فارس محمود - عضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي العمالي العراقي - في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: لامناص من افق ماركس والشيوعية لارساء الحرية والمساواة!.


فارس محمود
الحوار المتمدن - العدد: 3887 - 2012 / 10 / 21 - 16:25
المحور: مقابلات و حوارات     

من اجل تنشيط الحوارات الفكرية والثقافية والسياسية بين الكتاب والكاتبات والشخصيات السياسية والاجتماعية والثقافية الأخرى من جهة, وبين قراء وقارئات موقع الحوار المتمدن على الانترنت من جهة أخرى, ومن أجل تعزيز التفاعل الايجابي والحوار اليساري والعلماني والديمقراطي الموضوعي والحضاري البناء, تقوم مؤسسة الحوار المتمدن بأجراء حوارات مفتوحة حول المواضيع الحساسة والمهمة المتعلقة بتطوير مجتمعاتنا وتحديثها وترسيخ ثقافة حقوق الإنسان وحقوق المرأة والعدالة الاجتماعية والتقدم والسلام.
حوارنا -90 - سيكون مع الأستاذ فارس محمود - عضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي العمالي العراقي - حول: لامناص من افق ماركس والشيوعية لارساء الحرية والمساواة!.
 

في البداية اود ان اقدم جزيل شكري للحوار المتمدن على اتاحتهم هذه الفرصة لي للحديث مع جمهوره.

ان ما اود ان اقدم به هذا الحوار يتضمن عدة ابواب، ساسعى الى تغطيتها بشكل موجز وملخص نوعا ما لان مواضيع مثل هذه تحتمل الكثر من التفاصيل، وكلي امل في مناقشة جوانبها بتفصيل اكبر من خلال الحوارات.

المحاور هي: رؤية الحزب الشيوعي العمالي للاوضاع في سوريا وتاثيرها على تعميق الازمة السياسية في العراق، ثانيا، التحولات الجارية على صعيد المنطقة والدروس والعبر التي ينبغي علينا تعلمها، وثالثا الحزب الشيوعي العمالي العراقي، وسبيل حله للاوضاع في العراق.

رؤية الحزب الشيوعي العمالي للاوضاع في سوريا وتاثبرها على تعميق الازمة السياسية في العراق:

تطورات الاوضاع السياسية في سوريا ذات ابعاد وعواقب كبيرة على الخارطة السياسية في المنطقة عموما وعلى توازن القوى بين التيارات والقوى السياسية المختلفة. وان العراق ليس بمعزل عن هذه الابعاد والاثار والتبعات، ان لم يكن العراق اكثر بلدان المنطقة عرضة لهذه التاثيرات.

ان الطابع الاقليمي للصراع السياسي الدائر في العراق ودور القوى الاقليمية في العملية السياسية هو واضح من اليوم الاول لبدء هذه العملية بعد سقوط النظام القومي البعثي الفاشي. ان كانت الازمة السياسية قد اتخذت ابعادا محدودة نوعا ما في المراحل المختلفة من العملية السياسية، الا اننا نشهد اليوم، ان هذه الازمة تتخذ ابعاد غير مسبوقة ارتباطا بوضعية غير محلية او داخلية، الا وهي التحولات السياسية والعسكرية الجارية في سوريا. ان اوضاع سوريا ونتائج الصراع في سوريا سيحدد الى حد كبير مسار الصراع السياسي الحالي في العراق. ان صراع العملية السياسية اليوم في العراق هي مرتبطة ارتباط كبير بالصراعات والاستقطابات العالمية والاقليمية الجارية على صعيد المنطقة، وبالاخص فيما يسمى بالملف السوري.

