مراحل الفئات الوسطى


عبدالله خليفة
الحوار المتمدن - العدد: 4589 - 2014 / 9 / 30 - 08:56
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     


عقب أحد القراء على مقالة سابقة لي فذكر:
(صحيح أن البرجوازية كطبقة لعبت دورا مهما في هزيمة الإقطاع والكنيسة، ولكن من قبيل الغبن والجحود أن نتجاهل الدور العظيم الذي لعبه عصر الأنوار السابق للبرجوازية بعدة قرون. الديمقراطية ما كان لها أن تنتصر لو لم يمهد الأنواريون الأرضية لها من خلال بث الثقة في إمكانية الإنسان في تقرير مصيره بدون أية إرادة غيبية والوقوف في وجه اللا تسامح الديني والحكم المطلق، بالإضافة طبعا إلى الفتوحات العلمية التي شككت في (حقائق) الكنيسة. وكلها قام بها رجال شجعان، لا علاقة لهم بالبرجوازية، بل إن بعضهم خرجوا من رحم الأرستقراطية الإقطاعية والكنيسة بالذات (كوبرنيكوس، جيوردانو برونو، ليونار دي فينشي).
لهذا يجب أن نولي أهمية أكبر للتوعية وتحرير الأبدان قبل تحرير العقول وتجاوز العقلية اليسارية التي لا تزال تصر على أولوية العامل المادي الاقتصادي الذي لا يصدقه الفرز الحاصل في مجتمعاتنا هذه الأيام، حيث إننا نجد العمال والبرجوازيين منقسمين على أنفسهم بين مؤيد لقوى دينية معادية لمصلحتهم وبين معاد لها حتى استولى الإسلاميون على النقابات العمالية بخطاب يدعو إلى تآخي الذئب والخروف تحياتي) موقع الحوار المتمدن.
لم يكن العلماء والفنانون الغربيون في فترات التحول من القرن السادس عشر حتى القرن الثامن عشر سوى فئات من الطبقة الوسطى التي لم تتكون بعد، فتكون الطبقات الوسطى في مجموع الدول الغربية عمليات مركبة متدرجة، إن هؤلاء المثقفين يسهمون في تكون الرأسمال الفكري الثقافي، إنهم معزولون عن الانتاج المادي لكنه يجذبهم إليه حيث يغدو مصدر المعيشة الرئيسية، فتتطور تخصصاتهم بحسب تطور الانتاج، يغدو رأس المال صاهراً لهم، وهو يستغل ويجذب العمال اليدويين مثل العمال الذهنيين، ويحيلهم لبروليتاريا ذات ياقات سوداء وبيضاء.
يقوم المثقفون بتحرير الثقافة من أسر العصور الوسطى، وتغيير العلاقات الاجتماعية، وحين تتفجر الثورة الصناعية تكون هذه القوى قد غدت القوى الرئيسية للتحول الاجتماعي.
إنها عملية تاريخية طويلة، وأنسنة المتنورين لا تعني عدم علاقاتهم بتطور الانتاج الرأسمالي الذي ينمو بشكل تاريخي مرحلي ولا تعني عدم معارضة الاستغلال فيه، مثلما فعل ماركس بتحليل رأس المال ونقده، فغذى تطوره وبين آفاقه، ويلعب المثقفون العلمانيون الديمقراطيون دورهم الرئيسي في نقد الثقافة الإقطاعية وتحرير العقول وخلق التنوير وهي الأمور التي تحرر النساء من العبودية المنزلية والمدارس من الكهنوت والثقافة من الظلامية وهي عمليات مركبة في تطور البنى الرأسمالية لكل بلد.
تحول الفئات الوسطى إلى طبقات وسطى يجري حين تسيطر على الانتاج الصناعي وتكرس فوائضه لإعادة الانتاج الموسعة في المجتمع.
إن العلماء والفنانين هم الفئات الوسطى الصغيرة كانوا ملحقين بالقصور ثم استقلوا وقادوا ثقافة النهضة والحرية!