتقدم والسلام.
حوارنا – 31 - سيكون مع الأستاذ عبدالله  خليفة حول: الحراك الاجتماعي في البحرين وعموم الخليج العربي، دور وموقف القوى التقدمية.


1 – تشهد البحرين الآن حراكاً مطلبياً جماهيريا واسعاً ينادي بضرورة الإصلاح السياسي الشامل واجهته السلطات بالقمع العنيف واستخدام القوى المفرطة ، كيف تقييم ذلك؟ وما هو دور و موقف القوى اليسارية والتقدمية؟

 لقد حدث هذا الحراك في خضم التحركات العربية العارمة في العديد من الدول خاصة في تونس ومصر واليمن، لكن النموذجين الناجحين في تونس ومصر المبهرين الملحميين والمفاجئين واللذين دخلا كلَ بيت وحركا المشاعر والأفكار في كل عائلة نحو الأحداث والتغيير، جعلا الجماعات السياسية المعارضة وخاصة الحركات الشيعية، تتأثر بشدة بما جرى، خاصة وأن لديها جماعات كبيرة من الشباب العاطل والمأزوم إجتماعياً بسبب سياسات النظام البنيوية الفاشلة، أي مسألة العجز عن إعادة هيكلة بُنية الرأسمالية الحكومية الفاسدة، في هذه اللحظة المفصلية من الحراك العالمي الشرقي خاصة لتجاوز هذه البنية التي اصبحت تعرقل التنمية والتطور وحقوق الأغلبيات الشعبية.
التأثر لدى هذه الجماعات والاستنساخ والحمى العاطفية هي من المكونات العميقة لديها، فلم تأتِ تحولاتها نتاج دراسات طويلة، فالُبنى التنظيمية داخل الحركات الشيعية والسنية السياسية عامة تمنع الجدل الداخلي المتطور ودرس التجربة السابقة ونقدها.
وقد قادها التأثر الحماسي بالتجربتين واعتقادها بإمكانية تحقيقهما في البحرين كذلك إلى الدعوة للتجمع والجثوم الاحتجاجي المطول في دوار اللؤلؤة لخلقِِ أزمةٍ عامة.
بطبيعة الحال وعي هذه الجماعة الشبابية لم يدرك الفروقَ بين بُنيتي المجتمعين التونسي والمصري الناضجتين إجتماعياً، وضخامة تواجد الفئات الوسطى والعمالية ووجود توحد وطني ثقافي طويل، وفي تونس خاصة وُجدت طبقةٌ عاملةٌ قوية لها تنظيمٌ نقابي قوي له خبرة هائلة في الصراع الطبقي، وكل هذه الظروف غير موجودة في البحرين، بل توجد فئات ريفية كبيرة مأزومة معيشياً في نظام متعالٍٍٍ عنها، وتتحرك بين مدنٍ فيها فئاتُ سكانٍ من مذهبٍ آخر، ذاتُ درجةٍ من العيشِ مختلفة وبإمتيازات في الوظائف العسكرية خاصة.
وقد عمل الشباب من خلال مواقع الإنترنت الحرة للتجمع في يوم الحب، وهو نفسه يوم إعلان الميثاق الوطني، التي تحتفلُ به السلطةُ كيومِ عيدٍ وطني شكَّل بداية الانعطاف السياسي الكبير في فهم السلطة وقطاع مهم من الشعب كذلك.
أي أن إختيار لحظة التفجير الثوري جاءتْ مناقضةً للحظة الاحتفال بالميثاق، وهو أمرٌ يوفرُ حشوداً من الناس، كما أنه يمثلُ إستهانةً وصفعةً للنظام الذي يحتفلُ بمناسبةٍ عظيمة لديه!
هذا التوقيتُ والاستنساخُ الانقلابي والاستهانةُ ب(المنجزات العظيمة) خلقَ شعوراً بالصدمة لدى الطبقة الحاكمة، مثلما أن الثورات الزاحفة كانت تخلقُ مشاعرَ قلقٍٍ عظيم ورعباً سياسياً، في كل دول مجلس التعاون الراكدة والراقدة على بيض ثمين يقدر بمليارات الدولارات، خاصة في البحرين الصغيرة التي كانت تعتمد على نظامي مصر وتونس، وحين كانت الثورة الشعبية تعصفُ بتونس لم يكن القلق كبيراً، لكن بتفجر الثورة في مصر وزعزعتها لنظام بدا أسطورياً مثل صمود الأهرام تفجرتْ مشاعرُ القلقِِ والخوف!
النظامُ في البحرين عاشَ على حماية الشقيقات الأكبر، وهو نظامٌ يتصفُ بالكارتونية فكأنه فيلم كارتوني حيث ينظر الشيوخ لأنفسهم كأباطرة وبهم حالات عميقة من الشعور بالتقزم وتفاهة الوجود والبخل وهم يدركون طبيعة الكراسي الخاوية التي يجلسون عليها، والمسنودة بأنابيب النفط السعودية، وكرابيج الشرطة الباكستانية والبلوشية والسورية، وبحراسة القاعدة الأمريكية، وحيث الاقتصاد العجيب الفوضوي الذي يعملُ فيه أجانبٌ كأنهم في برج بابل فكلُ الشعوبِ موجودةٌ تلتهمُ ما يمكنُ إلتهامه وإرساله لعائلاتها ومصارفها، وفي قلب العاصمة المنامة هناك قرى رثةٌ تعودُ للقرون الوسطى، وأزقةٌ ضيقة ينحشر البحرينيون داخلها مع الدخان والبؤس وضخامة أعداد الأجانب وبغياب المرافق مثل أحياء الحورة ورأس رمان والجفير والنعيم بالعاصمة. إلا أن يرحمك موقعك الأمني وحصولك على علاقة مع موظف كبير.