الملف السوري اكتسب اهمية خاصة في هذه المرحلة لان سوريا تحولت الى مركز لصراع عالمي من اجل اعادة تقسيم العالم بين القوى الامبريالية العالمية. وهي العملية التي يشهدها العالم منذ عقود. فمن عالم الثنائية القطبية (الشرقي-الغربي)، الى تفرد امريكا بوصفها قوة عالمية وحيدة، وصولا الى ظهور اقطاب سياسية واقتصادية جديدة منافسة ليست على استعداد للقبول بانفراد امريكا وهيمنتها على العالم، وبالاخص القطب الروسي-الصيني. اذ نرى، فيما يخص الوضع السوري، اصطفاف غربي-تركي-خليجي من جهة معادي للنظام في سوريا، واخر روسي-صيني-ايراني مدافع عنه. كل من هذه الصفين له حلفاء اقليميين ومحليين دون شك. اي تحولت سوريا بنظامها المدعوم من قبل المحور الاخير، والمعارضة الاسلامية-الطائفية المدعومة باموال وسلاح الخليج وبالاخص السعودية وقطر الى مركز لسعي كلا القطبين-المحورين من اجل اعادة رسم الخريطة السياسية العالمية كل بمايناسب مصالحه. وبالتالي فرض التراجع على الخصوم العالميين والاقليميين عبر قناة سوريا.

مثلما ذكرت ان مآلات الاوضاع السياسية في العراق اليوم وتياراتها السياسية واستقطاباتها وتقدم قواها وتراجعها مرهونة اكثر من اي وقت مضى بنتائج هذا الصراع. اذ نشهد ان هذا الصراع قد خلط الاوراق من جديد وخلق استقطابات وانشقاقات جديدة في اللوحة السياسية لا على صعيد التيارات السياسية فحسب، بل داخل التيارات نفسها. اذ نشهد تيار دولة القانون والتحالف الوطني، بعض القوميين الكرد وبالاخص الاتحاد الوطني الكردستاني (بزعامة الطالباني)، وتيار الاسلام السياسي الشيعي وقد اصطف الى جانب المحور الروسي-الصيني- الايراني، فيما التف تيار القائمة العراقية لعلاوي، الحزب الديمقراطي الكردستاني (بزعامة مسعود البرزاني) والقوميين العرب خلف المحور الغربي-التركي-الخليجي. وان التغير الحاد في اللوحة السياسية اليوم يعود بدرجة كبيرة الى الاصطفافات غير المحلية، الاقليمية والعالمية اعلاه. وان هذا الصراع مستعر بين القوى السياسية في العراق بقدر استعار صراع القوى الاخرى على صعيد سوريا. ان زيارة المالكي الاخيرة لروسيا هي رفع راية صريحة باصطفاف السلطة المليشياتية القائمة بزعامة المالكي حول محور ايران وحلفائها العالميين.

كل مراقب للوضع السياسي في العراق يرى، انه رغم انقضاء 9 اعوام تقريبا على سقوط النظام البعثي الفاشي وبدء عملية سياسية جديدة استهلتها امريكا بغزوها للعراق واحتلاله، ورغم مرور مايقارب 10 اشهر على انسحاب القزات الامريكية من العراق (ولايفوتنا ان نذكر كم طبلت السلطة السياسية الحاكمة على ان انسحاب امريكا هو مستهل عودة "السياسة والقرار السياسي للعراق") الا انه يجد ان الازمة السياسية الحادة في العراق، والتي اقترنت من اليوم الاول بالعملية السياسية، هي في تعاظم مستمر. ولايرى المرء افق واضح للخروج من دوامة الازمات المتكررة.

من البدء قلنا ان ان اساس هذه الازمة هي كامنة في العملية السياسية نفسها وفي قواها ذاتها وسعيها الدؤوب من اجل لي ذراع مجتمع مدني وعصري وارسائه على اسس بالية كالقومية والدين والطائفة والعشيرة وغيرها من نزعات مهترئة لاتعبر عن حقيقة او واقع في حياة الجماهير بقدر ماتسعى الى فرض واقع اخر من اجل استخدامه كعتلة واداة في الصراع السياسي من اجل السلطة.

ان تبديات هذه الازمة (وفي الحقيقة بركان الازمات هذه) يجده في كل زاوية من الحياة السياسية والاجتماعية. من قانون النفط والغاز ( في الحقيقة، قل قانون تقسيم الثروات!)، قضية اصدار حكم اعدام بحق نائب رئيس الجمهورية ، الهاشمي بتهمة الارهاب !!! (قل توجيه ضربة لجناح معارض!)، قانون العفو العام، مفوضية الانتخابات (وتقاسم الحصص حول ذلك)، الفيدرالية (الاسم الرمزي لتقاسم السلطات)، علاقة المركز-كردستان، قضية كركوك والتنازع القومي حولها، القضاء، الوزارات والمؤسسات الامنية، عدد دورات رئاسة الحكومة، الدستور وتفسير الدستور، انتخابات مجالس المحافظات، قانون البنى التحتية وغيرها.

