فراس قصاص - رئيس حزب الحداثة و الديمقراطية و المنسق العام للائتلاف العلماني الديمقراطي السوري - في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: الحدث السوري من منظور حزب الحداثة و الديمقراطية.


فراس قصاص
الحوار المتمدن - العدد: 4230 - 2013 / 9 / 29 - 13:06
المحور: مقابلات و حوارات     

من اجل تنشيط الحوارات الفكرية والثقافية والسياسية بين الكتاب والكاتبات والشخصيات السياسية والاجتماعية والثقافية الأخرى من جهة, وبين قراء وقارئات موقع الحوار المتمدن على الانترنت من جهة أخرى, ومن أجل تعزيز التفاعل الايجابي والحوار اليساري والعلماني والديمقراطي الموضوعي والحضاري البناء, تقوم مؤسسة الحوار المتمدن بأجراء حوارات مفتوحة حول المواضيع الحساسة والمهمة المتعلقة بتطوير مجتمعاتنا وتحديثها وترسيخ ثقافة حقوق الإنسان وحقوق المرأة والعدالة الاجتماعية والتقدم والسلام.
حوارنا -113 - سيكون مع الأستاذ فراس قصاص - رئيس حزب الحداثة و الديمقراطية و المنسق العام للائتلاف العلماني الديمقراطي السوري - حول: الحدث السوري من منظور حزب الحداثة و الديمقراطية.


نبذة عن حزب الحداثة و الديمقراطية لسورية :


ﺗﻌﻮﺩ ﺑﺪﺍﻳﺎﺕ ﺗﺄﺳﻴﺲ حزب الحداثة ﻭﺍﻟﺪﻳﻤﻘﺮﺍﻃﻴﺔ ﺇﻟﻰ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻃﻼﺏ سوريين ﻣﻦ ﻣﻨﺎﺑﺖ ﺩﻳﻨﻴﺔ ﻭﺛﻘﺎﻓﻴﺔ ﻭﻋﺮﻗﻴﺔ ﻣﺘﻌﺪﺩﺓ ﻛﺎﻧﻮﺍ ﻳﺪﺭﺳﻮﻥ ﻓﻲ ﺟﺎﻣﻌﺘﻲ ﺩﻣﺸﻖ ﻭ ﺣﻠﺐ . ﺗﻌﺎﻃﺖ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺠﻤﻮﻋﺔ ﺍﻟﺤﻮﺍﺭ ﺑﺸﻜﻞ ﻣﻤﻨﻬﺞ ﺑﺪﺀﺍ ﻣﻦ ﻋﺎﻡ ١٩٩٦ ﺣﻮﻝ ﺍﻟﺸﺄﻥ ﺍﻟﺴﻮﺭﻱ، ﻭﺗﻌﻬﺪ ﺃﻓﺮﺍﺩﻫﺎ ﻣﻨﺬ ﺍﻟﺒﺪﺍﻳﺔ ﺑﺄﻥ ﻳﺮﻣﻮﺍ ﻛﻞ ﺍﻷﻃﺮ ﺍﻟﺠﺎﻫﺰﺓ ﻭﺍﻟﻤﺴﺒﻘﺔ ﺧﻠﻔﻬﻢ ﻭﺃﻥ ﻳﺘﺠﺎﻭﺯﻭﺍ على ﺍﻟﺘﺎﺑﻮﺍﺕ ﻭﻫﻲ ﻛﺜﻴﺮﺓ ﻓﻲ ﺍﻟﺜﻘﺎﻓﺔ ﻭﺍﻟﺴﻴﺎﺳﺔ ﺍﻟﺴﺎﺋﺪﺗﻴﻦ ﻓﻲ ﺳﻮﺭﻳﺔ ﻭﻓﻲ ﺍﻟﻤﻨﻄﻘﺔ ﻋﻤﻮﻣﺎ.
ﻟﻘﺪ ﺭﺃﺕ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺠﻤﻮﻋﺔ ﺃﻫﻤﻴﺔ ﺃﻥ ﻳﻘﻮﺩ ﺃﻓﺮﺍﺩﻫﺎ ﺍﻧﻘﻼﺑﺎ ﺃﻭﻝ ﺍﻷﻣﺮ ﻟﻴﺲ على ﺍﻟﻨﻈﺎﻡ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻲ ﻭﺇﻧﻤﺎ على ﺫﻭﺍﺗﻬﻢ ﻟﻴﺘﺨﻠﺼﻮﺍ ﻣﻦ ﺁﺛﺎﺭ ﺍﻟﺒﻴﺌﺔ ﺍﻟﻄﺎﺋﻔﻴﺔ ﻭﺍﻟﺬﻛﻮﺭﻳﺔ ﻭﺍﻷﺑﻮﻳﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻧﺸؤﻭﺍ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻣﺘﺴﻠﺤﻴﻦ ﺑﺎﻟﺤﻮﺍﺭ ﻭﺍﻟﻤﻄﺎﻟﻌﺔ ﺍﻟﻜﺜﻴﻔﺔ ﻭﺍﻟﻨﻘﺪ ﻭﺍﻧﺘﻬﺎﻙ ﺍﻟﻼﻣﻔﻜﺮ ﻓﻴﻪ ﻭﺍﻟﻤﺴﻜﻮﺕ ﻋﻨﻪ، ﻟﻘﺪ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﺮﺣﻠﺔ ﺻﻌﺒﺔ ﺑﺎﻟﻔﻌﻞ ﺍﺳﺘﻮﻋﺒﻬﺎ ﺃﻓﺮﺍﺩ ﺍﻟﻤﺠﻤﻮﻋﺔ ﺭﻏﻢ ﻣﺎ ﺣﻔﻠﺖ ﺑﻪ ﻣﻦ ﺗﺪﺍﻋﻴﺎﺕ ﻭﺍﻧﻜﺴﺎﺭﺍﺕ ﻧﻔﺴﻴﺔ ﺣﺎﺩﺓ ﺭﺍﻓﻘﺖ ﻭﻻﺩﺓ ﺷﺨﺼﻴﺎﺗﻬﻢ ﺍﻟﺤﺮﺓ ﻭﺍﻟﻌﻘﻼﻧﻴﺔ ﻟﻜﻨﻬﻢ ﻋﺎﺷﻮﺍ ﺗﺠﺮﺑﺔ ﺧﺼﺒﺔ ﺃﺻﺒﺤﻮﺍ ﺟﺎﻫﺰﻳﻦ ﺑﻌﺪﻫﺎ ﺃﻛﺜﺮ ﻟﻴﺘﻔﺎﻋﻠﻮﺍ ﻓﻴﻤﺎ ﺑﻴﻨﻬﻢ ﺑﻜﻞ ﺍﻧﻔﺘﺎﺡ ﻭﺯﺧﻢ، ﻓﻜﺎﻥ ﺗﺄﺳﻴﺲ الحزب ﺗﺎﻟﻴﺎ على ﺫﻟﻚ ﻓﻲ ﻋﺎﻡ 2001. ﻛﺎﻥ ﺗﺸﻜﻞ ﺍﻹﻃﺎﺭ ﺍﻟﻤﻌﺮﻓﻲ ﻟﻠﺤﺰﺏ على ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﻨﻮﺍﻝ ﺇﺑﺎﻥ ﺗﺄﺳﻴﺴﻪ ﻛﺎﻓﻴﺎ ﻟﻜﻲ ﻳﻀﻊ ﻣﻬﺎﻡ ﺍﻟﺘﻨﻮﻳﺮ ﻭﺍﻹﺻﻼﺡ ﺍﻟﺪﻳﻨﻲ ﻭﺍﻟﺘﺤﺪﻳﺚ على ﺭﺃﺱ ﺃﻭﻟﻮﻳﺎﺗﻪ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ، ﻭﺃﻥ ﻳﻌﻠﻦ ﺃﻥ ﺧﻄﺎﺑﻪ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻲ ﺧﻄﺎﺏ ﻣﻔﺘﻮﺡ ﻭﻏﻴﺮ ﻣﻨﺠﺰ ﻭﺳﻴﺒﻘﻰ ﻛﺬﻟﻚ ﻭﺃﻧﻪ ﻳﺘﺤﺎﺷﻰ ﺍﻟﻮﻗﻮﻉ ﻓﻲ ﻛﻤﺎﺋﻦ ﺍلأﻳﺪﻭﻟﻮﺟﻴﺎ ﻭﺍﻧﻐﻼﻗﺎﺗﻬﺎ، ﻓﻲ ﺍﺧﺘﺒﺎﺭ ﺩﺍﺋﻢ ﻣﻊ ﺍﻟﻌﻤﻠﻲ ﻭﺍﻟﻴﻮﻣﻲ ﻓﻲ ﺩﻳﻨﺎﻣﻜﻴﺔ ﺩﺍﺋﻤﺔ ﻭﺣﺮﻛﺔ ﻣﺘﺠﺪﺩﺓ.
ﺍﻟﺨﻄﺎﺏ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻲ ﻟﺤﺰﺏ الحداثة ﻭﺍﻟﺪﻳﻤﻘﺮﺍﻃﻴﺔ ﻳﺤﺪﺩ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﺔ ﻓﻲ ﻛﻮﻧﻬﺎ ﺗﺠﺴﺪﺍ ﻟﻠﺜﻘﺎﻓﺔ ﻭﺇﺳﻘﺎﻃﺎ ﻟﻬﺎ على ﺍلإﺟﺘﻤﺎﻋﻲ (ﻋﻼﻗﺎﺕ ﻭﺗﻔﺎﻋﻞ ﻭﻗﻮﻯ ﻭﻣﻮﺍﻗﻒ)، ﻭﻳﺮﻯ ﺃﻥ ﺟﻮﻫﺮ ﺍﻷﺯﻣﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻌﻴﺸﻬﺎ ﺳﻮﺭﻳﺔ ﻭ ﺟﺬﺭﻫﺎ ﻛﺎﻣﻦ ﻓﻲ ﺍﻟﺜﻘﺎﻓﺔ ﺣﻴﺚ ﺍﻟﻨﻈﻢ ﺍﻟﻤﻌﺮﻓﻴﺔ ﻭﺍﻟﺘﺮﺍﻛﻴﺐ ﺍﻟﻌﻘﻠﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻤﻴﺰ ﺍﻟﺸﺨﺺ ﺍﻹﻧﺴﺎﻧﻲ ﻓﻲ ﺳﻮﺭﻳﺔ ﻫﻲ ﺍﻟﻤﺴﺌﻮﻟﺔ ﻋﻦ ﺑﻠﻮﺭﺗﻬﺎ.
ﻟﻘﺪ ﺭﺻﺪ ﺍﻟﺨﻄﺎﺏ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻲ ﻟﻠﺤﺰﺏ ﻓﻲ ﺍﻷﺯﻣﺔ ﻫﻴﺌﺘﻬﺎ ﺍﻟﺪﺍﺋﺮﻳﺔ، ﺍﻟﻤﻌﺮﻓﻲ ﺍﻟﺜﻘﺎﻓﻲ ﻳﻨﺘﺞ ﻣﺎ ﻫﻮ ﺳﻴﺎﺳﻲ ﻭﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻲ ﺑﺪﻭرﻩ ﻳﺆﻛﺪ ﻭﻳﻌﻴﺪ ﺇﻧﺘﺎﺝ ﺍﻟﻤﻌﺮﻓﻲ ﺍﻟﺜﻘﺎﻓﻲ، ﻟﺘﺤﻜﻢ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺪﺍﺋﺮﺓ ﺍﻷﺯﻣﺔ ﺇﻏﻼﻕ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍﻟﺴﻮﺭﻱ على ﺫﺍﺗﻪ ﻭﺗﺒﻘﻲ ﻣﻤﻜﻨﺎﺗﻪ ﻣﺤﺪﺩﺓ ﺑﻌﻼﻗﺔ ﺍﻟﺘﺄﻛﻴﺪ ﺍﻟﻤﺘﺒﺎﺩﻝ ﺑﻴﻦ ﺷﺮﻃﻴﻬﺎ (ﺍﻟﺜﻘﺎﻓﻲ ﺍﻟﻤﻌﺮﻓﻲ ﻭﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻲ )ﻭﺍﻟﺘﻲ لم ﺗﻔض حتى ما قبل الثورة ﺇﻻ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻤﺮﺍﻭﺣﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻜﺎﻥ ﻭﺍﻟﺪﻭﺭﺍﻥ على ﺍﻟﺬﺍﺕ ﻭﺍﻟﺘﺄﺧﺮ ﻋﻦ ﺍﻟﻌﺼﺮ.
