عبلة محمود أبو علبة - الأمين الأول للحزب الشعب الديمقراطي الأردني - في حوار مفتوح حول: آفاق المرأة والحركة النسوية بعد الثورات العربية


عبلة أبو علبة
الحوار المتمدن - العدد: 3650 - 2012 / 2 / 26 - 19:15
المحور: مقابلات و حوارات     

من اجل تنشيط الحوارات الفكرية والثقافية والسياسية بين الكتاب والكاتبات والشخصيات السياسية والاجتماعية والثقافية الأخرى من جهة, وبين قراء وقارئات موقع الحوار المتمدن على الانترنت من جهة أخرى, ومن أجل تعزيز التفاعل الايجابي والحوار اليساري والعلماني والديمقراطي الموضوعي والحضاري البناء, تقوم مؤسسة الحوار المتمدن بأجراء حوارات مفتوحة حول المواضيع الحساسة والمهمة المتعلقة بتطوير مجتمعاتنا وتحديثها وترسيخ ثقافة حقوق الإنسان وحقوق المرأة والعدالة الاجتماعية والتقدم والسلام.
حوارنا - 75 - سيكون مع الاستاذة عبلة محمود أبو علبة - نائب في البرلمان الأردني, الأمين الأول للحزب الشعب الديمقراطي الأردني / حشد-  حول: آفاق المرأة والحركة النسوية بعد الثورات العربية.


س1: هل سيكون للمرأة في الدول العربية نصيب من التغييرات المحدودة التي طرأت حتى الآن على مجتمعات هذه الدول كأحد نتائج الربيع العربي؟

ج1: في المدى المنظور تراجع وضع المرأة العربية في الهيئات التشريعية المنتخبة في كل من تونس، مصر، الكويت، وفي خضم الانتقال من مرحلة سياسية الى اخرى في بعض البلدان العربية، جرى تجاهل إشراك المرأة في اللجان الوطنية التي شكلت من أجل إعادة صياغة الدساتير مثلا في كل من مصر، والأردن، هذا على الرغم من وجود كفاءات قانونية نسائية عالية. المفارقة الواسعة هنا هي بين المشاركة الواسعة للمرأة العربية في الميادين المطالبة بالتغيير والإصلاح، وقدرتها على ان تكون جزءا من قيادات هذه الميادين وبين الهيئات المنتخبة التي ستدير شؤون البلاد في المرحلة التالية وهي مرحلة الاصلاح الديمقراطي. لقد جرى تجاهل أمرين في منتهى الأهمية بالنسبة للمرأة العربية. أولاهما: المكتسبات التي حققتها بفضل كفاحها في المؤسسات التمثيلية المختلفة، وبفضل دور القوى السياسية الديمقراطية في النهوض بوضعها. وثانيهما: دور المرأة في الميادين، حيث تقدمت الصفوف الجماهيرية المطالبة بالتغيير الديمقراطي.. وتعرضت لكثير من الأذى المباشر، واستشهدت مناضلات يافعات، من الصعب علينا نسيان تضحياتهن وهن في ربيع العمر. هذا بالنسبة للمرأة، أما القضية الثانية التي أود طرحها في هذا السياق فهي ملاحظة نقدية على طبيعة السؤال الذي يشي بالمحاصصة بين فئات المجتمع، بدلا من التأكيد على الحقوق الطبيعية للمرأة في مرحلة التغيير، بدءا من حقها في توظيف طاقاتها في إعادة بناء ما دمرته أنظمة الاستبداد، مرورا بحقها في استعادة كل الحقوق الإنسانية المهدورة، وانتهاء بالاعتراف بقدراتها في المشاركة وإقرار المساواة الفعلية.

س2: السؤال يشير الى منظومة القيم والثقافة السائدة المتراكمة منذ مئات السنين، والقائمة على أساس التمييز ضد المرأة والأفضلية للرجل. الطابع الديمقراطي للحراك الشعبي سيؤسس للتحرر من هذا التسلط الفكري لأنه يقوم على المطالبة بالعدالة الاجتماعية والمساواة والديمقراطية السياسية؟.

