انهيارُ الفلسفة وسقوطُ التحديث


عبدالله خليفة
الحوار المتمدن - العدد: 4588 - 2014 / 9 / 29 - 09:33
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     


القوانين هي هي، وانهيارات العقول التحديثية متشابهة عبر العصور، وصراعات قوى النهضة والتحديث مع قوى التخلف والخرافة والعنف ذات سمات عامة متقاربة.
أزمة عاصمة بني العباس مكررة لأزمة القدس في ظل الامبراطورية الرومانية شبيهة بأزمات المدن والعواصم العربية في ظل إنتاج التبعية والرأسماليات الحكومية المعاصرة زمناً لا المعاصرة حداثة.
تعبر الفلسفات عن قدرات العقول على فهم العمليات التاريخية الاجتماعية ووضع الحلول لها، فهي قدرات قادرة على الغوص العميق في الظاهرات وكشف أسبابها.
بغداد العباسيين مأزومة لكونها قد انهارت قواها الإنتاجية، فالمدينة الكبرى التي تُجبى إليها زراعة العرب والمسلمين وفوائض حرفهم لم تستطع أن تواصل عمليات النزيف هذا والشعوب استقلت.
ولكن إذا لم تكن الفلسفات ذات إرادات شعبية ومتصلة بالجمهور النقدي المضيء الناقد المحلل بل هو الجمهور السلبي المخدر الميتافيزيقي الذي يتحول إلى عدو للفلسفة (فمن تمنطق فقد تزندق!) فإن الفلسفات لا تقدر على فعل شيء تاريخي سياسي نهضوي.
العاصمة العباسية العربية انقطعت عن المدن ذات القوميات غير العربية التي شهدت مدناً وأقاليم مازالت قادرة على الإنتاج، فيما بغداد لا تنتج وتنتظر خيرات المنتجين!
ولهذا فتلك المدن والأقاليم مازالت تنتج الباحثين والفلاسفة القوميين الذين راحوا يعبرون عن دوائرهم الوطنية لا العربية العباسية المركزية.
ولهذا فإن بغداد استقبلت على مدى قرون رثاث المنتجين المقتلعين من أراضيهم، والبدو الذين لا يمتلكون حرفاً ويغدون متسولين أو خدماً لكل سيد فيرفعون الشعارات الملتهبة بحسب ما يريد العسكر البويهي الحاكم أو بحسب قوى شيوخ العامة الذين صاروا قوة وجندوا الناس حولهم.
لهذا فإن الفلسفة لا بد أن تُضرب، وقوى العقول النيرة يجب أن تشل، وكلما كثرت الجموع العامية الخرافية كلما تضعضعت قوى الوعي النير وساد الجهل والتعصب.
من هنا فإن تيارات العقل والتحديث من معتزلة ومرجئة وقدرية وعقلانية تتصحر وتقاطع وتحبس وتنفى من الأرض.
والفلسفات ذات مأزومة فهي عرفانية تغيب مسائل الواقع وأزمات الاقتصاد ووضع العاصمة الاقتصادي المنهار في دائرة الغيب، بدلاً من أن تكشف وتحلل الأزمة وتحكم القوى العليا في الفيض الاقتصادي وبعثرته، فهي ترجعه كذلك إلى عوامل غيبية تتدخل فيها الكواكب والنجوم مع ظواهر عامة غير عميقة.
قوة عرفانية نخبوية ونقدية جزئية وأتباع للحكام في مواجهة عامة أمية خرافية متعصبة راحت تتوجه للحرب ضد الفلسفة والفكر والعلوم، مقصرة الوعي على أشكال متيبسة من التراث.
وتتغلب هذه العامية التي جندت حشويات البشر والمقتلعين والمتعصبين ودفعتهم إلى الهجوم على مظاهر الحداثة وأعمال المفكرين وكتبهم وعلى قوى العرفان والمثقفين والأدباء الذين لم يشكلوا قوى سكانية مؤثرة، واعتبروا أن الحداثة ومظاهر التقدم التي استمرت على مدى قرون وحققت عيشاً جيداً هي سبب الخراب فلا بد من وئدها والعودة لما قبل هذه الحضارة العقلانية المنحرفة!
قوتان إحداهما تعبر عن عقل منهار وأخرى تعبر عن لا عقل متسلط متخلف سوف يفرض سطوته ويقضي على حاضر الأمة الواعد!