ﻟﺬﻟﻚ كان ضروريا أن يمارس اﻟﺤﺰﺏ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﺔ ﻭﻓﻖ ﻣﺴﺘﻮﻳﻴﻦ، ﺍﻷﻭﻝ ﻓﻲ ﺃﻛﺜﺮ ﺃﺑﻌﺎﺩﻫﺎ ﺗﺄﺳﻴﺴﻴﺔ، ﻓﻲ ﻛﻮﻧﻬﺎ ﺗﻌﺒﻴﺮﺍ ﻋﻤﻠﻴﺎ ﻭﺍﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺎ ﻋﻦ ﺍﻟﺜﻘﺎﻓﺔ ،ليعمل من أجل ﺍﻟﺘﺄﺳﻴﺲ ﻟﻨﻈﺎﻡ ﻣﻌﺮﻓﻲ ﺟﺪﻳﺪ ﻭﺛﻘﺎﻓﺔ ﺟﺪﻳﺪﺓ ﻳﻜﻮﻥ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻣﺮﻛﺰﻫﺎ ﻭﻫﺪﻓﻬﺎ ﻭﻣﺤﺪﺩﻫﺎ ﺍﻷﻫﻢ، ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﺍﻟﺤﺮ ﺫﻭ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﺍﻟﺤﺮ.
ﻭﺍﻟﺜﺎﻧﻲ ﺣﻴﺚ ﻳﻤﺎﺭﺳﻬﺎ ﺑﺎﻟﻤﻌﻨﻰ ﺍﻟﻤﺒﺎﺷﺮ ﻟﻠﻜﻠﻤﺔ، ﻓﻴﻌﺎﺭﺽ ﺍﻟﻨﻈﺎﻡ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻲ ﺍﻟﻤﺴﺘﺒﺪ ويدعم الثورة السورية دعما مطلقا .
فالنظام السوري ،كما رصد الحزب، هو ﺍﻟﻤﻨﺘﺞ ﺍﻟﻤﺒﺎﺷﺮ ﻟﻠﻘﻤﻊ ﻭﺍﻟﻔﻘﺮ ﻭﺍﻟﻔﺴﺎﺩ ﻭﺍﻧﺘﻬﺎﻙ ﺣﻘﻮﻕ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻭﻟﻌﻤﻮﻡ ﺍﻟﺪﻣﺎﺭ ﺍﻟﺤﺎﺻﻞ ﻓﻲ ﺍﻟﺒﻼﺩ، وهو الذي ﺠﻬﺪ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﻔﺎﻅ على ﺍﻟﺸﺮﻭﻁ ﺍﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ ﻭﺍﻟﻤﻌﺮﻓﻴﺔ القروسطية ﺍﻟﺘﻲ ﻳﺪﻳﻦ ﻟﻬﺎ ﺑﺎﻟﻔﻀﻞ ﻟﻮﺟﻮﺩﻩ واستمرار تسيده الحال السوري ،بل وتجذره في الحياة السورية إلى الدرجة التي تبدت منذ أكثر من عامين ونصف من عمر الحراك السوري . لقد خلص حزب الحداثة و الديمقراطية من تحليله للواقع عبر النظر إليه من مواقع و زوايا متعددة ، أن النظام السوري هو من أشرف على السير بالمجتمع السوري عكس التنوير الذي يحتاجه ، برعايته و دعمه للمنابر التقليدية الدينية ( المدرسة البوطية – القبيسيات..الخ ) و بضبطه و تحكمه بالخطاب الديني كما تروج له آلاف المساجد و المنابر الدينية الإعلامية ،وهو من وظف العامل الديني من أجل إحكام قبضته على البلاد مستغلا المخيال الجماعي الديني المؤسس للذات الطائفية ، المليء بالهواجس والمواقف المتخوفة والمتربصة بالآخر ، لا سيما للبيئة المذهبية التي ينحدر منها ، في بناء منظومته الأمنية والعسكرية وهيكلة الدولة على قده الأمني والسلطوي . ليترافق ذلك مع منعه العمل السياسي والمدني الذي يكاد يكون الجسر الأهم لعبور خنادق الطائفية وتجاوز ألغامها . إن إسقاط النظام السوري المستبد يشكل من وجهة نظر حزب الحداثة كسرا للإغلاق الحاصل في هيئة أزمة الوجود السوري الدائرية ، والمقدمة الحتمية لتوليد عالم الحداثة العقلية في البلاد ولنقل سورية إلى شرط سياسي وإنساني جديد، كيف لا وهو الجهة التي تتحمل مسؤولية تقويض البعد ﺍﻟﺠﺪﻟﻲ ﻟﺼﻴﺮﻭﺭﺓ ﺍﻟﺤﺮﻛﺔ ﺻﻮﺏ ﺍﻟﺘﻘﺪﻡ ﻭﺍﻟﺘﺠﺎﻭﺯ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﻲ ﻟﻠﺸﺮﻁ ﺍﻟﻘﺮﻭﺳﻄﻲ ﻓﻲ ﺳﻮﺭﻳﺔ،بفرضه لونه الفكري والسياسي والثقافي بعدا وحيدا للواقع والحياة العامة وتعويقه لكل خط أو تيار آخر عن التعبير عن نفسه وعن اختبار كفاءته وملاءمته للوفاء بمتطلبات الواقع ، معطلا جدلية صراع الأفكار الاجتماعي التي تشكل دينامية التجديد والتطور الطبيعي في أي مجتمع . إن مرحلة الاسدية في سورية، كما يرى الحزب ،هي التي حولت جريان الحياة العامة وغليانها بعوامل الحركة وإرهاصات التجاوز إلى مستنقع آسن جرى بشكل منهجي تشويه الوعي به لدى السوريين ليقدم بوصفه استقرارا وأمانا ،وما هو إلا فواتا ومواتا أرادت الاسدية في سورية أن تفرغ به مقومات وﺧﺼﺎﺋﺺ ﻭﺟﻮﺩ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﺍﻟﺴﻮﺭﻱ إلا من تلك التي تلبي متطلبات بقائها مستبدة على الواقع و الحياة السورية .