ج2: هذه المنظومة الحقوقية ستصب حتما لصالح قضية المرأة ولصالح كل الاستعصاءات القائمة على أساس التمييز العنصري. ولكن يخطئ من يعتقد ان التغيير في الثقافة يأتي سريعا وتلقائيا ومرادفا للحراك الشعبي الديمقراطي. وحتى لا تحبطنا الأحلام الكبيرة، فقد سبق ومرت علينا في البلدان العربية، ثورات تحرر وطني، ومراحل من التغيير الديمقراطي...، ولا شك انها أسهمت في تقدم أوضاع المرأة العربية، ولكن وفي كل مرة كانت تحدث انعكاسات سياسية الى الخلف وهزائم قومية ووطنية، كانت قضية المرأة تعود أدراجها عشرات السنين الى الوراء. مما يشير الى ان عنصر المساواة يحتاج الى كثير من المراحل والجهود حتى يتحقق وان الديمقراطية الاجتماعية، منظومة متكاملة تحتاج لقرارات سياسية وتشريعات وقوانين ونظم، وعمل دؤوب على المستويين الرسمي والشعبي.
علينا ان لا نتعجل التغيير الشامل ونحن فقط على أبواب السنة الثانية من الحراك الشعبي الديمقراطي الذي لم يحدث مثله في العصر العربي الحديث، فالمعارك الديمقراطية التي تخوضها الشعوب العربية الآن تحتاج الى موازين قوى محلية جديدة حتى تحرز نجاحات جدية، وهذه ليست مسألة يسيرة في ظل موازين القوى المختلة التي أحدثتها الأنظمة السياسية وأكوام النفايات الفكرية والسياسية التي خلفتها، وحفرتها في باطن الأرض وعملت على تشويه منظومتنا السياسية والثقافية. المهم ان يستمر الحراك وتستمر معه المطالبة بالعدالة والمساواة والكرامة الإنسانية.

س3: ما هو الأسلوب الأمثل لنضال المرأة لفرض وجودها ودورها ومشاركتها النشيطة في الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية في تلك الدول العربية التي وصلت فيها الأحزاب الإسلامية السياسية إلى الحكم؟

ج3: الدول المشار إليها هي تونس ومصر بصورة رئيسية. وفي الدولتين هناك تاريخ طويل للحياة المدنية المؤسسية ومكتسبات حققتها المرأة على مدى عقود من الزمن. جميعنا يعرف ان مصر: هدى شعراوي، وقاسم أمين، والحركة النسائية المتقدمة وحاضنة الحركة النسائية العربية، لا يليق بها الا ان تحافظ المرأة على مكتسباتها كجزء من الدولة المدنية المنشودة.

كذلك تونس: البلد العربي الأكثر تطورا في التشريع الاجتماعي منذ عهد الاستقلال أوائل الستينات، ان الحفاظ على هذه المكتسبات هو ضرورة قصوى، وهو شديد الصلة بالحفاظ على الطابع الديمقراطي للنظام السياسي الجديد بعيدا عن الايدولوجيا، واستخدام الدين لتحقيق الفئوية السياسية الضيقة.
ان التمسك بالهوية المدنية للدولة، وترجمة هذا التوجه في الدستور والقوانين والتشريعات من أجل توفير بيئة صالحة لتنظيم العلاقات الاجتماعية او السياسية بين الحكم والشعب هو أمر في غاية الأهمية، بل هو حاسم في رسم ملامح المرحلة الجديدة.
كما ان الربط بين حقوق المرأة على جميع المستويات الاجتماعية والسياسية والثقافية وبين مرحلة التغيير الديمقراطي، يجب ان تتولاه النخب السياسية التقدمية ومؤسسات المرأة، دون ان ننجرف نحو "خراريف" ثانوية، بل نؤكد على حق المرأة ومساواتها في العمل وفي الأجور، وفي الانخراط في الحياة العامة، والتأكيد على مفاهيم المساواة والعدالة في المناهج الدراسية، ووسائل الإعلام والمراكز الثقافية. لا يعقل في مرحلة التحول التاريخية التي نعيش ان يطلع علينا رئيس المجلس التأسيسي في ليبيا، ليتحدث عن أربع زوجات!! – ودولته – على كف عفريت بعد ان قضي على جيشها ومؤسساتها....الخ.
الأولويات هي البناء والبناء الأصلح القائم على الديمقراطية السياسية والاجتماعية.