وان كانت الازمة الحالية بين القوى البرجوازية الحاكمة هي في جانب منها امتداد لسابقاتها التي كانت قابلة للتحكم السيطرة والاحتواء، الا انها مع تحولات سوريا اتخذت ابعاد خطيرة، قابلة لانفجار، قنابل موقوتة بكل معنى الكلمة. ان لهاث هذا الطرف او ذاك وارتمائه باحضان هذا الطرف او ذاك والسعي لتقوية محور اقليمي على حساب اخر، والعملية المعاكسة ايضا اي تقوية القوى الاقليمية والعالمية لحلفائها في العراق بوجه حلفاء خصومهم يدفع بالساحة السياسية في العراق صوب صراع ضار لايحمد عقباه. ان كل هذا من اجل تقوية الاطراف السياسية المتنازعة في العراق لوضعها ومكانتها وحصتها من السلطة والثروة. ولهذا فانه صراع لايمت باي صلة بمصالح الاغلبية الساحقة من جماهير المجتمع. ليس هذا وحسب، بل ان الاخير هو اول من سيبتلى بمصائب هذا الصراع واول من يدفع ثمن له من حياته، وحريته وسعادته ورفاهه. ولهذا فان مصلحة الجماهير العمالية والكادحة والمحرومة تتناقض كليا مع الطبقة الحاكمة واولوياتها.

ان اختلافات تيارات هذه الطبقة البرجوازية ليست حول تامين الخدمات، الامان، ضمان البطالة، زيادة الاجور، وتوفير الحريات والحقوق السياسية والمدنية، بل استقواء محورهم من اجل تثبيت سلطتهم، وبالتالي ادامة عمر الاستغلال والظلم الراسمالي وتامين اوضاع طبقة عاملة رخيصة وخانعة في الوقت ذاته، وهو الامر الذي يشتركوا به جميعا رغم كل صراعاتهم.انهم ابناء عائلة واحدة، طبقة واحدة، وهدفهم تامين ربحية طبقة على حساب جوع وكدح الاغلبية الساحقة وافقارها المتعاظم.

ان السلطة المليشياتية الحاكمة في العراق بقيادة المالكي تشن هجمة شرسة على مدنية المجتمع، على الحقوق والحريات السياسية، تقوي من النزعات والاحاسيس الدينية والطائفية، وتسعى للدفع بالمجتمع صوب مجتمع استبدادي، وليس افضل من الدين والطائفية وغيرها ادوات لفرض الاستبداد السياسي ودفع العامل، المراة، والشاب، والعلماني، ودعاة الحرية والمساواة للخنوع والسكوت. ان الهدف الاساسي من الاستبداد هو تثبيت السلطة بوجه المعارضين على كل الاصعدة السياسية والاجتماعية، وبالتالي، تثبيت هيمنة الراسمال ودوران عجلته باكثر مايمكن من هدوء وانسيابية ودون "منغضات".

بيد ان المسالة ليست مقتصرة على المالكي وعلاوي والبارزاني وايران والسعودية وتركيا. ليس هؤلاء هم كل اللوحة. اذ ان في المعادلة طرف اساسي ومهم، الا وهو القوى الجماهير المليونية الساخطة على الجوع، الفقر، البطالة، انعدام الخدمات، سلب ونهب ثروات المجتمع وغيرها. ان هذه قوى حية، ان نهضت، بوسعها ان تقلب الطاولة على كل السلطة والترتيبات السياسية القائمة. اؤكد على "ان نهضت"، فان لم تنهض، يعني دوام هذه المسلسل واستمراره وتحول الجماهير العمالية والكادحة الى اول ضحاياه. بيد ان نهوض هذه القوى ليس مرهون بها نفسها، انه مرهون بالقوى الشيوعية، مرهون بدور الشيوعيين وسائر قوى التحرر، وفي مقدمتهم الطبقة العاملة. يجب ازالة العوائق التي تحول دون توحيد الطبقة العاملة، ومن حولها الجماهير الداعية للحرية والمساواة والرفاه، والاطاحة بهذه القوى الجاثمة على رقاب الجماهير. ان سر بقاء مثل هذه السلطة هو فقط وفقط تبعثر صف الطبقة العاملة وكل الساخطين على هذه السلطة.