ﺇﻥ ﺍﻟﻌﻤﻞ على ﺑﻌﺪﻱ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﺔ ﻫﺬﻳﻦ ﺍﻟﺘﺄﺳﻴﺴﻲ ﻭﺍﻟﻤﺒﺎﺷﺮ ﻳﺤﻘﻖ ﻣﻨﺎﻫﻀﺔ ﺍﻟﺸﺮﻃﻴﻦ ﺍﻟﺜﻘﺎﻓﻲ ﺍﻟﻤﻌﺮﻓﻲ ﻭﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻲ ﻓﻲ ﺍﻟﻮﻗﺖ ﺫﺍﺗﻪ، ﻭﻳﻠﺨﺺ ﺃﻫﻢ ﺭﻫﺎﻧﺎﺕ ﺤﺰﺏ الحداثة ﻭﺍﻟﺪﻳﻤﻘﺮﺍﻃﻴﺔ.


هل ما يحدث في سورية ثورة ؟


يعتبر الكثيرون من المعنيين أن ما يحدث في سورية لا يمت للثورة الحقيقية بصلة، وأن لا ربيع ثوري يمكن الحديث عنه أبدا في سياق النظر إلى الحدث السوري . في حين يذهب آخرون وعينهم على الواقع الأليم الذي يضج بالدم ويتخلله عنف تكفيري وارتداد ماضوي، إلى القول بان الثورة السورية قد سرقت من أصحابها الحقيقيين وحرفت عن مسارها الذي أرادوه لها حتى باتت صدى للعبث والخراب ولا شيء آخر . القراءة المتأنية لتلك الاعتبارات تؤشر إلى الدلالة النمطية التي تفيدها مفردة الثورة في اللغة العربية، أو على الأقل كما تستخدم ويجري تلقيها عند الكثير من الفاعلين الاجتماعيين والمشتغلين في الحقل السياسي العربي، حيث يبدو مفهوم الثورة منزوعا عن دلالاته الاجتماعية المعقدة والتاريخية، وممسوخا على شكل مفردة شعرية بيضاء مسطحة بدون تاريخ، إذ وخلافا لما هو سائد في المنظور العربي وما تتغنى به بعض الأدبيات السياسية العربية عن مفهوم الثورة الناصع، يبدو ما يحدث في سورية، رغم كل الذي يظهر وكأنه إخفاق مركب متعدد المستويات، ثورة مكتملة الأركان، بالمعنى المعياري،التاريخي والفلسفي للكلمة . فسورية الاجتماع السياسي تمر في منعطف تاريخي جذري، يبدأ سياسيا لكن لا يلبث أن يترجم و لو بعد سنوات طويلة، قيميا ومعرفيا( ابستميا)، ولو قارن أولئك الذين يقاربون مفهوم الثورة بصورة رومانسية منخلعة عن إطارها المفاهيمي، حيثيات الحدث الثوري السوري، مع ما اعتملت به الساحة الفرنسية من عنف واقتتالات دموية وصراعات ثورية بينية في زمن الثورة الفرنسية بين عام 1789 وحتى استيلاء نابليون على الحكم وتحويل الجمهورية الأولى إلى إمبراطورية، ولو علموا كم تطلب رسوخ مبادئ هذه الثورة في فرنسا من الوقت وكم كانت الارتدادات كثيرة ومتعددة، لما ترددوا في إعادة النظر بأحكامهم واعتباراتهم التي قرروها بخصوص ما يجري في سورية، فالصورة الأسطورية التي تظهر ظفر الثورة الفرنسية السلس وسيادة مبادئها الحاسم منذ اشتعالها،تبدو ساذجة وغير تاريخية بالنظر إلى مسار التاريخ الذي سلكته حيثيات تلك المرحلة وتعرجاته المعقدة، حيث لم تتحقق إرادة الشعب الفرنسي ولم تستقر بدلا عن استبداد لويس السادس العشر كشرعية يتأسس عليها الوضع الجديد، بل عاشت فرنسا استبداد القناصل ثم الاستبداد الإمبراطوري لسنوات طويلة، بعد مرورها في عصر من الإرهاب طويل ودموي،اقتتل فيه الثوار والتهمت فيه الثورة أبناءها وقادتها. وإذا كان مفهوم الثورة السورية هو التعيين الاصطلاحي الأنسب، من المنظور التاريخي والفلسفي، لحيثيات الحدث السوري بشمول أبعاده وعمق تأثيراته وإستراتيجية إجاباته، فإن هذه الثورة تبدو أكثر شبها من ثورات الربيع العربي بثورة الفرنسيين الأهم في تاريخ البشرية، ليس بصخبها والعنف والدمار والاقتتال التائه الذي طغى على أحداثها والارتدادات المتوقعة بسببها، وليس بسبب احتمال ظهور أشكال أخرى من الاستبداد في سورية،والحاجة إلى وقت طويل حتى تستقر بنتائجها وتحقق رهاناتها، بل بكونها أيضا محركا وقاطرة رائدة للتاريخ في المنطقة العربية والإسلامية. لقد أشعلت ثورة السوريين على نظامهم المستبد،جدلية الصراع في المنطقة، صراع الذات العربية/ الإسلامية على ذاتها، واستطاعت أن تقوم بوظيفة المرآة التي تظهر صورة إنسان المنطقة على حقيقتها دون تزيين أو حجاب. الثورة السورية التي كشفت عن أزمات الوجود السوري والعربي والإسلامي العميقة،وأظهرت إلى أي حد متهافتة هي البنى الاجتماعية والأسس السوسيولوجية للدولة الحديثة في المنطقة، عينت بدقة الإحداثيات التاريخية الحقيقية التي يعيشها الإنسان في هذه البقعة من العالم، وشكلت منطقة لتحويل التناقضات الكامنة في بنية الوجود السياسي والاجتماعي السائد إلى طاقة وحراك إنساني مدو وصعب، فأصبحت بمثابة الصاعق المفجر لحركة التاريخ في عموم منطقة الشرق الأوسط،تلك الحركة التي من المنتظر أن تقوض عالما كاملا من القيم القروسطية، لمصلحة آخر جديد و لو بعد مخاض عسير و صعب، تسوده قيم الاعتراف بالآخر والتسامح بالمعنى الفلسفي للكلمة وحتمية اللجوء إلى القواعد الديمقراطية في إدارة الحياة الاجتماعية .