س4: تدعي الأحزاب الإسلامية السياسية بأنها تطرح إسلاماً ليبرالياً جديداً وحديثاً يتناسب مع فكرة الدولة المدنية. هل ترى-ين أي احتمال للتفاؤل بإمكانية شمول حقوق وحريات المرأة ضمن البرنامج السياسي الإصلاحي الاحتمالي لقوى الإسلام السياسي, وهي التي تحمل شعار "الإسلام هو الحل"؟


ج4: الجواب سيعتمد على ما سيقدمه الإسلام السياسي حول حقوق وحريات المرأة ضمن البرنامج الإصلاحي المحتمل...
أود ان أقول على هذا الصعيد، ان الشعوب العربية تخوض ثورة ديمقراطية واضحة المعالم والمطالب، ولن تقف في وجهها أية إيديولوجيات او قوى سياسية مستبدة. ولذلك فمن المستبعد تماما ان تقبل هذه الشعوب باستبدال الاستبداد الزائل، باستبداد آخر تحت أي مسمى... الشعوب العربية بحاجة لتوفير شروط خوض المرحلة الثانية من التحرر، فقد خاضت المرحلة الأولى ضد الاستعمار في بداية القرن العشرين، وحصل قطع تاريخي بوجود أنظمة مستبدة، حال دون قيامها بالمرحلة الثانية من التحرر الديمقراطي الداخلي والمشاركة الشعبية في الحكم.
الآن تريد الشعوب العربية ان تحل مشاكل الفقر، البطالة، التبعية الاقتصادية وغياب التنمية، التمييز ضد الأقليات الدينية والاثنية. تريد ان تحل مشاكلها مع الاستعمار الاستيطاني في فلسطين، والهيمنة السياسية والعسكرية على ثرواتها وقرارها السيادي.
وحتى يتحقق ذلك فلا بد من وجود دولة مدنية – حقيقية – تشرك كل فئات الشعب في القرار من خلال مؤسسات ديمقراطية وتمثيلية جادة. دولة مدنية تساوي بين المواطنين رجالا ونساء ولا توجد فيها مساحات للقمع والقهر والاضطهاد... دولة تحترم الرأي والرأي الآخر، وتملك مقومات احترام الأديان والثقافات وتستعاد فيها حرية الاجتهاد والابداع.
المسألة كلها تحت التجربة والاختبار، والشعوب العربية الآن ليست هي التي كانت قبل سنوات، فقد ارتقى وعيها ونضج تفكيرها، ومن المستبعد ان تقبل شعارات عادلة بدون تطبيق جدي على الارض. الشعوب العربية تريد مساواة وعدالة على الأرض، والله وحده هو القادر على تقرير مصير عباده في السماء.

س5: هل تتحمل المرأة في الدول العربية مسؤولية استمرار تبعيتها وضعفها أيضاً؟ أين تكمن هذه المسؤولية وكيف يمكن تغيير هذه الحالة؟