ان السلطة المليشياتية في العراق مهزوزة وعديمة الارضية الاجتماعية، منبوذة الى ابعد الحدود، تغط في ازمات لاحصر لها وعميقة الى ابعد الحدود. ان احداث ساحة التحرير في العام المنصرم خير شاهد على ذلك. اذ دب الفزع والهلع بصفوفها بشكل كبير. بيد انها عبرت ذلك الاختبار الكارثي بالنسبة لها بسبب غياب افق نضالي واضح على الحركة الجماهيرية.

ان دوام هذه السلطة مرهون فقط بضعف صفنا النضالي، ضعف الطبقة العاملة الناجم من تشتت صفها بالدرجة الاولى وضعف وحدتها وعدم دخولها الميدان بوصفها قوة سياسية-اجتماعية مؤثرة. انها مهمة الشيوعيين توحيد هذا الصف، انها مهمة القادة والناشطين الشيوعيين والعمال رص الصفوف ودخولها معترك الحياة السياسية بصف وافق موحد راديكالي وتحرري.



التحولات الجارية في المنطقة والدروس التي ينبغي تعلمها:

ان الدرس الاول الذي علينا وعلى شيوعيي المنطقة تعلمه هو ان ثورة بدون افق اشتراكي-عمالي مصيرها الاخفاق والفشل. ان يغيب الافق الاشتراكي على الحركة الداعية للثورة فهذا يعني بالضرورة ان افق اخر موجود، افق الطبقة الحاكمة، البرجوازية، سيدفع نفسه ويرسي بديله.

ان البرجوازية طبقة مجربة ومتمرسة عركتها تجارب الثورات والانتفاضات العظيمة التي جرت بالاخص في القرنين الاخيرين. ان برجوازية مابعد ثورة اكتوبر هي شيء اخر يختلف كثيرا عن ماقبلها. ومن حقها ذلك، ذلك انها رات في لينين والطبقة العاملة والبلاشفة حفار قبرها، رات ذلك اليوم "الكالح" بام عينيها. ولهذا اصبح قمع الثورات فن، قمع الاشتراكيين فن، امتصاص وهضم وافراغ الاشتراكية من جذوتها الراديكالية ومن محتواها العملي فن.

نماذج التحولات في المنطقة نوعان: ثورة تونس ومصر من جهة، اوضاع واحداث ليبيا وسوريا من جهة اخرى. في تونس ومصر، اجهضت الثورة المضادة الثورة بسبب غياب افق الانتصار النهائي، افق الاطاحة بسلطة البرجوازية، وارساء مجتمع انساني واشتراكي على انقاضه. القادة والناشطون العماليون والاشتراكيون، وبخلاف الطبقة الحاكمة، دخلوا الميدان وهم فاقدي للافق، للتجربة، للتطلع. دخلوا الميدان وهم يديروا امر قورتهم بخبز يومها، دون خبرة، دون تجربة، دون تنظيم، دون حزب، دون افق. على عكس البرجوازية المدججة بكل مايساعد على تامين بقائها وتغلبها على الاوضاع "الشاذة" من وجهة نظرها، من خبرائها ومستشاريها، من مفكريها وساستها المجربين. من اجهزة القمع، والتبليه، من السجون والجوامع، من سندها العالمي. اذ راينا صفاً عالمياً من البيت الابيض، الداوننغ ستريت وصولا الى مشايخ المال والنفط، من بي بي سي و سي ان ان وصولا الى الجزيرة وغيرها في صف واحد خلف الثورة المضادة.