لماذا اشتعلت الثورة السورية في هذا الوقت بالذات ؟


لست ميالا أبدا لتفسير الثورة السورية من منظور اقتصادي اجتماعي محلي ، له علاقة بالتحول نحو اقتصاد السوق و زيادة البون بين أقلية بالغة الثراء و أغلبية تزداد فقرا رغم رصد هذه الظاهرة في المجتمع السوري و إن بحدود غير واسعة . لطالما بقيت البيئة السورية من الزاوية السياسية والاقتصادية بيئة مثالية لاشتعال ثورة عارمة ، فالاستبداد و الترويع و القهر و الفقر و التهميش و الفساد و الخراب ماثل في كل الزوايا في سورية منذ أوائل الثمانينات على الأقل ، و مع ذلك لم تندلع ثورة شعبية كالتي شهدتها سورية في آذار من عام 2011 . المنظور الأسلم من وجهة نظري لتفسير الربيع العربي والسوري على نحو التحديد هو منظور فلسفة التاريخ المرتبط بالفاصل التاريخي السياسي/القيمي والتكنولوجي الذي تعيشه البشرية ، وتصلح الفلسفات التي قدمت قراءات للتاريخ وحددت حركته و عوامل التأثير فيه ،كأطر و منظورات متضافرة لتقديم إجابة و تفسير عن انطلاق المرحلة الثورية التي تمر بها سورية و المنطقة العربية ، و التي قد تمتد لعشرات السنين القادمة و أكثر .
يمكن تكثيف الفرضية أعلاه بالقول : إن احتمالية اشتعال ونجاح ثورات الربيع العربي إبان نظام القطبين الدولي الذي تقوض مع سقوط المنظومة الاشتراكية كانت أضعف بما لا يقاس ، منها في النظام الدولي الحالي بسبب عاملين أحدهما قيمي/سياسي والآخر تكنولوجي .
-في القيمي/السياسي : كان لانهيار المعسكر الاشتراكي أثره البالغ في إحداث تغيير طال مستويات قيمية ومفاهيم سياسية عديدة .فلقد انتصر تعريف المعسكر الغربي للديمقراطية و سقطت الديمقراطية المختزلة في محتواها الاقتصادي الاجتماعي الاشتراكي،و أصبحت قيم حقوق الإنسان ذات مسحة كونية ،فضعفت لذلك شرعية نظم سياسية عديدة لم تحز السلطة عن طريق الانتخابات الديمقراطية ولم تكن تولي لإرادة شعوبها أية أهمية ، كما فقدت مظلتها الدولية التي وفرها لها المعسكر الاشتراكي قبل ذلك .و مع فقدان العلاقات الدولية استقطاباتها الثنائية بين معسكرين وسيادة قراءات سياسية و اقتصادية واحدة عمت معظم أطراف المجتمع الدولي بدأت عولمة لها سلبياتها و ايجابياتها تخترق العالم ، تصدعت معها حدود الدولة الوطنية و تغير النظر إلى مبدأ السيادة و عدم التدخل في شؤون الدول ، و لاحت بوادر تغيير أخذت تصيب أشكال التفاعل الدولي مع أنظمة سياسية متهمة في انتهاك حقوق الإنسان أو ارتكاب جرائم حرب أو إبادة ضد الإنسانية و لو داخل دولها و مجتمعاتها و كانت أوضح تعبيرات هذا التغيير قد رافقت التدخل الأمريكي الغربي في يوغسلافيا السابقة و سوق ميلوسوفيتش إلى محكمة الجنايات الدولية .
-أما العامل التكنولوجي ،فلقد أحدث التطور التقني الذي تزامنت إرهاصاته مع التحول في النظام الدولي ،لا سيما انتشار القنوات الفضائية والثورة المعلوماتية ، تغييرات كبرى في وعي إنسان دول الربيع العربي،وعيه بقدراته وإحداثيات وجوده وشعوره بحاجاته . بالاستناد إلى ذلك الوعي ومتوسلين تلك التطورات التقنية ، طور الفاعلون الاجتماعيون في دول الثورات العربية أشكال جديدة من التفاعل مع محيطهم و قضايا حياتهم ،ووظفوها ليتخطوا العقبات التقليدية التي وضعتها الأنظمة المستبدة أمامهم بغرض إعاقة ديناميات التواصل و التنظيم الاجتماعي التي أمكن أن ينخرطوا فيها .إن مقدرة الأنظمة على منع أية فاعلية اجتماعية ذات مغزى سياسي أمست بفعل الفاصل التقني بالغ التطور الذي تعيشه البشرية و معها إنسان المنطقة العربية، ضعيفة و متهاوية .
بهذا المعنى ، لم يكن ممكنا لولا توافر الوسائل التقنية من فضائيات و انترنت و مواقع التواصل الاجتماعي وكاميرا الموبايل أن ينتقل حس التمرد الثوري الذي تكلل بالنجاح من تونس إلى مصر وليبيا واليمن وسورية مستندا إلى الأمل بتكرار النموذج و استنساخ النتائج ، كما لم يكن ممكنا تفاعله الداخلي بين الأوساط الشعبية في كل تلك الدول لجهة توظيفه و توجيهه و تنظيمه للقيام بغرض سياسي واضح و محدد كالذي كثفه شعار الشعب يريد إسقاط النظام . و لولا شعور الشعوب التي ثارت ضد حكامها أن مستبديها ليسوا مطلقي اليد في قمعهم بسبب وجود مجتمع دولي تسوده قيم حقوق الإنسان وله سابقة تدخل ضد أنظمة انتهكت هذه الحقوق داخل دولها ويمكن إيصال صورة ما يحدث إليه ، لما أحست بالجدوى و بيقين أن الانتصار بات ممكنا على الاستبداد الذي روعها وأفقرها ودمر حياتها لعقود .


