قاسم حسين صالح - كاتب وباحث، ورئيس الجمعية النفسية العراقية – فى حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: إشكالية العقل السياسي العربي.


قاسم حسين صالح
الحوار المتمدن - العدد: 4430 - 2014 / 4 / 20 - 12:27
المحور: مقابلات و حوارات     

من اجل تنشيط الحوارات الفكرية والثقافية والسياسية بين الكتاب والكاتبات والشخصيات السياسية والاجتماعية والثقافية الأخرى من جهة, وبين قراء وقارئات موقع الحوار المتمدن على الانترنت من جهة أخرى, ومن أجل تعزيز التفاعل الايجابي والحوار اليساري والعلماني والديمقراطي الموضوعي والحضاري البناء, تقوم مؤسسة الحوار المتمدن بأجراء حوارات مفتوحة حول المواضيع الحساسة والمهمة المتعلقة بتطوير مجتمعاتنا وتحديثها وترسيخ ثقافة حقوق الإنسان وحقوق المرأة والعدالة الاجتماعية والتقدم والسلام.
حوارنا -128 - سيكون مع الأستاذ د.قاسم حسين صالح - كاتب وباحث، و رئيس الجمعية النفسية العراقية – حول: إشكالية العقل السياسي العربي
 


توطئة:
التفكير هو وظيفة العقل..واختلاف الناس والدول والسياسات ،في الأهداف والأفعال...،يعود اساسا الى اختلافهم في نوعية ما تحتويه عقولهم من افكار،فلكل فرد اسلوبه الخاص في التفكيرالذي يتأثر بنمط تنشئته الاجتماعية،وأهدافه،ودافعيته،وخلفيته الثقافية،وحضارة المجتمع الذي يعيش فيه.
وللتفكير مستويات..دنيا مثل اكتساب المعرفة والمقارنات،وعليا مثل التفكير الناقد والابداعي والتفكير ما وراء المعرفي..وله انواع:تحليلي وتركيبي..ومهارات:استقرائية،استنباطية،تقويمية.
والمفكرون على انماط:مغرور،حاذق،اناني،متمركزعلى جماعته،متغطرس،واثق،لاعقلاني.. والعقل ايضا على انواع،اهمها العقل الفردي الخاص بالأفكار ومستوى الوعي لدى الانسان كفرد،والعقل الجمعي الخاص بالافكار والقيم والمعتقدات..التي يحملها افراد الجماعة التي ينتمي لها الفرد.
والمهم في (العقل) ،فيما يخص السياسي تحديدا، انه هو المسؤول عن عملية(اتخاذ القرار) بوصفها من استراتيجيات التفكير التي تتطلب مهارات التحليل والتقويم والاستنباط والاستقراء،ودراسة تحديد واختيار البدائل اعتمادا على قيم وتفضيلات متخذ القرار،وقدرته على تقليل درجة الغموض والشك حول البدائل المتوافرة وانتقاء البديل الأفضل المشروط بانحيازه للناس والقضية الانسانية.
هذا يعني ان ما حصل من حروب،كوارث،مآسي..،وما يحصل الآن من أزمات وصراعات وحياة بائسة وواقع لا يليق بكرامة الانسان في العالم العربي سببه أن العقل السياسي العربي مأزوم من وجهة نظر علم النفس والاجتماع السياسي.
 



مؤشرات:
1.ان العقل السياسي العربي لا يتمتع بمواصفات ومهارات وقدرات تفكير عالية المستوى،وانه منحاز لنفسه في اتخاذ القرارات،وانه مصاب باحولال،ومحشو بافكار لاعقلانية ،وفيه بعض مظاهر الشيزوفرينيا.

2. ان الغالبية المطلقة في المجتمعات العربية تتوجه الى الدين،حين تمر بأزمة،وسبب ذلك نصوغه بما يشبه النظرية:

(حين لا يقدم الواقع:النظام،السلطة،الحكومة،حلولا لما تعانيه الناس
من مشكلات تؤمّن احتياجاتها الحياتية،فانها تعيش حالة قلق
وتوتر لا تستطيع اجهزتها العصبية تحمّلها الى ما لا نهاية. ولأنهم
يشعرون بالعجز من أن يقوموا هم باصلاح الحال،ولأن "القدرية"
تشفّرت في عقلهم الجمعي حين تضيق بهم الأمور،فأنهم يلجأون الى
الدين لخفض هذا التوتر ،لأنهم يجدون فيه الأمل وتمنّي الفرج
الذي يعيد اليهم توازنهم النفسي).

3.ان مناصرة أميركا لأسرائيل ،ودعمها لأنظمة حكم عربية فاسدة ومستبدة ،ومعاداتها للقوى الاسلامية ،يعدّ من أهم الأسباب التي تجعل قوى الأسلام السياسي تحظى بتأييد واسع بين الفئات الاجتماعية الفقيرة والمتوسطة التي تؤلف النسبة الأكبر في المجتمعات العربية في تحديد الفائز بالانتخابات التشريعية.