لم يفز الغنوشي او مرسي في الانتخابات لكون المجتمع في تونس ومصر اسلاميين وتاييد المجتمع للغنوشي ومرشد الاخوان المسلمين. انها كذبة. لقد فاز الاخوان في انتخابات مصر ودعمتهم امريكا لا لقناعة امريكا والغرب البراغماتيين بالاخوان المسلمين، ولكنها لانها رات فيهم افضل طرف بوسعه ان يطفأ جذوة الثورة. رات فيهم خير من يلعب دور الثورة المضادة. ولهذا دعمتهم. ان مليار ونصف مليار دولار قد خصصتها امريكا، على قول رمني، للاخوان المسلمين في الانتخابات هي من اوصلتهم للسلطة، في مجتمع رماه الجوع والعوز والبطالة والبؤس الخرافي نحو ارذل الخيارات وارذل السبل.

لقد ادعى جوق الثورة المضادة هذا وروج لامر مفاده ان مسار الثورة يبدء بالاطاحة بمبارك، وينتهي بانتخابات بين حفنة من ازلام النظام واخرين ليست لهم اجندة افضل من سابقيهم. لقد ابتلع طيف واسع من اليسار هذا الطعم، وسقط صريع اوهامه في الجيش، في "الجيش والشعب يد واحدة"، في دعم الاخوان بوجه ازلام النظام السابق، بوصفهم مناهضين للديكتاتورية، بالحديث عن الدين التحرري، وعن الرسالة التقدمية والطابع التقدمي للاسلام الثوري وغيرها. لقد تناسوا ان تيارات الاسلام السياسي هي الفاشية بعينها لو تمكنت من ذلك. وان مايلجمها ويروضها هو فقط ان المجتمع، ولمدنيته وعصريته، لايتحمل اجندة قرووسطية. لقد سقط اليسار والعمال والتحرريين والاشتراكيين ضحية اوهامهم. ان مجيء الاسلاميين للسلطة في "ثورات الربيع العربي" لايدلل الا على غياب راية اخرى، او في احسن الاحوال، عدم قدرة راية اخرى على ان تغرس اقدامها على صعيد الصراع على السلطة في المجتمع. انه مدين لغيابنا وغياب افقنا، وعدم انتصار مسعانا، وعدم قدرتنا على جمع القوى خلف رايتنا.

ان المجتمع الراهن في مصر او تونس على سبيل المثال وتياراته الفكرية والسياسية وحركاته الاجتماعية هو ليس مثلما كان عليه قبل 50-60 عام. المجتمع اصبح اكثر شفافية من الناحية الطبقية، اكثر راسمالية وطبقياً. ان المجتمع القائم هو مجتمع طبقات. مجتمع تصطف فيه طبقتان رئيسيتان بوجه بعضهما البعض: البرجوازية باختلاف تلاوينها الحزبية والفكرية والسياسية من جهة، والطبقة العاملة بحزبها السياسي. انه لامر صحيح ان تبدء الثورات بصورة عامة ومن فئات واسعة، بيد ان تعمق مسار الثورة لن يؤدي الا الى زيادة الفرز السياسي والاستقطاب السياسي بين قوى الثورة وقوى الثورة المضادة. وتبقى الطبقات (او على الاقل تسعى لذلك) او تغادر الميدان ارتباطا بدرجة تحقيق مصالحها، والا فان جماهير العمال ومحرومي المجتمع لم تلج الميدان بناء على هواية او رغبة او نزوة.

غاب صف القادة والناشطون الشيوعيون والعمال في هذه النقطة. اي نقطة التوقف عند الثورة العامة، ثورة الكل. في وقت كان ينبغي دفع الثورة، بثورة دائمة، وصولاً للثورة الاشتراكية. لم ياخذوا بنظر الاعتبار ان الثورات تبدء باوسع الطبقات والفئات، ولكن تخرج قوى كثيرة من هذا المسار، لسبب بسيط ان اهدافهم "الديمقراطية" قد تحققت، "رأوا ان مرسي يقف حاله حال الشعب في طابور الانتخابات" (اذ ان هذا كل هدف وائل غنيم وامثاله من انتصار الثورة!). ان هذا كل همه. وبالطبع يترك الميدان مع تحقيق اهدافه، اهداف فئته وطبقته الاجتماعية. بيد ان طبقة مليونية، الطبقة العاملة، وسائر محرومي المجتمع، لم يتحقق اي شيء من مطاليبهم واهدافهم رغم كل تضحياتهم. ولهذا فان الاخيرين صاحب المصلحة الوحيد لادامة الثورة حتى تحقيق اهداف الحرية والمساواة. بيد ان هذا يستلزم افق، افق الثورة والانتصار، يستلزم استراتيجيها، تيارها، حركتها، حزبها، لينينها. وهو الامر الغائب للاسف.