لماذا تعقد الوضع السوري وباتت الثورة السورية و كأنها تمر في نفق مظلم صعب و لا نهاية مرتقبة له ؟


رغم كل عوامل القوة التي يوفرها تفجر الثورة السورية في هذا الفاصل التاريخي الموصوف أعلاه بدت الصورة التي أخذت تتشكل عن الحدث السوري بتفاعلاته الداخلية و الإقليمية والدولية مختلفة عما كان من المتوقع أن تكون عليه ، إلى درجة تدفع إلى الاعتقاد بأن هناك عوامل أخرى متوافرة في الشرط السوري استطاعت حتى الآن أن تنزع الثورة السورية من إحداثياتها الزمانية و من العديد من شروط قوتها . لقد ظهر و كأن الثورة السورية تفقد عامل قوتها المرتبط بالهيئة الجديدة لتفاعلات المجتمع الدولي المرتبطة بالنظام الدولي الجديد و أنها تعيش أجواء الحرب الباردة و أن الصورة التي من المعول أن تنقل الواقع السوري إلى العالم بوصف ما يحدث في سورية انتفاضة ضد الاستبداد قد وصلت مع تشويش كبير عليها أفرغها من مضمونها الأساسي .فكيف حصل ذلك ؟
أجاد النظام السوري وعلى العكس مما دأب المعارضون السوريون قوله، إدارته لصراعه ضد شعبه، فعمل بمنهجية مدروسة وبقدر عال من الحرفية السياسة التي لا تنقصها المعرفة بمكامن القوة ومواطن الضعف التي لديه، وبالممكن والمتاح توظيفه لمصلحته،محليا وإقليميا ودوليا.محليا أفاد من قتله السياسة وتعقيمه للحقل العام،فاستدعى ما كان قد كرسه من تناقضات وتعقيدات ( دينية ومذهبية – إثنية – مناطقية – عشائرية ) في البنية الاجتماعية السورية، كما استفاد من هياكل الدولة الأمنية والعسكرية التي فصلها على قده السلطوي، ومن شبكة المصالح المعقدة التي شيدها واخترقت طبقة رجال الأعمال والماكينة البيروقراطية للدولة وقطاعات عريضة من المحسوبين على فئة المثقفين والكتاب والفنانين. إقليميا استفاد من الوضع الجيوسياسي المعقد للمنطقة التي تنتمي إليها سورية، وضمن حياد إسرائيلي استراتيجي إزاء الوضع السوري، الذي لم يغير منه شيئا، القصف الإسرائيلي الأخير لمواقع النظام السوري في جبل قاسيون، إضافة إلى أنه أفاد من المحور الإيراني الذي ينتمي إليه، سياسيا وعسكريا إلى الحدود القصوى. أما دوليا فقد وظف خبرته في تصنيع و اختراق فرق التشدد العنفي الديني وفي استدعاء البيئة المناسبة لنشاط الجماعات الأصولية، في إرباك الموقف الدولي من الحالة السورية وإدخاله في حالة القلق والانفعال والتردد بدلا من المبادرة والفعل، كما تنبه بشكل مبكر لأهمية الدور الروسي، ولاستياء روسيا من تدخل الناتو في ليبيا،ولما اعتبرته خداع في تفسير قرار مجلس الأمن المتعلق بليبيا، فحرك نظام بشار الأسد عددا كبيرا من أنصاره ودبلوماسييه في موسكو، وأنشأ خطا ساخنا مع الروس، وبنى لوبي داعم له في هذا البلد، ثابر من خلاله على تقديم سيناريو مشوه عن الثورة السورية، عن أسبابها وداعميها وناشطيها ورهاناتها ونتائجها، مستغلا هواجس الدولة الروسية المتعلقة بأمنها القومي وتمدد الغرب صوبها وانحسار مساحات نفوذها وتخوفها من الإسلام الأصولي وخبرتها السيئة مع الثورات الملونة في محيطها وحساسيتها من احتمال اندلاع احتجاجات شعبية على أراضيها.
بيد أن الإدارة الناجحة التي حققها نظام بشار الأسد لم تقف عند ذلك الحد، بل وصلت إلى أقصى ما أمكنها،حين عمد إلى تقنين جرعات العنف والقمع الذي واجه به المجتمع السوري ليزيد من كمه و نوعه بشكل تصاعدي مع استمرار الثورة، بحيث يتحقق له نتيجة لذلك هدفين مهمين لهما قيمة إستراتيجية في صراعه الوجودي الذي يخوضه، الأول يستدعي من خلاله عنفا ثوريا مضادا ( له شرعيته ) يزداد و تتعقد آثاره في بيئة تزداد عوامل التشدد الديني الحضور فيها يوما بعد يوم سيما ولا أطر سياسية منظمة ومؤسسة تضبط الوضع الداخلي الثوري أو تتفاعل معه وتقوده، ليصل شيئا فشيئا بالوضع السوري إلى التشوش والتعقيد الذي وصل إليه بالفعل ، والثاني يتجنب به خدش الحياء الدولي وإثارة الضمير الإنساني بما قد يدفع لعمل دولي حاسم ضده، إذ أن الرأي العام الدولي الذي أمكنه أن يتقبل في الأيام الأولى للثورة السورية سقوط بضع ضحايا في اليوم الواحد، صار يتقبل مع سياسة التقنين والرفع المتزايد لجرعات العنف الحاصل ومع تعقيد وتشويش صورة ما يحدث في سورية، سقوط مئات الضحايا يوميا ووصول عددهم الكلي رسميا عتبة المائة و الخمسين ألف، موظفا بشكل مثالي الآثار التي تركتها تجربة الغرب في العراق و أفغانستان وما تركتاه من آثار على الوعي العام الغربي لجهة عدم الرغبة في خوض صراعات خارجية و الانكفاء نحو تحديات الداخل لا سيما الاقتصادية منها .