التمييز الطائفي السياسي ضد الشيعة نشأ بقوة بعد الثورة الإيرانية وقيام الشباب الشيعي المُسيّس بتدبير الانقلابات المختلفة ونسخ التجربة الإيرانية، وتداخل هذا مع سياسةِ نظام لم يفعل شيئاً عميقاً على تطوير الحارات في قلب المدن فما بالك بالريف المعدم؟
سياسة مجلس الوزراء منذ السبعينيات اعتمدت على إذلال المواطن وتقزيم حضوره وخاصة بعد حل المجلس الوطني، وخلقت (بروليتاريا شيعية) كبيرة فقدتْ الأملاكَ الزراعية والحرف القديمة ولم يبق سوى قدرتها على بيع قوة العمل في سوق لم يوفر لها بيع قوة العمل هذه إلا بأسعار متدنية وأحضرت لها بروليتاريا آسيوية كبيرة تنافسها في المعروض السلعي من بيع قوى العمل وبيع السلع في المتاجر الصغيرة! وحتى بيع قوى العمل لم يتوفر كذلك بسهولة.
ولهذا حين جاء الشيخ حمد ملك البحرين حاول أن يغير هذه السياسة الفاسدة، لكن مع بقاء المسئولين السابقين المسئولين عن بناء هذه البنية المتناقضة الغريبة الفوضوية، وبمجلس منتخب مشدود الرسن لمجلس شورى معين من (مثقفي) النصب والاحتيال. كذلك إستمرت مؤسسةُ مجلس الوزراء في تقليص وخنق دور مجلس النواب والظروف السياسية الجديدة مثل مصادرة النشرات الصغيرة المحدودة الانتشار التي تقوم بها جميعات سياسية كانت تُسمى سابقاً جبهة التحرير الوطني والجبهة الشعبية وحزب البعث وجبهة أحرار البحرين!
وقامت بالتضييق على هذه الجمعيات وحُصرت في أزقة صغيرة ضيقة، ومنعت من الوصول لوسائل النشر والإعلام إلا إذا كانت في حالة مدح أو نقد محدود مُراقب من قبل هذه الأجهزة المرتبطة بالدوائر الرسمية.
ومن جهة أخرى سمحَ مجلس الوزراء لقوى المال أن تتغلغل في الأملاك العامة نهباً وإمتلاكاً ومشروعاتٍ عبر قوى المال الداخلية والخارجية وبتدفق مستمر كذلك من العمالة الأجنبية.
ففجأة رأينا السواحل مملوكة لهذه الجهات أي لأقطاب مجلس الوزراء وابناء الملك حتى صارت الدولة تبحث عن شاطئ واحد لكي يمشي عليه الجمهور في بلدٍ مكونٍ من جزر! وتجد شمالَ مدينة المنامة وهو شريط صغير على سبيل المثال كيف تم إلتهامه تماماً بشكل هائل!
هذه الظروف كلها خلقتْ حالةَ الغضب العارم وكأن القِدرَ الشعبي قد فاضَت وطفحَ الكيل ووجدَ الشباب في الحالات الثورية العربية أسلوباً يمكن تقليده، وكان تقليداً فيه إبتكار ومحدودية وقلة صبر.
الجماعات السياسية الشيعية هي التي أخذت تلعب الدور الرئيسي في الحراك السياسي البحريني منذ عقود، ولا تختلف هذه اللحظة عن التاريخ الماضي، فهي تمتلك تلك البروليتاريا المأزومة الشبابية الواسعة القادرة على التضحية والانتشار، وقد أخذ العمال الشباب والمتعلمون منهم يتغلغلون في الأجهزة الحديثة ويطرحون أشياءَ جديدة ويكتشفون، لكنهم تابعون لولاية الفقيه البحرينية -الإيرانية المزودجة، ومن هنا تغدو علاقاتهم متوترة مع اليسار، فهم يريدون اليسار تابعاً لهم، وأي يسار مستقل ناقد لمستوى وعيهم يعادونه، وبالتالي فإنهم لا يأبهون بالانتقادات المتعلقة ب(الثورة) هذه، وهم يحددون كل مواعيد الحراك وعلى الآخرين أن يكونوا تابعين لهم، رغم ما في هذه التحركات أحياناً من مغامرات وفوضى، لكنهم أنشط وأكثر حيويةً من الجماعات اليسارية التي تجمدتْ وتكلست، وتخصصتْ للخطابات في المقرات والاستعراض والوصول للمنافع والركوب على الموجة وفيها مخلصون ومناضلون قلة فيغدو دورهم نادراً ضعيفاً بشكل عام.
 