اما ماجرى في سوريا وليبيا فهو اوضح من ذلك بكثير. ليس لاوضاع هذين البلدين ربط بالثورة. ان سخط الجماهير على هذين النظام الوحشيين والدمويين هو امر في مكانه ومبعث دعم ومساندة كل انسان تحرري. بيد ان ماجرى هو سعي الاقطاب الامبريالية العالمية الى دفع نطفة الحركات الجماهيرية ضد النظام وحرفها عن مسارها صوب ارساء سيناريو دموي دفع المجتمع عقود للوراء. في اليمن، تم اجهاض الحركات الجماهيرية واخترلت الى احلال بديل امريكي-سعودي من نفس النظام الحاكم ليحل محل علي صالح، ودفع الجماهير عديمة الافق السياسي الواضح خالية الوفاض لبيوتها. كانهم بهذا يقولون للجماهير:"لقد رحل صالح وانتهى مبرر ادامة تظاهراتكم واحتجاجاتكم"، وكأن مصيبة جماهير اليمن كانت تكمن في شخص علي عبد الله صالح، وليس في مجمل نظامه البرجوازي الحاكم بجوعه وفقره وحروبه وانعدام الحريات السياسية والحقوق المدنية والبطالة والظلم والاضطهاد والتعسف، في وجود الطبقة الحاكمة نفسها بصالحها وغير صالحها.

ان تسارع قوى الثورة المضادة للجم الثورة او حرفها باسرع مايمكن لايهدف الا الى ابعاد الجماهير العمالية والكادحة من التدخل في الميدان السياسي. ليس ثمة امر يرعب الطبقة الحاكمة واحزابها وتياراتها السياسية بقدر تدخل الجماهير وبالاخص الطبقة العاملة في الميدان. ان هذا نذير انفلات الامور من ايديها. ولهذا تسعى باسنانها واظافرها في حالات مثل هذه صوب انتقال سلمي وهاديء وسلس للسلطة بين اركان نفس الطبقة التي هي عائلة واحدة رغم اختلافاتها وتناقضاتها ورؤاها المختلفة تجاه الاوضاع وسبل الحل.

ان جانب اخر من الامر، وهو مايبعث على وقفة جدية على صعيد الطبقة البرجوازية الحاكمة وصحافتها المتملقة والخانعة ومفكريها ومثقفيها الذين يعتاشون من بقاء هذه الطبقة بكل ويلاتها ومصائبها هو السعي لايصال رسالة للمجتمع: تريدون الثورة؟! انظروا الى سوريا وليبيا... ايعجبكم هذا؟" انهم في الحقيقة ينشدون تسفيه الثورة ومفهوم الثورة في اذهان البشرية. يريدون ان يقولوا للعالم ان الثورة تعني وتعادل ماتروه الان. بيد ان واقع الامر هو انهم لايتحدثون عن الثورة التي محورها تدخل الجماهير في تحديد مصيرها السياسي والاجتماعي، بل يتحدثون عن اوضاع سلب فيها اي حق للجماهير في ان يكون لها قول في مصيرها وحياتها ومستقبل ابنائها. انهم يتحدثون عن سيناريو كالح خلقوه هم انفسهم، وليس عن ثورة بكل ماتحمل من رقي ومن سمو انساني. انهم يسفهون الثورة ومفهوم الثورة كي يبقوا على سلطتهم من تطاول الجماهير الساعية للحرية والمساواة. ليس للجماهير (وفي الحقيقة لم تترك البرجوازية) سبيل لتغيير حياة الاغلبية الساحقة من المجتمع الا الانتفاض وانتزاع الحقوق. الثورات دموية وتراق فيها الدماء؟ نعم، وللاسف، هذا لان البرجوازية المخضبة اياديها بالدماء ليست على استعداد للتنازل عن ارباحها وثرواتها وظلمها ونظامها البالي سوى بالعنف الدموي.