4.ان القوى اليسارية والأحزاب الشيوعية في العالم العربي،مع أنها الأكثر في التضحيات البشرية، لم يعد لها الرصيد الجماهيري الذي كانت تتمتع به في خمسينيات وستينيات القرن الماضي ،للأسباب الآتية:
أ. تعرّض أقوى حزبين شيوعيين في العالم العربي،الشيوعي العراقي والشيوعي السوداني، الى كارثتين تم فيهما تصفية قياداته وكواداره الفاعلة،نجم عنه انكسار نفسي خفت فيه أمل الجماهير
التي كانت ترى في هذه الأحزاب..المنقذ والمخّلص.
ب.انقسام القوى اليسارية والتقدمية على نفسها ،وتحكّم (تضخّم الأنا) في قيادات فصائلها الذي حال دون توحّدها،افضى الى اضعاف نفوذها ومحدودية التأييد لها في الانتخابات العامة،لسبب سيكولوجي يعتمل في ذات الناخب العربي ،هو ان القوى التي لا تستطيع ان تصل الى صيغة توافقية فيما بينها لا يمكن لها ان تبني وتقود دولة.
ج.تخوف العامة من الناس وخشيتهم من أن القوى العلمانية ستعمل ضد الدين اذا استلمت السلطة ،وستشوه تقاليد وقيما اخلاقية ومقدسات يعرضهم دفاعهم عنها الى دكتاتورية من نوع جديد.
د.تولّد ما يشبه اليقين لدى الغالبية في المجتمعات العربية بأن القوى اليسارية والأحزاب الشيوعية لن يسمح لها داخليا( أصحاب الثروة) وخارجيا ( اميركا تحديدا) باستلام سلطة ولا حتى أن يكون لها دور فاعل فيها..يفضي سيكولوجيا الى البحث عن بديل مقبول في نظرها ،فتجده في قوى الاسلام السياسي ،ليس لما يتمتع به من أهليّة في استلام الحكم ،ولكن لضعف اعلام وتثقيف القوى التقدمية الذي يبطل (يقين)عجز الأغلبية بيقين الممكن الأفضل والأكفأ.

ه. ضعف الامكانات المادية للقوى التقدمية،لاسيما في وسائل الاتصال-الفضائيات بشكل خاص،واعتمادها وسائل تقليدية في التثقيف الجماهيري،امام زخم هائل من اعلام عربي يدعم بشكل مباشر و غير مباشر ..الاسلام السياسي.
 


5. ان ثلثي الناس في المجتمعات العربية مغيب وعيها،وتتحكم في معظمهم سيكولوجيا القبيلة والطائفة والقومية والدين،فيما الفكر التقدمي يتعامل مع الانسان بوصفه قيمة انسانية،ويرفض القيم والتقاليد التي يلتزم بها هذان الثلثان اللذان يقرران من يفوز في الانتخابات ويحددان من يأتي الى عضوية البرلمانات العربية.


6.من متابعة ما جرى من احداث التغيير في العراق وليبيا بشكل خاص توصلنا الى اكتشاف حقيقتين بخصوص الطبيعة البشرية :
الأولى: اننا نحن العرب تتملكنا نزعة الثأر وتتحكم بنا سيكولوجيا الانتقام.
والثانية: ان بشاعة الانتقام تكون بعلاقة طردية مع بشاعة الطغيان.
ففي ما يخص الأولى ،فان لعلم النفس التطوري رأيا خلاصته: ان السلوك اذا تكرر عبر اجيال فانه يجري " تشفيره" وراثيا ويصبح خاصية ثابتة في شخصية الانسان.
وهذا يعني ان عرب القرن العشرين والواحد والعشرين ورثوا عن اجدادهم عرب الجاهلية نزعة الثأر والانتقام من الخصوم . ورغم ان الأسلام روّض تلك النزعة بأن حولّها الى (العين بالعين والسن بالسن)..فأن نزعة الانتقام ظلّت مشفّرة في طبيعة الشخصية العربية.