ج5: أرغب في إجراء تعديل على السؤال لو سمحتم، لأن المرأة لا تتحمل مسؤولية استمرار تبعيتها وضعفها، طالما هي جزء من منظومة عامة متخلفة. ولكن المؤسسات التمثيلية للمرأة تتحمل مسؤولية رئيسية في إحداث نقلة نوعية في برامج عملها وخطابها وآليات عملها، بما يتناسب والمطالب الإصلاحية الديمقراطية.
لقد مضى وقت طويل – وتحديدا منذ أوائل التسعينات – عندما حدثت تغييرات ذات طابع سلبي على عدد واسع من المنظمات النسائية العربية ووقعت تحت هيمنة الأجنبي: تمويلا وثقافة وبرامج عمل. وقد شهدنا على ظواهر غريبة جدا عن روح وشخصية المؤسسات النسائية العربية المعروفة تاريخيا مثل فصل قضية المرأة عن القضايا الوطنية، وتجزئة قضايا المرأة وتناثرها بين العنف والمشاركة السياسية....الخ. وكأن لا رابط يجمع بين هذه القضايا جميعها... الحديث يطول جدا حول هذا الموضوع، ولكن المؤلم ان هذه المنظمات المشار إليها، أضاعت وقتا وجهدا كبيرين، كان يمكن لو استثمرا بطريقة أخرى ان تحصل على نتائج مختلفة تماما. النتيجة الأشد ضررا التي وقعت هي خسارة الاتحادات الوطنية النسائية لوحدتها وبعدها عن جمهورها، وعدم قدرتها على تكريس التعددية واحترامها من داخلها... مما تسبب في تشتت هذه القوى والكوادر النسائية، وارتباط كل منها بخيوط مع منظمات دولية على حساب التواصل مع القواعد النسائية داخل الوطن.
كم خسرنا نتيجة لذلك... وكم تقع علينا الآن مسؤوليات ليس من أجل استعادة الماضي، ولكن من أجل البناء على المنجزات التاريخية، ثم تطوير أفكارنا وثقافتنا وبرامج عملنا وآلياتها بما يتناسب ومراحل الثورة وموجباتها وأهمها احترام التعدد والرأي الآخر في الإطار الوطني الداخلي، والانفتاح في نفس الوقت على الآخر لكن مع ملاحظة الحفاظ على الهوية الوطنية والقومية.

س6: ما هو الدور الذي يمكن أن يمارسه الرجل لتحرير نفسه والمجتمع الذكوري من عقلية التسلط على المرأة ومصادرة حقوقها وحريتها؟

ج6: ابتسمت وأنا أقرأ السؤال... ليس من باب السخرية ولكن هل سمعتم يوما ان أحدا ما تخلى عن امتيازاته طوعا؟
لقد اكتسب الرجل العربي امتيازات مركزية على مدى مئات السنين وكرست الدولة المركزية هذه الامتيازات التي تجد ترجمتها في العمل والبيت والمجتمع. حتى المثقفين التقدميين الذين يقرون بحقوق المرأة، تجد القلة منهم يطبق على نفسه هذه الأفكار الصائبة.
اعتقد ان حل هذه المعضلة لن يأتي طبعا لا بالعنف ولا بإثارة النزاعات بين الرجال والنساء!!! بل تتولى مؤسسات الدولة هذا الحل من خلال:
- المناهج الدراسية، حيث الأحرف الأولى والقيم الأولى المزروعة منذ الطفولة، والتي تبرمج العقل على المساواة والحقوق والعدالة.
- الإعلام بكل أقسامه والثقافة الموجهة من خلال وسائل الإعلام المرئية والمسموعة، والمسرح، والكتاب، والمجلة، والمسلسل الدرامي... كل ذلك يجب ان يسهم في صياغة عقل جديد للرجل العربي وللمرأة العربية أيضا..
- التشريعات: إصدار القوانين والأنظمة التي تؤكد على المساواة، ولفظ كل المواد التمييزية في العمل، والحقوق كافة بما في ذلك المشاركة السياسية وفي الحياة العامة.
اكتسب الرجل العربي امتيازات هائلة على مدى مئات السنين بفعل الأنظمة المركزية، ونظم الاستبداد، ولا ذنب له في ذلك ولكن واجب الأنظمة البديلة ان تبدأ مرحلة التصويب كما تنادي الشعوب والاتجاه نحو العدالة والمساواة والحريات العامة والكرامة الإنسانية.