وحتى في حالة فشل الثورات وهزيمتها، ليس امام الطبقة العاملة وسائر محرومي المجتمع من سبيل سوى ان يضمدوا جراحهم مرة اخرى ويجمعوا قواهم من جديد لمعركة اخرى. انه صراع غير المهزومين، صراع من بقت اماله وتطلعاته حية وواقعية ولامناص منها. لو انتزعنا النضال من الطبقة العاملة، لن تبقى طبقة عاملة. ليس ثمة مجتمع دون نضال طالما الظلم قائم، والاستغلال قائم. ليس بوسع الاغلبية الساحقة ان تكف عن هذا لانه امر مرهون بوجودها نفسه، وان احتجاجها هو لديمومة وجودها. غياب الاحتجاج يعني الفناء. ان هذا مايفسر ان تاريخ الانسان، تاريخ البشرية هو تاريخ هذا الصراع، صراع الطبقات. انه مسالة حياتية، مادية، قبل ان تكون افكار وعقائد وايديولوجيا. ان هذا هو فلسفة وجود الحزب الشيوعي العمالي.



سبيل حل الحزب للاوضاع في العراق:

ان الحزب الشيوعي العمالي في نضال يومي ودؤوب من اجل انهاء السلطة المليشياتية الجاثمة على قلوب الجماهير. انه يناضل من اجل انهاء سلطة الحرب والاحتلال، سلطة احط المشاعر والاحاسيس القومية والدينية والطائفية، سلطة معاداة الطبقة العاملة ومناهضة المدنية وعالم يرفل بالفرح والسعادة والانسانية، انها سلطة الفساد والنهب (والفساد كلمة مهذبة الى ابعد الحدود بحق مايدور في العراق اليوم).

ان الحزب في نضال من اجل حشد قوى الطبقة العاملة، تنظيمها والارتقاء بنضالاتها الاقتصادية والسياسية وانتزاع حقوقها السياسية والاقتصادية. انه في نضال من اجل فرض التراجع على كل الافكار والعقائد والممارسات التي تؤبد دونية المراة وانعدام حقوقها وعدم مساواتها التامة بالرجل. اننا في نضال من اجل اعادة المدنية للمجتمع، ننشد ان يضمحل الدين من حياة الانسان ببساطة لان الانسان لايحتاجه، ننشد ان تلغى "عقوبة" (وفي الحقيقة قل جريمة!) الاعدام. ننشد مجتمع يكون الخيار بيد الانسان. ان يكون البشر احرار متساويين وان هذا لايتم دون كنس هذه السلطة.

ان 19 عام من تاسيس الحزب هو 19 عاما من هذا النضال في داخل العراق وخارجه نضال ضد البعث في وقتها وسياسات امريكا وحروبها وحصارها، ضد القوميين العرب والكرد، وضد تيارات الاسلام السياسي باختلاف تلاوينها . لاتاتي البوارج الامريكية بنا وبطبقتنا للسلطة، ولا البي بي سي والجزيرة، لا اموال الخليج، لا العمالة لهذا البلد او ذاك، ثمة قناة واحدة لانتصارنا نحن الشيوعيين، هي قناة اكتوبر وكومونة باريس، قناة الانتفاضة المسلحة للقادة العماليين الشيوعيين الملتفين حول راية ماركس ولينين ومنصور حكمت.

سعى الحزب الشيوعي العمالي العراقي، برغم كل نواقصه ومحدودياته التي نعرفها، ويسعى لارساء هذا الافق امام المجتمع، وتسليح الطبقة العاملة، المراة، الشباب وسائر دعاة الحرية والمساواة به. وبهذه المناسبة نناشد القادة والناشطين العماليين والاشتراكيين ان يلتفوا حول هذه الراية وهذا الافق.