2 – نرى بؤراً ساخنة للحوار حول دول الخليج العربي نود الوقوف معكم على أبعادها في مجالات عدة منها: الصراع الديني الطائفي، وقضايا المرأة و حقوقها، وحرية التعبير والتفكير والتنظيم، الديمقراطية، حقوق العمال....؟
أ – الصراع الديني الطائفي
ثلاثة مذاهب أساسية حالياً في الجزيرة العربية هي: المذاهب السنية، والمذهبية الإثناعشرية والإماميات عامة، والمذهب الأباضي.
جاءتْ هذه المذاهب بعد فشل المذاهب (الثورية) كالخوارج والقرامطة والإسماعيلية والزيدية، قبل قرون، وقام فشل هذه المذاهب بسبب عجزها عن الدخول للمضامين النضالية التوحيدية للإسلام وإلتحامها بالجوانب الاستغلالية المحافظة للقبلية، وثورياتها المغامرة، فجاءت المذاهبُ المحافظةُ السابقةُ الذكر لتشكل تطوراً سلمياً وتنشر قوى الإنتاج في مساحات واسعة، كالمذهب الإثناعشري الذي إنتقلتْ به قبيلةُ عبدالقيس من الحجاز إلى البحرين، فنشرتْ الزراعةَ والصيد البحري من جنوب العراق حتى البحرين، وكذلك جاء تغلغل المذاهب السنية المعتدلة كالشافعية والمالكية التي قامت بالتعايش السلمي مع الإثناعشرية وأسست كذلك تلك المهنية الحضارية.
لكن ظهرت بعد ذلك الحنبلية التي تجسدت بشكل الوهابية وطرحت الهجوم على(أهل البدع) وهي تعبر عن قبائل الغزو والنهب، وجاءت بعد ذلك القبائل السنية التي قفزت على هذه المناطق الرزاعية المتحضرة إلى البحرين – الجزر والكويت وقطر والإمارات، مؤسسة دولاً وفي البحرين الجزر إصطدمتْ بالفلاحين أهل الأرض.
وهذا أدى في مناطق الصراع الاقتصادي السياسي كالبحرين إلى الصراع الطائفي الطبقي، الذي أخمدتْ الحركةُ الوطنية شكلَهُ الطائفي، لكنه إستعرَ بعد ولاية الفقيه. في قطر لم تكن ثمة تنوعات وساد المذهب الوهابي المحافظ، وهكذا فإن لكل بلد حراكه الاجتماعي الفقهي – السياسي الخاص.
في زمن التحرر الوطني(العلماني) التحقتْ المذاهبُ الإسلامية بالحركات الاجتماعية كرديفٍ مساعد، وفي زمن أزمة الرأسمالية الحكومية الراهنة بعد ضرب تيارات الحركات الوطنية تحول الرديفُ إلى حركة أساسية للاستيلاء على الرأسمالية الحكومية المأزومة في حين يتطلب الأمرُ نشؤ نظام رأسمالي ديمقراطي تعددي بدلاً من صراع الطوائف لكن الخليج غير ناضج لهذا بعد، والمرحلة التالية ستكون تداخلاً بين القوى الاجتماعية، حيث ستتحول الفئات الوسطى المُهمّشة إلى بداية تكون الطبقات الوسطى، وهذا مشروطٌ بهزيمة فكرة ولاية الفقيه السني والشيعي والحكم المطلق.