- فشلت قوى المعارضة السورية التي تولت بشكل أوتوماتيكي دفة إدارة الوجه السياسي للثورة، في مهمتها فشلا ذريعا،بل كانت عبئا حقيقيا على الثورة الشعبية وإعاقة موضوعية لها، فقد كانت بنخبويتها وكتلويتها وانغلاقها الأيديولوجي وغياب علاقتها الأصيلة مع القيم الديمقراطية وبعدم ممارستها السياسة إلا بوصفها حديث في العام عن الديمقراطية والاستبداد وحقوق الإنسان، وبعدم قدرتها على الانتقال من السياسة بوصفها خطاب نظري إلى حيث تصبح آليات وخطوط عمل على الأرض،كارثة على الوضع الثوري في البلاد، لم تستطع أن تتفاعل معه ولا أن تؤثر فيه،فتركت الواقع الداخلي على العموم يتحرك محصلة لتفاعل معطياته و حيثياته الذاتية دون أن تتمكن من تلافى الألغام (طائفية – إثنية – عشائرية - مناطقية) التي عكف النظام على صنعها وتكريسها طوال العقود الماضية، وعجزت رغم إدراكها لضرورة العامل الخارجي في انتصار الثورة،عن الاستجابة لهذا الفهم بموقف واضح وحاسم من موضوع التدخل الدولي مع بداية قمع النظام للثورة،ثم افتقدت حين حسمت موقفها في وقت لاحق، الرؤية و الإرادة والمنهجية على العمل من أجل تقديم صورة مطابقة عن واقع الثورة إلى الرأي العام العالمي من أجل المضي قدما في محاولة التأثير في الإدارات السياسية للدول والضغط عليها من أجل دعم الثورة والانتصار لها، هذا الإخفاق في أداء المعارضة السياسية القائمة على إدارة ملفات الثورة السياسية بات جليا حد الفضيحة حين حالت معارضة الرأي العام الغربي دون التدخل لمعاقبة النظام السوري رغم بروز إرادة حكومية غربية لمحاسبته بعد أن استخدم الأسلحة الكيماوية ضد شعبه في ريف دمشق ،وإخلاله ،خلافا لعدد الضحايا الكبير و الصادم الذي نجم عن المجزرة ، بمبدأ استراتيجي استقر في السياسة الدولية و أصول النزاعات العسكرية .لم يتوقف فشل المعارضة السورية عند ذلك الحد المدوي ، بل وبسبب من أزماتها البنيوية دخلت هذه المعارضة في صراع مسف ومزر على الهيمنة فيما بينها فبددت هيبتها أمام شعبها وأمام العالم وبدت إمكاناتها في تقديم البديل السياسي الفعال عن الاسدية في سورية أكثر ضعفا.


لماذا لم يؤثر حزب الحداثة في المسار السياسي الداعم للثورة كما يجب ؟


رغم بلورته لمشروع إدارة عملية أزعم أنها كانت ستوفر للثورة عوامل مهمة لجهة انتصارها و إسقاط النظام في مرحلة مبكرة من عمر الثورة ، لم يستطع حزب الحداثة والديمقراطية التأثير في إدارة الثورة السورية على النحو الذي أراد ، ليس لأنه حزب ضعيف و غيره من أحزاب المعارضة قوية و منظمة..! ، هذا غير صحيح أبدا ، أحزاب المعارضة السورية جميعها أحزاب ضعيفة بالمعنى الاجتماعي للكلمة ولا يمكن عدها أحزاب إلا بالمعايير السورية ، فلو أرادت جميعها إخراج مئات المتظاهرين أو إعادتهم إلى بيوتهم لما استطاعت ، هي أحزاب لا أرضية اجتماعية لها ، وهذا هو الطبيعي بالنظر إلى ما فعله النظام القمعي في سورية حين قتل الحياة العامة وعقمها من كل تواجد لسواه فيها . لكن عدم قدرة حزب الحداثة على التأثير في شكل و نوع صناعة القرار المتعلق بحيثيات الثورة السورية و شؤونها السياسية مرده إلى أنه فاعل واحد مختلف بين فواعل كثر متشابهة و متضافرة إلى درجة كبيرة . الأحزاب المعارضة التقليدية التي تتشابه في ظرف نشأتها و طبيعة انغلاقها الأيديولوجي ، في شلليتها و عصبويتها و في طارئية علاقتها بالديمقراطية و هشاشة تجربتها معها ، كلها من اليسار إلى اليمين متفقة موضوعيا ، في نوع و شكل التفاعل مع الوضع الثوري على هذا النحو المخزي ،لقد اختزلت العمل السياسي الداعم للثورة على تشكيل الأطر السياسية و حضور المؤتمرات و الظهور الإعلامي الهزيل وزيارة الدول ووزارات الخارجية . هذه المعارضة لم تمارس السياسة في بعدها البراغماتي و لم تتعاطاها بوصفها عملا على ما هو واقعي بما هو علمي و عملي لتحقيق أعلى سقف ممكن في ظل توافر شروط و معطيات و موارد معينة . لم تسع لشق مسارات عمل في الواقع سواء داخل سورية من خلال التفاعل و الضبط و التوجيه و التنظيم للمعطيات الثورية و لا خارج سورية من خلال رؤية منهجية و منظمة لنقل صورة مطابقة لواقع الثورة السورية إلى الرأي العام العالمي و محاولة التأثير بحكومات الدول التي أيدت ثورة الشعب السوري لجهة دعم السوريين دعما حاسما و جذريا يودي بنظام الاستبداد و ينهي إجرامه ، و قد قدم حزب الحداثة برامجه العملية بتلك الخصوص للنافذين في المعارضة السورية منذ أكثر من عام و نصف دون فائدة.
إذن فالكارثة الكبرى و الإعاقة الرئيسة التي تعرضت لها الثورة تتمثل في أن المعارضة السورية التي نفذت إلى منصة صناعة القرار السياسي قد تفاعلت مع قضايا الثورة تحت وطأة معاناتها لأزمة بنيوية واحدة و متعددة الأوجه ، وجه فكري تلخصه علاقة إشكالية مع الديمقراطية وانغلاق إيديولوجي وتعالي نخبوي ضمني تحجبه امتثالية شعبوية تتمظهر في الامتناع عن لجم ومواجهة التشوه في العلاقة مع الديني كما بدأ ينتشر في جسم الثورة . وجه عملي و سياسي يعكسه انقطاع عن ممارسة السياسة في الواقع و الحياة و التعاطي معها بوصفها مسارات عمل اجتماعي ، وجه أخلاقي تمثل في التفاعل مع الثورة من زاوية ليس انحيازها للمعنى السياسي بل من زاوية صراعها على الهيمنة و لعبة البازارات و الشلل و الحيل و الحروب البينية المسفة التي لا تنتهي .