7. يقدم لنا تتابع الأحداث،في العراق والبلدان العربية،أدلة تقنعنا نحن المهتمين بعلم النفس السياسي بأن السياسيّن تتحكم بهم أفكار غير عقلانية..اخطرها فكرة (الغالب والملغوب)..بمعنى أن التنافس او الصراع السياسي يجب ان ينتهي (بانتصارك) وهزيمة خصمك. فما حصل بسببهم من أحداث تراجيدية اودت بحياة مئات الألاف من الضحايا،في العراق فقط، وما نجم عن افعالهم من حياة بائسة ودمار ورعب يومي..كان سببه اعتقاد الأطراف المتصارعة بأن العنف (يجب )أن يستمر الى أن يستسلم الطرف الآخر..او سحقه لأنه يتحول عندهم الى عدو.
وهذا الاعتقاد هو في حقيقته وهم ( illusion)يفضي الى فكرة غير عقلانية..خلاصتها:ان مواصلة العنف سيجبر الطرف الآخر على الاذعان له والقضاء على من يصفه بأنه مصدر الشرّ. وبما أن كل طرف يرى نفسه أنه يمثّل (الخير) ويرى في الآخر أنه مصدر (الشرّ)، فان الحقيقة العقلانية المؤكدة هي ان العنف بينهم سيستمر الى ما لا نهاية..وهذا ما حصل بعد التغيير في العراق وبعد ثورات الربيع العربي في تونس ومصر وليبيا.
لنتوقف عند معنى (الأفكار اللاعقلانية)..ولنبدأها بمقولة جميلة لفيلسوف ايطالي اسمه ماركوس اوريليوس تقول:(ان حياتنا من صنع افكارنا)..ومقولة جميلة ايضا لشكسبير :(ليس هنالك من شيء حسن او شيء سيء..ولكن التفكير هو الذي يجعله كذلك).وعلى رأي عالم النفس الامريكي (بيك) فان انفعالات وسلوكيات الفرد تتحدد بناءا على طريقة تفكيره ووجهة نظره في الحياة،وأن نظرته للعالم تبنى على المعرفة والافتراضات التي تتكون لديه نتيجة الخبرات السابقة.
وتشكل الأفكار اللاعقلانية أهم الأسباب التي تدفع السياسيين العرب، في السلطة تحديدا، الى انتاج الأزمات والادمان على انتاجها لاسيما في الصراعات الداخلية التي يقدح زنادها من بيدهم الأمر بين القبائل او المذاهب او الطوائف او الكتل السياسية التي حدثت في العراق وقي بلدان الربيع العربي بعد ان ضعفت هيبة الدولة..ومعروف سيكولوجيا ان ضعف هيبة الدولة وانحسار الأمن فيها وغياب سلطة القانون يؤدي الى نشوب الصراعات بين مكونات الشعب على اساس القومية والدين والمذهب كما هو حصل ويحصل في العراق..فضلا عن الحركات الاسلامية بكل مسمياتها التي تؤمن بافكار لاعقلانية وتجاهد نحو جعلها واقعا عقلانيا.
وللسياسيين،الذين لا يقرأون ما يكتبه علماء الاجتماع وعلم النفس والطب النفسي(بالواقع ..يخشونهم لأنهم يكشفون لهم حقيقتهم)،نقول:ان نوعية الأفكار التي يحملها الفرد هي التي تحدد نوعية سلوكه..بمعنى ان اختلاف الناس في سلوكهم راجع الى اختلافهم فيما يحملونه من أفكار.ولنأخذ مثلا..الارهابي،فهو يحمل فكرة انه اذا فجّر نفسه فانه يكون شهيدا وسيلتقي بالنبي في الجنة التي فيها حور العين..وهي فكرة غير عقلانية،لا من حيث علاقتها باليوم الآخر وانما من حيث ان النبي والدين يعدّان من قتل نفسا بلا سبب فانه يكون كمن قد قتل الناس جميعا..فكيف بالارهابي الذي يقتل ابرياء بينهم اطفال؟!.
والواقع ان غالبية السياسيين، في عراق ما بعد التغيير وبلدان الربيع العربي، تتحكم بهم افكار غير عقلانية من هذا القبيل. ولهذا علاقة بنوعية الخبرة..فتاريخنا العراقي ،السياسي والاجتماعي بشكل خاص، صاغ تفكيرنا بطريقة صرنا نفهم فيه الصراع على أنه حالة بين ان تكون او لا تكون..بين أن تبقى أو تفنى!..وهذه ناجمة ،في واحد من أهم أسبابها،عن ان جيناتنا الوراثية تشفرت فيها (سيكولوجيا الغالب والمغلوب)من زمن اسلافنا قبل الاسلام يوم كانت العصبية القبلية قائمة على هذه السيكلوجيا ،وتعمقت اكثر لدى من استلم السلطة على مدى ألف واربعمائة سنة..وصارت اكثر حدّة ،فبعد ان كانت بين قبيلة وقبيلة اصبحت فيما بعد بين من يستلم سلطة مصحوبة بثروة واعتبار وبين خصوم كثر ،حولت عقدة (الغالب والمغلوب) الى برانويا..تقفل نوافذ التفكير العقلاني في التفاوض والحوار وتوجّه العقل نحو نافذة الأفكار اللاعقلانية.
ان هذا التشخيص ليس اعتباطيا بل مستند الى النظرية التطورية التي ترى ان السلوك الذي يتكرر عبر الزمن يجري تشفير له في الجينات وينتقل عبر الاجيال..ولك ان ترى ذلك فيما حدث ويحدث في العراق وبلدان الربيع العربي..الذين تتحكم بهم سيكولوجيا الغالب والمغلوب..وتدرك ايضا ان حدتها تختلف باختلاف تاريخ كارثية احداثها..فهي في تونس مثلا أقل حدة من العراق الذي ينفرد تاريخه بالكوارث والفواجع.
تلك أهم الأمور السلبية في العقل السياسي العربي التي ستثير تعليقات بخصوصها ،وتفتح الحوار لمداخلات تغني وتنضج الرؤى الهادفة الى صنع مستقبل يؤمن الحرية والكرامة للأنسان والتقدم والأزدهار للأوطان..مع خالص مودتي.

 

***********************


- مرشح التحالف المدني الديمقراطي

https://www.youtube.com/watch?v=jiHtpVBniPk