ب: قضايا المرأة وحقوقها
النساء مرتبطات بالقوى التحديثية وأوضاعها، فلكما ازدهر نمو هذه القوى تنامت حقوق النساء، فالحركات الدينية تعبر عن بنية الاقطاع، التي همشتْ النساءَ وحولتهن إلى أدواتِ إنتاجٍ منزلية وجوار، وهناك ضعف أساسي في القوى الوسطى بسبب هيمنة الدول ورأسمالياتها الحكومية التي إحتاجت لخروج النساء الجزئي، لكن هذه الرأسماليات كانت تسحق الأرياف والبوادي، والطبقات الشعبية عموماً والتي وجدت في اليسار ثم في الدين مظلات الحماية، فأنتشرتْ الحركات المدافعة عن النساء وحرياتهن زمن اليسار وتراجعت في زمن إستعادة الأفكار الماضوية. وحتى الأشكال الإسلامية المحافظة كانت تمثل لهذه الأوساط الريفية والبدوية أشكالاً من الدفاع عن النساء وسلامتهن ولكن بعقلية السيد.
يحدث الآن التركيب الجدلي بين النهضة والحداثة والجذور العربية الإسلامية الإنسانية فتتصاعد حركات النساء المطالبة بالحقوق متعاضدة مع حركات النضال العامة.


ج – الحريات، التنظيمات، العمال، حقوق العمال الخ..
كل هذه القضايا ترتبط بنمو وفاعلية الفئات الوسطى والعمالية وفي الخليج يتم ذلك من خلال الأفكار الدينية المحافظة في الغالب، ولهذا لا تستطيع أن تحدث إنجازات وتحولات للشعب في المنطقة، فهذه التيارات ذكورية محافظة تضطهد الزوجات والأمهات والنساء عامة، ولم تستطعْ إنتاجَ ثقافة ديمقراطية، فهي محدودة القراءة، ولا تنتج كتابات فكرية تحليلية، ومن جهة أخرى فهي عاطفية تعتمد على الفورات الوقتية.
فنجد أن التنظيمات الدينية طائفية تريد برلمانات وتحولات(ديمقراطية) تصعد ثقافتها الدينية المحافظة، أي أنها تريد الاستيلاء على خيرات الرأسماليات الحكومية مع تشكيل هيمنة سياسية على المجتمع. والدول تريد المحافظة على الهيمنة، فالبدائل الديمقراطية العميقة غير موجودة، في الحكومات وفي المعارضات على صعيد الخليج بسبب أن الفئات الوسطى والعمالية التحديثية العلمانية الواسعة كما في تونس ومصر غير موجودة هنا.
أنها تريدُ المحافظةَ على رجعيتها ولكن في نظام ديني دكتاتوري على الطريقة الإيرانية. والأنظمة متخلفة فاسدة، فالشعوب العربية هنا بين نارين.
نرجو أن تتغلب الحركات الشبابية المناضلة في الوقت الراهن على هذه السلبيات.
أما العمال العرب خاصة اليدويون منهم فهم في ظروف سيئة خاصة في البحرين وبعض مناطق السعودية حيث الأجور المتدنية والأعمال الصعبة، أما العمال الأجانب البروليتاريون فهم في ظروف اسوأ لكن لديهم تجمعاتهم الكبيرة القادرة على الإضرابات الفاعلة، وخلايا شيوعية مناضلة بينهم لتغيير معيشتهم، بخلاف العرب.