أما حزب الحداثة ، فهو يدعي أنه لا ينتمي إلى تجربة هذه الأحزاب ، لا في ظرف النشأة و التكون ،و لا في بيئة النشاط و اختبار الخطابات السياسية .ولد حزب الحداثة في أواخر القرن العشرين و بداية الألفية الجديدة حيث استقرت القيمة الديمقراطية على معنى واضح و محدد ، تداول سلمي للسلطة و فصل للسلطات الثلاث ،حرية الرأي و التعبير ، و الاحتكام لصناديق الاقتراع ، لم تعد نهبا لصراع ينحاز بموجبه البعض ( كما فعلت غالبية المعارضة التقليدية إبان نشأتها و لعقود طويلة ) إلى محتواها الاقتصادي الاجتماعي . الأمر الذي اكسبه علاقة أكثر أصالة و موضوعية مع القيمة الديمقراطية ، فقد تربى عليها حقيقة من حقائق العصر السياسي الجديد التالي على انهيار المنظومة الاشتراكية ، أما نشاطه فقد كان بشكل أساسي خارج سورية ( هذا ما يأخذه البعض عليه بوصفه إساءة لتجربته ) الأمر الذي أدى إلى حماية تجربته من أمراض العمل السري ، من الشللية و العصبوية والعلاقة الهشة مع الديمقراطية ، بل دفعه ذلك إلى أن يختبر قراءاته و مواقفه بشكل حر مستفيدا من غياب الاكراهات المعروفة للبنيوي في الاجتماعي السياسي السوري آخذا مسافة نقدية عن تغوٌل المفاهيم السياسية الجماعية السائدة ،المؤطرة و الجامدة ، من قبيل الهوية السورية والوطنية التقليدية ونموذج الدولة والعلاقة مع الغرب والولايات المتحدة و أسس التشخيص السياسي و أبعاده و منهجية التعاطي و الحلول و الأدوات ... الخ .


أي مسار ستسلكه الأحداث السورية ؟


لم يعد مثار شك أن الوضع السوري قد بات يمر في نفق مظلم و صعب وأن آفاق الخروج منه تضيق يوما بعد يوم وأن ليس ثمة سيناريو يمكن بموجبه تحقيق انفراج تتحقق معه رهانات الثورة السورية على الحرية والكرامة على المدى القريب و المنظور. فخلافا للنظام القمعي الذي لا يزال قادرا على القمع وإلحاق الموت والخراب بحياة السوريين ، هناك أطراف تكفيرية كدولة العراق والشام ( داعش ) و جبهة النصرة و أخرى متشددة لا تختلف عن النظام المستبد في شيء من جهة عدائها للحرية و دولة المواطنة والمستقبل الحر للسوريين . قدر السوريين أن يواجهوا الاستبداد في معركة مزدوجة و معقدة ، وسواء نجحت المساعي التي تبذلها الأطراف الدولية بالوصول إلى حل سياسي في مؤتمر جنيف 2 المزمع عقده في الأسابيع أو الأشهر القادمة ، أم لم تنجح ، فإن الحدث السوري الذي يجتاح البلاد منذ ما يقارب 3 أعوام قد أطلق حراكا مدويا و صاخبا ترك آثارا مأساوية سيعاني منها السوريون لعقود قادمة ، و أن هذا الحراك قد حرر التناقضات البنيوية التي يعاني منها الوجود السوري و تركه أمام سؤال المصير و رهانات الصراع الجدلي ذو الدينامية التاريخية . فواقع الركود السوري قد انتهى ، و الحياة والحركة قد حلت بعد مراوحة وسكون وأسن اجتماعي طويل اشرف الاستبداد السياسي على ترسيخه وحمايته في سورية . السوريون تغيروا جذريا بعد انطلاق حراكهم ، وتغيرت معهم مفاهيمهم واستعداداتهم وأنماط تفاعلاتهم مع الاجتماعي السياسي إلى الأبد ، بالتأكيد لم تكتمل مسيرة تحررهم بل هم في بدايتها الأولى وأمامهم وقت طويل حتى يبلوروا عمليا قيم التسامح و الاعتراف بالآخر والعيش المشترك و الاحتكام إلى الإرادة العامة التي تحددها صناديق الاقتراع ، سيواجهون تحديات و معيقات و صراعات كثيرة حتى تتأسس الحرية في عالمهم بالمعنى العميق و الفلسفي للكلمة ، لكنهم على الأقل ومنذ الآن لم يعودوا بوارد الخضوع لأي استبداد جديد أيا تكن تجلياته ، فالانعطاف الكبير قد حصل في سورية بالفعل و طال معه الروح السورية .
ربما كان من الممكن للسوريين أن يتفادوا كل هذا الصخب والوجع والدمار الذي لحق بسورية ولا زال ينتظرها لو أنهم بلوروا قوى سياسية جديدة تتصدى لإدارة الشأن السياسي للثورة بشكل يتفارق إلى حد بعيد مع النموذج العاجز الذي قدمته المعارضة التي تحتل مواقع القرار في الأطر السياسية الممثلة للثورة ، إلا أن امتناع ذلك وتعذره كان مفهوما بسبب غياب السوريين طويلا عن العمل بالسياسة و الاهتمام بما هو سياسي و بسبب طبيعة المرحلة التي يجتاحها غليان ثوري صعب ومعقد وتتفاقم آثاره وصعوباته يوما بعد يوم .
أخيرا :ليس من الإفراط في التفاؤل ولا من منظور رغبوي التقرير بأن المآل الأخير للثورة السورية التي اشتعلت في آذار من عام 2011 وأحرقت معها عالما مشيدا من الخوف و الصمت و السكون و الفوات التاريخي رغم كل شيء هو التحقق والنجاح و لو بعد فترة طويلة من الصعب التكهن بنهايتها و حدودها .