3– ما هي أبرز التحولات التي تعصف اليوم بدول الخليج العربي؟ وكيف ترى أوجه الإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي هل من فرصة حقيقية اليوم لذلك؟

قلب دول الخليج العربي هي البحرين المعاصرة، والبحرين القديمة: الإحساء والقطيف، هنا نجد أغلبية شيعية فقيرة وأنظمة بدوية إرستقراطية، وقامت الحكومتان في البحرين والسعودية على تحجيم الطائفة، وعدم القيام بإصلاح زراعي وتوزيع الأراضي الزراعية على الفلاحين ورفع مستوى القرى المعيشي والتعليمي والثقافي، فكان أن ظهرت التحولات الدراماتيكية العنيفة، وإستغلَّ رجالُ الدين هذه الفجوة، والمستقبل غامض وحاد، وهذا يعتمد على مدى تطور القوى الديمقراطية داخل إيران والدول العربية في الخليج، وإزاحة خيار المواجهة الاجتماعية، فالتناقضاتُ الاجتماعية والسياسية تتفجرُ في كل حدب وصوب، وبين الساحلين العربي والفارسي.
الآن ظهرت طبعةٌ جديدة من ولاية الفقيه أكثر إصراراً على إسقاط الأنظمة المحافظة في الخليج، وكأنها تعكس تطرف الحرس الثوري الإيراني، وتوجهه للمجابهة على صعيد المنطقة.
عمليات الإصلاح تتجمد أكثر فأكثر وتمزقُ الدولَ الخليجية خاصةً الصغيرة يُطرح بقوة، ونمو الإصلاح يعتمد على مدى نشاط القوى الديمقراطية الليبرالية الحكومية والوسطى، وخاصة في السعودية تحديداً فهي الدولة القادرة على فعل ذلك، كلننا نراها الآن شبه مشلولة!


4- ما هو الدور الذي يلعبه الإسلام السياسي اليوم في الصراعات التي تعيشها الحكومات الخليجية مع شعوبها في هذه المرحلة؟

لقد وضحتُ بشكلٍ مسهبٍ دورَ الحركات المذهبية السياسية المحافظة خاصة الشيعية منها، أما الحركات السنية فهي تعمل في ظلال الحكومات، ما عدا القاعدة ذات المشروع الإقصائي الكامل، والحركات السنية نمت في دوائر الدول الرسمية، خاصة بعد تصاعد قضية ولاية الفقيه، فزادتْ من نشاطاتها وتحالفاتها مع الحكومات خوفاً من الانقلابات والإطاحة بظروفها المعيشية الجيدة.
وكرستها الحكومات وصعَّدت من أدوارها وحضورها في المجالس المنتخبة والجيوش، وفي الحياة الاجتماعية والسياسية عامة، وكل الحركات الدينية المذهبية المحافظة تشتغلُ على إنتاجِ شعاراتٍ فقهية قديمة ولا تشتغل على إنتاج معرفة إسلامية نهضوية، فلا توجد الإتجاهاتٌ الإسلامية المتنورة التي تعمل على مرجعية الحضارة الإسلامية وليس على مرجعية الطائفية، كما في مصر وتركيا، وهي تعبيرٌ عن ضيق منسوب الفئات الوسطى الخليجية وجذورها الريفية المتخلفة والبدوية المتعصبة.


5 – كيف ترى اليوم أثار التحرك والهبة الجماهيرية في مصر وتونس والدول العربية الأخرى في التسريع بالتحولات نحو الديمقراطية والعدالة الاجتماعية؟ وهل سيكون لها دور ايجابي في استنهاض قوى اليسار في العالم العربي؟

لقد كتبتُ بشكل مطول عن التحركات والثورتين في تونس ومصر، في جريدة أخبار الخليج البحرينية في نفس الأيام التي حدثت فيها، وعرضتُ في هذه المقالات عن سببيات في تفجر هذه الهبات الجماهيرية العظيمة، والآن حدث إنتقال لهذه الهبات في البحرين واليمن وليبيا.
لقد بدا واضحاً أن الأنظمة الشمولية العربية ذات القطاعات العامة الفاسدة النازفة لثمار قوى العمل والإنتاج الشعبية، تواجهها الطبقات العمالية والقطاعات الخاصة بقوة وشجاعة هائلة، وهما تمثلان مشروعا اليسار واليمين الإنتاجي.
إنفتاح الأحداث على الديمقراطية وصعود المشروع الرأسمالي الخاص وبعض الحقوق الاقتصادية للطبقات الشعبية، هي السمات العامة للمرحلة، وتمثل الأجيال الشابة مشروع الرأسمالية الخاصة أما بشكل تحديثي وأما بشكل ديني، لكن الأحداث تفرج عن اليسار وحرياته في النضال والظهور ويكفي في هذه المرحلة إتساع الحريات وعمليات الإنتاج العميقة، دون توقف اليسار المفترض عن تحليل المرحلة وتقديم برامجه وكسب الجماهير.